• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : مسرحيـــة (السجين الحر) اﻷمــام الكاظــم ( عليه السلام ) .
                          • الكاتب : د . آمال كاشف الغطاء .

مسرحيـــة (السجين الحر) اﻷمــام الكاظــم ( عليه السلام )

 

                  بسم الله الرحمن الرحيم 

                                 المقدمة 

تقرر كتابة هذه المسرحية عندما تعرضت عيني اليمنى إلى عارض مفاجئ جعلتني أرى الأشياء خلف حبات من البياض والسواد وبما أن عيني اليمنى تعاني من انفصال شبكية وتكسر سائل زجاجي فالاعتماد كله على اليسرى وتوجهت إلى الأمام موسى بن جعفر(ع) بالدعاء والتوسل  قائله لقد نذرت نفسي لكم أرجوا أن لا أحتاج إلى عملية وسأبذل جهدي لكتابة مسرحية عن أيام الظلم والمحنة التي ألمت بكم يا سيدي . 

وكان جواب الدكتور قاطعاً أنه مجرد عارض وسيزول ولم أصدق وعملت صورة تلفزيونية وكان نفس الرد وها أنا أفي بما عاهدت عليه فتقبل يا سيدي عملي وجهدي . لقد طالبت ان يكون يوم وفاة الامام الكاظم (ع) يوما عالميا لكل سجين مظلوم                                                              د. آمال كاشف الغطاء 

                                                                        3 / 6 / 2011           

  الفصل الأول

                             المشهد الأول 

(هارون الرشيد بكامل أبهته يتجول في أروقة قصر الخلد المضاء بالشموع يبدو مهموماً وعليه سيماء الحيرة والقلق) 

هارون (يناجي نفسه) :- قصر الخلد شيدك جدي ولم يتسنى له التنقل بين جنباتك - آه أنه الموت عدو العدو والصديق . ها هنا أقيمت أفراح وأفراح لتصبح زبيدة حاملة مجد الخلافة أنا الآن هنا ولا أحد غيري إلا ....البرامكة طوع أمري لا يحلمون بمجد أكثر من هذا . 

(تظهر جارية جميلة ملتفة بآزار) 

هارون:- ها أنت ثانية أنت الذي زين الوقار صورتك بعد أن (1) 

الجارية:- مولاي..... جعلني طعاماً لشعره ودمية يعبث بها . وقلم يخط به كما يشاء . 

هارون :- لكنه صدق عندما قال وغضن فيه رمان صغار كان محراثاً يعزق الكلمات كان ملاحاً يقود أشرعته نحو الغيوم تحدوه نشوة عارمة . 

الجارية (تحاول لم أطراف ردائها):- مولاي .. عبدتك كلام الليل والنهار ينطلق بنا نحو الفضاء الواسع حيث قمم الجبال البيضاء هنالك ترعرعت وجاء من يرتدي طاقيتين تخفي ملامحه وخفين ليحملني بسرعة الريح وأبحرت على ظهر مركب بحارته وجوهم عابسة مكفهرة.

هارون :- الفضاء الواسع لا يداني قصر الخلد فهنا تجري الأنهار والجداول وتحتضنه الحدائق بأزهارها وياسمينها وجلنارها لتنعكس ظلالها على أعمدة القصر . ودجلة الشامخ سيد الأنهار وحليف الزمان يحيي القصر ليل نهار .

الجارية (تقترب منه):- مولاي سيبتلع الليل الظلام وتختفي النجوم تحت عباءة الغيوم ونحن هنا بانتظار اللحظة التي ننسى فيها أنفسنا. 

هارون :- وننسى قصر الفضل المضاء على حدقة شاب غر (2) وها هو قصر جعفر ظلاله تغطي نهر دجلة ويصدح فيه صوت دنانير على إيقاع كؤوس مطرزه بماء الذهب . 

ها أنت ياقوت القلوب ويا منية النفس ...

أنت الزبدة الذائبة على مفارش حريرية ولكن هنالك صرخات وتأوهات 

قوت القلوب:- مولاي أسمع مني لحن المتعة المقدسة وأشرب من يدي هاتين رحيقاً تنسى فيه هموم الناس الجياع وألام النفوس المعذبة. 

هارون (بحده):- من هي العصافير الهزيلة والأرانب المذعورة والكلاب السائبة سأمد يدي القوية وأقتلع وحش الرحمة الذي يزمجر في أعماقي وينخر في نفسي الضعيفة لألقي بهم إلى المطامير (3) فلا هم أحياء ولا هم أموات . هيا ياقوت القلوب يا صنو الروح وجمال اللهب وينبوع المتعة المتوهجة . 

            (يأخذ بيدها ويدلفان إلى أحدى حجرات القصر) 

                           المشهد الثاني 

( قاعة كبيرة مضاءة بالشموع ومفروشة بالوسائد والطنافس الحريرية يدخل هارون وقوت القلوب يهب جعفر واقفاً وحوله لفيف من الجواري)

جعفر :- (بلهجة مرحة) مولاي.... أين أنت؟ آتونا بثوبنا أنا وهارون ... في ثوب واحد (4) وروح واحدة وجسد واحد وعقل واحد... هاها .... عقل واحد

 هارون (يبدو ممتعضاً):- لا حاجة لنا به سأجلس قليلاً كنت أظنك في قصرك تسمع دنانير وتطرب إلى صوتها . أن الأفاعي والعقارب تزحف لتنال من مكامن قوتنا. 

جعفر :- مولاي أن أبي ساهراً كنجمة الليل متيقظا كروح الأسد . 

قوت القلوب:- سيدي لا تكن شديد القسوة على ذاتك الأبية ودع الآخرين يذوبون في غرائزهم المتجذرة . 

هارون :- مالك والآخرين غني لنا شيئاً . 

قوت القلوب :- (أخذت العود وغنت) 

إلا لا تلمه اليوم أن يتبلدا فقد آثر المحزون أن يتجلدا  (4) 

فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي وأن لام فيه ذو الشنان وفندا 

اشارهارون إلى أحد الجواري طالباً منها الغذاء فأخذت العود وأحكمت أوتاره وغنت) :- 

ليت هنداً أنجزتنا ما تعد وشفت غليلنا مما نجد (5) 

واستبدت ساعة واحدة    إنما العاجز من لا يستبد 

هارون (تجهم وجهه وأخذ يردد) :- إنما العاجز من لا يستبد . 

(مد هارون يده وتلمس عنق جعفر بلطف) 

جعفر ممازحاً:- سيدي هل تتلمس موضع سيفك فيه ؟ (6) 

هارون :- لا خلت الأرض منكم يا أولاد يحيى . 

