• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : على خلفية تسليم الموصل إلى داعش ( 1 ) .
                          • الكاتب : علي جابر الفتلاوي .

على خلفية تسليم الموصل إلى داعش ( 1 )


أمريكا لن تستطيع أنْ تضحك على ذقون العراقيين

نكبة الموصل في 9 / 6 / 2014 م ، كشفَت الكثير من الأوراق ، وأسقطت الأقنعة المزيفة ، كشفت زيف بعض أعضاء في الحكومة المحلية في الموصل وعرّت محافظ الموصل أثيل النجيفي ، وكشفت زيف بعض السياسيين المشاركين في العملية السياسية  وهم الوجه الآخر لداعش ممن يدعون إنها ثورة عشائرية ، وكشفت أعداء العملية السياسية من البعثيين والدواعش وعملاء المخابرات الخارجية المزروعين في صفوف الجيش والشرطة ، وكشفت بعض الشركاء في العملية السياسية الذين لا يهمهم شيء سوى مصالحهم الخاصة ، وكشفت الأصدقاء الأعداء المنافقين الذين يظهرون الولاء للوطن في العلن ويتآمرون في الخفاء عليه ، وكشفت أعداء العراق من الدول الإقليمية كالسعودية وقطر وتركيا ، وكشفت النفاق الأمريكي الذي يظهر لنا بوجهين ، ظنا من أمريكا أنها تستطيع أن تضحك على ذقون العراقيين الذين أصبحوا خبراء في نسق السياسية الأمريكية منذ أيام الأحتلال ولغاية نكبة الموصل التي جلبت الخزي والعار لأعداء العملية السياسية من المتآمرين والمتخاذلين الجبناء والعناصر الفاسدة ، وكشفت النكبة السياسيين الذين أفلسوا في الإنتخابات الأخيرة ويريدون تحقيق المكاسب السياسية من خلال خلق الأزمات وفرض واقع جديد بالقوة خارج الإطار الدستوري ، وبعيدا عن نتائج الإنتخابات  ، وكشفت المنافقين الذين كانوا يجاملون على مصلحة العراق من أجل المصالح الشخصية ، وفعلا طرح بعض السياسيين الفاشلين والمتناغمين مع داعش والداعمين لها طرحوا فكرة تشكيل حكومة ما سموه ( إنقاذ وطني ) ، إنهم يريدون تغيير مسار العملية السياسية ، وقلب المعادلة لصالح البعثيين وداعش بأي ثمن حتى لو قسموا العراق .
كشفت فاجعة الموصل الزيف الأمريكي في القول والفعل ، في رأيي إنّ الشعب العراقي يعرف أنّ أمريكا لا يهمها شيء سوى مصلحتها ومصلحة إسرائيل ، ولن يقتنع الشعب أنّ أمريكا لم تكن تعرف بما سيحدث في الموصل ، أو إنها لم تعلم بنوايا حلفائها من الذين خلقوا نكبة الموصل ، بل أرى إن أمريكا طرف في خلق نكبة الموصل لتحقيق أهداف سياسية لحلفائها بعد حصول من يمثلهم من السياسيين العراقيين على نتائج متواضعة في الإنتخابات الأخيرة مما سيعرضهم لخسارة مواقعهم السياسية ، سيما وإن دولة القانون أعلنت إنها مستمرة في برنامجها لتشكيل حكومة الأغلبية السياسية كونها القائمة الأكبر، وقد أكدت برنامجها في تشكيل حكومة الأغلبية السياسية بعد أن أعلنت على لسان المالكي أن الأغلبية السياسية قد تحققت من خلال جمع أكثر من (170) صوتا ، الأمر الذي دفعهم لغزو الموصل من أجل خلق واقع جديد يفرضون فيه أنفسهم في التشكيلة الحكومية الجديدة ، هذا أحد الأهداف القريبة المدى لنكبة الموصل المخطط لها منذ أمد طويل ، وهناك أهداف أخرى بعيدة المدى تروم أمريكا والصهيونية تحقيقها من خلال غزو الموصل .
