سقط حزب البعث في العراق ، لكن الشعب العراقي لم يتخلص من فلوله ، فقد تسلل البعض منهم داخل العملية السياسية ، والبعض الآخر خارج العملية السياسية لكنهم يتحركون بحرية داخل الساحة السياسية العراقية ، أو يتحركون من ساحات دول مجاورة للعراق ، فشكلوا منظمات إرهابية تمارس نشاطاتها الإجرامية ضد أبناء الشعب العراقي بدعم من دول الأقليم الطائفية ، وتحت المظلة الأمريكية أيام الإحتلال الأمريكي وبعده لغاية يومنا هذا .
تنوعت وتعددت مسميات المنظمات الأرهابية المعادية للعراق حسب مصادر الدعم والتمويل الخارجي ، وحسب تنوع القيادات وتنوع شيوخ الفتوى من وعاظ السلاطين وتابعيتهم لهذا النظام أو ذاك ، تتحرك المنظمات الإرهابية باسم الدين زورا ، وهم بعيدون عن الدين والإنسانية ، لأنهم دمويون قتلة وسُرّاق لأموال وممتلكات الآخرين ويعتدون على الأعراض لأنهم لا شرف لهم ، والكل سمع بسوق ما سماه المتخلفون الحاقدون على الإنسانية من عصابات داعش بسوق الجواري في الموصل ، فهم مرتزقة يخدمون إسرائيل بثمن مدفوع من أموال النفط العربي الذي يسيطر عليه أعراب الخليج أصدقاء وعملاء أمريكا والصهيونية .
من المنظمات الإرهابية منظمة داعش ، وهي صناعة أمريكية صهيونية بامتياز تبنتها دول في المنطقة خاصة قطر وتركيا ، ومدعومة من شخصيات سعودية مشايخ دين ، ورجال أعمال ، ورجالات داخل السلطة الوهابية ، ويدعم داعش أيضا حزب الأخوان في جميع البلدان الإسلامية ، فهو الأقرب لهذه المنظمة الأرهابية الدموية ، يدعمها حسب الظروف المتاحة سرا أوعلنا ويقدم لها التسهيلات ، أما الحكومة السعودية فتعتبرهذه المنظمة منافسة للمنظمات الإرهابية الأخرى المدعومة منها ، رغم إنّ جميع المنظمات الإرهابية تنتمي للفكر الوهابي التكفيري ومنظمة داعش واحدة منها ، لكن ولاءات هذه المنظمات قد تكون لهذه الحكومة أو تلك بناء على الدعم المقدم ، واعتمادا على شيوخ الفتوى لكل نظام .
تدعي أمريكا أنها ضد الإرهاب أو أنها تقاوم الإرهاب وهذا كذب محض ، فهي إنْ كانت صادقة عليها تجفيف منابع فكر الإرهاب في السعودية ، وفي الدول الأخرى حليفة أمريكا الذي تمدد إليها هذا الفكر المنحرف ، لأن الإرهاب قبل أن يكون بندقية هو فكر يُلّقن في عقول متحجرة ، لكننا نرى السعودية لها مطلق الحرية في نشر الفكر الوهابي التكفيري الذي هو منبع الإرهاب في العالم ، وللأسف فإنّ هذا الفكر المنحرف يتحرك باسم الإسلام وفي هذا تشويه لصورة الدين الإنسانية الناصعة ، وقد آن الأوان لحصر هذا الفكر التكفيري في أضيق دائرة ، ويجب أنْ يتعاون جميع المسلمين الغيورين على دينهم لتحقيق هدف حصر الفكر الوهابي وشلّ حركته .
