لا يخرج تعامل الاعلام السعودي مع القضايا الاقليمية الهامة ومن بينها ظاهرة الارهاب ، عن نطاق فهم القيادة السياسية و المؤسسة الوهابية في السعودية لهذه القضايا ، فنراه اعلاما ينخره الحقد الاعمى على محور المقاومة ، وهو حقد يتجاوز اضعاف اضعاف الحقد الصهيوني على هذا المحور ، فنراه يتخبط بشكل يثير الشفقة والاستهزاء في آن واحد ، على أمل استرضاء المرجعيتين السياسية والدينية في السعودية وجمهور ضيق من "المتوهبنين" بالفكر التكفيري و "المسعدنين" بسحر الدولار النفطي.
النظام السعودي ادرك، بفضل الخبراء الاجانب والعرب، اهمية الاعلام، خاصة لنظام مثل النظام السعودي ، فهو نظام لا يمت بصلة للعالم الحديث لا من الناحية السياسية ولا من الناحية المذهبية ، فكان لابد من شراء جيوش جرارة من الاعلاميين العرب ، انحسرت مهمتهم في بادىء الامر في نطاق عملية تجميل صورة هذا النظام المشوهة سياسيا ودينيا ، ولكن في العقود الاخيرة اضيف الى الهدف الاول هدف آخر هو العمل على تشويه صورة محور المقاومة لدى الراي العام العربي والاسلامي ، خدمة للمشروع الصهيوامريكي ، فتم لاجل ذلك تجنيد الاف مؤلفة جديدة من الاعلاميين العرب وتاسيس عشرات بل مئات الفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية للنيل من محور المقاومة ، ايران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد الاسلامي.
نظرا الى ان مهمة النيل من محور المقاومة ، هي مهمة في غاية الصعوبة ، نظرا لوقوف الشارع العربي والاسلامي على حقيقة الامور وبشكل لا يمكن خداعه ، فهذا الشارع يميز جيدا بين محور المقاومة ومحور الانبطاح ، وانه خَبَر المحورين عبر عقود طويلة من الزمن ، لذلك لجأ الاعلام السعودي والمسعدن الى لعبة خبيثة لتسميم الاجواء وتعكير الماء ، وهي لعبة العزف على الوتر الطائفي وتاجيج الاحقاد واشعال الفتن المذهبية ، وهي نيران تُعتبر مشايخ الوهابية اساتذة في اشعالها وتأجيجها.
ولما كانت بضاعة السعوديين هذه فاسدة ومن الصعب ان يتقبلها العقل السليم ، راى القائمون على هذا الاعلام ، ضرورة تعليب هذه البضاعة بشكل جميل وبراق لابهار الناظر وجعله يتحمل او على الاقل ينسى رائحتها النتنة ، لذلك اهتم القائمون على امر الاعلام السعودي بالشكل الظاهري للاعلاميات العاملات في الامبراطوريات الاعلامية السعودية، وهو اهتمام تجاوز حدود كل ما هو مألوف ، ويبدو ان هناك جهة خاصة في الاعلام السعودي مهمتها البحث عن الفتيات والنساء الجميلات ، لتوظيفهن في الفضائيات السعودية ، مقابل رواتب مغرية ، حتى وان كن لا يفهمن شيئا عن الاعلام.
واذا اردنا الا نضيع وقت القارىء الكريم في سرد نماذج من الاعلام السعودي ، سنكتفي بذكر نموذج واحد يمكن قياس مجمل الاعلام السعودي عليه ، وهذا النموذج هو قناة "العربية" الفضائية السعودية التي تبث من دبي ، وهي قناة جسدت تجسيدا كليا ما ذكرناه انفا ، فهي منبر لاشاعة الفتن بامتياز وتتعمد استخدام لغة مسمومة تفوح طائفية ، كما تكن حقدا لا يستعر اعشاره في صدور الصهاينة حتى ، ضد ايران وسوريا والعراق وحزب الله وحماس والجهاد الاسلامي ، وهو ما يجعل هذه الفضائية التي تغدق عليها السعودية ميزانية ضخمة ، تظهر في الكثير من الاوقات بمظهر الانسان المتهستر الذي يتحرك بشكل مرضي غير ارادي ويهذي بما لا يفهم ، وذلك عندما تحاول تغطية الحرب الدائرة على سوريا والارهاب الذي يضرب العراق ولبنان ، فنراها تجعل من مسلحي القاعدة والنصرة و "داعش" ثوارا ومقاتلين وتنظيمات سنية مسلحة ، ومن عصابات "داعش" في العراق معارضة مسلحة ، ومن الجيش السوري شبيحة ، ومن الجيش العراقي جيش المالكي ، ومن مقاتلي حزب الله ميليشا ، ومن التفجيرات الارهابية العشوائية التي تستهدف المواطنين العزل في المدن السورية بالتفجيرات التي تستهدف معاقل الرئيس السوري بشار الاسد وشبيحته ، وكل هذا البؤس الاعلامي يظهر على شاشة "العربية" على وقع تهادي المذيعات ومقدمات البرامج ، اللاتي يظهرن بمظهر تعجز اشهر ممثلات الاثارة في السينما العربية على منافستهن ، والادهى من كل ذلك يبدو واضحا ان هذه الاجساد التي تتمايل على شاشة "العربية" ، لا تعرف اي شيء عما تتحدث عنه.