                          المشهد الثالث 

(قاعة كبيرة وهارون الرشيد جالس على كرسي الخلافة وعلى جانبيه اثنان يحملان رمحاً وجلس يحيى والفضل وجعفر من جهة والجهة الأخرى الحاشية والقواد 

هارون :- أبتي يحيى سمعت ما كان من أمر يحيى بن عبد الله بن الحسن (7). ليعرف أن طبول الحرب ستقرع وأن فرساننا سيدوسون بهجماتهم الوحشية أرض الديلم وسننقض عليهم كالشهب تتبعها صواعق وبرق ورعد يجب مسح هؤلاء الخارجين عن الدين من سجل الحياة . 

يحيى :- أندب الفضل لهذا الأمر سيجمع لك القواد والجنود لتبدأ المعارك على الأرض المضطربة ولنحفر أخاديد وخنادق يدفن فيها أعداء أمير المؤمنين سيترك الفضل أعداءنا مثخننين بجراح عميقة ومشوهة إلى حد لا سبيل إلى التعرف عليها 

هارون:- (موجهاً الحديث إلى الفضل) :- قم وألبس دروع القتال وأمسك سيف الشجاعة والقوة ودع أعدائك تمزقهم جراحاتهم وتنهمر دمائهم . 

الفضل :- مولاي سأوزع الكور على قوادي ليتولى المثنى بن الحجاج طبرستان (7) وعلي بن الحجاج الخزاعي جرجان (8) وعلى أعتاب باب مولاي يسل الكاتب منصور بن زياد سيفه . 

(يخرج يحيى والفضل والقواد والحاشية ويبقى جعفر) 

                     المشهد الرابع 

(هارون وجعفر يتجولان في أروقة القصر) 

هارون:- ما كان من أمر الشاب الذي جعلناه خليفة.

جعفر :- لم يستطع أن يصمد أمام الوهم الذي سلطناه عليه أوهامنا أقوى من قناعاته وأخيراً آمن بأنه خليفة. 

هارون :- الإنسان رهين سلوكه شرب الكثير من الخمر حتى فقد صوابه ليصبح من السهل التحكم به .    

جعفر (قطع زهرة وأخذ يعبث بها):- كانت محاولة للتغلغل إلى أعماقه.... هل يعتقد بصلاحيته للخلافة؟ أم لا. 

هارون:- بالبداية رفض لم يستطيع أن يصدق ما حوله ولكن في النهاية آمن وتصرف كأنه خليفة كلهم يريدون الخلافة ليحكمون ويتمتعون وينفقون كما يشاؤون . 

نداء خفي:- كان نقياً كحجر كريم صافياً كدمعة العين بريئاً كطفل غر أحلامه بسيطة كحياته زوجة تذرع البيت وأطفال أنفاسهم طرية. 

جعفر :- ماذا قدمنا له صحن الخلافة ، ثياب براقة تاج مجوهرات زائفة صولجان مصبوغ بلون خشب الزان جواري تبدد عنه السأم. 

هارون :- لم يصدق أعتقد أن عفريتاً ألم به وحول بيته إلى قصر الخلافة وأن جنية عبثت به وألبسته ثياب المخمل وسرحت شعره المجعد وأزالت عنه أدران الدروب القذرة . 

منادي خفي :- أخد يتكلم بأعلى صوته حكم بالموت على الميت والحي مد يده ونهب الخزائن وملئ يده بالجواهر والذهب وجيوبه بالدنانير وأخذ يذرع الغرفة ذهاباً وإياباً مردداً "أنا الخليفة" 

(أقبل مسرور السياف من بعيد يصرخ) :- لقد جن الرجل.

 (قهقه هارون وجعفر) 

هارون :- لماذا لا يجن ؟ لنعيد التجربة مع آخرين . 

جعفر :- لنذهب ونتفرج عليه .

(الرجل الخليفة في غرفة يؤشر بيديه ويدق على الحائط صارخاً) 

الرجل الخليفة :- أيتها الذكريات أيها الماضي أيتها الأماسي المليئة بالخلان والأحبة من أنا ؟ أنا حسن أم الخليفة حسن  أنا حسن لاشك : كيف أصبحت خليفة ثم لا .. لا أزال خليفة رغم أنف الكل وسأبقى إلى يوم الدين خليفة.. لبست حلة الخلافة وخاتم الخلافة .. هذه هي الحياة أمسكت عصا..أنها ليست عصا أنها شيء آخر لها بريقها.. رفعتها مراراً .. أمرت ونهيت ونمت على سرير وثير، وفي الصباح رجعت كما كنت أنا الخليفة.. أين الذهب واللؤلؤ والماس.. أين هذا كله ؟ جيوبي مليئة بأوراق ممزقه . 

هارون (متسائلاً) :- ماذا نفعل به : نقتله أم نلبسه خرق الثياب ؟ ونرميه في الأزقة . 

جعفر :- يعطى منوم ويلبس ملابسه القديمة وحذائه الممزق و يعاد شعره الشعث ويحمل إلى فراشه . 

هارون :- كلهم يحلمون بالخلافة يطلقون السم الزعاف من أفواههم وكأن الخلافة لقمة سائغة.... من هو الخليفة ؟ أنه ظل الله على الأرض ولكنه إنسان يفرح ويحزن ويضحك ويتألم هل يريدون أن يؤذوننا ولا ننتقم أو يطعنوننا ولا نجعلهم ينزفون دماً أو يشتمونا ونسكت نحن نتفوق على الجميع بقرابتنا من رسول الله (ص) .

                               الفصل الثاني     

                               المشهد الأول 

هارون (يخاطب نفسه):- الفضل يطلب الأمان ليحيى يتجنب الحرب وينطوي تحت لواء السلم المرتجف المهلل من ضربات قلوب الجبناء الممزق الأشرعة بفعل الأيدي المرتجفة للعلويين سأعطي الأمان والعهد والمواثيق وماذا ؟ ألم يعطي الأمان لأبن هبيرة (8) الذي سبح في دمائه قبل أن يجف الحبر الذي كتب به الأمان أما أمان عمي عبد الله بن علي (9) فقد أحترق مع أشلاء بن المقفع (10) وماذا يهم؟ أليس الشمس الساطع تنزع حلتها الذهبية لتفسح المجال لقرقعة الكؤوس وتموجات الحرير حول جسد الجواري؟ سيعطي الأمان لبن عبد الله ..سيعطي الأمان ليحيى بن عبد الله..هؤلاء يجب تحويلهم إلى ديوك مشوية ألتهمها على موائد صك الأمان .