هناك مؤشرات كثيرة تدلل على أنّ داعش ومنظمات الإرهاب الأخرى صناعة أمريكية صهيونية بأموال خليجية ، وفكر وهابي تكفيري متطرف برعاية رسمية من الحكومة السعودية ، من هذه الدلائل والمؤشرات إعتراف بعض المسؤولين الأمريكان بعائدية داعش إليهم ، ومن هؤلاء المسؤولين هيلاري كلنتون وزيرة خارجية أمريكا السابقة ، ولنقرأ ما نقلته صحيفة الأنباء الكويتية عن كلنتون : ((فجرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلنتون في كتاب لها أطلقت عليه إسم ( خيارات صعبة ) مفاجأة من الطراز الثقيل عندما اعترفت بأنّ الإدارة الأمريكية قامت بتأسيس ما يسمى بتنظيم ( الدولة الإسلامية في العراق والشام ) الإرهابي الموسومة ( داعش ) لتقسيم منطقة الشرق الأوسط .... )) .
هذه الحقيقة أقرّت بها كلنتون ، ودوافع هذا الإقرار قد تكون شخصية ، وقد تكون مخابراتية ، وهذا النسق من كشف الأسرار يقوم به بعض الساسة الأمريكان بعد تخلّيهم عن المسؤولية لدوافع كثيرة ، منها شخصية لغرض الإنتفاع والفائدة ، لكن على العموم هي ليست صحوة ضمير ، لأنّ ضمائرهم ماتت منذ تولّيهم المسؤولية عندما يمارسون القهر والظلم ضد الشعوب .
يتولى قيادة داعش الكثير من أزلام النظام الصدامي المقبور ، وظهرت داعش إلى العلن خلال العدوان الإرهابي على سوريا والعراق ، فهي الوجه الآخر لحزب البعث الدموي ، وقد تشظى حزب البعث إلى عدة مجاميع إرهابية حسب تنوع قيادة كل مجموعة ، وتنوع جهات الدعم من هذه الدولة أو تلك .
بعد استلام الموصل من قبل داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى بدأ الصراع بين هذه المنظمات من أجل النفوذ وتحقيق المكاسب ، وليست هذه الحالة غريبة ، فهي تأتلف في حال التقدم نحو الهدف المشترك ، حتى إذا تحقق برزالصراع بينها على المكاسب ، فهو صراع لصوص وقطاع طرق ، وهذا ما يجري اليوم من صراع بين داعش والنصرة في سوريا ، ويجري في الموصل بين داعش ومنظمات إرهابية أخرى ، لكنها تتوحد عندما تتحرك باتجاه هدف معين ، وهذا ما جرى قبل فترة في الهجوم المشترك الذي قامت به المنظمتان الإرهابيتان النصرة وداعش على منطقة (عرسال) اللبنانية ، فقد توحدت المنظمتان في قتال الجيش اللبناني ، حتى إذا استقرتا يبدأ الصراع والذبح بينهما ، وهذا هو دين اللصوص المجرمين .
الموصل سُلّمت إلى داعش ، وتعاون على تسليمها أطراف خارجية وداخلية ، وكان لبعض السياسيين المشاركين في العملية السياسية دور في تسليم الموصل ، ودورهم أصبح مكشوفا للشعب العراقي ، ولأجل تحسين الصورة بدأ بعض السياسين بطرح أفكار ورؤى يريدون من ورائها تحقيق عدة أهداف ، منها الإيحاء أنهم لا دور لهم في تسليم الموصل إلى داعش ، أو أنهم لا علاقة لهم بداعش ، هذا من الناحية النظرية لكن الواقع يثبت غير ذلك ، لأن داعش هي الوجه الآخر لحزب البعث الدموي ، وأغلب قيادات داعش من أزلام نظام صدام ، وكثير من المراهقين ممن كان آباؤهم من خدام نظام صدام هم اليوم يقاتلون مع داعش تحت عناوين مختلفة فإن لم يقاتلوا تحت رايتها ، فإنهم وداعش سائرون في طريق واحد هو الإرهاب وإنْ اختلفت العناوين ، وهدفهم واحد هو إسقاط العملية السياسية الجديدة في العراق .
