• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح231 سورة الانبياء الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح231 سورة الانبياء الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ{30}
تسلط الآية الكريمة الضوء على موضوع قيم (  أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) , اولم يعلموا , (  أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ) , يختلف في شأنها المفسرون , فمنهم من يرى : 
1- أي سدا بمعنى مسدودة . "تفسير الجلالين للسيوطي" . 
2- أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين لا فاصل بينهما . 
3- عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن هذه الآية فقال فلعلك تزعم إنهما كانتا رتقا ملتزقتان ملتصقتان ففتقت إحداهما من الاخرى فقال نعم فقال عليه السلام إستغفر ربك فإن قول الله عز وجل كانتا رتقا يقول كانت السماء رتقا لا تنزل المطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحب فلما خلق الله الخلق وبث فيها من كل دابة فتق السماء بالمطر والأرض بنبات الحب فقال السائل أشهد أنك من ولد الأنبياء وأن علمك علمهم . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .   
ثم تستمر الآية الكريمة في بيانها وتوضيحها مؤكدة (  وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) , تختلف الآراء في مثل هذه المواضيع : 
1- وخلقنا من الماء كل حيوان كقوله {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }النور45 . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .   
2- خصّ الماء بالذكر لانهم اعظم المواد التي خلقت منها المخلوقات , يذهب الى هذا الرأي جملة من المفسرين . 
3- لاستحالة الحياة بدون الماء . 
4- ذكر الماء فقط لشدة الحاجة اليه , وكثرة الانتفاع به .      
يلتفت القمي في تفسيره ( نسب كل شيء إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا إلى غيره ) .  
 
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ{31} 
تبين الآية الكريمة مؤكدة (  وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ ) , جبال ثوابت , (  أَن تَمِيدَ بِهِمْ ) , يبين النص المبارك فائدة هذه الجبال الثوابت , كي لا تميل او تتحرك الارض بحركة غير مستقرة , فتنعدم فيها الحياة , بل للحفاظ على حركتها التي تنسجم وتتفق مع جميع فعاليات المخلوقات على ظهرها , (  وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ) , مسالك واسعة , توائم وتمكن المخلوقات على ظهرها بالتنقل بواسطتها بحرية وانسيابية , (  لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) , ننقل في النص المبارك رأيين :     
1- (  لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) الى مصالحهم ومنافعهم في الاسفار , للتجارة وغيرها . 
2- (  لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) الى تلك الآيات التي تدل على وحدة الخالق جل وعلا , فيتوجهون اليه بالتوحيد والعبادة .    
 
وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ{32}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة التي سلطت الضوء على الارض , لتنعطف الآية الكريمة لتسلط الضوء على السماء (  وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ) , اي ان السماء بالنسبة للأرض كالسقف , ويختلف المفسرون في معنى (  مَّحْفُوظاً ) فمنهم من يقول : 
1- محفوظا من الوقوع والزوال , يذهب الى هذا الرأي جملة من المفسرين , منهم السيوطي في تفسيره الجلالين والفيض الكاشاني في تفسيره الصافي وغيرهم . 
2- محفوظا من الشياطين , بمعنى لا يسترقون السمع , او ان يعبثوا فيها , يذهب الى هذا الرأي جملة من المفسرين , لعل ابرزهم القمي في تفسيره وعلي بن ابراهيم في تفسيره .      
ختام الآية الكريمة يأتي منسجما مع ختام الآية الكريمة السابقة من حيث المعنى والدلالة (  وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ) , لاهين غير متفكرين فيها , وان اقبلوا عليها وتفكروا فيها لاكتشفوا ووجدوا ان خالقها واحد .   
 
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ{33}
تنعطف الآية الكريمة لتذكر ايتين ارضيتين وايتين سماويتين :
1- (  وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) : الليل والنهار من خلقه وتدبيره وحكمته جل وعلا , لولا تعاقبهما بهذه الكيفية لفسدت او انعدمت الحياة على المعمورة .  
2- (  وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) : يختلف المفسرون بشأن (  يَسْبَحُونَ ) , فمنهم من يرى : 
أ‌) (  يَسْبَحُونَ ) : يتحركان كحركة السابح في الماء . 
ب‌) (  يَسْبَحُونَ ) : ان الشمس والقمر بوجودهما ينزهان الباري عز وجل عن الشريك , فلو كان مع الله تعالى الها اخر لتعارضت الارادتين , بما يخل في النظام .     
 
