• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : التكنوقراط وصفة جاهزة عند الحاجة ؟؟ .
                          • الكاتب : د . نوفل ابو رغيف .

التكنوقراط وصفة جاهزة عند الحاجة ؟؟

   لاتزال موضوعة (التكنوقراط /النخبة المختصة ) على تعدد أنساق الفهم لها، تشكل مساحة خصبة لجدل عريض يتوارى ثم يعاود بين آونة واُخرى منذ مطلع ( التحول الديمقراطي/ الاحتلال ) في عراق مابعد الديكتاتور ٢٠٠٣، حتى اللحظة ، وتبلغ ذروتها كلما اطلت برأسها أزمات البلاد ، وكأنها وصفة ترقيعية عند الحاجة ، تتجه النخب وأدوات الاعلام والتجاذبات الى اعادة تدويرها وانتاجها من دون استعادة لما يكتنفها من غبار ومطبات تلفيقية طيلة سنوات التداول السلمي لإدارة الدولة ، مع الاتفاق قطعا على أهمية هذا المفهوم وأثره البالغ ايجابا في الأنظمة الراقية والتجارب الناهضة وفي تطوير الأداءات العامة بما يعزز حداثة الدولة وعصرنتها على وفق رؤية عادلة توازي بثقة ، مقولة ( الدولة العصرية العادلة / يمكن العودة لذلك في مقام اخر ) وتتأرجح ( التكنوقراط ) مفهوما واصطلاحا ، في نسق متبادل بين الترويج والانكفاء بحسب معطيات الواقع الذي يخيم على المشهد الوطني طيلة ١٤ عاما بما تحمل من تداعيات ومتناقضات واحتمالات مفتوحة .

 مع أهمية الإلفات الى انعدام فهم كامل يجتمع عنده من يتعاطون المصطلح او يروّجون له ، ولنقل إنه انحسار في المساحة التي يمكن عندها ان تتلاقى طرائق فهم التوظيف الدقيق او التكريس المناسب للمصطلح ، لتوفير نقطة ارتكاز قارة من اجل تأصيل مفهوم وفد الى البلاد مع بزوغ ماأميل الى تسميته ب ( التحول الأعشى أو التحول المربك ) وبقي يشكل مادة للحديث تحولت لاحقا الى مفردة للتندر والسخرية في أوساط أكاديمية ونخبوية مرموقة فضلا عن أوساط معلومة أٌخر.

 ما يعنينا في هذا المقام هو الوقوف بإزاء هذا ( المفهوم / الموضوعة ) ، بعين تحاول توصيف الرؤية بصرف النظر عن الخوض في تفكيكها والاحتكام الى  فهم نهائي قد يجعلها في سياق مركب ، وإنما نناقشها هنا على أساس البعد التداولي للمفهوم ، على وفق الآتي : 

١• لقد اثبتت التجربة العملية من عمر العراق الديمقراطي التعددي أن اشكالية الأداء الحكومي وأزمة بناء الدولة لم تكونا نتيجة لغياب من ينطبق عليهم مصطلح ( التكنوقراط ) او لغياب تنفيذه بشكل كامل ، فغيابه كان نسبيا / جزئيا ، ولعل النسبة العددية سترجح كفة من يشملهم توصيفها ، مما يؤشر أن الاشكالية والازمة ترتبطان بسبب اخر .

٢• إن وجود شخصيات مختصة اكاديميا ومهنيا وتجاربيا على راس وزارات عديدة لم يحل دون ان تكون هذه الوزارات في مقدمة الاخفاق والفشل والنكوص، ممايعزز القناعة بأن الأزمة لاتتعلق بسبب (التكنوقراط ) حسب ، ويمكن التأمل في ذلك عبر مراجعة وزراء ( الكهرباء والدفاع ) وغيرهما ممن ينطبق عليهم ظاهرا توصيف المصطلح ، فهل سقط نموذج التكنوقراط بهذا اللحاظ ؟ في هذه المؤسسات والمواقع ؟