أطل علينا أسامة النجيفي من خلال بعض الفضائيات ، ومنها فضائيته (نينوى الغد) بعد أن عاثت داعش في الموصل خرابا وقتلا وتدميرا وانتهاكا لشرف الكثير من الموصليات ، ليخبرنا أنه شكّل كتائب مقاومة لتحرير الموصل ، وأنّ هذه الكتائب حسب قوله باشرت في عملها وقتلت أربعة أفراد من داعش ، وهي مستمرة في عملها لتحرير الموصل ، وستنضم أو انضمت إليها كتائب أخرى مثل ( رجال الطريقة النقشبندية ) ومنظمة ( جيش المجاهدين ) ، ونحن نعرف أنّ هاتين المنظمتين إرهابيتان وتنتميان إلى فكر حزب البعث ، وذكر النجيفي أيضا إنّ (كتائب تحرير الموصل) ستكون تحت أمرته وقيادته ، وسيشرف عليها شخصيا ، ويفترض إنْ كانت تعمل تحت قيادته أن يكون متواجدا بين هؤلاء المقاتلين في الموصل ، وإلّا كيف سيديرها ويوجهها وهو بعيد عن الساحة ؟
بعد عملية قتل أربعة أفراد من داعش حسب ما أخبرنا أسامة النجيفي ، لم نسمع بعمليات أخرى لهذه الكتائب ، كذلك لم نسمع أي خبر آخرعنها ، فهل ما زالت تعمل أم أنها تركت العمل ؟
قراءتي للمشهد إنّ المنظمات الإرهابية البعثية تخطط لاستلام الموصل من داعش بطريقة من الطرق وبإشراف أمريكي وتعاون مع البارزاني ، وبعد ذلك تبدأ المساومات مع الحكومة لفرض الشروط ، ويؤيد هذا السيناريو السعودية ومحورها من دول المنطقة إضافة إلى سيدتهم أمريكا ، على أن يكون هذا السيناريو مدخلا لتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات ، وهذا المشروع تؤيده أمريكا بقوة ، وقد أعلن بايدن نائب الرئيس الأمريكي أوباما عن هذا المشروع صراحة عبر وسائل الإعلام ويؤيد هذا المشروع أيضا بعض السياسيين من داخل العملية السياسية ، ويؤيده كذلك مسعود البارزاني لأنه يلبي طموحه في التمدد خارج حدود الإقليم على المحافظات المجاورة خاصة كركوك ، والبارزاني اليوم متشبث بقوة بالمناطق التي تجاوزعليها مستغلا ظروف إحتلال الموصل من داعش .
العملية بأكملها من تسليم الموصل إلى داعش لغاية تنحية المالكي عن إستحقاقه الإنتخابي ، مع إحتلال كركوك ومناطق أخرى في المحافظات المجاورة للأقليم ، كل هذه المشاهد ، سيناريو أمريكي سعودي تركي قطري بالتعاون مع البارزاني وسياسيين آخرين داخل العملية السياسية لتطبيق مشروع تقسيم العراق إلى فيدراليات كأمر واقع مفروض ، مع تسليم كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها إلى البارزاني واللعبة باتت ظاهرة ومكشوفة .
نود الإشارة إلى أنّ السيناريو السابق إنْ لم ينجح سلتجأ أمريكا وحلفاؤها من الدول الإقليمية في استمرار دعمها للمنظمات الإرهابية العاملة في الساحة العراقية ، خاصة البعثية منها التي تعمل تحت عناوين مختلفة ، إذ توزعت في عملها بين منظمات إرهابية تعمل باسم البعث ويديرها شخصيات من أزلام النظام السابق ، وبعضها يعمل باسم منظمات إرهابية دينية ، وآخرى تعمل باسم المقاومة العشائرية ،ومن البعثيين من يعمل داخل مؤسسات الدولة ، ويقوم بدوره التخريبي من خلال موقعه داخل هذه المؤسسات ، وإذا نجحوا في تطبيق هذا السيناريو ستبدأ مرحلة صراع جديدة مع الدولة .
