ألهى من اللهو...
أمضيت وقتا طويلا في المرحلة الإبتدائية متسائلا عن معنى "ألهاكم" , وكنت أحسبها كلمة "هاكم" معرّفة بأل , وعجزت عن العثور على معناها في كتاب المنجد , وكنت شاكا في المعنى العام للكلمة وهي " خذ" , فنقول : هاك أو هات أي خذ أو إعطي.
ذلك أن الكلمة في آية قرآنية تقول "ألهاكم التكاثر" , والغريب في الأمر أن معلم الدين لم يشرح لنا المعنى , وحسبنا نعرف ذلك لأننا نتكلم العربية , وهذا إفتراض أضعف فهم المسلم العربي للقرآن.
واللهو حاجة بشرية لا مناص منها , ولهذا إبتكرنا الكثير من وسائله المعروفة.
و"ألهاكم التكاثر" أي أن التكاثر صار ميدانا للتعبير عن الرغبات دون التفكير بالحقوق والواجبات , وما يتطلبه التكاثر من توفير الوسائل اللازمة للحياة الأفضل ووالإستثمار وإستحضار ميادين النشاط اللازمة للتطور والقوة , وهذا العامل من أهم الأسباب التي أسهمت في تحقيق الفقر والجوع والمرض في البلدان الإسلامية.
لأن التكاثر أصبح لهوا وليس تعبيرا عن حاجات حضارية وإقتصادية وتطلعات إستثمارية معاصرة , وفي بلداننا الكثرة تعني عبئا ثقيلا , كما نرى ذلك في تصريحات الأخوة المصريين دائما.
بينما اليابان تسعى إلى الكثرة , وكذلك الدول المتقدمة , لأنها تحسبها نموا إقتصاديا وقوة مضافة , لقدرتها على إستثمار الطاقات الحية وتوظيفها لما هو أفضل وأقوى , وهو من الأسباب المباشرة لفتح الأبواب لهجرة الطاقات البشرية من المجتمعات العاجزة عن الإستثمار فيها.
وبين التناحر والتكاثر صلة , فالدول المتخلفة تجعل من التناحر وسيلتها للقضاء على التكاثر , ولا تعرف وسيلة أخرى , لأنها لا تحسبه إلا شرا وليس خيرا.
بينما الصين حوّلت كثرتها إلى قوة إقتصادية فاعلة في الأرض , ونحن لا نعرف وسيلةً أفضل من التناحر, فما أن نتكاثر حتى نتناحر , وأسهل وسائل التناحر هو الدين بفرقه ومدارسه , حتى صار من أفظع مشاريع تناحرنا!!
واللهو بالتناحر من الأساليب السائدة في بلداننا العربية والإسلامية , وهو فاعل في جميع ميادين الحياة , وخصوصا الإجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية والدينية , فكل نشاطات مجتمعاتنا إنما هي ذات أساليب تناحرية.
فالكراسي والأحزاب والمذاهب تتناحر , والتناحر في مفهومه عندنا يعني سفك الدماء , و يرتبط بالنحر أي الجزر, وفي هذا يكمن سبب فاعل في الضياع والخسران الحضاري القائم في ديارنا.
وسنبقى نتلهى بالتكاثر والتناحر , ونجهل مهارات توظيف الكثرة البشرية وتحويلها إلى طاقات إقتصادية وثقافية ذات تأثير إنساني إيجابي في الحياة.
وسنمضي في معادلة اللهو بالتكاثر والتناحر , ما دمنا لا ندرك أن التناحر ضعف وهوان والتكاثر عزة وقوة واقتدار , ولا نفهم في البرامج الإقتصادية وتفعيل القدرات البشرية , ولا نواجه أنفسنا ونطرد ظلام عقولنا ونستحضر الأنوار الفكرية الحضارية الخلاقة , التي أنارت دروب الحياة في مسيرة الإشراق العربي الساطع في الأرض.
فلماذا نقلب التكاثر إلى تناحر , وننسى " تكاثروا فأني مباهٍ بكم الأمم..."؟!!
|