٣• إن ماتقدم لايعني بأي شكل من الأشكال أن يتم تسليم مؤسسات الدولة على أساس سياسي صرف يقفز على منطق الادارة ويتيح لسدنة القرار السياسي أن يخيطوا بزة الدولة على مقاسات نشاز دون اكتراث او احترام لمفهوم الادارة الرشيدة وهوية الدولة العصرية إذ يعني ذلك استعداء صارخا للمفهوم واستخفافا صريحا بمواكبة العالم الذي نعيش فيه ، ويمكن ان نتأمل في نماذج هذين ( الاستخفاف والاستعداء ) عبر مراجعة بعض الوزارات ، فمثلا حين يدير وزارة التعليم العالي من لايمتلك شهادة عليا تتطابق في الأقل مع عنوانه الرسمي في الدولة ، او حين يديرها من لم ينخرط في أوساطها عمليا، او حين توكل وزارة الثقافة الى مدرس فيزياء يحمل بكالوريوس او وزارات الصناعة وحقوق الانسان او غيرها ، في اجراء يحاول لي اعناق المفاهيم وإنتاج مايناسب المواقع بمقولات سطحية لا تسمن من جوع ، في قبالة وزراء يصلحون ( قسرا !! ) لإدارة جميع الملفات والوزارات والمؤسسات  ، كأن يدير احدهم ( النفط والكهرباء والتعليم العالي) ويدير الاخر ( الإسكان والداخلية والمالية ) وهكذا دواليك ، على ان لاننفي قدرتهم على النجاح في ملف ما ، من دون أعمام النموذج نفسه على جميع التخصصات والمؤسسات .

٤• إن ماتقدم آنفا لايمكن ان يكون سببا في إقصاء ( التكنوقراط السياسي او الحزبي) بناء على أمزجة لاتراه مناسبا لقناعاتها وطرائق تفكيرها ، بل قد يصح العكس تماما حين يذهب منظروا الغرب الى القول بأحقية هذا النوع في الادارة ، ( انظر مثلا هنتغتون ودعوته الى التكنوقراط السياسي) مما يتيح القول بأن الاتجاهات الفكرية والتوجهات السياسية والثقافية أيا كانت ، لا يحق لها إقصاء اية طبقة عن تمثل هذا المفهوم وإنتاجه عمليا ، بمعنى انه لايمكن استلاب هوية التكنوقراط لمجرد ارتباطه بوعي سياسي معين .

٥• لايصح إنكار وجود شخصيات من ( التكنوقراط السياسي ) الناجح يراد الزج بها في معمعة الاخفاق العام للدولة وسجالات التزاحم على تحصيل مقعد في مصطبة الرأي العام ، عبر صرف الأنظار عما يمكن عده نجاحا بالمقياس العام ( كما في وزيري النفط والصحة الحاليين ) مثلا ، مع اتساع المسافة في التقييم لما قدمه كل منهما سواء بنجاح الاول او بإخفاق الثاني ) مما يعزز القناعة بأن التفاعل مع هذا الموضوع يخضع لامزجة وسياقات خاصة لاتستند الى الوضوح او الثبات .

•• اخيراً فإن اعادة طرح المفهوم في زحمة الصخب السياسي ومعادلات التغيير ومقولات الإصلاح يستدعي شجاعة وثقة وحاجة جادة للمكوث عند ضفافه القارة ، بعيدا عن الإرباك الذي يجد الجالسون على التلة فرصتهم في أشاعته ، لغايات مشروعة تارة ومشخصنة تارة ، وإنما تزداد الحاجة الى الاستعانة بمصطلح ( رجال الدولة / ويشمل الجنسين ) وتعضيد قدرته على الإحاطة بمفهوم ( التكنوقراط) وترجمته في واقع عملي يتناسب مع طبيعة المجتمعات وحاجاتها ، ولاسيما في ظل الاحتكام الى أدبيات (الديمقراطية التوافقية ) وخصائصها ، وليس على أساس الركل والانتقاء 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=75492
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 03 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19