• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح222 سورة طه الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح222 سورة طه الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69} 
تخاطب الآية الكريمة موسى "ع" (  وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ ) , عصاه , (  تَلْقَفْ ) , تبتلع , (  مَا صَنَعُوا ) , من حيل "سحر" , (  إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) , من جنس اعمال السحرة , (  وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) , الساحر مهزوم اينما كان وحيثما اقبل .       
 
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى{70}
تبين الآية الكريمة ان موسى "ع" بعد ان القى عصاه وابتلعت حبال وعصي السحرة , ايقن السحرة عند ذاك ان هذا ليس بسحر , بل اعجازا ربانيا , فكانت ردة فعلهم تجاهه (  فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً ) , بادروا بالسجود له جل وعلا , ايمانا وطاعة وخضوعا له جل وعلا , (  قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) , اقرارا بالله تعالى , كما وان في النص المبارك موضوعين مثيرين للاهتمام :   
1- ان السحرة لم يسموه جل وعلا , بل اكتفوا بالتعبير عنه عز وجل (  بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) , ولم يقولوا مثلا ( الله – الرحمن ... الخ ) , وذلك يعود للغة العبرية , حيث لا يوجد فيها لفظا كلفظ الجلالة في اللغة العربية يدل على الله تعالى ويكون جامعا لكافة اسمائه الشريفة , لذا يعبرون عنه جل وعلا بــ ( هو ) او ( يا هو ) التي تحولت بمرور الزمن الى ( يهوه ) . 
2- يلاحظ ان السحرة قدموا هارون على موسى "ع" بقولهم  (  بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) , وكان ينبغي ان يقدموا موسى على هارون "ع" كما هو الحال في سورة الاعراف الشريفة (  وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ{120} قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ{121} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ{122} ) .
تشير بعض الآراء الى ان ذلك لا يضر , تقديم هارون وتأخير موسى "ع" لينسجم مع اواخر آيات السورة الشريفة .     
 
قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى{71}
تروي الآية الكريمة كلام فرعون تجاه السحرة , وجاء فيه : 
1- (  قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) : آمنتم بموسى قبل ان آذن لكم بذلك , حيث كان يفترض انه الملك والرب كما يدعي وهم من جملة رعاياه , فلا يحق لهم التصرف من تلقاء انفسهم من غير الرجوع اليه . 
2- (  إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ) : يتهمهم بأن موسى "ع" هو كبير السحرة , استاذكم ومعلكم الكبير , وانتم تواطأتم معه على هذا الامر . 
3- (  فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ) : التهديد الاول , بقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى او العكس . 
4- (  وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) : يصلبهم على جذوع النخل , في الاماكن العامة , كما هي العادات في معاقبة المسيء , ليكونوا عبرة لغيرهم . 
5- (  وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى ) : يريد فرعون ان يبين بأن عذابه اشد واكثر دواما من عذاب رب موسى "ع" .      
 
قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا{72} 
تروي الآية الكريمة رد السحرة على تهديدات فرعون , ويلاحظ فيها قوة الايمان , (  قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ ) , قالوا لن نختارك على ما جاءنا به موسى "ع" من المعاجز والدلائل الدالة على صدقه وصدق رسالته وبعثته , (  وَالَّذِي فَطَرَنَا ) , حرف الجر ( و ) بين العطف والقسم على اختلاف الآراء فيه ,  (  فَطَرَنَا ) , خلقنا , (  فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ) , اصنع ما انت صانعه , وفيها تحد كبير , (  إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) , بين السحرة في هذا النص المبارك عدة امور , نختار منها : 
1- ان حكمك وسلطانك يا فرعون في الدنيا فقط . 
2- ان عذبنا في الحياة الدنيا , فأن لنا الخير العميم في الحياة الاخرة .      
 
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى{73}
يستمر كلامهم في الآية الكريمة (  إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا ) , انا آمنا بربنا وما جاء به رسوله من عنده جل وعلا , (  لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا ) , كفرنا ومعاصينا فيما سبق , (  وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ ) , ما اجبرتنا عليه من تعلم السحر في مواجه ومعارضة ما جاء به موسى "ع" , (  وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) , ثم يصرحون ان ثوابه جل وعلا افضل للمطيع , وعقابه جل وعلا اكثر دواما للمسيء .    
 
إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى{74} 
تبين الآية الكريمة مبينة (  إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً ) , من مات على معاصيه , من غير توبة , (  فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا ) , ليس له سوى جهنم , لا يموت فيها ليستريح من عذابها , (  وَلَا يَحْيى ) , ولا يحيى حياة نافعة هانئة .     
 
وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى{75}
تستمر الآية الكريمة بالبيان لكن لصورة معاكسة عن سابقتها (  وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً ) , يموت حين يموت وهو مؤمن , مطيعا لله تعالى , (  قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ ) , عاملا مشتغلا بصالح الاعمال , (  فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ) , ليس لهم عند الله تعالى سوى الدرجات الرفيعة , بما رحبت من خير عميم .      
 
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى{76} 
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة مبينة (  الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ) بـ (  جَنَّاتُ عَدْنٍ ) , اقامة , لا خروج منها ابدا , (  تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) , انهارا كثيرة ومختلفة , كما في الاحاديث الشريفة انها انهار من ماء و لبن ... الخ , (  خَالِدِينَ فِيهَا ) , مخلدون فيها دائما وابدا , (  وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ) , هذا الجزاء لمن تطهر , وسلك سبل النجاح والفلاح .        
 
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى{77} 
تنعطف الآية الكريمة لتذكر (  وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى ) , ان الله عز وجل اوحى الى موسى "ع" , (  أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ) , الاسراء المشي ليلا , ببني اسرائيل من ارض مصر , (  فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً ) , اشارة الى قوله عز وجل { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ } الشعراء63 ,  (  لَّا تَخَافُ دَرَكاً ) , ان يدركك فرعون وجنوده , (  وَلَا تَخْشَى ) , من فرعون وجنوده او تخشى الغرق .        
 
فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ{78} 
تبين الآية الكريمة (  فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ) , اتبعهم ولحق بهم فرعون بنفسه مع خيار جنوده , قد جرت العادات ان يكتفي فرعون بأرسال جنوده فقط , (  فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ) , فأغرقهم من ماء البحر ما لا يعلمه الا الله تعالى .    
 
وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى{79}
تبين الآية الكريمة (  وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ ) , بادعاء الربوبية ودعوتهم لعبادته , (  وَمَا هَدَى ) , وما هداهم الى سبل الهداية والرشاد .      
( نقل ابن طاووس رحمه الله عن تفسير الكلبي عن ابن عباس أن جبرئيل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وآله في حديث في حال فرعون وقومه وإنما قال لقومه أنا ربكم الاعلى حين انتهى إلى البحر فرآه قد يبست فيه الطريق فقال لقومه ترون البحر قد يبس من فرقي فصدقوه لما رأوا ذلك فذلك قوله تعالى وأضل فرعون قومه وما هدى ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني " .  



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=50068
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 08 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19