• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح238 سورة الحج الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح238 سورة الحج الشريفة

لهذه السورة الشريفة كثير من الفضائل والخصائص , لعل ابرزها ما جاء في ثواب الأعمال عن الصادق عليه السلام قال من قرأ سورة الحج في كل ثلاثة أيام لم تخرج سنة حتى يخرج إلى بيت الله الحرام وإن مات في سفره دخل الجنة قيل فإن كان مخالفا قال يخفف عنه بعض ما هو فيه .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ{1}
تستهل السورة الشريفة خطابها لعامة الناس (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) , خطاب موجه الى خصوص اهل مكة من جهة , وعموم الناس في كل زمان ومكان من جهة اخرى , (  اتَّقُوا رَبَّكُمْ ) , يأمر الخطاب بتقوى الله تعالى , طاعته عز وجل مقابل النجاة من عقابه , (  إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ) , يكاد يتفق المفسرون على ان هذه الزلزلة من علامات يوم القيامة , وتكون قبل طلوع الشمس من مغربها , ويصف الخطاب خطورتها بــ (  شَيْءٌ عَظِيمٌ ) , في احداث الهلع والرعب في قلوب الناس .       
 
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ{2} 
تنقل الآية الكريمة صورا عن حال الناس عند حدوث تلك الزلزلة (  يَوْمَ تَرَوْنَهَا ) , حينها  : 
1- (  تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ ) : يصور النص المبارك هولها والرعب الذي سيحيق بالناس , حتى ان الام ستذهل وتنسى رضيعها . 
2- (  وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ) : يصور النص المبارك ان كل حامل ستضع مولودها , يختلف المفسرون في الكيفية , وقد يشار الى الاسقاط من شدة الهلع والرعب , وقد يرى بعض المفسرون , ان الحامل ستموت حاملا . 
3- (  وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى ) : يصور النص المبارك حال الناس بأنهم كالسكارى , من شدة الفزع , وما هم بسكارى من الشراب , (  وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) , شدة العذاب افقدتهم عقولهم , واخذت افئدتهم  .    
(  قال عمران بن الحصين وأبو سعيد الخدري نزلت الآيتان من أول السورة ليلا في غزاة بني المصطلق وهم حي من خزاعة والناس يسيرون فنادى رسول الله صلى الله عليه وآله فجثوا المطى حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وآله فقرأها عليهم فلم ير أكثر باكيا من تلك الليلة فلما أصبحوا لم يحطوا السرج عن الدواب ولم يضربوا الخيام والناس بين باك وجالس حزين متفكر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله أتدرون أي يوم ذاك قالوا الله ورسوله أعلم قال ذاك يوم يقول الله تعالى لآدم إبعث بعث النار من ولدك فيقول آدم من كم كم فيقول عزوجل من كل ألف تسع مأة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد إلى الجنة فكبر ذلك على المسلمين وبكوا فقالوا فمن ينجو يا رسول الله فقال ابشروا فإن معكم خليقتين يأجوج ومأجوج ما كانتا في شيء إلا كثرتاه ما أنتم في الناس إلا كشعرة بيضاء في الثور الأسود أو كرقم في ذراع البكر أو كشامة في جنب البعير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله إني لأرجوا أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبروا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبروا ثم قال إني لأرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة فإن أهل الجنة مائة وعشرون صفا ثمانون منهم امتي ثم قال ويدخل من امتي سبعون ألفا الجنة بغير حساب . 
وفي بعض الروايات ان عمر بن الخطاب قال يا رسول الله صلى الله عليه وآله سبعون ألفا قال نعم ومع كل واحد سبعون ألفا فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله ادع الله أن يجعلني منهم فقال اللهم اجعله منهم فقام رجل من الأنصار فقال ادع الله أن يجعلني منهم فقال صلى الله عليه وآله سبقك بها عكاشة قال ابن عباس كان الأنصاري منافقا فلذلك لم يدع له ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .   
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ{3} 
تبين الآية الكريمة (  وَمِنَ النَّاسِ ) , البعض منهم , (  مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) , يخاصم بغير علم او حجة , ولا حتى برهان او دليل , (  وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ ) , يعتمد في خصامه على الشياطين المتمردين , وبعض المفسرين يرى ان معنى (  مَّرِيدٍ ) هو خبيث .    
يرى القمي في تفسيره ان الآية الكريمة نزلت في النضر بن الحارث وكان جدلا يقول الملائكة بنات الله والقرآن أساطير الأولين ولا بعث بعد الموت وهي تعمّه وأضرابه . 
 
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ{4}
تبين الآية الكريمة (  كُتِبَ عَلَيْهِ ) , على الشيطان , (  أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ ) , اتبعه , (  فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ) , يبعده عن طريق الحق , (  وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ) , ليس بعد الانحراف عن طريق الحق الا الطريق المؤدي الى عذاب النار .       
 
