• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : تأملات في القران الكريم ح239 سورة الحج الشريفة .
                          • الكاتب : حيدر الحد راوي .

تأملات في القران الكريم ح239 سورة الحج الشريفة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ{11}
تكشف الآية الكريمة مبينة (  وَمِنَ النَّاسِ ) , البعض منهم , (   مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ) , على شك , ايمانه غير ثابت ولا مستقر , (  فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ) , كالصحة والعافية , وتوسع عليه رزقه , اطمأن واستقر , (  وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ) , اما اذا وقع عليه بلاء في صحته او ماله , تلاشى ايمانه , فحبطت اعماله , (  خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ) , وبذلك يكون قد خسر الدارين , (  ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) , هذه هي الخسارة الكبرى , التي لا تضاهيها خسارة .         
 
يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ{12}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها (  يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ ) , يعبد آلهة دونه جل وعلا , يتوجه لهم بالدعاء , (  مَا لَا يَضُرُّهُ ) , تلك الالهة لا يمكنها ايقاع الضرر به ان ترك عبادتها , (  وَمَا لَا يَنفَعُهُ ) , وايضا لا تنفعه عبادتها في شيء , (  ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ ) , هذا هو اقصى غايات الضلال والابتعاد عن القصد .   
 
يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ{13}
تستمر الآية الكريمة (  يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ) , يبين النص المبارك مؤكدا ان ما يعبد من دون الله تعالى ضره اقرب من نفعه المزعوم  بنوال الشفاعة عند الله تعالى  , (  لَبِئْسَ الْمَوْلَى ) , ساء ناصرا لهم ما يعبدون من دونه جل وعلا , (  وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) , ساء له صاحبا .    
 
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ{14} 
تؤكد الآية الكريمة (  إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) , اهل الايمان والعمل الصالح , (  جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ) , بساتين تجري فيها انهارا كثيرة , (  إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) , له جل وعلا الارادة التامة , فيعاقب من يريد , ويثيب من يريد .    
 
مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ{15} 
تبين الآية الكريمة (  مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) , من يعتقد ويظن ان الله تعالى لن ينصر نبيه الكريم محمد "ص واله"  في الدنيا والاخرة , (  فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ ) , فليمدد حبلا الى سقف بيته , ثم فليقطع الحبل ليخنق نفسه , (  فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ ) , وليرى هل يذهب هذا الفعل بغيظه ! .
( الظن في كتاب الله على وجهين ظن يقين وظن شك فهذا ظن شك قال من شك أن الله عز وجل لم ينصر رسوله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء أي يجعل بينه وبين الله دليلا وقال الله تعالى ثم ليقطع أي يميز والدليل على أن السبب هو الدليل قول الله عز وجل في سورة الكهف وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا أي دليلا وقال ثم ليقطع أي يميز والدليل على أن القطع هو التميز قوله تعالى وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا امما أي ميزناهم فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ أي حيلته والدليل على أن الكيد هو الحيلة قوله تعالى وكذلك كدنا ليوسف أي احتلنا له حتى حبس أخاه وقوله يحكي قول فرعون فاجمعوا كيدكم أي حيلتكم قال فإذا وضع لنفسه سببا وميز دله على الحق فأما العامة فإنهم رووا في ذلك أنه من لم يصدق بما قال الله عز وجل فليلق حبلا إلى سقف البيت ثم ليختنق ) . "تفسير القمي " .   
 
وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ{16} 
تستمر الآية الكريمة موضحة (  وَكَذَلِكَ ) , كما اقام الله تعالى الحجة على منكري البعث , (  أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ) , انزل الله تعالى القرآن الكريم , آيات واضحات , (  وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ ) , يهدي الله تعالى بالقرآن الكريم من اراد هدايته .    
 
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ{17} 
تبين الآية الكريمة (  إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) , بمحمد "ص واله" , (  وَالَّذِينَ هَادُوا ) , اليهود , (  وَالصَّابِئِينَ ) , الصابئة وهم طائفة من طوائف اليهود , (  وَالنَّصَارَى ) , المسيحيين , (  وَالْمَجُوسَ ) , عبادة النار , (  وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ) , عباد الاوثان , (  إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) , بحكومة العدل الالهي , بإظهار المحق منهم والمبطل , وكل منهم ينال جزاءه المستحق , (  إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) , يؤكد النص المبارك ان الله تعالى عالم بكل شيء علم مشاهدة ومراقبة .         
 
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ{18} 
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" والمعني بالخطاب عموم الناس (  أَلَمْ تَرَ ) , الم تعلم , (  أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ) , جميع الموجودات تسجد لله تعالى , العاقلة منها وغير العاقلة , سجود خضوع وانقياد لإمره جل وعلا , (  وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ) , ايمانا وتعبدا , (  وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ) , كثير من الناس حق عليهم العذاب , وهم الكفار , لانهم ابوا السجود والانقياد له جل وعلا ,  (  وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ) , يؤكد النص المبارك ان كل من يهنه الله تعالى , فليس له مكرم , (  إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ) , يفعل ما يشاء في خلقه , وفقا الى حكمته جل وعلا .     
 
هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ{19} 
تشير الآية الكريمة (  هَذَانِ خَصْمَانِ ) , المؤمنون والكفار , (  اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) , اختلفوا في دين الله تعالى , (  فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ) , يلبسونها , (  يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ) , الماء بالغ الحرارة .     
بينت الآية الكريمة ان الكفار سيقع عليهم نوعين من العذاب :
1- ثياب من نار (  فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ) . 
2- الماء البالغ الحرارة (  يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ) .
مما يروى في سبب نزول الآية الكريمة انها  نزلت في علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث الذين بارزوا المشركين يوم بدر: عُتبة وشَيْبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة . "اسباب النزول في ضوء روايات اهل البيت "ع" /السيد مجيب جواد جعفر الرفيعي , وايضا في صحيحي مسلم والبخاري" . 
 
يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ{20} 
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  يُصْهَرُ بِهِ ) , من فرط حرارة الحميم يذيب (  مَا فِي بُطُونِهِمْ ) , امعائهم , (  وَالْجُلُودُ ) , وجلودهم ايضا .  
 
وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ{21} 
تستمر الآية الكريمة في مزيد من البيان (  وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ ) ,  سياطا او اعمدة يضربون بها .  
 
كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ{22}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقاتها (  كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا ) , كلما اراد المعذبين في النار الخروج منها , (  مِنْ غَمٍّ ) , لشدة غمهم فيها , (  أُعِيدُوا فِيهَا ) , أعيدوا اليها ضربا بتلك المقامع , يقال لهم (  وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ) , الذي هو في منتهى الاحراق .    
تجدر الاشارة الى ان عبارة (  عَذَابَ الْحَرِيقِ ) وردت في القرآن الكريم في خمسة مواضع : 
1- { لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }آل عمران181 . 
2- { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ }الأنفال50 . 
3- { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ }الحج9 . 
4- { كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ }الحج22 . 
5- { إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ }البروج10 . 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=52529
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 10 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19