• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : بحوث ودراسات .
                    • الموضوع : المرجع آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي في ذكراه الثالثة والعشرين الامام الخوئي: مدرسة وقيادة في الزمن الصعب .
                          • الكاتب : د . علي رمضان الاوسي .

المرجع آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي في ذكراه الثالثة والعشرين الامام الخوئي: مدرسة وقيادة في الزمن الصعب

الامام الخوئي: مدرسة وقيادة في الزمن الصعب
 
ملخص بحث الدكتور علي رمضان الأوسي
ألقي في مؤسسة الامام الخوئي (رض) في لندن
29/11/2014م
 
قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (سورة التوبة 122).
 
روي عن الامام الباقر (عليه السلام): (الكمال كل الكمال التفقه في الدين والصبر على النائبة وتقدير المعيشة).
وعن الامام الحجة (عج) في رسالته الى اسحاق بن يعقوب: (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة أحادثينا فأنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله).
 
المجال العلمي:
ترك الامام الخوئي (ره) آثاراً وكتباً كثيرة منها: (أجود التقريرات في أصول الفقه، والبيان في علم التفسير، وعلوم القرآن، ونفحات الاعجاز، ومعجم رجال الحديث، وتوضيح المسائل، والمسائل المنتخبة، وتكملة منهاج الصالحين، ومباني التكملة، وتعليقة العروة الوثقى وغيرها).
تتلمذ على كبار العلماء، كالشيخ محمد حسين النائيني والشيخ ضياء الدين العراقي، والسيد علي القاضي في الاخلاق والعرفان والشيخ محمد جواد البلاغي في علم الكلام والتفسير، وآخرين من جهابذة العلم.
وتتلمذ على يديه طلاب كثيرون جداً حيث عقد بحوث الخارج في الفقه والأصول لأكثر من ثلاثة عقود ومنهم: السيد علي السيستاني، والشيخ محمد اسحاق فياض، والشيخ بشير النجفي، والسيد عبد الاعلى السبزواري، والشهيد محمد باقر الصدر، والشيخ جواد التبريزي، والسيد محمد حسين فضل الله، والسيد محمد محمد صادق الصدر، والشيخ آصف محسني، والسيد محمد سعيد الحكيم، والشيح حسين وحيد الخراساني وآخرون من أفاضل العلماء واساتذة الحوزة.
وامتاز المرجع الخوئي بمنهجية علمية ظهرت في استدلالاته وبحوثه ودرس  الخارج حيث يطرح موضوعاً ويقدم بين يديه كافة الادلة التي قيلت فيه ثم يأتي يناقشها فيرد او يقبل من خلال استدلالاته وحججه العلمية ويبرّز الرأي المختار لديه مستدلاً عليه بالدليل، سواء في مجال الفقه أو الاصول او الحديث والرواية والجرح والتعديل وعلوم القرآن والتفسير والعقائد وغيرها.
 
أرجوزة في الإمامة:
نظم المرجع الخوئي (رض) أرجوزة من 156 بيتاً تناول فيها موضوع الامامة وبيّن بالدليل انها لابد ان تكون منصوصاً عليها لخطرها وأهميتها فذكر فضائل أمير المؤمنين (ع) بالشواهد والادلة القطعية وردّ على من زعم ان النبي (ص) لم يعين الامام من بعد وأرجع مأساة الامة وأحزانها الى عدم التزامها بهذه الوصية فقال:
 
قال أناس مات هادي الأمة***** من غير أن يوصي ولم يهمه
وذاك قول فارغ لا يشترى***** كيف وفيه النص قد تواترا
فهل ترى دين النبي اكملا***** والشارع الخبير عنها غفلا
 
وقال ايضاً (مختارات من الارجوزة):
 
أنت وزيري وأمير أمتي*****على العصاةِ المارقين حجتي
إن عليا وأنا من شجره*****وغيرنا من شجر ما أكثره
إن علياً لوليد البيت*****وليس ذا لمن أتى أو يأتي
أليس يكفينا حديث المنزله***** إنّ علياً سيكون الأمرُ له
أليس تكفي آية المباهلة*****أنّ علياً نفس طه الفاضله
وزوّج النور من النور النبيّ*****وزُوِّجا قبلاً من الله العليّ
 
ثم يتواضع فيقول:
 
اني أبو القاسم لستُ شاعراً***** ولستُ في النظم خبيراً ماهراً
لكن حبَّ العترة المطهرة*****دعا الى نظمٍ وربّي يسّره
 
لقد نظمها قبل رحيله بثلاث سنوات، وكشفت عن قدرة نظم عالية وبلاغة متينة وقوة لغوية وشاعرية عالية.
 