(يدخل الفضل بكامل ملابسه تبدو عليه الكبرياء والغطرسة) 

الفضل :- مولاي هو في قصري مراقب لقد كففتك شره .

هارون (متذمراً) :- ماذا يقول عن خروجه ؟ 

الفضل :- شديد الكراهية لبكار بن عبد الله الزبيري .(11) 

هارون (متعجباً) :- لماذا ؟ طينة واحدة. 

الفضل (بجدية) :- جدك قال 

كلهم يمشي رويد       كلهم يطلب صيد 

بكار يطلب من يحيى الخروج ويحرضه بأنك غير منصف مع الهاشميين ومن ثم يحرضك عليه... مولاي لا تجعل من يحيى شعلة متوهجة في مكان مظلم. 

(أقتحم المكان مسرور السياف) 

مسرور صارخاً:- جاريتك قوت القلوب. 

هارون (بلهفة):- ما بها ؟ 

مسرور :- غير موجودة. 

الفضل (مرتبكا):- القصر مراقب كيف خرجت لا بد من أمر ما . 

هارون :- أمر ما .... لقد أهدرت كرامتي وأستغل صبري المبالغ فيه . أن مقامي يسمح لي أن أكون قوياً وحازماً ولكن أنتم البرامكة لا هم لكم سوى كسب رضا الناس....وضعت منصور بن زياد على بابي... أرسل من يأمره بحمل عشرة ألاف دينار حالا. 

الفضل :- مولاي ليس لدى منصور هذا المبلغ. 

هارون (بغضب):- أذهب به إلى أسفل الجحيم لتمزقنه ألسنة اللهب وأنتم أليس هو صاحبكم ؟ وبالتالي الجارية يجب أن تخرج من بطن الأرض من كهوف الجبال من قعر البحار. 

الفضل :- مولاي أتضرع إلى الله وأليك أن تبحث في الأمر . 

هارون :- تتضرع إلى الله أنت المشغول بلذات الحياة عندما تصلي تدعو الله أن يهرع لك الشعراء وتملأ قصرك بالغلمان . 

الفضل :- ولكن لا أقرب الخمر لأنها تذهب المروءة . 

هارون :- ولكن تعبث مع الصبيان وعلى أمجاد أمتك وبأموال جمعتها من هنا وهناك (12) دون أن تخوض معركة وكسبت النصر وجئت بيحيى الذي يخرج لسانه في مجلسي ليرى الجالسين أثر السم .... ويعلم الله إني لم اسقيه السم ولكن حراسه يرفضون إعطائه الطعام لقد حكم على نفسه بالموت ومغادرة الحياة. 

الفضل:- مولاي هل تسمح لي بالذهاب ؟ 

هارون:- لا تنسى أمر الجارية 

                        المشهد الثاني 

يحيى يسير جيئةً وذهاباً (محدثاً نفسه):- ما أغبى الفضل وما أحمق جعفر الذي سيدفع ثمن منادمته للرشيد .. جعفر سيوردنا حتفنا أنه لا يسمع النصيحة .

(يجلس ليوقع الأوراق بخاتم الخليفة) 

يحيى :- هذه رقاع الفضل بن الربيع أرجعي إليه خائبات محسورات والله لن أحسم لك أمراً .

(يدخل الفضل مذعورا) 

الفضل :- أبتي أحدى جواري الخليفة المحببة إليه . 

يحيى (بلا مبالاة):- ما لها ؟ 

الفضل :- اختفت من القصر أبتي --- اختفت والخليفة يتهم منصور بن زياد بالتقصير ويطالب بتغريمه عشرة ألاف دينار . 

يحيى(بلا مبالاة):- أذهب إلى غلمانك فقد أعددت لكل شيء عدته . 

الفضل :- الجارية كأنها قشة أخذتها الرياح. أبتي لا وجود لها. سيسجن ويغرم بن زياد . 

يحيى :- فضل .. هارون سيجد جاريته في مقصورتها وبن زياد سترسل له المبالغ . 

الفضل :- إنك لا تملك عصا سحرية . 

يحيى (بغضب):- لا أملكها لان عصاي السحرية هي عقلي وليس الغلمان الذين تنادمهم ولا دنانير التي يطرب لها جعفر وهارون يتلهف لها ... أعلم أن لي جواسيس في قصر الخلد.

الفضل (متعجباً):- جواسيس في قصر الخلد ؟ 

يحيى (بتأكيد بالغ) :- نعم جواسيس في قصر الخلد لو لم يكن لي جواسيس كيف لي أن أعلم أن ماردة جارية الرشيد المفضلة أخذتها الغيرة من قوت القلوب وقامت بتخديرها ووضعها في صندوق وأمرت عبيدا لها أن يذهبوا بها إلى المقبرة لتدفن هناك حية . 

الفضل (فاغرا فاه):- كل هذا يحصل في قصر الخلد ؟ 

يحيى :- نعم ... أرسلت من يتبعهم ليحفر الأرض ويخرج الصندوق وثم أعيدت إلى القصر مع أمك... أم جعفر... كإحدى جواريها وهي الآن في مقصورتها . 

(يقوم الفضل ليقبل يد أبيه ويخرج) 

يحيى (محدثاً نفسه) :- جعفر مع هارون حيث رائحة الورود والمسك والعنبر تملأ المكان وهارون يتربع على الحرير ويتحول كل منهم إلى ريشة تعبث بها رياح الشهوة والرغبة وتمتد الموائد العامرة بكل الأصناف من اللحوم ويختلط لحم الجواري مع لحوم الموائد، والفضل الآن مع كاتبه أنس بن أبي شيخ الذي يردد على مسامعه ما قاله الشعراء عنا . 

(يدخل أبان بن عبد الحميد اللاحقي) (13)

أبان (بقلق) :- سمعت أن من حملتموه على أكتافهم إلى قصر الخلد يحدد من دخولك عليه كنت تدخل عليه وهو في فراشه ما الذي غيره ؟ 

يحيى :- مصاريفه كثيرة يطلب الكثير من الأموال ليصرفها على جواريه أما نحن البرامكة فننفقها على الشعراء والأدباء وسيبقى ما قيل عنا يدوي عبر الأجيال وستذكرنا وتتحدث عن مآثرنا 

أبان :- أن قصوركم على درجة أثارت غيظه أنها تنافس قصر الخلد .

يحيى :- لا تهم سأجد ما أشغله به وأجعله فريسة القلق والخوف وستعود لي مكانتي وسأدخل عليه في الفراش في الحمام في أي مكان . 