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ{34} 
تبين الآية الكريمة (  وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ) , لم يخلد احدا قبل النبي محمد "ص واله" ,  (  أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ) , وكذلك لا يخلد احدا بعده "ص واله" . 
 
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ{35}
تضمنت الآية الكريمة قانون الحياة (  كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) , كل مخلوق حي مصيره الموت , وكل مخلوق مادي مصيره الفناء , {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }الرحمن26 , (  وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ ) , يشير النص المبارك الى تعرض الانسان الى الاختبار بما يكره , كالأمراض والجروح , والفقدان والخسارة ... الخ , (  وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ) , وكذلك يختبر الانسان بما يهبه الباري عز وجل من خيرات , كالصحة والعافية , والغنى ... الخ , (  وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) , النص المبارك يؤكد على المصير الحتمي للجميع , بدون استثناء , الكل صائر اليه جل وعلا في يوم القيامة , اليوم الموعود , يوم الجزاء , الخير الى خير , والشر الى شر .      
 
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ{36} 
تكشف الآية الكريمة (  وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً ) , كفار مكة وغيرهم , كانوا اذا رأوه "ص واله" يستهزئون به , كقولهم (  أَهَذَا  ) , اشارة فيها انتقاص , (  الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ) , الذي يذكر الهتكم بسوء , يبطل عبادتها والتقرب اليها , وهو ما كان متعارفا لديكم , (  وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ) , يبين النص المبارك انهم كافرون بالرحمن , فهم الاحق بالاستهزاء والسخرية .           
 
خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ{37} 
تبين الآية الكريمة (  خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ) , تقابلها الآية الكريمة { وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً }الإسراء11 , من الطبائع الفطرية في الانسان التعجل "العجلة" , مما يروى انها نزلت في استعجال الكافرين بنزول العذاب , (  سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ) , دلائل وعلامات قدرتي , (  فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ) , يبين النص المبارك ان مواعيده جل وعلا واقعة , حادثة لا مجال للشك والشبهة , ولا داعي لاستعجال وقوعها .     
 
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{38} 
تروي الآية الكريمة تساءل الكفار للنبي "ص واله" واصحابه (  وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ ) , الوعد بيوم القيامة , (  إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) , ان كنتم صادقين في دعواكم . 
 
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ{39} 
تجيب الآية الكريمة على تساءلهم ذلك بطريقة غير مباشرة , لم تحدد الآية الكريمة زمان وحدوث يوم القيامة , بل اكتفت بنقل صورة عن حال الكفار فيه , (  لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ ) , لا يستطيعون دفع النار عن وجوههم , (  وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ ) , ولا حتى عن ظهورهم , في ذلك اشارة الى ان النار ستكون محيطة بهم من جميع الجهات , واشارة اخرى , انهم لا يتمكنون ولا يستطيعون دفع اي شيء منها , وايضا (  وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ) , لا ناصر ولا دافع ينصرهم او يدفع عنهم ولو شيئا من العذاب .  
 
بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ{40} 
اجابت الآية الكريمة اجابة مباشرة على تساءلهم السابق (  بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً ) , ليس للقيامة وقت معلوم , بل يكون بشكل مفاجأ , (  فَتَبْهَتُهُمْ ) , عند ذاك تحيرهم , فتغلبهم , ولا ينفع اي استعداد ربما يكونوا قد اتخذوه لدرء خطرها عنهم , يتحقق عند وقوعها امرين اساسيين : 
1- (  فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ) , حينها لا يمكنهم رد عذابها عنهم . 
2- (  وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ) , وايضا لا يمهلون من اجل توبة او استغفار او اعتذار .   
 
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون{41}
تبين الآية الكريمة (  وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ) , يبين النص المبارك ان كثيرا من الرسل تعرضوا الى الاستهزاء من قومهم , كما استهزأ قوم الرسول الكريم محمد "ص واله" به , وفيها شيئا من التسلية له "ص واله" , (  فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم  مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ) , يؤكد النص المبارك وقوع العذاب على المستهزئين الساخرين بكافة الرسل والانبياء "ع" , وكذلك سيقع العذاب بالمستهزئين به "ص واله" , فينالوا العقاب الصارم لسخريتهم واستهزائهم  .   



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=51383
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 09 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28