المرجع الخوئي مفسراً:
ننقل هنا ما كتبه المرجع الخوئي رضوان الله عليه كاشفاً بنفسه عن طريقته في التفسير: (الشيء الذي يؤخذ على المفسرين أن يقتصروا على بعض النواحي الممكنة، ويتركوا نواحي عظمة القرآن الأخرى، فيفسره بعضهم من ناحية الأدب أو الإعراب، ويفسره الآخر من ناحية الفلسفة، وثالث من ناحية العلوم الحديثة أو نحو ذلك، كأن القرآن لم ينزل إلا لهذه الناحية التي يختارها ذلك المفسر، وتلك الوجهة التي يتوجه إليها. وهناك قوم كتبوا في التفسير غير أنه لا يوجد في كتبهم من التفسير إلا الشيء اليسير، وقوم آخرون فسروه بآرائهم، أو اتبعوا فيه قول من لم يجعله الله حجة بينه وبين عباده.
على المفسر: أن يجري مع الآية حيث تجري، ويكشف معناها حيث تشير، ويوضح دلالتها حيث تدل. عليه أن يكون حكيما حين تشتمل الآية على الحكمة، وخلقيا حين ترشد الآية إلى الأخلاق، وفقيها حين تتعرض للفقه، واجتماعيا حين تبحث في الاجتماع، وشيئا آخر حين تنظر في أشياء أخر.
أما علوم أدب القرآن فلست أتعرض لها غالبا لكثرة من كتب فيها من علماء التفسير، نعم قد أتعرض لهذه الجهات اذا أوجب البحث ولا أحيد في تفسيري هذا عن ظواهر الكتاب ومحكماته وما ثبت بالتواتر أو بالطرق الصحيحة من الآثار الواردة عن أهل بيت العصمة، من ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) وما استقل به العقل الفطري الصحيح الذي جعله الله حجة باطنة كما جعل نبيه (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) حجة ظاهرة.
أني كثيرا ما أستعين بالآية على فهم اختها، واسترشد القرآن إلى إدراك معاني القرآن، ثم أجعل الأثر المروي مرشدا إلى هذه الاستفادة).
وتعليقاً على هذه المنهجية أشير هنا: الى التطبيق العملي لمنهجه التفسيري بما أورده في تفسير سورة الحمد في كتابه (البيان) حين يضع عناوين بارزة في تدبر معاني آيات السورة ومنها: فضلها، ونزولها وآياتها ثم بيان خلاصة السورة ثم ذكره لأدوات التفسير مطبقاً أياها على هذه السورة مثل اللغة، والاعراب حين الضرورة، والقراءة ومناقشتها.
ثم يناقش الآراء ويوازن بين الروايات ويعتمد السنة المشرفة عن النبي (ص) وأهل بيته (عليهم السلام) ومن طرق أهل السنة أيضاً وهذه إشارة الى اهتمام المفسر الخوئي (رض) بالروايات من الفريقين التي يجب ان تستمد قوتها من القرآن الكريم ولا تعارضه، وهذه تحسب للمفسر انه اعتمد مصادر المسلمين جميعاً من دون الاقتصار على قسم منها.
ويتناول الآيات تفسيراً ويعقد كذلك ابحاثاً في مواضيع عدة مثل العبادة والتألّه والشفاعة والهداية وهكذا بما يتاح له.
المرجعية صمام أمان
التحديات التي واجهها عالمنا الاسلامي كانت قاسية ومتعددة التوجهات وركزت كذلك على جانب الثقافة والفكر فاستهدفت العقل المسلم وتنادى المصلحون في هذه الأمة لمواجهتها كالسيد جمال الدين الاسد آبادي المعروف بالافغاني ومدرسته والمودودي والكواكبي وآخرين وقد هزّوا بمواقفهم وفكرهم ضمائر الأمة ولكن في حدود معينة من التأثير لعدم وجود مرجع فيما بينهم لا سيما ان الوسط السني لم تتضح فيه القيادة المرجعية كما في الوسط الشيعي لذا بقيت الحوزات غير متأثرة بهذه التحديات كغيرها بل كانت مؤثرة في ايجاد الظروف المناسبة لتقوية المواجهة ضد هذه التحديات ونشير هنا من غير تفصيل الى بعض النماذج المرجعية وكيف أثرت أثرها في الأمة منها:
1-مسألة التنباك وزعيم هذا التحرك المرجع الميرزا حسن الشيرازي الذي أحبط اتفاقية التنباك وحدّ من النفوذ التجاري الخارجي في ايران.
2-ثورة العشرين وزعيمها المرجع محمد تقي الشيرازي.
3-الدستورية وحركة المشروطة وزعيمها المرجع الآخوند الخراساني.
4-مواجهة المدّ الأحمر في العراق وتصدى له المرجع الامام محسن الحكيم بكلمتين.
5-تأسيس الدولة الاسلامية واسقاط عرش الطاووس على يد المرجع الامام الخميني.
6-قيادة الانتفاضة ولجنة التسعة التي شكلها المرجع الامام الخوئي.
7- المرجعية الشهيدة التي ضحت بنفسها من اجل بقاء العراق والحوزة وتصدى لها الشهيد محمد باقر الصدر.
8-وأد الفتنة في احداث النجف وحفظ وحدة العراق من خلال الجهاد الكفائي الذي اطلقه المرجع السيد علي السيستاني وتشكل في أعقابه الحشد الشعبي الذي صار صمام أمان ضد تقسيم العراق.
 