إفرازات هذا السيناريو أنْ تقوم المنظمات البعثية والطائفية المدعومة إقليميا وأمريكيا بالقتال بديلة عن داعش لحين تلبية مطالبها أو إسقاط العملية السياسية وستقاتل هذه المنظمات الإرهابية الجيش العراقي (الطائفي) مثل ما أطلق عليه أسامة النجيفي ، أو( الجيش الصفوي ) مثل ما سماه أخوه أثيل النجيفي ( بطل ) عملية تسليم الموصل إلى داعش ، والطريف إنّ البعثيين يدّعون أنّ داعش (صفوية) ويصفون الجيش العراقي البطل (الجيش الصفوي) ، وهنا يتبادر سؤال إذا كانت داعش ( صفوية ) ، والجيش العراقي ( صفوي ) فلماذا يتقاتل الصفويان ؟ الجواب متروك للبعثيين الصداميين ! لكن نؤكد لهؤلاء البعثيين وغيرهم من الحاقدين ، أنه لا يوجد فكر أسلامي أو غير إسلامي يبيح أفعال داعش الهمجية من ذبح وسلب واعتداء على العرض غير الفكر الوهابي التكفيري المنتمي للإسلام الأموي .
السيناريو الآخر في حالة عدم انسحاب داعش من الموصل ، وداعش طبعا لن تنسحب بسهولة من الموصل حتى لو دخلت في صراع مع منظمات إرهابية أخرى مثل ما يحصل الآن في الساحة السورية بين النصرة وداعش ، لأن داعش صناعة امريكية بريطانية صهيونية مرسوم لها خارطة عمل ، في حالة تجاوز حدود خارطة عملها تعاقب من قبل منتجيها ، وتصبح الحالة أشبه بمرؤوس يتمرد في بعض الحالات على رئيسه ، وتحقق هذا المشهد عندما أدارت داعش وجهتها وحركتها من إتجاه بغداد نحو أربيل لأسباب موضوعية ، فاتجهت صوب أربيل معقل المصالح الأمريكية في العراق ، الأمر الذي دفع الأمريكان للتدخل الفوري لحماية مصالحهم ومعاقبة صنيعتهم داعش التي تمردت وخرجت عن خط السير المرسوم لها ، هذا السيناريو يفترض استمرار القتال مع داعش في الموصل أوغيرها من المناطق لحين رضوخ الحكومة العراقية لمطالب السياسيين من أعوان داعش ، وتلبية شروط البارزاني التعجيزية والخارقة للدستور والسيادة الوطنية ، هذا مع احتمال أنْ تصدر تعليمات أمريكية جديدة إلى البارزاني والسياسيين داخل العملية السياسية ممن يدورون في فلك أمريكا ودول محور الشر في المنطقة لتغييرالمشهد بسيناريو جديد .
أخيرا نؤكد أنّ العراق بإرادة شعبه المضحي ، وبعزيمة قادته الوطنيين ، وبشجاعة وبسالة الجيش العراقي البطل والقوات الأمنية الأخرى ، وبالإيمان والوعي والصبر والتضحية ، سيُفشِل جميع مخططات الأعداء التي تروم تقسيم العراق ، أوإفشال العملية السياسية الجديدة وتسقيطها ، وإنّ الموصل لن تُحرر إلّا من الجيش العراقي البطل وفصائل المقاومة المنضوية في العمل تحت قيادته ، وهذا الموقف سيدفع جميع منظمات الأرهاب في الموصل وخارج الموصل من داعش والبعثيين وغيرهم لقتال الجيش العراقي ، وسينتصر إنشاء الله في المعركة ضد الباطل ، وبالنسبة للمنظمات الإرهابية فليس غريبا عليها أن تتقاتل اليوم مع بعضها من أجل المكاسب والنفوذ ، وتتوحد في القتال غدا ضد الجيش العراقي العدو المشترك لجميع منظمات الإرهاب بعناوينها المختلفة ، وهذا هو دين اللصوص والمجرمين .
بعد هذه المعطيات يظهر إنّ كلام النجيفي عن تشكيل كتائب (تحرير الموصل ) يدخل ضمن التسويق الإعلامي لغرض تحسين الصورة ، بعد تسليم الموصل إلى داعش ، وافتضاح أمر المتآمرين والمتعاونين .