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{5} 
الآية الكريمة تخاطب الناس كافة (  يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) , في كل زمان ومكان , (  إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ ) , ان كنتم في شك من وقوع وحدوث البعث , (  فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ) , خلقكم الله تعالى من تراب , وهذا ما يثبته العلم الحديث , حيث ان جميع العناصر التي يتكون منها جسم الانسان تعود الى التراب , (  ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ) , مني , { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى }القيامة37 , (  ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ) , قطعة من الدم , (  ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) , المضغة مقدار ما يمكن مضغه من اللحم , (  مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) , يختلف المفسرون في ذلك , فمنهم من يرى :    
1- ( مخلقة ) مصورة تامة الخلق ( وغير مخلقة ) أي غير تامة الخلقة . "تفسير الجلالين للسيوطي" . 
2- المخلقة إذا صارت تاما وغير مخلقة السقط . "تفسير القمي" . 
3- (  مُّخَلَّقَةٍ ) , تامة الخلقة في الاستعداد الى المرحلة الضرورية اللاحقة لنمو الجنين , (  وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ) , غير تامة الخلقة كي تكون جنينا كامل النمو بعد .    
( عن الباقر عليه السلام النطفة تكون بيضاء مثل النخامة الغليظة فتمكث في الرحم إذا صارت فيه أربعين يوما ثم تصير إلى علقة قال وهي علقة كعلقة دم المحجمة الجامدة تمكث في الرحم بعد تحويلها من النطفة أربعين يوما ثم تصير مضغة قال وهي مضغة لحم حمراء فيها عروق خضر مشتبكة ثم تصير إلى عظم وشق له السمع والبصر ورتبت جوارحه ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .   
(  لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ) , كمال قدرته جل وعلا  في بداية الخلق , ومن ثم قدرته جل وعلا على اعادته "البعث" , (  وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ) , وهو مدة وضع الحمل , قد يتراوح بين ( 6 – 9 ) اشهر , (  ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) , من بطون امهاتكم , في هذه المرحلة يسمى المولد طفلا , بعد ان كان جنينا في بطن امه , (  ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ) , وهي مرحلة اكتمال العقل و الخلقة والعنفوان , وقد تكون ما بين ( 30 – 40 ) من العمر , (  وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى ) , ومن الناس من يموت قبل ذلك , (  وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ) , والبعض الاخر من الناس يصل به العمر الى الهرم والخرف , (  لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ) , عند وصول الانسان الى مرحلة الهرم والخرف تعود به هذه المرحلة الى مرحلة الطفولة , من السخافة والسفاهة , وصعوبة الفهم وكثرة النسيان ... الخ , (  وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً ) , يابسة , (  فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) , فاذا هطل المطر , تحركت بالنبات (  وَرَبَتْ ) انتفخت (  وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ) , من كل صنف حسن .       
الآية الكريمة بمجملها ضربت مثلين مصورين للبعث , الاول في خلقة الانسان ومراحل نموه , والثاني في اعادة احياء الارض بالمطر .  
 
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{6} 
تستمر الآية الكريمة بالبيان (  ذَلِكَ ) , اشارة الى ما ذكر اعلاه , (  بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ) , الثابت في ذاته , الدائم في بقاءه , الذي به تتحقق الاشياء , (  وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى ) , وهو جل وعلا يحيي الموتى , القادر على الاحياء , كما في المثلين اعلاه , فقد تبين ان الله تعالى بقدرته احيا الانسان من التراب الجامد , وكذلك احياءه جل وعلا للأرض اليابسة , (  وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) , ليس ذلك فقط , بل ان قدرته جل وعلا مطلقة على كل شيء . 
 
وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ{7} 
تؤكد الآية الكريمة (  وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ) , لا محال , كائنة , (  لَّا رَيْبَ فِيهَا ) , لا شك ولا شبهة , (  وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ ) , يبعثهم على مقتضى وعده جل وعلا .   
 
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ{8} 
تبين الآية الكريمة  (  وَمِنَ النَّاسِ ) , بعض الناس , (  مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ ) , يخاصم في الله تعالى من غير : 
1- (  بِغَيْرِ عِلْمٍ ) : بدون علم يستند عليه , ويدعم به قوله . 
2- (  وَلَا هُدًى ) : معه يهديه الى الصواب . 
3- (  وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ) , ولا حتى كتاب فيه حجة بينة او برهان .   
 
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ{9} 
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها (  ثَانِيَ عِطْفِهِ ) , كناية عن التكبر , (  لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) , لينحرف ويبتعد ويحرف الناس عن دين الله تعالى , (  لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ) , الذل والهوان , (  وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) , اما يوم القيامة فالحرق بالنار .
مما يروى عن الآية الكريمة انها نزلت في ابي جهل . "تفسير القمي" .     
 
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ{10}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ) , بعد ان يلقى في عذاب الحريق يقال له هذا ما قدمته من افعالك وما كسبت يداك , عبر عن اليد لأنها الاكثر ممارسة للأعمال , (  وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) , يؤكد النص المبارك ان الله تعالى لا يظلم احدا من عباده , بزيادة العذاب عليه من غير حق , او ان يعذبه بذنوب غيره اذا كان كافرا , اما اذا كان العبد مؤمنا , فأن الله تعالى لا ينقص او يضيع من اجر وثواب عمله ولو الشيء القليل ,  ولا ان يعطى حسنات غيره .      



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=52347
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 10 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28