• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إرادة .
                          • الكاتب : ميسون زيادة .

إرادة

 ليس النجاح وقتاً منظّماً، ليس النجاح خطّاً جميلاً وأوراقاً مرتّبة، ليس النجاح أفكاراً نرثها من أبوينا وننمقها لتناسب ذوقنا وذوق من حولنا.......

النجاح إرادة تستطيع أن تنهض بحياة إنسان من الصفر أو من تحت الصفر إلى مرتبة الإنسانية.
عشت حياتي كلها وأنا أفتقر لورقةٍ مرتّبة، لساعةٍ تدقُّ كلّ دقيقةٍ ستين ثانية متتالية منتظمة، حياتي كانت خربشةً فوق دفتر بأوراق صفراء بالية، ساعة تتكتك كيفما اتّفق، والآن أرى نفسي واقفاً فوق منبر أشرح لطلّابٍ في أحرج لحظات عمرهم، كيف يجب أن يعيشوا وينجحوا.
هل يا ترى يليق بي أنا الذي سرقت وثملت، ضَرَبت وضُرِبتُ، أن أكون هنا؟........ربما أنني خير من يجب أن يكون هنا لأنني صنعت موقفي من العدم من الظروف اللامواتية، اخترته بنفسي....
تأمّلت ذلك الشاب الوسيم ينظر من النّافذة بهيام عاشق يعتّز أن يلاحظ من حوله تصرفاته، لو أنني تزوّجت مبكّراً لكان لديّ ولدٌ بعمره الآن، لم أكن يوماً محبوباً من الفتيات، أذكر عندما ضربت زميلي لأنّ من أحبها... تضحكني هذه الكلمة، لم أحبب يوماً، لأنّ من لفتت نظري كانت تسير برفقته......
راقبت طالباً آخر فقد أعطيتهم عشر دقائق للاستراحة، لا  ليستريحوا بل لأراقبهم وأندم على ما كنت أفعله وأنا في عمرهم، أحبّ الندم لأنّه هو الذي ارتقى بي إلى هنا، نظرتُ بين قدميَّ نظرة معجبٍ بمكانه، كان يخربش على دفتره بعصبية، ربّما يفكّر بأبيه السكِّير الذي تركه في المنزل وهو يحطِّم أثاثه، ويكسر أكواب الشرب وزجاجاته كما كان يفعل أبي، قلّدته يوماً وثملت، كانت النتيجة أن نمت في الشارع ليس لأنّ والدي طردني من المنزل على فعلتي بل لأنني أردت أن أكون مشرّداً، أدركت من وقتها أنّ الإنسان لا يفعل شيئاً إلا عندما يريد هو أن يفعله، ومنذ ذلك اليوم قررت أن أكون هنا.
لم أكن كبيراً عشرون عاماً سنٌّ صغيرة، ولكنني لم أكن أيضاً صغيراً، كنت أعلم الصواب وأعلم الخطأ.
قدّمت الإعدادية ونجحت... بصعوبةٍ ولكنني نجحت، كان حدثاً غير اعتيادي في عائلةٍ مليئةٍ بالمنكوبين، فكلُّ إخوتي بالكاد يفكّون الخط، الفقر أكَلَنا وأَكَلْناه، ربما لأننا لم نجد شيئاً لنأكله سواه.....
طالبٌ أصفر الوجه لفت نظري، لا بدّ أنّ أمّه تفرض عليه كمية الطعام عند الفطور والغداء، وربما ينام كما نمت طويلاً بلا عشاء.
كانت أمّي حنونة ولكنّها كانت قاسية الحياة علّمتها أن تكون قاسية، كيف لا؟ والحياة بالنسبة لأمّي محصورةٌ بالتفكير بشيئين وحيدين لا ثالث لهما: أبي والمال، فكيف لها ألّا تكون على طيبتها قاسية.
شابٌ يخربش على الجدار من واجبي كأستاذ أن اوبّخه، ولكنني أحياناً أخجل أن أوبّخ على عادة كنت أفعلها، خصوصاً أنني أعلم جزءاً من الدافع، التمرّد، فجدارٌ نظيفٌ يشكّل تحدياً لروحٍ متسخة وعقل لم يصقل، ولكنني منذ زمن قررت أن أملك روحاً نظيفة، وبّخته بلا تردّد ونسيت ما فعلته بالماضي، وتناسيت ما حدث بالماضي، فقد بدأت صفحةً جديدةً منذ عشرين عام، ها أنا أحصد ثمارها الآن وأنتظر أن أتمتع بنتائجها غداً مع أبناء ناجحين بلا عقد، فالشيء الوحيد الذي لا أستطيع تجاوزه أنني معقد، فأنا أحسد أولئك الذين يختصر عليهم آباؤهم الزمن ويعلمونهم المبادئ والفضيلة قبل مُضيّ العشرين الأولى من عمرهم.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=69038
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2015 / 10 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18