• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : هذه هي مسؤولية الجنرال سلطان هاشم .
                          • الكاتب : ا . د . مصدق الحبيب .

هذه هي مسؤولية الجنرال سلطان هاشم

توطئة ا:
حين نطمر الحقائق لابد وان ننتهي الى ضمر الاحقاد،  وحين ندفع الاوساخ تحت البساط لابد ان نتوقع تعفنها وتعذر تطهيرها بعدذاك. فلابد لنا ان نبني ثقافة كشف الحقائق والقاء المسؤولية على من هو مسؤول وتبرئة من ظـُلم زورا وبهتانا.  ففي العراق الجديد على صحافتنا الوطنية ان تضطلع بهذا الدور التأريخي المشرف وهو كشف الحقائق من اجل تصويب الاخطاء واحقاق الحق وممارسة الرقابة الديمقراطية على الاداء العام. غض النظر عن الخطايا وبوس اللحى العشائري سوف لن يأخذنا الى الطريق القويم لاننا بذلك نغمد السيوف الى يوم آخر. المكاشفة والمصارحة وتحميل المسؤولية على اصحابها وتقبلهم لها وقبولهم بدفع اثمانها المناسبة بموجب القانون هو الطريق الوحيد لاحلال العدالة وانصاف الضحايا ودمل الجراح والشفاء الحقيقي، والسير الى امام في مستقبل صاف ومشرق وخال من الضغائن. لم نفعل للاسف الشديد مافعلته كل البلدان التي تعرضت الى تجارب مثيلة او حتى الى تجارب اقل ايلاما مما اصابنا وهو تشكيل لجان وطنية مخلصة تضم كل الاطراف من اجل التحقيق والمسائلة وفصل من اذنب ومن ظـَلم ومن ظـُلم واعطاء لكل حق حقه. تخبطنا ولانزال نتخبط يمينا وشمالا حتى آلت الامور لطمس الحقائق ولعنة من يكشفها بتهمة التحريض والانتقام. أرجو مخلصا ان يقرأ هذا المقال بعيون واعية وقلوب متفتحة وضمائر صافية خالية من النوايا الاستباقية والاتهامات الجاهزة. القصد هو كشف ما حُجب عن الشعب العراقي في وقت المأساة وبعدها وليس مطلقا من اجل الثأر والانتقام وتأجيج الاحقاد. لايمكن لثقافة التسامح والتعايش السلمي الودي ان تترسخ على اسس تمييع المسؤوليات وتضييع الحقوق تماما مثلما لايمكنها ان تترسخ على نوايا الثأر والانتقام ، وبهذا فكشف الحقائق والاستعداد المخلص لقبول المسؤولية هو الحل الامثل. فها انذا اؤكد على حسن نوايا هذا المقال من على منبر "المثقف" الذي وضع سياسته الاساسية على اسس التسامح والمحبة والاخاء.

