الجهل الجيوبوليتيكي وركوب أمواج القضايا لأسباب تتعلّق بالشّهرة وحبّ الظهور الهوسي يجعلنا من حيث لا ندري ننخرط في تنفيذ مخطّطات التقسيم للمجال العربي، أي الرغبة الأمريكية، ونسهّل تنفيذ خريطة برنار لويس القاضية بخلق كيانات وتفتيت المفتّت..إنّ غياب الوعي بهذه الحقائق يجعلنا نقرأ مفاهيم قانونية جامدة في سياقات خاطئة..المفاهيم نفسها التي تحارب بها سوريا ويقسم بها السودان ويلوح بها لتقسيم العراق..إنّ الرقص في أروقة أممية فتحت للسماسرة والضعفاء والمرضى يكثر فيها "التخبيص" باسم عناوين بليدة في قضايا شائكة ومعقّدة، هي مهزلة وخلط أوراق وسفاهة تقوم على الجهل بالتاريخ والقانون والسياسة..بعض الجهلة بالقانون يعتقدون أن الصراخ يغيّر الجغرافيا والتّاريخ بينما لا ندري حينما يتصدّى لهم جيش من القانونيين بالمعايير الكونية الكبرى لينقلع المتهجّين لبعض عناوينه..اللّعب على القضايا الصعبة والمعقّدة يوشك أن يورد المتمسرحين على ركح القضايا الملتبسة موارد الهلكة...

جاهل إذن من يعتقد أنّنا خرجنا من آثار الاستعمار..فلا زلنا مرتهنين لمشاكل زرعها وما فتئت تنمو وتترعرع..مشاكلنا المزمنة هي إرث تاريخي لحقبة الاستعمار الذي عبث بخرائطنا..وما من محاولة لحلّ تلك المشاكل سيكون ذا جدوى إن كان يستند إلى البارايغم الاستعماري مهما تلعلعت الشعارات الرّنانة لكفاح منزوع من شجرة الموضوعية، أو عناوين تنتمي للمعجم الخشبي للقانون الدّولي: تقرير المصير..وكالأطفال سنواصل الهمهمة بتقرير المصير لنعزّز واقعا صنعه الإستعمار..أي شعار وأي عنوان لا ينسجم مع سياق تاريخ الكفاح الحقيقي هو مسرحية ظاهرها كفاحي وباطنها وظيفة إمبريالية تتناغم مع مخطّط التقسيم طبقا لخرائط مرسومة سلفا..الذين يخلطون الأوراق وتنقصهم الخبرة التّاريخية والجاهلون بجينيالوجيا السيادة في القانون الدّولي، إنما يذكّروننا بمدرسة المشاغبين وشقاوة التلميذ "عادل إمام"..يبدو أنّنا أمام جهلة يخوضون في نزاع أكبر منهم بكثير ومتجاوز لكل الحماقات التي وصلوا إليها متأخّرين ويزيدون في الطين بلّة.... 

ليس النّضال أن نصرخ في السياق الخطأ..وليس التضامن أن نسقط في فخاخ السياسة الاستعمارية ونخلط بين القضايا العادلة والقضايا المزيّفة..الأفواه التي تفتح بافلوفيا عند سماع كل نعيق هي أفواه ضالّة أبعد من أن تكون منصفة أو واعية..في السياسة الاستعمارية اليوم ألف طريقة وطريقة لانتهاك السيادات وتحريف تاريخها بمغالطات قانون يطبّق بأثر رجعي في سابقة لم يعهدها تاريخه..الجاهلون بروح القوانين يكثر عثارهم ويعلو صياحهم ولكنهم لا يؤثّرون بل يصنعون حزازات ثم يهرولون من دون كرامة ولا خجل مما يفعلون..اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون..اهديهم قبل أن نرميهم بسهام مسمومة تشلّ أبدانهم وتنطقهم نطق الممسوس ونكشف الغطاء عن السّامري الساكن في أحشائهم ونفصلهم فصلا كما يريدون فصلنا عن بعضنا ظلما وعدوانا..للذين يعانقون بان كيمون في هذا المورد ويخاصمونه في ذاك المورد إن هم إلاّ كائنات برّ ـ مائية تسبح في المياه والرمال..بينما لغة الكفاح هي واحدة ومنطقها واضح وطريقها مستقيمة لا عوج فيها...

إنّنا حائرون حقّا..حائرون أمام هذه الوقاحات الرخيصة..فمن أراد قطعنا فالله يقطعه..ومن أراد التربّص بنا فاللهم افضحه أمام الأشهاد..ومن أراد التطاول على سيادتنا وكرامتنا التاريخية فاللهم اجعله مدحورا..ولا حول ولا قوة إلاّ بالله...