في الجانب الآخر:
قامت الجهات المعادية الاستكبارية على بأِشاعة مفهوم فصل الدين عن الدولة وفصل المرجع عن الجماهير واثارة النعرة القومية في التصدي للمرجعية هذه عربية وأخرى فارسية وثالثة باكستانية وغيرها لكنها لم تحقق شيئاً فبقيت الحوزة متماسكة تتحرك في خياراتها وضمن مساراتها العلمية. كما قام الاحتلال بأبعاد بعض المراجع والعلماء البارزين من العراق الى ايران ودعموا الفكر العلماني وشجعوا على الالحاد والاباحية والنزعات القومية والمناطقية والثقافة المناوئة للدين فراهنوا على تسطيح الوعي لدى الامة فأشاعوا ما من شأنه ان يدفع الأمة في صراعات جانبية وحركة افقية استهلاكية فظهرت فتن الطائفية والاقصاء وتهميش الآخر والاستغراق في الجزئيات المانعة من التنمية البشرية والنوعية للأمة وشجعوا على التخلف تحت عناوين مختلفة واخترقوا الجسم المقدس للحوزة العلمية بعد ان جاءوا بنظام دكتاتوري مستبد (البعث الصدامي) الذي أحرق الحرث والنسل.
 
العلماء يواجهون التحديات:
امام مؤامرة التجهيل المتعمدة والإفقار للحوزة العلمية واتباعها ومحاولات تحجيم دور الحوزة  وفصلها عن الأمة باسقاط استقلاليتها ومحاولة إلحاقها بالجهاز الحاكم وقفت المرجعيات بشدة لمنع هذا التدهور والاخطار.
 
مرجعية الامام الخوئي في الظرف الصعب:
لقد صمد المرجع الخوئي رضوان الله عليه فحافظ على استقلالية الحوزة مالياً رغم محاولات التجفيف المالي في دعم الحوزة ولم يخضع المرجع الخوئي لرغبات الدكتاتور حينما ضغطوا لاستصدار فتوى تجيز محاربة ايران فرفض فدبروا له محاولة اغتيال ففجروا سيارته الشخصية ولكنه نجا باعجوبة من ذلك الحادث المدبّر، هذا الى جانب مطاردة العلماء وتسفيرهم بحجة الاقامة كما رفعوا شعار تأميم التعليم والهدف منه نقل اشراف المدارس الشيعية الى الجهاز الحكومي مباشرة وقاموا بمصادرة الاموال المرصودة لتأسيس جامعة الكوفة وهي صرح علمي بحت، ولم تسلم الحوزة من حمامات الدم فقدمت المئات من شهداء الفضيلة وزجوا بالسجن الآلاف منهم.
 
