• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قصة قصيرة كاني .
                          • الكاتب : عقيل فاخر الواجدي .

قصة قصيرة كاني

( وجع الشرف العراقي  وضحية العنصريين الطائفيين ادعياء الحميّة )

 

   كان يفلسفُ الاحداثَ لها و يمنطقُ  الاشياء ، يجترُّ تاريخه المخضَّبِ بالدم بأسانيده المنتقاة ، كبهيمةٍ تقيئ  علفها ، يضغطُ بطرفِ اِبهامهِ على اُمّ رأسها ، ويده الاخرى لا تنفك عن جذب لحيته الكثة الى الاسفل مرارا ،  يطوفُ  من حولها طواف المذنب ابتغاء رضا ربّه  ، ثوبهُ الذي يلامسُ وجهها مع كل استدارة  بفعل  بطنهِ المتدلية وهي جاثية على ركبتيها  يؤرشفُ لأيّامها التي تعثـَّـرت عند ناصية الحلم ، احلامُ البسطاء مشرعة ٌ نوافذها  لذا هي عرضة للسرقة  ،  فـَمَهُ اللزجُ  ببياضِ العفونةِ  يتلو عليها  قُدّاسَ فحولتهِ ، كان هو آخرَ المارينَ على جسدها ، اَثلَجَ مساماتها بيدهِ التي تسللت اليها  كعنكبوتٍ رطبٍ  الى طريدته ، تَعَثـُّـرُهُ المستمر بالرؤوس التي اِحتطبوها لم يمنعه من الاستمرار بالدوران ، الدوران يزيدُ من جاذبية الاشياءِ الى بعضها  ، اِلاّ هِيَ ( كاني ) فتاة النبع  ،   اِنفلتتْ  كانشطارِ كوكبٍ  عن مجرَّته  ، تُسابقها اللحظاتُ الى خطواتها الغضَّة التي  تمنحُ العشبَ اَثراً  كتفتحِ الوردِ وهي تقفزُ عليه ، هناك  في رُبى ( سنجار )... ( 1 ) ، الماء يتسللُ الى السواقي من النبعِ الذي اعتادت اَنْ تمدَّ ساقيها فيه ، تراقصُ الماءَ  المندفعَ رغبةً  لعناقِ ساقيها ، اِبنة ُ الجِرارِ  هيَ وحوريةُ الوجود .. ( 2 )

الثوبُ يضربُ اَنفها بخشونتهِ كلّما استدارَ مِنْ حولها حتى ما عادتْ تشعرُ بهِ ، عيناها بينَ بياضِ الفراغِ ومرورهِ من امامها زمنٌ رماديٌ لا ملامحَ لهُ ، اِصبعهُ ينغرزُ بِرأسها معَ كلّ استدارةٍ ، يشطرُ ذاكرتها التي خلَّفتها على السريرِ وهيَ تئنُّ تحتَ وطأةِ جسدهِ الثقيلِ ، بلحيتهِ الطويلةِ التي لمْ تعرفِ الماء ، سيعينني اللهُ عليكِ ايتها الكافرة ،  يرددها بعد كلّ جولةٍ تنتهي بفخذينِ لها  لا تقوى على جمعهما مرةً اخرى ، وما اكثرُها جَوَلاتِه !! الربُّ بعصاتهِ يقفُ عند رأسيهما ،  يَعُدُّ انتصاراتِهِ ، يُدَوّنها على خِرْقتهِ السوداء ، لا انتصارَ اكبرُ من فضّ بكارةِ اعداءِ الربِّ ، ولا ايمانَ اعظمُ من ان تقتصَّ لعُذريةِ الالهِ من دَنَسِ الالحادِ  ،   عقائد يتسابقون الى ثدي ايامها لا ينفكون عن التقامهِ وانْ جف !!

    الهروبُ ما كان كافياً لِأَنْ تنفذَ – كاني -  بأنوثتها من بينِ المئاتِ التي تسلقتِ الجبلَ اِليها كالجرذانِ بحثاً عنها ، اُنوفهم بحاسّةِ الشبَقِ اِسْتدلّتْ عليها سريعاً ، هَرْوَلتْ الى عِطْرِها زَكامَتـُهُمْ  ، عيونهم المُبَسْتَرَةِ بسوادِ القلوبِ اِلتهمتْ جسدها المحشورِ بين الصخورِ ، السريرُ محطتُها الاولى مِنْ بَعْدِ طقوسِ  الاسْتِتابةِ التي ردّدتها من خلفهم  بِفَمِ الخوفِ لا الادراك ، اَكَلها الجميعُ بعيونهم وَهِيَ تئنُّ تحتهُ ، يُشْجِيهم صوتُ الاستغاثة الذي لا مجيبَ لهُ ، هو وحده مَنْ كانَ صاحبَ الانتصارِ لحظتِها ..