أمريكا حتى وإن بدت غير راضية عن تسليم الموصل إلى داعش ، فهي تلبي رغبة حلفائها من دول المنطقة خاصة ( السعودية وقطر وتركيا ) ومن يمثلهم من السياسيين العراقيين المشاركين في العملية السياسية الذين خسروا أو حصلوا على نتائج في الإنتخابات الأخيرة لا تؤهلهم للحصول على مناصب مهمة في الدولة ، إنها استجابت لمطالبهم في الدعوة إلى نسف نتائج الإنتخابات الأخيرة باستخدام القوة  والدعوة لتشكيل حكومة محاصصة ، وإلغاء فكرة حكومة الأغلبية السياسية بل استغل بعض الفاشلين والمغرضين ظروف النكسة ، وأخذوا يطالبون بحكومة (إنقاذ وطني) مستخفين بالأنتخابات الأخيرة ، ومتجاهلين النسق الديمقراطي الذي يفرض على الكتلة الأكبر تشكيل الحكومة ، أوعلى أقل تقدير تشكيل حكومة محاصصة كالسابق على أن يشترك فيها حتى المتآمرين على تسليم الموصل ، وقد جاء ذلك واضحا في كلمة أوباما وهو يتحدث عن الوضع الأمني في العراق في يوم( 21 / 6 / 2014 م)  إذ أشار إلى هذه الرغبة بشكل واضح ، ودعا لفرض حكومة المحاصصة من جديد وهذا يعني مصادرة إرادة الشعب العراقي في الإختيار واستمرار المشاكل والتعويق لبناء دولة المؤسسات ، والتأخير في تشريع القوانين التي تخدم الجماهير ، وتأخير تقديم الخدمات .
 أوباما ومعه دول محور الشر(السعودية وقطر وتركيا) لا يعترفون بسنة العراق الذين يدعمون العملية السياسية ، ويقفون بوجه الأرهاب ويقاومونه ، ممثلو السنة عندهم هم الساعون لتغيير المعادلة السياسية في العراق لصالح المحور الذي تعترف به السعودية وقطر وتركيا أمثال النجيفي والعيساوي والعلواني وطارق الهاشمي وظافر العاني ، فإن لم يشترك هؤلاء في الحكم ويكون بيدهم القرار فالحكومة إذن طائفية ، هذه هي المعادلة المطروحة بعد نكبة الموصل ، رغم إنّ سنة العراق رفضوا هؤلاء الدواعش والبعثيين مرتين  ، مرة في الإنتخابات الأخيرة إذ لم يحصدوا من المقاعد البرلمانية إلا القليل ، ومرة عندما وقفت العشائر السنية ضد داعش قبل إحتلال الموصل وبعدها ، وقفوا بصلابة وقوة ضد داعش وذيولها مساندين القوات المسلحة  لتطهير أرض العراق منهم ، الخط السياسي المؤيد والداعم للإرهاب هو المعترف به عند الدول الطائفية ومعهم أمريكا ، لهذا يرفض أتباع هذا الخط  تسمية  داعش بالإرهابيين بل يسمونهم ( ثوارا ) .
أما السياسيون الوطنيون من السنة والذين لهم مكانة كبيرة في نفوس الجماهير فهم مرفوضون من السعودية  ، ودول محور الشر الأخرى بما فيها أمريكا الخاضعة لإرادة هذه الدول الطائفية خادمة الصهيونية ، والسبب معروف لأنّ هؤلاء الوطنيون يرفضون وجود داعش وبقية المنظمات الأرهابية ويسعون لخدمة العراق وشعبه بعيدا عن الطائفية والتطرف ، لكن أمريكا والسعودية وبقية دول المحور الطائفي طرحت معادلة جديدة ، هي في حالة عدم إشراك النجيفي ومحوره في السلطة فأن السنة مهمشون ، لأن النجيفي الداعم للأرهاب والمتآمر على تسليم الموصل إلى داعش والمدافع عن طارق الهاشمي والعيساوي وأحمد العلواني لأنهم جميعا في خط واحد ، وهم فقط  من يمثل السنة عند السعودية ومحورها  . 