 -1- 

حين جلس الجنرال سلطان هاشم احمد الطائي مع الجنرال نورمن شوارتزكوف في خيمة صفوان يوم الثالث من آذار عام 1991 ، كان ذلك بعد أربعة أيام فقط من مذبحة المطلاع التي دمرت بالكامل الجيش العراقي المنسحب من الكويت وبضمنه فرقة حمورابي "شديدة البأس" التي فنيت عن آخرها . لم تكن هذه الجلسة كما صورتها المصادر العراقية والعربية بانها جلسة مفاوضات لوقف اطلاق النار، انما جلسة تبليغ واستحصال توقيع الجنرال هاشم على شروط معدة ومكتوبة مسبقا من قبل الجانب الامريكي ، والتي بقيت تفاصيلها غير معلنة لحد الان ، ولكنها تضمنت بما لايقبل الشك  شروطا مذلة ومهينة ويندى لها الجبين! واستطيع الجزم قاطعا هنا بأن حكومتنا "الوطنية" الحالية لاتعلم بفحوى تلك الشروط ولاتدري اي شئ عن تلك الالتزامات التي بقي العراق ملتزما بها رسميا لحد هذه اللحظة. لم يكن الجنرال هاشم ممثلا عن الجيش او الحكومة او الشعب العراقي بالطريقة التي يتوقعها اي عاقل، انما كان ممثلا شخصيا لسيده المقبور صدام حسين من اجل الحصول على ضمانات لبقاءه متربعا على عرشه في بغداد بينما تحترق البلاد في الجحيم عن آخرها. وكان ذلك على شكل اتفاقية عسكرية دولية لاتعلم بها الحكومة ولايعلم بها الشعب.  كانت المراسيم التي سجلتها عدسات التلفزيون العالمية باقتضاب ودون صوت تتركز على توقيع وثيقة الاستسلام المهين للجيش العراقي وعهد من الحكومة العراقية على لسان وبشرف قائدها "المغوار" ان تقبل كل مايمليه الجانب الامريكي دون قيد او شرط ولاحتى اعتراض اوسؤال او استفسار،وبضمن ذلك، وكما اصبح معروفا بالاستنتاج لاحقا، كان قرار الحظر الكامل لنشاط القوة الجوية العراقية وتقييد شديد لنشاط الجيش الداخلي ومنع تحركاته خارج المعسكرات المحلية، وتكبيل نشاط الحكومة وحصره فقط بمنطقة بغداد وماحواليها. وحين اندلعت الانتفاضة الشعبية في آذار وحققت نجاحات معتبرة في اربع عشر محافظة، عاد الجنرال هاشم الى شوارتزكوف ليستجدي الموافقة والسماح للجيش العراقي بقمع الانتفاضة، الامر الذي رحب به الجانب الامريكي تحت تبرير "ليس في العراق من يحل محل صدام سوى عملاء ايران " ! وهكذا أوعز الجنرال شوارتزكوف  بترخيص استخدام الهليكوبترات واطلاق التحركات البرية للجيش العراقي خاصة في المناطق المنتفضة مما ادى الى قمع الانتفاضة الوحشي الذي انتهى بقتل وتشريد عشرات الالوف من المناضلين وتدمير اضافي لما تبقى من الحياة المدنية ونثر الارض بالمقابر الجماعية التي لايزال اكتشافها قائما لحد الان. وكان الجنرال هاشم قد كوفئ على النجاح في ابقاء سيده وذلك بترفيعه الى رئيس اركان الجيش في نيسان عام 1995 ومن ثم الى وزير دفاع في تموز من نفس العام. فهذا الجنرال الذي يتعارض التباكي الان على وطنيته وعمالته في آن واحد كان له من المسؤوليات الكبرى في مآسي الحرب العراقية الايرانية، ومسؤولياته القيادية في حملات الانفال، وكارثة الكويت، وقمع الانتفاضة. لكن مالايمكن تناسيه هو التوقيع على استسلام الجيش المذل وضمان بقاء صدام في وقت لاتزال عشرات الالوف من جثث الجنود العراقيين تأكلها الكلاب في صحراء الكويت في ما سمي بمذبحة المطلاع او مذبحة طريق الموت، أو ماسماه العسكريون الامريكيون "حفلة رمي طيور الديك الرومي"
 
-2-
 
اعتاد صيادو الطيور الامريكيون ان ينصبوا الكمائن لطيور الديك الرومي في اماكن تجمعاتها في البراري الامريكية. وحين تأتي اسراب الطيور بالالوف، يبدأ الصيادون وابل رصاصهم الكثيف على الطيور المسالمة الثقيلة التي يصعب عليها الطيران فيردوها قتلى في مذبحة جماعية. اصبحت هذه الممارسة مثلا شعبيا أمريكيا ، وأدت الى نشوء مصطلح امريكي بحت هو ( Turkey Shoot ) الذي دخل الى القاموس العسكري فأصبح يشير الى مذبحة شاملة ينفذها جيش في جيش آخر، خاصة اذا كان الجيش الاخر مستضعفا من ناحية العدة او العدد او الموقع أو اذا كان في طريقه الى الاستسلام.  وقد أطلق الصحفيون والكتاب هذا المصطلح على المذبحة الشنيعة التي نفذها سلاح الجو الامريكي بالجيش العراقي المنهزم والشارد على الطريق العام بين الكويت والعراق عام 1991 والتي تعتبر من ابشع مذابح الحروب في التأريخ العسكري. تلك الجريمة الكبرى التي حاول ولايزال يحاول العديد من المواطنين الامريكيين في اعتبارها مادة اساسية لدعوى قضائية في أمل ان يساق فيها المسؤولون الامريكيون الى محكمة دولية بتهم جرائم الحروب والابادة الجماعية وخروقات معاهدات جنيف.
 