سَوابيطُ العِنَبِ تُخْفي ظلَّيهما وهما يقطفانِ الهمسَ كما يقطفُ الخيالُ الفكرةَ ، مُتَاَمَّلَةٌ لحظاتُهم تنسابُ كما الهدوءِ في جَوْفِ قـَبْـوِ ،  كان يُخبرها انَّ اجملَ ما سيقطفهُ هما شفتيها ، يَعُدّان الايامَ لمنتصفِ هذا الشهرِ  ، ( البير)... ( 3 )  الذي عمّدهُما في ( عين البيضاء ).. ( 4 )  ذاتهُ من سيربط ُ بينهما ومَنْ سيقتسمانِ رغيف الخبز بحضرته ... ( 5 )  ، سَتُوْقِدُ لهُ سنيّها العشرين ، سَــتمْنَحهُ اَنْ يقطفَ حبّة الكرزِ كما يُسَمّيهما ، رَأَتْهُمْ  وَهُمْ  يقطفونَ رَأسَهُ امامها وعيناهُ تُوَدّعانها بحياء ،  الحياءُ الذي لا تُجيدهُ الاّ الارواحُ التي خذلتها قُدْرَتُها في اَنْ تدفعَ عمَّنْ تُحِبُّ ، الحبُّ ناموسُ الوجودِ وقنديلُ الارواحِ الطاهرةِ ، قتلوا كل مسامة منها وهي ترى راسه المعلق من شعره بعينيه المستسلمتين خجلا منها لانه تركها دون ان يفعل شيء ، ربما الموت كان عزاءا جميلا لروح – حبيبها -  كي لا يرى ما سيحدث لحبيبة الروح ، اِنْسلَّتْ احلامه مع كل حزّ لسكين مرت على رقبته وتكبير ...

الثلجُ على نقائهِ لا يمنحُ الحياة ، هُمْ جبالٌ من الجليدِ تُخْفي ثأرَ صحرائِهم ، سنينٌ من القبحِ تداهمُ الجمالَ حيثُ حلَّ ،  عالَمٌ من الدَّوارِ والدورانِ يحطُّ عند عينيها مع كلّ استدارةٍ  لهُ ، ثوبهُ المعتَّقِ برائحةِ العَرَقِ يُعَـثِّرُ  ذاكرتَها بارتطامهِ المتكرر ، الذاكرةُ تَرُنُّ كارتطامِ الحديدِ ببعضهِ ،  صُوفيِّ الدورانِ – هو -  لم يُشْعِرْهُ الوقتُ بالمللِ او التعبِ ، مُسْتمتعاً بِوِجُومِها ، باستسلامِها ، منقادة هي اليه لا تقوى على عصيان ، لا ارادةَ لها ، كما اتباعهم ، الارادةُ مَفْسَدَةْ الدّينِ !!  التفكيرُ مُوْبقة  تحطُّ الحسناتِ و تأكلها !! العقول ُ التي تفكرُ ستتعثرُ ارواحها بمطبّاتِ السماءِ وهي مغادرةٌ  نحو الربِّ !!  موائدُ الشهداءِ لا تؤمنُ بالمفكرين !! 

     يَدُها المتشبثةِ بثوبِ ابيها تنفلتُ عنه بأصابعٍ مشدودةٍ ، كانت يدُها اَهْوَنَ من اَنْ تمنعهم ان يأخذوه ، مشهدٌ تكرَّرَ في حياتها كثيراً على قِصَرِها ، هو الأَبُ المطلوبُ دائماً الى حتفهِ ،  صوتُها ينحبسُ رويداً رويداً ، اَخْرَسَها اليأسُ من عودتهِ ، لا تعلمُ اِنْ كانت سَـتُمْنَحُ الفرصةَ لجمعِ رأسه ِ  بجسدهِ مرة ً اُخرى ، فَصْلُ الرؤوسِ اِرث ٌ يتداولهُ النابتونَ من سَبَخِ الارضِ ، المُدَجَّنونَ من نُطَفِ الأَسِرَّة ِ، سحبوها باتجاهِ الزاويةِ التي اِنْحشر فيها من عثروا عليهم  ، الزاوية ابعد ما تكون عنها ، فاَكوامِ اللحم تحولُ دون وصولها اليها ، كانوا  كما الصيصان يختبئون  تحت اَجْنِحَةِ  بعضهم ، يُخْفون رؤوسَهم كأنما لا احدٌ يراهم ، لا اصواتَ الا حشرجةَ انفاسٍ وقلوبٍ افزعها الخوف ،     الوجوهُ التي مَلَئَتِ المكانَ تستعرضُ البضاعة ، ما غيرها واخوتها الصغار وفتيات التقطتها اَيْدِيَهُم اضاعَ الفزعُ عليهنَّ المهرب ، النظراتُ المتفحصةِ  تزيدُ التصاقهنَّ  بالجدار ، اُمنيةٌ واهمةٌ اَنْ يَجِدْنَ في الجدار منفذاً او يُخفيهنَّ  عن هذه الاعينِ الماجنة ،    سُورٌ من الاجسادِ تُحِيطُ بهنَّ  اَشْبَهُ بالتماثيلِ التي لم تكتمل بَعْدُ ، شَوْهاءُ حَدَّ القيء ملامحهم ، كنَّ هدية السفوحِ التي تخلَّت عن حيائِها حينَ تَعَرَّت الجبالُ  لتكشفَ عن اجساد ٍ حاولت اَنْ تجدَ ولو حجارةً تختبئ من خلفها ، هو الوطنُ الذي يتخلّى عن كل شيءٍ اِرضاءاً  لرغباتِ قاتليه ، تُدْرِكُ التآمرَ حينما  تجدُ الوطنَ لا يعدو سوى نخّاسٍ يُتاجرُ بالأجساد ، اَدْرَكَتْ انما الوطن الواحد اكذوبة وان السماءَ ربُّ الجميع لا حقيقة له ، الوجعُ بطعمِ الاكاذيب ،  والاملُ لا نوافذَ له ..

