تساءلت المرجعيةُ الدينيةُ العُليا عن الأسباب الحقيقة وراء عدم إقرار الموازنة العامة، مؤكّدةً على أن تكون التحالفات القادمة للكتل الفائزة بالانتخابات قائمة على أساس النهوض بواقع البلد، معتبرةً أنّ تدخّل بعض الأشخاص ذوي النفوذ في عمل بعض الدوائر الخدمية أمرٌ خاطئٌ ويجب الحدُّ منه.
جاء هذا خلال خطبة الجمعة الثانية (16رجب الأصبّ 1435هـ) الموافق لـ(16آيار 2014م) التي أُقيمت في الصحن الحسيني الشريف وكانت بإمامة ممثّلها في كربلاء المقدسة الشيخ عبدالمهدي الكربلائي، والتي تطرّق فيها إلى ثلاثة أمور وهي:
الأمر الأوّل: مع اقتراب موعد انتهاء دورة مجلس النواب الحالية، ودخول الموازنة في دائرةٍ شبه مغلقة، فما هي الأسباب الحقيقية وراء تأخير إقرار الموازنة العامة؟ مع ما لها من أهمية كبيرة بالنسبة للمواطن أو البلد وكذلك مالها من دور في إنجاز وتخطيط المشاريع ذات النفع العام، إذ أنّ عدداً من مجالس المحافظات اشتكت من تأثير عدم إقرار الموازنة في تعطيل إنجاز المشاريع التي تصبّ في تقديم الخدمات المهمّة للمواطنين، كمشاريع الطرق والمستشفيات والمدارس وغير ذلك من المشاريع الخدمية العامة، بالإضافة إلى تأخيرها لتشغيل الكثير من العاطلين عن العمل وغير ذلك من التأثيرات.. ماهي الأسباب الحقيقية؟؟..
نجد أنّ كلّ كتلة تتّهم الكتلة الأخرى بأنّها السبب في تأخير إقرار الموازنة وكلّ طرف يتّهم الطرف الآخر بأنّه السبب في هذا التأخير، ونتساءل هنا هل هذه الأسباب فنية ومهنية؟ وحينئذٍ إنْ كانت هذه الأسباب يصعب الوصول إلى حلٍّ وَسَطٍ في هذا الأمر مراعاةً للمصلحة العامة، هل كان بالإمكان الوصول لهذا الحلِّ الوسط وتلافي الأضرار التي تحصل لهذه المشاريع الخدمية أو للمواطن بصورة عامة؟.
أم هي المساومات السياسية، بحيث أنّ كلَّ كتلة أو طرف يحاول أن يجعل الموازنة وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية، وإنْ كان ذلك على حساب المواطنين والبلد، فإنْ كان هذا هو السبب فالمطلوب حصول تغيير لهذا المنهج، فالتغيير المنشود تغيير واسع يدخل في مجالات متعدّدة من حياتنا وبالذات ما يتعلّق بالعملية السياسية، وسنذكر تباعاً مفردات ما هو مطلوب من هذا التغيير للوصول إلى الحالة الأفضل.
اعتمادُ هذا النهج الذي ذُكِرَ وهو الاتّكاء على المصالح العامة واستغلالها لتحقيق مكاسب سياسية هو نهجٌ خاطئ، وسوف لن يقود إلى تكوين دولة المؤسسات التي يمكن من خلالها تحقيق التغيير والتقدم المطلوب نحو الأفضل.
الأمر الثاني: ما يدور خلف الكواليس من محاولات للتحالف بين الكتل السياسية، لذا نقول لابُدّ أن يكون أحد الدوافع المهمّة له هو الوصول إلى تفاهمات تعجّل في تشكيل الحكومة المقبلة وفق معايير مهنية وصحيحة للوصول إلى التغيير المنشود، لا أنْ يكون الهدف من التحالف هو لتحصيل مكاسب سياسية أفضل في تقاسم المواقع الأساسية في الدولة بصورة عامة، فإن كانت هذه هي الدوافع فإنّنا سندخل في دوّامة من المساومات قد يتأخّر معها تشكيل الوزارة القادمة، بل ربّما نفقد اعتماد المعايير المهنية في تشكيل الوزارات بالاعتماد على الكفاءة والنزاهة وغيرها.
الأمر الثالث: يشتكي عددٌ من مسؤولي الدوائر الخدمية المهمة من تدخّل بعض المسؤولين في عملهم بما هو مُخالف للضوابط والتعليمات التي تحقّق مصلحة العمل والخدمة والتطوّر في تلك الدوائر، وهذا التدخّل ناشئ من اعتبارات نفعية قد تكون ذات دافع شخصي أو فئوي أو حزبي، أو لتحقيق بعض المنافع للكتلة أو الحزب الذي ينتمي إليه المسؤول، وهذا أيضاً نهجٌ خاطئ، لأنّها يُخشى منها التأثير على أداء تلك الدوائر، لأنّ المسؤولين في تلك الدوائر يخشون من عدم الاستجابة لهذا التدخّل، بسبب النفوذ لهذا المُتَدَخِّل، وهذه أحد الأمور التي يجب أن يحصل فيها التغيير للوصول إلى المعايير المهنية في أداء الخدمات.. |