                              المشهد الثالث 

(يحيى وجعفر والفضل يجلسان في صدر قاعة كبيرة ويجلس الرقاشي (14) والأصمعي (15) وأبو نؤاس (16) وأنس بن أبي شيخ (17) )

يحيى :- الحمد لله أخمدنا الفتنة التي قامت بين النزارية واليمانية (18) ولم نلجأ إلى إراقة الدماء استطعنا أن نصلح بينهم وندرأ الفتنة . 

أنس :- أنتم دعاة الوئام ولكم اليد الطولى في توطيد الأمن كما قال الشاعر الخزيمي (19) . 

من مبلغ يحيـى ودون لقائــه       زأرات كل خنابس همهام

يا راعي الإسلام غير مفرط       في لين مغتبط ولين هشام 

الأصمعي :- هذا ليس بأفضل من قول مروان بن أبي حفصة (20) 

الفضل إلا شهاب لا أفول له 

                                عند الحروب إذا ما تأفل الشهب 

جعفر :- والله يا أصمعي لا نريد أن نبادلك عين بعين أو لست القائل فينا (21) 

                        أضيئت وجوه الشرك من آل برمك 

الأصمعي (ينتقض غضباً):- لقد وضع هذا البيت لست أنا القائل أن البعض يريد أن يفرق بيننا.

يحيى :- دعكم من هذا أنظروا إلى القصر له أبواب متعددة وفناء واسع فيه حمامات بالماء البارد والساخن . أنظر إلى الزخرفة . 

أبو نؤاس (مقاطعاً) :- ولكن فيه عيب كبير جداً . 

الفضل:- ما هو يا أبو نؤاس ؟ ربما داخلك شيء من الحسد أو لست الذي تصف أخي جعفر . 

                      كأنك ناظراً للسيف بالطول 

أبو نؤاس (يحده) :- أنفقتم عشرين ألف الف درهم سيسألك أمير المؤمنين من أين لك هذا ؟ 

جعفر (بصوت حاد) :- أكرمناك وأعطيناك وتحاسبني على ما أعطاني أمير المؤمنين أنه أعطاني أضعاف ذلك . 

أبو نؤاس :- هل ما أعطاني يكفي لنفقاتكم وعطاياكم وبناء هذه القصور . 

يحيى :- أنا لا أريد أن أستر نعم أمير المؤمنين علي وستر هذه النعم كفر فيجب أن أظهرها وأبرزها ليروا أني أعترف بنعمته 

أبو نؤاس :- هذه الأموال من الخراج والجباية أن الأمة تعاني الجوع والفقر ألا ترى الفتن التي تدك الجبال لماذا ؟ أن لدى البعض ترهل في الأموال والبعض لديه ضمور قاتل فيها . 

جعفر :- من يقصدنا نقدم له المال ؟ 

أبو نؤاس :- من يمدحكم ويمجدكم . (يحيى يشير إلى الحرس بإخراج أبو نؤاس من المجلس) 

أبو نؤاس (مشير إلى جعفر):- أسمع جعفر وأني وأن بالغت في مدح جعفر بأول إنسان  كذا في ثيابه 

                             المشهد الرابع 

(يحيى والفضل وجعفر يجلسان لوحدهما ويبدو عليهما القلق والحيرة) 

يحيى؛- طبقة العيارين هؤلاء ... يحملون أكياس مليئة بالحصى والحجارة يأخذون الناس على حين غرة ليسلبونهم أموالهم هؤلاء الجياع الذين تزخر بهم الأسواق يتناثرون كالذباب أمام موكب الخليفة وماذا يهمني من أمرهم ؟ منذ بدء الخليفة يوجد فقير.. وغني شريف.. ووضيع.جدي برمك خادم نوبهار واستطعت أن أكون.. لماذا لا يحاول غيري؟ أنها مسألة ذكاء واجبي أن أخدم الخليفة بما يضمن مصلحتي والخليفة واجبه أن يخدم كرسي الخلافة أذن مصلحتي لا تتنافى مع مصلحة الخليفة الآخرين أغبياء ينظرون فقط إلى كرسي الخلافة كرسي الخلافة كالنور الباهر يصيب العين بالعمى فلا يستطيع تميز ما حوله . 

الفضل :- أبتي ماذا دهاك ؟ نحن نتمتع بالقوة جعفر لديه مجلس وأنت تحت تصرفك خاتم الخلافة وأنا لدي كور خراسان. 

يحيى :- هنالك من يحرض ضدنا جعفر بن موسى الهادي أنه حاقد يتذكر مقتل أبيه كان طفل والطفل كبر ونضج أنه ضحية ولكي يحقق غاياته يتحول إلى جلاد . يجب أن تحول أنظار الرشيد بعيداً عنا فنحن لا نشكل خطراً بقصورنا بشعرائنا بأموالنا. 

جعفر :- ما لكم؟ وكأن الأرض انقلبت جحيماً وأن السماء تنفث رعداً وبرقاً --- ما لكم ؟

يحيى :- نعم --- تنفث؟؟؟ رعدا وبرقاً . 

جعفر :- ولاية العهد  جعلت زبيدة تحقد علينا أبنها غير كفوء --- نحن في جهة  والهاشميين في جهة . 

الفضل :- لندبر له كما دبرنا لأبن الخيزران (21) 

يحيى :- ويبقى الوريث الوحيد بن مراجل وهنا أشرق بريق الأمل فالعلويين هم الأفضل لنوقد نار الكراهية ولتبرق ومضات الحقد الدفين أن الحكام يملكون الأسلحة الفتاكة وهي الدهاء والزيف والخديعة هذه أسلحتنا وليبقى العلويين يتمرغون في حمأة الصدق والعدل والتقوى --- سأذهب إلى هارون وأقول له --- ماذا ---؟ العبد الصالح --- أنه -- تجبي له الأموال ويوزعها ويدعوا إلى نفسه كوريث لآل محمد سأذهب وسأشحذ سيوف الأكاذيب مدعومة بحجج تخلقها الأموال التي أدفعها وسأبالغ في حرصي على كرسي الخلافة .

الفضل :- أبت إياك والعبد الصالح موسى العلوي أنه --- أمام بن أمام --- ستجعل الشرعية مقابل اللا شرعية والصدق مقابل الكذب وأين ستقف أنت ؟ 

جعفر :- أسكت أنت تكلم أباً باراً لقد قررنا أن نوجه أنظار هارون نحو موسى بن جعفر العلوي . 

الفضل:- والله أخاف من عين الحق التي لا تغفل عن أحد ستطاردنا لا سبيل لنا للتغلب عليها وستحرقنا وتحولنا إلى حطام 

يحيى:- أنا أحرضه وهو حر في اتخاذ قرار هل يرسله إلى السماء ؟ أم يبقيه على الأرض ؟ أن يمنع عنه نور الشمس أم يغلق عينيه إلى الأبد --- هو الذي يقرر. 