الذراعُ التي امتدتْ اليها لتخرجها مرةً اخرى من بينِ كَوْمَةِ اللحم التي تراكمت فوق بعضها ، مسكتها من شعرها وهي تسحبها خطواتٍ بشدّة  لتقفَ بها امامَ ذلك الهَرِمِ الذي تفحَّصها جيداً من فوقِ زجاجتي نظارتهِ التي اَمالها قليلاً الى انفهِ ، كادت ان  تهوي الى الارض حين احسَّت بيده تتسللُ الى جسدها يتلمَّسهُ  لولا شعرها المشدود الى كفِّ هذا الماردِ  بذراعه المفتولة ، كَرِهَتْ جسدها مع كل مسامة يتفحصها ، مع كلِّ نَفَسٍ يَمُرُّ من فَمِهِ  بالقرب منها برائحة الجِيَفِ  ،  يمررُ يده غير عابئ بمن حوله ، تتعثرُ أصابعه بتفاصيلها تعثرّ الخيل الجامحة ،  تَهَـشّم وجهها الذي تديره ما بين الحاضرين تَوَسُّلاً  تهشُّمَ الحنين على صدر الغياب  ،  المكان على ظلمته  يعج بالسواد ، كل شيء كان اسوداً حتى اِلهُهُمْ 0

رَكَلَها من على حافة السرير بعد اَنْ نَصَبَ آخِرِ راياتِ انتصاره لتتكوَّرَ بعيداً ، الغرفة مقدَّسة ٌ لا يمكن جَمْعُ رَجُلَيْنِ فيها مع امرأة واحدة ، اَمَرَهُمْ ان يأخذوها الى غرفة اخرى ،  الشبهاتُ لابدَّ ان تُـتّـقى !! هكذا حذَّرهم !!  اِنْسَلَخَتْ عِفَّتَها كانسلاخِ الليلِ عند حافةِ النهار وهي تدورُ ما بين الاسرَّةِ واحداً تُلْوَ الآخر !!  

اِبهامُهُ  لازال منغرزاً  في اُمَّةِ رأسها ، استداراتهُ  تتباطأ حتى ما عادت تراهُ يمرُّ من  امامها ،  الذهولُ يشيِّعُ المكان بالعمى ، اَغمضتْ عينيها ، غادرتْ وجعها المسكوب كَدَمِها ، السكينُ كانت آخرَ المارين على حُلُمِها ، اَوْدَعَتْ امنيتها ان تكون ذاتها السكين التي قطفت رأس  حبيبها ، لحظة لقاء السكين ستكون ( كُلّة  )...( 6 )  عرسهما   ، سقطت حبّة الكرز ،  جمعوا الرؤوس ، كان راسها الاقربَ الى الزاوية ..

 

.........................................................................................................................

الهوامش :

1- سنجار مدينة  تقع في شمال العراق يسكنها الايزيديون .

2- هي اسطورة تقول بان اصل الايزيديين نتاج زواج شيث ابن ادم من حورية .

3- البير : هو الكاهن الذي يقوم بعقد القران بين العروسين عند الايزيديين .

4- هي عين ماء يقوم الايزيديون بتعميد اطفالهم المولودين حديثا فيها .

5- من طقوس الزواج عند الايزيديين ان يقوم العروسان باقتسام رغيف الخبز تفاؤلا ودليلا على الشراكة .

6- هي قماش ابيض شفاف بهيئة خيمة يوضع على سرير العروسين .

 

الناصرية 22/12/2014




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=66955
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 09 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 02 / 27