نؤكد إنّ أمريكا لن تستطيع أن تضحك على ذقون العراقيين ، لأنهم أصحاب تجربة معها ، فهي من أبقت صدام في ( 1991 م ) بعد تحرير الكويت  وسمحت له باقتراف جرائم المقابر الجماعية لثوار الإنتفاضة ،  وهي من قام بالعدوان على العراق في ( 2003 م ) ليس حبا بالشعب العراقي ، أو إنتصارا لمظلوميته بل أستجابة لمصلحتها ومصلحة إسرائيل ، واستجابة لمشروع تقسيم دول المنطقة إلى دويلات صغيرة ضعيفة على أساس قومي أو طائفي ، بهدف إزالة الخطر والتهديد عن إسرائيل ، وقد بشر بايدن نائب الرئيس الأمريكي بمشروع تقسيم العراق منذ الأيام الأولى للأحتلال ، واستطاع الأمريكان كمحتلين من تثبيت ذلك في الدستور العراقي تحت غطاء الفيدرالية ، واليوم يتبنى مسعود البرزاني وأسامة النجيفي المتحالف معه مشروع تقسيم العراق إلى دولة كردية وسنية وأخرى شيعية ، وهذا المشروع تتبناه تركيا بقوة ويدعمها السعودية وقطر وأمريكا وإسرائيل ، والمتابع لإسرائل يراها مرتاحة جدا لحالة الفوضى والدمار التي تعم دول المنطقة ، وفي يوم ( 23 / 6 / 2014 م ) نصح نتنياهو رئيس وزراء العدو الصهيوني أمريكا بعدم مساعدة العراق ضد داعش وضرورة تركه يقاتل من دون مساعدة مثل ما هو حاصل في سوريا ، وقال لأن هؤلاء جميعا أعداء لنا ويقصد طبعا سوريا والعراق ، ولا يعني داعش لأنها هي ومن يدعمها في خدمة أسرائيل وأمريكا وأعداء الإسلام .
 تركيا الأردوغانية طرف رئيس في مؤامرة تسليم الموصل إلى داعش ، وتؤيد تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات ، وهي تخطط لإخضاع الدويلة البرزانية المنتظرة تحت نفوذها  وفي المستقبل البعيد تطمح تركيا لتكوين كونفدرالية مع الدولية الكردية والسنية لتضمهما تحت نفوذها ، أما إسرائيل فأنها تدعم هذا المشروع بقوة لأنه يحقق لها عدة أهداف منها أضعاف العراق وتجزئته ، واستغلال الدوليتين الكردية والسنية للضغط على أيران وسوريا ، وتأسيس دويلة سنية في حسابات الدول الطائفية في المنطقة وحلفاؤهم من السياسيين العراقيين ستقود إلى قطع الطريق لتشكيل الهلال الشيعي الذي حذر منه ملك الأردن وأيدته في هذا التحذير الدول الطائفية الأخرى  ولهذا نرى الأردن ملتزم بالصمت إزاء ما حصل من تنجيس لأرض الموصل من قبل داعش ، فهو ّ متواطئ  بصمته مع أطراف تسليم الموصل ، كذلك تأسيس الدويلة السنية يؤيده البرزاني كي تكون حزاما عازلا بين دويلته وبين حكومة بغداد .
فوجئ الشعب العراقي بنكبة الموصل ، لكنه استطاع والجيش العراقي من تجاوز آثارها النفسية بسرعة ، بعدها أنتفض الشعب والجيش لتصليح الأمور ووضعها في المسارات الصحيحة ، خاصة بعد فتوى السيد علي السيستاني المرجع الأعلى حفظه الله تعالى ورعاه الذي أوجب الجهاد الكفائي لطرد داعش من الموصل وجميع الأرض العراقية ، لأن خطرهم على جميع العراقيين بمختلف ألوانهم ومناطقهم ، لذا وجب الجهاد الكفائي على كل عراقي بغض النظر عن دينه ومذهبه أو قوميته لأن التهديد للجميع ، وهو واجب شرعي ووطني وأخلاقي ، وقد تفاعل الشعب بكل طوائفه بأيجابية كبيرة مع الفتوى ،  والتف حول جيشه بأعداد هائلة من المتطوعين  .
أمريكا في نسق سياستها الخارجية بغض النظر عن وجود أوباما أوغيره من الرؤساء الديمقراطيين أو الجمهوريين تسير وفق معيار المنفعة بشكل رئيسي  والمنفعة الآنية بغض النظرعما يحصل من نتائج سلبية قد تؤثرعلى المصالح الأمريكية على المدى البعيد ، وعندنا شواهد كثيرة لهذا اللون من السياسة الخارجية الأمريكية ، دعمت أمريكا في كثير من المواقف والأحداث في العالم الحركات الأرهابية لأن مصلحتها الآنية أقتضت ذلك ، وأحيانا يأتي دعمها لهذه الحركة أو تلك بناء على المصلحة الصهيونية التي قد تتقاطع مع المصلحة الأمريكية ، لكن هذا غير مهم عند السياسيين الأمريكيين الصهاينة ، وبناء على ذلك لا يمكن التغاضي عن ثأثير الحركة الصهيونية على القرار السياسي الأمريكي ، بل تستسلم أمريكا للموقف الصهيوني في كثير من المحطات ، أستطيع القول ونتيجة ضغط الحركة الصهيونية على القرار الأمريكي ، إنّ أمريكا مسيّرة في كثير من مواقفها وقراراتها وليست مخيّرة ، ليس هذا فحسب بل في بعض المواقف تبيع أمريكا موقفها بالبترودولار الخليجي ، إن كانت الحركة الصهيونية غير معترضة على الموقف المباع بالعملة الصعبة ، لأنه سيصب حتما في مصلحة إسرائيل .
