• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : قضية رأي عام .
              • القسم الفرعي : قضية راي عام .
                    • الموضوع : 5 / 2 / 2016 ــ الـقـَرَارُ الـجَـرِيءُ !!. .
                          • الكاتب : نجاح بيعي .

5 / 2 / 2016 ــ الـقـَرَارُ الـجَـرِيءُ !!.

تعددت القراءات واختلفت الرؤى , حول قرار المرجعية الأخير, في عدم تبنى أي رؤية معينة , أو النظر بأيّ شأن من شؤون البلد, بشكل اسبوعي , وحصر الأمر حسب ما تقتضيه الحاجة , أو ما يستجد من أمور مستقبلا ً. وهو إجراء لم يعهده الشعب العراقي البتّة , فضلا عن القوى السياسية , التي لم تَفِق للآن من شدّة الصدمة, منذ أن أقيمت صلاة الجمعة , بعد تغيير النظام عام 2003 , بالصحن الحسيني الشريف .
بينما يُعدّ هذا الإجراء مألوفا ً, عند من تنسّم عطر سيرة الأنبياء والأوصياء تجاه أممهم , واستجلى مواقف النبيّ ( ص وآله ) وأهل بيته المعصومين ( ع ) في الأمّة , وتربّى على هدى المرجعية , التي هي بمقام النيابة المقدسة عن الإمام المعصوم ( عج ) , وتشرّب الوطنية ومضى على دربها , مقدما ً التضحيات تلو التضحيات . بل يُحْسَب من أشجع وأبلغ الإجراءات التي خَطتْها المرجعية تجاه الشعب العراقي بأسره , وما اكتفائِها بقراءة مقطعيّ من دعاء ( اهل الثغور ) إلا ّ إسلوبٌ خطابيّ جديد , توجههُ المرجعية إلى جميع العراقيين بشكل عام , بإبراز صنفيّن اثنين في الشعب العراقي , ضَمِنَهُم الدعاء بشكل خاص . وليس فقط لحفنة من السياسيين الفاسدين والفاشلين بكل شيء .
للوقوف على بعض مضامين قرار المرجعية , علينا معرفة فلسفة صلاة الجمعة , ولو على نحو الإجمال , لندرك أهمية وخطورة ما أقدمت عليه المرجعية الدينية العليا . فصلاة الجمعة ركعتان , وتقام بدلا عن صلاة الظهر، و تحسب الخطبتان اللتان يتمّ إلقاؤهما قبل الصلاة , بدل الركعتين الأخيرتين . وهي واجبة بوجود المعصوم (ع) , ومستحبة بشروط معينة في غيابه (ع) . فللخطبتين ما للركعتين من الصلاة , بل هي صلاة وورد نهي عن إتيان ما ينافي الصلاة . فعن الإمام علي ( ع ) " لا كلام والإمام يخطب , ولا التفات إلا كما يحل في الصلاة ". وتعتبر عبادة ( جماعية ) مقدسة . و من الناحية السياسيّة و الاجتماعية , تعتبر بمثابة مؤتمر أسبوعي , يماثل الحج السنويّ . وأهميتها تكمن , بأبعادها الدينية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية , التي تهدف الى تكامل الأمّة نحو مجتمع أفضل . ولهذا فقد ورد لمن أعرض عنها أو استخفّ بها , يكون في معصية عظيمة حتى يتوب . 
فعن الرّسول (ص وآله) : " إنّ اللّه تعالى فرض عليكم الجمعة ، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي ــ استخفافا بها , أو جحودا لها ــ فلا جمع اللّه شمله و لا بارك له في أمره ، ألا و لا صلاة له ، ألا ولا زكاة له ، ألا و لا حجّ له ، ألا و لا صوم له ، ألا و لا برّ له ، حتّى يتوب ". / «وسائل الشيعة. 
بعد تلك المقدمة , بالإمكان إصابة ما يوحي لنا قرار المرجعية الأخير , الذي تضمنته خطبة صلاة الجمعة في ــ 5 / 2 / 2016 ــ أمور منها : ( 1 ) ــ إنّ خطاب المرجعية عبر منبر صلاة الجمعة , مُقدّس يعلو فوق كل خطاب . ( 2 ) ــ عام يشمل الأمور الدينية والدنيوية . ( 3 ) ــ ملزم للجميع من الناحية الاعتبارية الإرشادية , بلحاظ عدم ترك الأولى , لإكتنافها على النصح والمشورة الموجبتين لصلاح الأمّة . والموجبتين لخرابِها لعدم الأخذ بهما . وإنما هبط نبيّ الله آدم (ع) من الجنّة الى الأرض , بتركه الأولى . الذي هو الأمر الإرشادي النّصحي من الله تعالى . ( 4 ) ــ الإعراض عنه ولأيّ سبب كان , موجب للذنب والمعصية , وهو كذلك حتى يتوب. ( 5 ) ــ الخطاب يتعدّى من حَضر الصلاة , ليشمل جميع الشعب العراقي . ولم يكن بمقدور أحد أن يطأطئ رأسه أمامه ليتخطّاه , فأيّ شخصٍ عراقيّ هو معني ٍ بالذات , أينما كان وبأيّ مقام هو .
إذن .. فقرار احتجاب المرجعية عن تناول ( الشأن العراقي ) , بالرؤية والنظر , يشمل الأمّة ( الشعب العراقي ) بكل المستويات الإجتماعية والسياسية والأمنية والثقافية وغيرها . واستثنت من عنتهم في دعاء ( أهل الثغور ) المنسوب للإمام زين العابدين (ع) . 