الفضل :- أنك تريد أن تحيى على حساب بن رسول الله بالحيله والذكاء القاتل يحدوك هدف مشئوم بأنك ستحصل على ما تريد وتتخلص من أحقاد الهاشميين وزبيدة التي تمنع عنها الأموال . 

يحيى :- أيها الابن الجاحد القاصر العقل الغير واعي لما حوله أذهب عني .

                               الفصل الثالث 

                               المشهد الأول 

(هارون ومعه حاشيته أمام قبر النبي يناجي نفسه بصمت) 

هارون :- كيف لي أن أعيش في خوف ورعب من مخلوق لا يملك سلطة ولا أسلحة؟ ماذا يملك كي أخاف منه؟ يسمونه العبد الصالح وأنا أمير المؤمنين الشعراء تمدحني العامة تتزلف ألي وتركع عندما تكلمني يحيى العلوي أنهيت حياته بكل سهوله منعت عنه الأكل تدريجاً استحلفني بقرابته من رسول الله (ص) وكان جزاءه --- حتى أنا لا أريد أن أذكر كيف مات ؟ موسى تجبي له الأموال أسمه له وقع شديد وأحس كأنه بوزن الذهب وأسمي لا وزن له أنا أبن عم رسول الله وهو بن رسول الله كرسي الخلافة ليس له غير رجل واحد هو أنا أن أرضي لا تسمح إلا لرجل واحد تجبي له الأموال من المشرق والمغرب ولكن يقال أن موسى العلوي له بيوت أموال وأشتري ضيعة بثلاثين ألف دينار يا رسول الله أنه يريد أن يفرق بين أمتك ويسفك دماء المسلمين . 

(يدخل الأمام موسى بن جعفر(ع) تفسح الناس له الطريق ليقف على القبر) 

الأمام :- السلام عليك يا جداه اللهم إنا نشكو إليك من عالم يضج بعاهات النفوس وقوى سرية تفتك بالناس كأنها الطاعون وعيون متوهجة تنهشها كأنياب الضواري هاهو الإنسان يعيش ضحية قاتل ساد يتلذذ بدم الضحايا اللهم أجعل الضعفاء أقوياء في أرادتهم لا ينال منهم سجون لا يتسرب لها الهواء وأصفاد حديدية تكبل روحهم وتشوهها وحارس شاذ بشع يكشر عن أنيابه ليعلمهم كيف يمارسون عند تحررهم نهب الأموال والتنكيل بالآخرين.

هارون :- كان خطأ أطلاق سراحك السجن أفضل للقاصرين عن نيل المجد من أمثالك أنت ملك الكلمات وأنا أدير دولة تمتد من المشرق إلى المغرب . 

الأمام :- لا يغرينّى ملكك فسأقتل كما قتل جدي لقد حولتم الناس إلى ذئاب يحاربون الجوع والجهل والفقر بالجريمة (22) حولتموهم إلى عبيد راضين بواقعهم وأن قدرهم أن تكون هارون وأنهم عبيد لك . 

هارون (متجاهلاً الأمام) :- من هذا الذي يتكلم ؟ صوت من هذا الذي سمعته أنه يتحدث عن خواء علمنا وانحطاطه ووحشيته وقسوته وأنه مجتمع الموت والتهالك على السلطة والمال. 

(ألتفت إلى الأمام ووجه الحديث له) 

هارون :- نحن مجتمع دولة لها دوواين ووزارة وحجابه ولنا جيش وبحرية . كيف يتم هذا ؟ ماذا تعمل أنت بضع كلمات تطلقها هنا وهنالك ؟. 

الأمام :- أنا أعمل من أجل أن يعمل الإنسان بعقله ويده وأرادته أنك تحكم لأن الفرد يعيش التناقض بين عقله وواقعه وعندما يتغلب الواقع على العقل يحس الفرد بالمهانة والعجز والشقاء والعناء . أن الشقاء والعناء ليس من صميم الوجود وإنما زوال الخير بوجود الشر يكثر الموت بوجود القتل ويحل الفقر بنهب الأموال . 

هارون :- موسى بن جعفر تريد تفريق الأمة ؟ تريد الخلافة أنك لا تعرف ما يمكن فيها ؟ يجب أن تقتل وتسجن وتضرب وتجوع وتكسي وتمنح . يجب أن تنتظر بصبر بالغ إلى البيوض متى تخرج منها أفراخها كي لا يكون بينها نسراً كبير --- لا أستطيع أن أسلمها لك أنت الإنسان البائس المسكين إلى من يعتقد أن صلاته وصومه تحميه وتحمي الآخرين من أنياب الأفاعي التي تخرج من جحورها ومن العقارب التي تفرز سمومها . ماذا تريد ؟ دعني أعمل لك أمجادك لأكون أنا الشرير وأنت العابد الصالح الشريف أنا بن الخيزران التي تداولها النخاس (23) وأنت بن بنت رسول الله إلا يكفيك هذا ؟

 الأمام :- الظلام الخراب يجعل الأفاعي والعقارب تنمو وتكبر أنت تصنعها وتطلقها متى تشاء أنها تدور حولك وتزرع بيوضها في كل مكان أن القهر والظلم والجوع يولد الجبن والخبث والمكر في النفوس البريئة لتتحول دون وعي منها إلى الجريمة والقتل لن أحسدك يا هارون لأن قوتك مستمدة من المنصب والدولة ولا تستطيع أن تحرر رجال دولتك من الجشع والخيانة ما حولك خواء كامل ؟ 

هارون :- أنا الحاكم الفعلي والكل أسحقه بإشارة من يدي كل من حولي ومن عني لدي القوة --- هل تعرف ما هي القوة ؟ أنها ليست كلماتك وأقاويلك --- أنها المال --- الكثرة العددية --- الحكم -- أنا أملك هذا كله ولن أسمح لأي كان أن يجردني من هذه القوى الثلاث كل ما علي أن أريك الخوف. أتعرف ما هو الخوف ؟ أن تكون حياً بين كومة من التراب لا ظل لك – ظلام دامس – حياً في عداد الأموات . 

الأمام :- أني أرثى لك يا هارون أن قوتي هي الديمومة لما اعتقده وما أفكر به هذه قوتي يا هارون .

هارون :- ما تفتقده وما تفكر به ومما تعتقده أن أبي أطلق سراحك لرؤيا داهمته في جوف الليل  أما أنا فلا أعترف بكل أصوات الوهم والخوف سأعطي لنفس كل المبررات وأغذيها بالأعذار كي لا تهتم بالألم الذي يعتريك . أننا ننتمي إلى عالم مختلف تماماً. 

