بسم الله الرحمن الرحيم
قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ{93}
تخاطب الآية الكريمة النبي الكريم محمد "ص واله" ( قُل رَّبِّ ) , التوجه المباشر لله جل وعلا , ( إِمَّا تُرِيَنِّي ) , "ما" والنون هنا للتأكيد , ( مَا يُوعَدُونَ ) , ما وعدت به الكفار من الهلاك , وكان ذلك يوم بدر على بعض الآراء .
الخطاب موجه للنبي الكريم محمد "ص واله" والمعني به سائر المسلمين من باب الخصوص وكافة الامم من باب العموم , والا فأن النبي الكريم محمد "ص واله" لا حاجة له ان يرى عذاب الكفار وهو نبي الرحمة , لكن المسلمين بحاجة الى ذلك كي يزدادوا ايمانا بالله تعالى وعزيمة ترك المناهي , وباقي الامم بحاجة ماسة لترى عذاب الله تعالى الواقع على الكفار , ليكون ذلك خير واعظ ومنذر لهم .
رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{94}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة ( رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) , قرينا لهم في العذاب والهلاك , وفيها نوعا من انواع التأدب والتربية , حيث يتوجب على كافة المسلمين ان يتوجهوا لله تعالى معلنين براءتهم من الكفار , طالبين منه تعالى ان لا يقرنهم بالمجرمين .
وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ{95}
تبين الآية الكريمة على نحو التأكيد انه جل وعلى قادر على ذلك , واللام للتأكيد .
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ{96}
الآية الكريمة تخاطب النبي الكريم محمد "ص واله" ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ) , ان يقابل اذاهم بالصفح والاحسان , وهي ابلغ من { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } فصلت34 , ( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ) , ما يصفونك به , او ما يصفونه من الشرك والتكذيب فنجازيهم به .
وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ{97}
تستمر الآية الكريم في خطابها للرسول الكريم محمد "ص واله" ( وَقُل رَّبِّ ) , التوجه المباشر لله تعالى في كل حال , ( أَعُوذُ بِكَ ) , استجير و اعتصم بك , ( مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ) , وهو ما يقع في القلب من وساوس شيطانية .
الخطاب ايضا ليس موجها للنبي الكريم محمد "ص واله" فقط , بل يعمم الى كافة المسلمين كونهم الأحوج اليه .
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ{98}
تستمر الآية الكريمة في خطابها ( وَأَعُوذُ بِكَ ) , استجير و اعتصم بك , ( أَن يَحْضُرُونِ ) , في شؤوني واحوالي , فأن محضرهم محضر سوء , لا خير فيه .
حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ{99}
الآية الكريمة تبين حال الكافر حين الموت ( حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ) , حين يحضر الكافر الموت , ويرى مكانه في النار , ( قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ) , سيصرخ قائلا رب ردوني الى الحياة الدنيا , والواو في ( ارْجِعُونِ ) لتعظيم المخاطب .
لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{100}
تبين الآية الكريمة سبب طلب الكافر ان يرد الى الدنيا ( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً ) , رجاء ان اعمل عملا صالحا يقيني النار , ويلاحظ انه استعمل ( لَعَلِّي ) وهي اداة ترجي لا تدل على التأكيد , فلو كان مؤكدا عمله الصالح فيما لو رد الى الدنيا لكان قد استعمل اداة من ادوات التأكيد , ( فِيمَا تَرَكْتُ ) , فيما ضيعت من عمري او فيما تركت واهملت من الامور في الحياة الدنيا , ( كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ) , يأتي الرد الالهي في النص المبارك وفيه الردع عن طلب الرجعة الى الدنيا , وايضا موضحا انها كلمة تصدر من الكافر حين الحسرة والندامة ليس الا , وان تقرر رجعته الى الدنيا لعاد الى كفره وطغيانه , وهو مصداق الآية الكريمة { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }الأنعام28 , ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون ) , امامهم برزخ "حاجز" وهو القبر , حيث الحد الفاصل بين الدنيا والاخرة , ويستدل المفسرون من الآية الكريمة على صحة عذاب القبر .
هناك اراء حول الآية الكريمة انها نزلت في تاركي الزكاة , يذهب الى مثل هذا الراي عدة مفسرين منهم الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي ج3 والسيد هاشم الحسيني البحراني في تفسيره البرهان ج4 وغيرهما .
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ{101}
تبين الآية الكريمة ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ ) , الى قيام الساعة , ( فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ ) , في ذلك الحين لا تنفع صلات القرابة , او لا ينفعهم التفاخر بالأنساب , ( فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ{33} يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37}) سورة عبس الشريفة , ( وَلَا يَتَسَاءلُونَ ) , لا يسئل بعضهم بعضا لانشغال كل منهم بنفسه من جهة , ومن جهة اخرى لهول القيامة وفزعها , وهذا لا يتنافى مع قوله عز من قائل { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } , لان هذا " وَلَا يَتَسَاءلُونَ " في يوم القيامة , وذاك { فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ } يوم الحساب , وهو مرحلة من مراحل يوم القيامة .
فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{102}
تبين الآية الكريمة ( فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ) , رجحت كفة حسناته , ( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) , فأولئك هم الفائزون بالجنة والعاقبة الحسنة . |