تشكل التيار الصدري منذ تسعينيات القرن الماضي وتأصل من خلال فكر السيد محمد محمد صادق الصدر الذي واجه نظام صدام حسين متحديا سياساته الدكتاتورية وطريقة إدارته الفردية للسلطة وتهميشه وإهانته للأقليات العرقية والدينية، وهي طريقة سلبية أنتجت فيما بعد سلوكا جمعيا صادما لدى العراقيين الذين عاشوا فترات مظلمة في عهد حكم البعث، ثم إنتقلوا الى شكل من الصراع الطائفي المريع، ونزعات إنفصالية لدى بعض القوميات كالكرد الذين يعيشون واقعا مختلفا عن بقية العراق منذ أن سحق الجيش العراقي في معارك تحرير الكويت العام 1991 لكنهم تمكنوا من إدارة ذاتية كاملة بعد العام 2003 حين دخلت القوات الأمريكية وقلبت كل شئ رأسا على عقب، فنزل ناس وصعد ناس، وبدأت الفوضى التي لم تستثن شيئا، ونعيش في خضمها منذ ثلاثة عشر عاما.
فقد التيار الصدري مؤسسه بعملية إغتيال صادمة نفذها جهاز مخابرات نظام صدام حسين العام 1999 في مدينة الكوفة، لكن الحركة الدينية والثقافية التي أنتجها السيد محمد الصدر تفاعلت في الأوساط الشعبية لأنها تحاكي مطامح الفقراء والمهمشين والمنسيين في المجتمع والذين لم يلتفت لهم أحد، وتجذرت في مدن بغداد والجنوب والفرات الأوسط، لكن ظهورها المختلف بعد العام 2003 كان لافتا ومؤثرا لتصبح جزءا فاعلا من التكوين الثقافي والديني والسياسي المتشكل. الفرق إن زعيم التيار السيد مقتدى الصدر أعلن الحرب والمقاومة للقوات الأمريكية التي أسقطت النظام السابق، وهو موقف كانت قوى سنية وشيعية وحتى دول إقليمية كإيران تشترك في صياغته لإعتبارات مرتبطة بالوازع الديني والمصلحي والأخلاقي ولأن هناك قوة محتلة أجنبية يمكن أن تفعل كل شئ لتأمين مصالحها مالم تواجه مقاومة فعلية، فكان جيش المهدي القوة المقاتلة على الأرض، بينما تشكل تيار سياسي صدري بدأ يمارس دورا في العملية السياسية.
اليوم هناك صراع نفوذ ومصالح داخل المنظومة الشيعية حيث يقود الصدر حراكا مدعوما من فئات إجتماعية تطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد ومعاقبة المفسدين، وتماهى الصدر مع هذا الحراك الشعبي، بينما عبرت قوى شيعية نخبوية وأخرى حاكمة من نوع هذا الحراك في المرحلة الراهنة التي تشهد معارك عنيفة في جبهات متعددة ومنافسة سياسية ومطالب من قوى سنية بتوفير ضمانات شراكة سياسية مختلفة، فالسنة يشعرون إنهم مهمشون ولايملكون سلطة المشاركة في صناعة القرار، بينما بعض القوى الشيعية تخشى من تفرد الصدريين وسيطرتهم على كل شئ مع مايتوفر لهم من قاعدة شعبية متحمسة وثائرة، ويخشى البعض من أن يكون مشروع التيار الصدري يتعدى الرغبة بالإصلاح ليكون حالة ثأرية هدفها التخلص من الحركات والقوى الشيعية المنافسة سواء السياسية منها أو العسكرية، فهناك مشاكل حقيقية بين الصدريين ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي وحزب الدعوة، بينما هناك قوى مسلحة خرجت من رحم التيار الصدري وتمردت عليه وهي تمتلك قرارا ورؤية مختلفة للأوضاع في العراق.
الخشية التي تنتاب القوى الشيعية المنافسة من أن يتفرد الصدريون ويسيطروا على الأوضاع لوحدهم، أو يقتحموا الخضراء المحصنة ويقلبوا العملية السياسية مع ماتعيشه البلاد من مشاكل جمة، وقد تكون سببا في إنفلات لايمكن السيطرة عليه، لذلك دعت زعامات أخرى الى الحوار بين مكونات التحالف الوطني الشيعي لتلافي أي إنقسام، أو تطورات يمكن أن تصل الى مرحلة الصدام المسلح الذي يؤدي في النتيجة الى ضياع الدولة والفشل وهو ماتخشاه تلك القوى، غير إن زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر أكد أن الحركة الإحتجاجية والإعتصامات لايمكن أن تتحول الى مظاهر مسلحة، بل هي سلمية مدنية، وتطالب بالإصلاح الشامل ومحاربة المفسدين.
العراق مقبل على أيام صعبة طوال العام 2016 وماعلينا سوى أن ننتظر لبعض الوقت لتنجلي الغبرة عن شئ، ربما يكون صادما.
Pdciraq19@gmail.com