• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : "إذا وقفنا بالدور" .
                          • الكاتب : عماد يونس فغالي .

"إذا وقفنا بالدور"

وجدتُ صورةً على الفايسبوك للبابا فرنسيس يحمل طبق الطعام، أعتقد في مقرّ إقامته في مضافة "سانت مارت" روما، منتظرًا دوره ليأخذ حصّته من الطعام في المطبخ. وعلى الصورة تعليق: "إذا وقفنا بالدور، ما بتقلّ قيمتنا. بالعكس".
في تعبيرٍ آخر، هوذا الحبر الأعظم يقف كما باقي الناس ينتظر ليملأ صحنه ويأكل مثله مثل أيّ واحد، لا يتغيّر كونه رأس الكنيسة، نائبَ المسيح وخليفة القدّيس بطرس. وإذا قلنا هذا عن بابا روما، تعود بِنَا الذاكرة، بل تعود إلى أبناء جيلٍ مضى، إلى زمنٍ كان البابا فيه يسير محمولاً، يُبعَد الناس عن موكبه احترمًا وإجلالاً لمروره، يأكل وحده، لعدم جواز مخالطة الآخرين مائدة قداسته... إلى ما هناك من ترفّعٍ كان يُفرض عليه وعلى الناس إكرامًا لمقامه. 
ويأتيكَ تساؤلٌ يرافق الصورة أعلاه: هل تنقص قيمة البابا إذا خالط الناس، وتصرّف كواحدٍ منهم؟
هل يحطّ من كَرامته اعتبار نفسه قريبًا من أبنائه وإعلائه من شأنهم؟ 
هنا قولةٌ يستعملها الأحبار الأعظمون على مرّ العصور عن أنفسهم: خادم خدّام المسيح. أمَا في تصرّف فرنسيس تجسّد القولة والعمل بها؟ وماذا في هذا الوقوف "بالصفّ" غير لائقٍ بنائب المسيح؟ والمسيح لم يرتفع عن الناس إلاّ على الصليب، وقال: إذا ارتفعتُ، جذبتُ إليَّ الناس". وفرنسيس يجذب النَّاسَ إليه، ومنه يجذبهم إلى يسوع، هكذا، بتصرّفاته هذه. وبها بشكلٍ خاصّ، كما لم يفعل أحدٌ غيره أو قبله!
البابا فرنسيس، صورة الكنيسة الخادمة، "كنيسة المريول"، كنيسة "الوزرة". الكنيسة الواقفة، قلِ المنحنية على قدمَي كلّ محتاج. تقدّم له من عنديّاتها ما يعوزه ليعيش بكرامة، ليقف مرفوع الرأس، في ملء قامة يسوع الخادم. الكنيسة المستعدّة دومًا لتعطي الطعام في حينه.
وفي مكانٍ آخر، يغرّد فرنسيس على تويتر داعيًا الرعاة الغائصين في الترف المادّي، إلى التخلّي عن الجاه وتوفير حاجات الفقراء الأساسيّة: "إفعلوا خيرًا للناس، لتنالوا رضى الله ومحبّته". وإذا خاطب الأب الأقدس الرعاة بهذه اللهجة القاسية، فهو في شخصه يقدّم ذاته مثالاً لهم. راعي الرعاة هو، يعيش الفقر، يكتفي بالقليل، ويتجلّى أيقونةَ يسوع!
والناس، يَرَوْن في رأس كنيستهم، ما يشبههم. فتراهم يحبّون مسلكه، ويتقرّبون منه. البعيدون يفعلون بالقلب والمسلك. وهذا هو الأساس. إنّه يشجّع أبناءه الضالّين على العودة إلى حظيرة السيّد. يجدون أنفسهم محبوبين، لهم قيمتهم عند أبيهم، أبي الكنيسة. يشعرون به حبيبًا، قريبًا، ولو كانوا في بلدانهم البعيدة. يشعرون بحبّه ولو لم يعرفهم بالاسم. اسمهم أبناء الله، أبناء الكنيسة. هم في قلبه، يعمل لأجلهم، يصلّي لهم، يدافع عن قضاياهم، ويسلك بما يتوافق مع معتقداتهم. يشعر الفقير أنّه فقيرٌ مثله، والمهمّش أنّه يفهمه ويطالب بتحسين أوضاعه. وهو في يوميّاته يلتقي هؤلاء ويحبّهم على حساب لقاءاته "بالكبار" واهتمامه لهم. 
إذا وقف الكبير "بالدور"، لا يصغر، بل يكبر الذين يقف معهم، ويكبر هو في أعينهم. والمهمّ، يأتي بهم إلى الكبير الذي يقف باسمه بينهم!



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=75807
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 03 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28