الأمام :- كان خلافكم مع الأمويين حول كرسي الخلافة وما يقدمه من حقوق مغتصبة أنت صورة للأمويين أنا أختلف عنك حقاً أختلف حول صواب الحكم وخطأه أرفضك لأنك لا تحقق العدالة التي جاء من أجلها الإسلام أدينك لأنك لم تعمل على أصلاح الإنسان كل ما فعلته أنك شجعت الرغبات والمطامع وجعلت أصحاب النفوذ الذين حولك يأكلون أموال الناس من أين للبرامكة هذه القصور ؟ العطايا من الأموال التي جمعت من كور المشرق إلا يستحق أن تحاسبهم وتحاسب من حولك على جمعهم للأموال وعلى بذخهم وجواريهم وغلمانهم ؟ هل ترك أبو بكر وعمر وجدي شيئاً ؟ 

هارون (يتمتم بكلمات ويصر على أسنانه من الغضب) :- أقبضوا عليه – أمسكوه كي لا يهرب ضعوا في يده القيود وكبلوه بالأغلال أطعموه كسرة خبز واسقوه شربة ماء ليعرف أن الله يعطي من يشاء ويذل من يشاء ولو لم أكن صالحاً لما مكني ربي منه . 

                              المشهد الثاني 

(يتجمع الجند على باب منزل الأمام الذي يخرج أليهم وتعتريهم الرهبة لرقة بدنه وضعف عوده ويتجمع الناس حولهم لتتطلع إلى الأمام )

الأمام :- أبعد بارقة الرحمة ونزعات المحبة وفتح أقفال قلبه لتنطلق منها رياح عاتية تجمد الدم في العروق وتخرج العينان من محجريها ويقف شعر الرأس كأشواك مدببة ولا يعود المرء يفكر بما يقول أو يفعل. 

(يسير الجنود بالأمام بعيدا ويبدأ الحضور بالهمس) 

رجل رقم (1) :- حلاوة الغنيمة جعلتهم يتجاهلون موجات الرحمة التي تطوف بالعقل وتثير لهيب الأطماع وتحرر دوافع الجرأة والاندفاع لتتجلى بشهوة عارمة عاتية رعناء انطلقت لا تلوى على شيء نحو هذا الرجل الأعزل إلا من تقواه وعلمه . 

رجل رقم (2) :- لن نراه بعد الآن فقد أبحر في سفينة طوى شراعها وسط بحر هائج وجو عاصف مجاديفها متآكلة وجدرانها رخوة لا أحد يعلم إلى أين ذهب العبد الصالح ؟ ستسضيفه أيدي الطامعين وطلاب السلطة لتتركه وحيداً فريداً . 

رجل رقم (3) :- لم تعد الدنيا تتسع له أنه من عالم أخر عالم الحب والرحمة والعدل ما هو العدل ؟ أعطاء كل ذي حق حقه أعطاء الحقوق حسب ما يملك من أهليه أنه من عالم التسامح الذي نتنازل عن رغباتنا وأهوائنا من أجل الصالح العام . 

رجل رقم (1) :- أليس جده الأمام الباقر (ع) علم عبد الملك بن مروان صك النقود عندما منعتها الدولة البيزنطينية عنه وجده الأمام زين العابدين احتمى به الأمويين في وقعة الحرة .

(أندس بينهم رجل أخر) 

رجل رقم (4) :- لا يريدون ملكاً ولا يطمعون بمال كيف ذلك ؟ هل جزء من تكوينهم روحاني ؟ أم أن الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة أعطتهم رحيقها تصور الأمام الصادق أرسل أليه أبو سلمه الخلال يطلب منه أن يكون خليفة فيرد 

أيا موقداً ناراً لغيرك ضوئها      ويا حاطباً في غير حبلك تحطب 

الرجل رقم(5) :- خليفة علينا نحن الذين نبرر الظلم الذي يحيق بنا ونكذب على أنفسنا ونخدع أبناءنا نحن نحل مشاكلنا بالكذب كلنا من طينة واحدة الكذب يسهل لنا تجاوز ما بنا من آلام وضيق ومكر وخداع. 

الرجل (3) :- كلام --- كلام لا نملك غيره تذكرت نملك شيء آخر-- السيف -- نستعمله في السلم والحرب لنثبت به ذاتنا ونبرهن بأننا نملك قدرتنا لنعوض عن الفشل والخذلان الذي يلم بنا دعونا نتحدث بفارس قرزل والصمصامة فهذا عزاء لنا .

 

                                  المشهد الثالث 

(الأمام في الطريق إلى البصرة ليكون عند عيسى بن جعفر بن المنصوروالي البصرة) 

الجند رقم (1) :- أخرج الرشيد بغلتين أحداهما توجهت إلى بغداد وأما نحن متوجهون إلى البصرة هذا الرجل ذو أهمية حتى يتستر عليه الخليفة أنه هزيل ضعيف البنية لكن يمتلك مهابة وجلالة . 

جند رقم (2) طلبوا التحفظ عليه لئلا يهرب ولكن لا يبدو عليه ذلك أنه ألف رجل في رجل لا يشكو ولا يتذمر أنه عالم متكامل وسط هذه الصحراء المتناهية. 

جند رقم (3) :- تحمله.. تحمل ألف رجل فهو لا يصدر أنه ولا آهة رغم أن القيد أضر به ولكن روحه تأبى أن تستسلم إلى الألم كأنه في امتحان وعليه أن يتجاوزه . 

رجل رقم (3) :- كيف يتجاوزه؟  ولا يصرخ ويتألم و يحاول الهروب ولكنه أعطى للإنسان المقهور المغلوب على أمره سمة الكبرياء والرفعة كيف يمكن أن يكون الإنسان مضطهد وشامخ ؟ هو إنسان شكلاً ولكن روحه روح نورانية 

رجل رقم (1) :- فكرت أن أضربه ولكن يدي لم تطاوعني لقد نظر إلي طويلاً وقال سامحك الله يا بني . لو أستطيع أن أترك هذا العمل --- أترك مراقبة هذا الرجل أحس أني كلب حراسة ولكن --- سيكون الخليفة بالمرصاد . 

الرجل رقم (2) :- لنفك القيود عنه لساعة ونراقبه متظاهرين بالنوم لنرى ماذا يفعل ؟ هل هو حقيقة لا يحاول الهرب ؟ هل يفكر بأخذ البغلة ويتركنا. 