من اجل الوقوف على الوضع البائس الذي يعيشه الاعلام السعودي وكذلك العاملين فيه ننقل خبرين كررتهما "العربية" مئات المرات وعلى لسان مذيعاتها ومقدمات برامجها ، الخبر الاول هو عن التفجيرين المزدوجين الذي استهدف مدرسة عكرمة المخزومي الابتدائية في حمص ، حيث قام التكفيريون بزرع عبوة ناسفة بالقرب من المدرسة ولما انفجرت وتجمع الناس حول مكان التفجير وخرج الاطفال من المدرسة مرعوبين يقتحم وحش من وحوش التكفيريين الاطفال بسيارة مفخخة ويفجرها فيهم ، ويؤدي التفجيران الى استشهاد 40 شخصا بينهم 32 طفلا تترواح اعمارهم ببين 6و 9سنوات بالاضافة الى عشرات الجرحى منهم من تقطعت اوصالهم ، هذا الخبر المأساوي نقلته "العربية" السعودية على لسان احدى مذيعاتها ، ما نصه: ان المعارضة السورية استهدفت مناطق في مدينة حمص موالية للاسد بتفجيرين مزدوجين اسفرا عن قتل وجرح العشرات!!.
اما الهجوم الارهابي الذي شنه مسلحو جبهة النصرة التكفيرية الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا بشهادة زعيمها الظواهري ، قبل ايام على مواقع لحزب الله داخل الاراضي اللبنانية في جرود بريتال ومني المهاجمون بهزيمة منكرة على يد مقاتلي حزب الله ، تناقلته "العربية" السعودية ، بشكل لم تستطع ان تخفي فيه فرحتها العارمة بهذا الخبر الذي مازالت تردده حتى الان ، ولكن بطريقتها الخاصة حيث قالت : نفذ "مقاتلو جبهة النصرة " و "الجيش الحر" هجوما واسعا على مواقع "ميليشيا حزب الله" وكبدوها خسائر فادحة.
لا اعتقد ان جمال ودلال وتمايل وتهادي مذيعات "العربية" التي تم تصدرهن الى دبي للعمل في هذه القناة السعودية ، يمكن ان يجعل المشاهد الفطن ، ينبهر ولا يميز السموم التي تبثها هذه القناة ، لاسيما اذا عرفنا ان حقد القائمين عليها ، يدفعهم الى الاكثار من هذه السموم في كل خبر ، الامر الذي يجعل من الصعب جدا هضمها.
الطامة ان القائمين على الاعلام السعودي ، يعتقدون ان بامكانهم وعبر هذا الاعلام الفاشل والبائس ان يؤثروا على المخاطب ، وكأنهم هم وحدهم من يمتلك الفضاء ، لذلك ليس امام المشاهد العربي الا الجلوس امام شاشة "العربية" واخواتها ، في الوقت الذي يؤكد خبراء الاعلام ان نسبة لا باس بها من مشاهدي "العربية" ، بالاضافة الى من ذكرناهم في اول المقال ، هم من المراهقين ، من الذين يرون في مذيعات هذه القناة موضوعا للتسلية ، وهو ما يبدو واضحا من خلال التعليقات التي تظهر على شبكات التواصل الاجتماعي ، لذلك من الخطا ان يعتقد القائمون على امر الاعلام السعودي ان القنوات الفضائية السعودية هي نافذة المشاهد العربي على العالم ، وان هذا المشاهد يرى العالم كما يريد الاعلام السعودي ، فقد اثبتت التجربة ان هذا الاعلام لم ينجح مطلقا في تجميل صورة السعودية ، كما اصبح اكثر نفورا من قبل قطعات واسعة من الشعوب العربية بسبب خطابه الطائفي المقيت ، ومعاداته لمحور المقاومة ، ومغازلته للصهاينة .. انه شخير الاعلام السعودي ، فالنائم يحسب الناس نياما.
|