خلال الشهر والنصف الاولين من عام 1991 قصف طيران التحالف بشكل وحشي ومتواصل كل شبر من ارض العراق مدمرا بالكامل كل المراكز الحيوية العسكرية والمدنية ومحولا حياة العراقيين الى جحيم حقيقي في وقت مازال المقبور صدام يصرح ببلاهة متناهية " ليقصفوا كما شاؤوا فأن سلاح الطيران لم يكسب اي حرب من قبل" !! وبعد سلسلة طويلة من العفرتات الفارغة وافق هذا القائد الاغبر على الانسحاب في وقت لم يكن لديه اي وسيلة اتصال بجيشه المرابط بالكويت والذي يعاني من شحة قاسية في الامدادات وفوضى الاتصالات وتراجع المعنويات تحت القصف المستمر، وكانت موافقته بحجة القبول بالمبادرة السوفيتية التي رفضها الامريكيون من اجل استغلال الفرصة لتدمير جيشه العرمرم الذي تباهى مغرورا به كثالث جيش في العالم. ولم يتمكن من ايصال أوامره بالانسحاب الا بواسطة اذاعة بغداد المدنية التي لاتصل موجاتها الى الكويت بسبب اعتراضات  البث والتشويش عليه لكن الاخبار وصلت
 
 
 
اخيرا الى الجيش ولكن بشكل مشوه وغير اكيد مما ادى الى انسحاب الجيش غير النظامي وغير المتأني من الكويت في مساء السادس والعشرين من شباط عام 1991. كان الاستطلاع الامريكي يراقب عن كثب وينتظر ان تكتمل ارتال الجيش العراقي على طول الطريق العام رقم 80 الممتد بين مدينة الكويت والعبدلي، وكان سلاح الطيران يهيأ الى اضخم عملية قصف سماها بعدئذ المجرم كولن باول "قطع الجيش من الطرفين وقتله بالكامل". وهكذا بدأ القصف المكثف أولا على بداية ونهاية الرتل الممتد على طول 60 ميل.حتى اذا تم حصر كل الجيش بين النهايتين المسدودتين ، حيث لامهرب ولاسبيل، استمر القصف المكثف حتى صباح اليوم التالي حين كشف نور الشمس آلافا من المركبات والدبابات المحترقة ومعها عشرات الالوف من الجثث المتناثرة والمتفحمة في مقاعدها. وكان  الصحفي الشهير روبرت فسك قد وصل الى المكان في اليوم التالي ووصف المشهد المرعب في كتابه "حرب الحضارة" مصرحا بأنه رأى مئات الجثث واعتقد ان آلافا اخرى من الجثث لم يترك تدميرها آثارا غير الرماد.  كما وتوافد الى المكان الصحفيون من كل مكان وكان من ضمنهم الصحفية جويس شدياك التي اعطت شهادتها امام لجنة مسائلة نيويورك في 11 مايس 1991، والتي قالت انها تفحصت مئات المركبات المحترقة بركابها المتحجرين كالفحم في مشاهد مهولة ومقززة تفوق ماتختلقه السينما من اهوال. أما فرانك سواكرت قائد احد اسراب الطيران المشاركة في القصف فقد صرح الى الواشنطن بوست في عددها ليوم 11 آذار 1991معترفا بأنه وزملائه لم يقصفوا جيشا مقاتلا انما قتلوه مثلما يقتل البط الجالس على سطح الماء. وهذه هي النقطة الكبرى التي تشكل خرقا فاضحا لمعاهدة جنيف لعام 1949 التي تحرم قتل الجيش المتراجع او المستسلم او غير المشترك فعليا بالقتال، اضافة الى تأكيدها على وجوب استكمال فحص وتشخيص ودفن القتلى بطريقة تصون كرامة الشهداء. وكانت جثث ا لجنود العراقيين قد تركت تتفسخ في الصحراء وتنهش بواسطة الكلاب السائبة. ان من يتقاسم مسؤولية هذه الجريمة الشائنة من بين جرائم الحرب الاخرى هو الجانب الامريكي المتمثل بجورج بوش الاب ودك جيني وكولن باول وبول ولفووتز ونورمن شوارتزكوف والجانب العراقي متمثلا ببطل العروبة المقبور وجلاوزته الكبار مثل سلطان هاشم. واذا كان الحاضر يسمح بالمماطلات والمماحكات الفكرية والسياسية ويسمح بتمرير الاعذار والاكاذيب ،فان المستقبل والتاريخ الموثق لايرحمان أيا من اولئك المجرمين



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=8066
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 07 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29