(يتقدم أحدهم وفك الأغلال) 

الأمام :- لماذا تفتحها ؟ أني مصدر عذاب لكل ظالم جبار أني مصدر كرب وتعاسة له وكل ما لديه من قوة ومال وسلطة تؤرقه وتسلب نومه فالنهار طويل والليل يجدد بواعث الرهبة والخشية من غد مظلم وعويل وصرخات يعرف مصدرها . 

الرجل رقم (1) :- نام قليلاً السلاسل أقضت مضجعك نحن نريد أن تخلد إلى النوم . 

الأمام :- النوم لا يشكل هم لي أن همومي أكبر من هذا همومي رؤية الذين يتربعون على أموال الناس -- أراهم أمامي يفنون بعضهم بعضا يسفكون دمائهم بأيديهم أنا لا أشكل خطراً عليهم الخطر جاثم في أرواحهم أن ما يجمعهم تعذيبي وموتي وكل منهم عدو للآخر . 

الرجل رقم (3) :- أيها الرجل حقاً أن جدك رسول الله وأن جدتك فاطمة الزهراء أنتم أولاد عم --- وأنت تطالب بالخلافة . 

الأمام :- خلافتكم لعنة عليهم أنهم لا يدركون المهمة الملقاة على عاتقهم أن قصورهم مفتحة الأبواب أمام الباطل وسياجاتها عالية كي لا ترى ما في داخلها وفي داخلها غابة تعج بكل أنواع الحيوانات. 

الرجل رقم (4) :- رحماك سيدي نريد أن تخلد إلى النوم 

(تركوه وقاموا بمراقبته من طرف خفي كي لا يهرب)

الأمام :- عبدتك ربي حقاً حقا راضياً قانعا فحاشاك أن تظلم عبيدك والظلم يأتي من عبيدك المارقون أشكو أليك روحاً لا تمل من طلب العلم الذي يجعلن أسبح في بحر ملكوتك أن عباد الدنيا والطغاة يحكمون بالسجن والنفي لنبدل طبيعتنا ولنبكي حالنا ونرفع أصواتنا صارخين نلعن قدرتنا ولكن هيهات أنا لهم هذا أن قوتنا في صبرنا أن صمتي صرخة مدوية عبر الزمان وفي كل مكان .

الرجل :- كنا نعتقد أنك ستهرب وأنك مرائي في ذكرك لله وعبادتك له . 

الأمام (مستغرباً) :- أهرب إلى أين ؟ الأرض كلها أرض الله سواء وضعت الأغلال أم رفعتها فالهرب ليس من شيمتنا ولكن أنا أهرب --  أهرب من المتهالكين على هذه الدنيا من النفوس المهدمة من نيران ترسم ظلالها على وجوه الآخرين .

                               الفصل الرابع 

                               المشهد الأول 

(في قصر الوالي عيسى بن جعفر بن المنصور وآلي البصرة في غرفة رطبه مغلقة شباكها في أعلى الجدار) 

عيسى (على مائدة الطعام مع أبنته ميمونة) :- كنت أتمنى رؤية موسى بن جعفر طالما تحدث عنه الرواة والمحدثين والفقهاء حتى هارون شهد  بأنه من رهبان بني هاشم . إذا شتمه أحد غفر له --- هو ليس خليفة ليخاف على ملكه ما يخاف عليه لا ملك فيذهب ولا تجارة فتكسد ولكن لو يغير -- ماذا يغير -- يغير أفكاره ويسلك سلوك بني أخيه لقربة الخليفة وأعطاه المال والجاه -- لماذا يرفض عطاء الخليفة ويقبل بما هو فيه من ضنك وضيق وألم ما هو السبب ؟ لماذا ؟ أنا غير مستعد للتخلي عن ولاية البصرة أقدم كل شيء للخليفة لأبقى في ولاية البصرة هو بن عمي ولكن ولاية البصرة قرة عيني . 

ميمونة :- أبتي هذا بن عمنا ؟ لماذا يسجن هذا يتعبد طوال الليل ويناجي نفسه ماذا يقول ؟ رباه ماذا يقول ؟ يقول ( الهي كل من في السماء والأرض يسبح بحمدك الوحش في الفلوات والطير في السماء والسمك في الماء أنت أعظم من أن تعاقب النفوس الضائعة بين الأيمان والضلالة والعقول الماكرة التي تطرح أسئلة مربكة والجيوب التي لا تمل من قوت الضعفاء الهي أغفر للعيون التي لا ترى الأيد الهزيلة من الجوع والطفل المتدثر برداء السماء والطفلة التي تمزقها شهوات النفوس الضالة . 

عيسى :- ميمونة هذا عدو الخليفة إياك أن تذكريه  بكلام حسن فالجدران تسرق الكلمات نحن نراقبه لنتأكد هل يمس الخليفة بسوء ؟ 

ميمونة :- عندما أقدم له الطعام لا يرفع نظره . 

عيسى:- (مقاطعاً بغضب) لماذا تذهبين أليه ؟ من أمرك بذلك ؟ 

ميمونة:- أمي قالت --- قالت هذا بن رسول الله .

عيسى :- لا تذهبي أليه بعد الآن 

ميمونة :- إلا تثق بابنتك يا أبتي أني أنقل لك بصدق وأمانة هل تريدني أن أكذب ؟ هل أصبحت النجاة في الكذب ؟ 

عيسى :- لا عليك يا أبنتي إنه رجل أمين ولكن أخشى بطش الرشيد . 

                          

 المشهد الثاني 

(الأمام في غرفة مكبل بالحديد تدخل عليه ميمونة تحمل كسرة خبز وشربة ماء) 

ميمونة :- جئت لك بقطعة لحم خبئتها بلفائف الورق تحت طيات ملابسي كل أنك هزيل ومريض ستزورك الآلام في منتصف الليل فلا تستطيع حراكاً. 

الأمام:- هل علم أبوك بقطعة اللحم ؟ هل يرضى بأن تتكلمي معي يا أبنتي لا أستطيع أن أقبلها ستتحول إلى سم في بدني ينهشني ويمزقني . 

ميمونة :- أنا لست أبنتك أنا بنت عمك أتسلل في خلسه الليل لأسمع مناجاتك لا أستطيع أن أنام كيف تستطيع مقاومة الرغبة في الملبس والمأكل والمشرب أن أبي --- أبي ينصب مائدة الشراب ويجلس حوله الشعراء والمغنين شتان ما بينك وبينهم . لماذا لا تخضع للرشيد؟ سيكرمك ويعطيك ولاية وستحف بك الجواري والغلمان والغيد الحسان . 