ـ فهي امتعضت واحتجبت , عن تناول شأن الرئاسات الثلاث , التنفيذيّة بشقيّها , والتشريعية , والقضائيّة . لأنها عقيمة وأصبحت حاضنة للفساد والمفسدين الفاشلين .
ـ امتعضت واحتجبت عن القوى السياسية بأحزابها وكتلها وتياراتها , لأنها آثرت الصمت وعدم الاستجابة لأيّ توجّه من المرجعية , بل عملت بالسنوات الأخيرة بالضّد منها قولا ً وفعلا ً . بل تورطت حتى النخاع بمجمل المؤامرات , التي أوْدَت بالعراق الى هاوية الحرب الطائفية , والخلل الأمني , وتهديد السلم الأهلي , وتمزيق النسيج المجتمعي , والركود الإقتصادي , والشلل السياسي , على مدى ثلاث عشر سنة . 
ـ امتعضت واحتجبت المرجعية عن العشائر , التي تقاتل بعضها البعض . ولم ترعويّ لنداءات المرجعية بالكف عن هدر الدماء ( المحترمة ) من غير وجه حق ولأسباب تافهة . حتى خرج الأمر عن السيطرة , وبات يهدد الأمن في البلد . و بالخيانة العظمى وانها تمثل الجناح الآخر لداعي في الجنوب العراقي .
ـ امتعضت واحتجبت المرجعية عن المؤسسة العسكرية والأمنية , المخترقة من قبل عناصر النظام السابق , ومن قبل شلّة الوصوليين والمنتفعين , اللذين اتت بهم المحاصصة الحزبية المقيتة . وكانت سبب تردّى الوضع الأمني للبلد من سيّء الى أسوء . حتى استبيحت ثلث أراضي البلاد من قبل أعتى عدوّ وأخسّه ( داعش ) . ووضع الشعب الأعزل بكل مكوناته , تحت رحمة سّراق المال العام واللصوص , ونيران العصابات الإجرامية , و سكين المجاميع الإرهابية , بالتفجيرات والمفخخات والاغتيالات , بمشهد دمويّ يتكرر بشكل يومي على كل العراقيين .
ـ امتعضت واحتجبت المرجعية عن جميع الشرائح والفعاليات الثقافية والإعلامية والتربوية وغيرها , في طول البلاد وعرضه , من طلاب وموظفين واعلاميين وصحفيين ومثقفين وادباء ومنظمات مجتمع مدني .. ألخ . امتعضت بمرارة واحتجبت , من جميع اللذين لم يستمعوا ولم يَعوا , ولم يلتفتوا , ولم يأخذوا بوصايا وإرشادات ونصائح ومطالب المرجعية .
ـ واستثنت من ذلك , مَنْ استمع ووعى , والتفت ولبّى , وأخذ بجميع ما صدر ويصدر من المرجعية الدينية العليا , ووضع أمرها أمامه على السمع والطاعة . مؤمنون مذعنون مسلـّموُن , أدركوا أن المرجعية مقام مقدّس من مقام المعصوم (ع) والأخذ بما يصدر منها , هو عين التكليف الشرعي . واستثنت من اعتقد أن المرجعية هي العراق , وهي الوجه الآخر للوطن والوطنية . واستثنت من لمسوا بالمرجعية بأنها الملاذ الأبويّ الآمن . واستثنت مَنْ رأوا بالمرجعية الزهد والعفّة والنزاهة , ورأوا بأمّ أعينهم كيف تتداركت الدنيا , وتحطمت على أعتاب المرجعية في النجف , وهي غير آبِهَه لها . وأيقنوا من أن الكلّ هو محتاج إليها , ولم تكن لتحتاج إلى أحد . 
مَنْ استثنتهم وعنتهم المرجعية هم شيعة . وسنّة . و مسيح . عربٌ وكردٌ وتركمان وآخرون . عرفناهم حينما لبّوا النداء , وهبّوا كرجل واحد للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات . عرفناهم كأبناء لفتوى( الجهاد ) ضد عصابات داعش . وعرّفتنا بهم المرجعية باسم ( المقاتلين المتطوعين الغيارى ) . هذا النمط المبارك , وصفه الإمام السجاد (ع) بـ ( الحُمَاة والرجال والمجاهدين ) ووضعتهم المرجعية نصب عينيها بالرعاية الشاملة . من هذا النمط مَنْ هُم بدرجتهم ومقامهم , هم مَن ( تعهد وأعان وأمدّ وشحذ ورعى ) الحماة والرجال والمجاهدين في المعارك . وقد وحدّهم الأمام (ع) بالأجر والثواب العظيمين , وجعلهم بمقام واحد .
ــ ونتيجة لذلك , فقرار المرجعية لا يفسّر إلا ّ أنه ( صرخة ) بوجه الجميع , ليوقظها من غفلتها . وأنها حاضرة وفاعلة أكثر من ذي قبل , فالمصلحة العليا للبلد مطلب المرجعية , وهي مكلفة بالحفاظ عليه على النحو التكليف الشرعي . لهذا لا نعلم ما الخطوة الثانية لها وما هي سمتها . وإن كانت قد لاحت لوائحها على يد ممثل المرجعية ( الشيخ الكربلائي ) حينما نزل إلى شوارع مدينة كربلاء بخطوة غير مسبوقة , بعد ساعات عن قرار المرجعية , لتنظيف القمامة المتراكمة . ويمكن تأويلها على أنها خطوة اجتماعية تعبويّة لكنس ( فشل ) الحكومة بقواها السياسية . ويلوح من ذلك سؤال وجيه .. هل العراقيين على موعد في المستقبل القريب مع ممثلي المرجعية , و بخطوة تعبويّة سياسية مماثلة , لكنس الفشل السياسي والمتمثل بالسياسيين أنفسهم ؟.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=74265
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 02 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29