دفع فرية عدم التصدي:
يثير البعض ان الامام الخوئي (قدس سره) لم يمارس ولايته كفقيه وهذا خطأ كبير يؤرخ له البعض غفلة او عن قصد أحياناً. فمواقفه لنصرة فلسطين ونصرة الشعب الايراني من مؤامرات الشاه المقبور ثم توجت باحداث الانتفاضة الشعبانية حين أقبلت الأمة على المرجع فتصدى لتشكيل لجنة مكونة من تسعة من العلماء في النجف وأخرى في الكوفة من الفضلاء وأشرفت هذه اللجنة بمعرفة منه مباشرة على سير الانتفاضة في النجف وكانت المدن العراقية تتصل بالمرجعية لحظة بلحظة فقد تحوّل بيت المرجع الخوئي الى مقر توجيه الانتفاضة وترشيدها ومنع العناصر غير المنضبطة للحفاظ على سلامة ارواح الناس والممتلكات.
وقد تحمل المرجع الخوئي –وهو يعلم بتلك العواقب- ايذاءات النظام الدكتاتوري البائد، فمشاركته (رضوان الله عليه) في ترشيد الانتفاضة الشعبانية وقيادتها مهّدت وهيأت للمواقف الشجاعة لتلميذه المرجع السيد السيستاني الذي يعدّ مفخرة العراق المعاصر في حفظ استقراره وسيادته ووحدته.
ان المراجع كلهم حجج الامام عجل الله فرجه الشريف (فانهم حجتي عليكم) يعملون بتكليفهم الشرعي من غير وجل او خوف او تردد كما كان الائمة الهداة من اهل البيت (عليه السلام) نعم يعملون متأسين بسيرهم الشريفة، ان الامام الخوئي (رض) اضافة الى تلك المواقف الشريفة كولي فقيه للامة ترك للانسانية مدرسته الفكرية وقد تجلت في الفقه والاصول والحديث والتفسير ولابد ان يهتم بها مريدوه وتؤسس لها مراكز بحثية لتطوير هذه النتاجات العلمية العالية.
 
الامام الخوئي يتحدث بنفسه عن هذه الولاية الشريفة:
قام الامام الخوئي بممارسة ولايته في ادارة نظام البلاد وتهيئة الاستعدادات للدفاع عنها كما حصل في الانتفاضة الشعبانية سنة 1991م وتشكيله لجنة التسعة وتحمل كل التبعات حين هجم النظام البائد على بيته واعتقله واعتقل معه انجاله وطلابه الذي استشهد الكثير منهم بعد ان اخفوا تماماً في زنزانات النظام الدكتاتوري ولم يكتف بكتابة الرسائل الفقهية وهو القائل: (يجب الجهاد الابتدائي في عصر الغيبة)، ويقول ايضاً (رضوان الله عليه) بما مضمونه: ان هذا الجهاد في الخارج يحتاج الى قائد يرى المسلمون نفوذ أمره عليهم فلا محالة ان يتعين ذلك في الفقيه الجامع للشرائط فأنه يتصدى لتنفيذ هذا الأمر من باب الحسبة على اساس ان تصدي غيره يوجب الهرج والمرج.
فالفقيه إذن له الولاية في المصالح العامة في حفظ استقرار الحياة.
رحم الله الامام الخوئي فقد كان مرجعاً فذّاً أسس مدرسة للفكر والدرس وعلم الكثير ممن تتلمذوا على يديه فصاروا مراجع كراماً واساتذة عظاماً ومؤلفين قادرين. وترك لنا تراثاً كبيراً من الفكر والمعارف والعلوم.
 
بعض المقترحات الضرورية:
1-ضرورة القيام باستخراج الآيات الاستدلالية التي استدل بها المرجع الخوئي في درسه الخارج وكتبه وآثاره لتنظم كجهد تفسيري ينضمّ الى تفسير البيان.
2-اخراج كتاب مستقل في علوم القرآن من: (بحوث كتابه البيان مع بحث نفحات الاعجاز وما توزع هنا وهناك من أبحاثه الشريفة في العقائد وعلوم القرآن).
3-ضرورة صياغة فنية لكتابه البيان ليكون منهجاً تدريسياً ويطلب من وزارة التعليم العالي العراقية لأقراره منهجاً في الدراسات العليا في الجامعات لأهميته.
4-تأسيس مركز بحوث ودراسات يعنى بآثار الامام الخوئي (رض).
ولله الحمد أولاً وآخراً.
 



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=54667
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 12 / 04
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28