وكمثال على المواقف الأمريكية ذات المنفعة الآنية مع تجاهل الأضرار على المدى البعيد ، الموقف الأمريكي أيام الغزو السوفيتي السابق لأفغانستان ، أذ تعاونت السعودية وأمريكا على خلق منظمة القاعدة الإرهابية بفكرها الديني الوهابي التكفيري المتطرف من غيرأن تفكرأمريكا بالنتائج على المدى البعيد لدعم القاعدة  كذلك موقفها اليوم في دعم المنظمات الإرهابية في سوريا ، إستجابة للمصلحة الصهيونية ، ورغبة دول الشر في المنطقة ( السعودية وقطر وتركيا ) ، والموقف الأمريكي هذا مدفوع الثمن مسبقا ، واستمرت أمريكا في هذا النسق من السياسية من غير أن تحسب للنتائج البعيدة حساب ، أو أنها تعرف هذه النتائج لكنها تتجاهلها لوجود ضغط على القرار الأمريكي ، وخير مثال قريب على هذه السياسة النفعية موقفها المتراخي من إحتلال الموصل من قبل داعش  .
الغالب على السياسية الأمريكية تحقيق نتائج آنية على الأرض لمصلحتها ومصلحة إسرائيل ، وفي أحداث ما سمي ( الربيع العربي ) رأينا الإزدواجية والآنية في المواقف الأمريكية ، واليوم نشاهد موقفها من القضية السورية فهي من يقدم الدعم والسلاح مع الدول الأخرى التي تقع ضمن المحور الأمريكي إلى الأرهابيين التكفيريين في سوريا بمختلف مسميات هذه الحركات الإرهابية ، وكانت نتيجة هذا الدعم إنتقال هؤلاء الإرهابيين مع أسلحتهم إلى العراق .
 وبسبب القلق الذي تشعر به الأمم المتحدة من أحداث العراق وخطر ذلك على المنطقة والعالم ، طلب الأمين العام (بان كي مون) في (21/6 / 2014 )  بشكل رسمي من مجلس الأمن إصدار قرار يمنع توريد الأسلحة إلى سوريا ، لكن أمريكا تتجاهل تماما مثل هذه الدعوات لأنها مسيّرة وغير مخيّرة ، جاء موقف الأمين العام هذا بعد أنْ عرف أنّ هذه الأسلحة ستستخدم من قبل الإرهابيين في دول أخرى ومنها العراق .
 أما الموقف الأمريكي الذي يدعي دعمه للعراق في مقاومته للأرهاب ، ولحد كتابة هذا المقال ظهر باهتا ومجرد كلام رغم إنّ العراق مرتبط بأتفاقية ملزمة لأمريكا بتقديم الدعم له في حالة تعرضه للخطر، أمريكا لم تقدم شيئا سوى الكلام الفارغ البعيد عن الواقع ، وهي تعلم تماما إن الشعب العراقي لا يريد من أمريكا أنْ تقاتل نيابة عنه ، الشعب يريد فقط أن تحترم أمريكا خيارات الشعب العراقي ، وأنْ تلتزم باتفاقية الإطار الستراتيجي وتفي بالتزاماتها ووعودها ، فتجهزالجيش العراقي بما يريد من إسلحة وأنْ لا تؤخر وصولها ، والأمر الآخر الذي يريده الشعب العراقي من أمريكا ، أنْ لا تخضع للضغط  والإبتزاز الذي تمارسه السعودية وقطر وتركيا وبعض السياسيين في العراق لمنع تسليح الجيش العراقي ، كذلك يريد الشعب العراقي من أمريكا أنْ تمنع السعودية ودول الشر الأخرى من دعم الأرهابيين في العراق ، وهي تستطيع ذلك لأن هذه الدول خاضعة للنفوذ الأمريكي ، هذه المطالب ستُنهي الإرهاب بسرعة في العراق ، لكننا نعرف إنّ أمريكا لن تفعل ذلك لأنها في قضية العراق وفي كثير من قضيا وأزمات المنطقة مسيّرة وليست مخيّرة .

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=47915
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 07 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19