الأمام :- الرشيد عالم آخر أنه يعيش في كهف الوهم ليحوله حقيقة أن أوهامه جذورها الشبهه والخوف والاتهام أنه يخاف من انتسابي إلى رسول الله(ص)  ويخشى من سيماء وجهي وورعي وتقواي فيتهمني بمايؤرقه كيف لي بتغيير معتقدي وأن العقل هو الطريق لمعرفة الله وعندما نعرف الله سنرحم الفقير ونأوى اليتيم ونكسي العريان لا يستطيع الرشيد تحمل يوم واحد مما أتحمله .

ميمونة :- هذا الكلام لم أسمعه من قبل كلامك يرن في أذني ويتغلغل في أعماق نفسي كنور يشق حجب الظلام . أن أبي من عالم آخر أستثقل كلماته أنها كالرصاص في أذني . لا يهمه سوى السلطة والجاه يهمه الحصول على النعم . 

الأمام لا يا أبنتي أنه أباك عليك واجب حبه واحترامه ستكون عليك اللعنة قدمي له الاحترام والتقدير وليكن الله هو الذي يسدد خطاك ويهديه. 

ميمونة :- أنا أبنه عمك ولست بنتك أني أصلي إلى الله أن يخفف آلامك سأذهب أن أمي إنها بانتظاري وليس من الملائم أن أتأخر . 

الأمام :- خذي قطعة اللحم معك فهي محرم علي ولا يخالط دمي أكل حرام .    

                               المشهد الثالث 

(عيسى وزوجته يتحادثان) 

عيسى :- كان خطأ ذهابها إليه ألا تلاحظي أنها تمكث معه قليلاً . 

أم ميمونة :- أنه أبن عمك مشهود له بالتقوى أتقرب به إلى رسول الله  (بعصبيه) لن تذهب أبنتي بعد الآن ليذهب أي واحد من خدمك وحشمك . 

عيسى :- أنها محنة الرشيد مصرا على قيده بالسلاسل وأنا أخاف من تأثيره على حاشيتي وخدمي أخجل من رسول الله (ص) أن أعامله كعامة الناس سأذهب أليه . 

(يدخل عيسى على الأمام يحاول الأمام أن ينهض دون جدوى) 

عيسى :- السلام عليك يا بن العم أنا أتحمل مسؤولية كبيرة بوجودك عندي لماذا أرسلك أمير المؤمنين هنا ؟ كان الأفضل ذهابك إلى بغداد ربما أراد أن يموه على أتباعك فأرسلك هنا يقال أن لك أتباع بالمشرق يرسلون لك الخمس لتكون محل أمير المؤمنين . 

الأمام :- أنا لا أعطي الأموال لأجمع الأتباع فمن يكسب بالمال يذهب مع المال . أن الحاكم يسجن ويعطي ويطلق كما يشاء ليعبر عن قدرته على الفعل وتملكه لمقدرات الآخرين . لكن أنا خارج هذه المقدرات دعه يبحث عن الشهرة والمجد والمال والسلطة أما أنا فل طريق آخر . 

عيسى :- يا بن العم أنا لا أريد أن أواجه رسول الله (ص) بإثمك أنت تعلم مدى قوة أمير المؤمنين أنه يستقبل وفد الهند والروم في قاعات مزدانه بأبهى النقوش المذهبة والعرش المطعم بالحلي والجواهر وعندما يسافر إلى الحج تتخذ كل الإجراءات لتوفير الراحة والطعام والشراب ويرافقه الفقهاء لإداء فريضة الحج على نفقته وفرقة مسلحة تحميه من اللصوص وقطاع الطرق .

الأمام (مقاطعاً) :- لماذا اللصوص وقطاع الطرق رسول الله (ص) قال لعدي بن حاتم ستسير الأعراب من العراق إلى الحجاز آمنة على نفسها . ألاف الناس يقتلون للحصول على الخراج الذي يتحول إلى حلي وجواهر تزين أعناق الجواري وجيدهن ويتحول إلى كلمات مديح وغناء يمجد البرامكة يا للموتي المخدوعين يا للضحايا المشوهين ثمة من يضحك منكم فوق أسرة الديباج والحرير. 

عيسى (بغضب) :- هل تريد حصتك من هذا ؟ هذه الأموال تنفق لمحاربة الخارجين عن الدين موسى --- أن الله أعطانا الملك لأننا أهل لذلك أعطانا السلطة والمال لأننا نعر ف كيف نستعملها أما أنتم فليس لكم شيء ماذا تريد ؟ لا شيء لك .     

الأمام :- هذا السجن يفصلنا عن عوالم سمائها زرقاء وأرضها خضراء والناس يتجولون دون خوف ورعب والنساء يرضعن أطفالهن والشيوخ يداعبون أحفادهم كل ما أريد... قرآن . 

عيسى :- أني أرى روحك المعذبة أرى أنفاسك التائهة تتصاعد بألم وحسرة . أن لنا جميعاً مشاعر تسرى داخلنا نخجل من الاعتراف بها نرحم ونظلم لنغطى عار الأعمال التي نقوم بها أنها بهيمية الإنسان بهيمية قابيل قاتل هابيل سميه ما شئت التوبة الزائفة الندم المؤقت -- أنت سعيد لأن لك مبرراتك فالسجن خير مبرر للكرامة التي تعجز عن أثباتها كل ما تفعله قراءة قرآن سأرسله لك أقراه أناء الليل وأطراف النهار . 

الأمام :- لماذا نزلت الشرائع وجاء الأنبياء وتكلم الحكماء لقد سجنت لأني هاجس يؤرق الظالمين تريد أن تعرف وما ستعرفه سيجعل دمك يتجمد في عروقك وتنتصب شعرات رأسك وجسدك لتصبح كالقنفذ وترتعش يداك كريشة في يوم عاصف وتتحول حدقتاك إلى حدقتي قط من هول ما تسمع . 

عيسى :- ماذا أسمع ؟ أباطيل وهلوسات. 

الأمام :- لا يا عيسى -- قابيل قائم بيننا لقد قتل أبي مسلم وبن هبيرة وأبو سلمه الخلال وسجن يعقوب بن داود حتى غطى شعر رأسه شعر حاجبه قافلة من الرجال البائسين لا يختلفون عن الرشيد الذي هو منهم قريناً لهم يصفى بعضهم بعضا واه عليك يا عيسى أنك لا ترى ما أراه --- 

عيسى :- ماذا ترى أخبرني ؟ 

الأمام : أرى الفقيه مالك بن أنس يقرع بالسياط والفقيه أبو حنيفة يجلد ومن ثم يعد أحجار الطوب لمدينة بغداد وآخرين سيأتي دورهم ها هو بن حنبل --- يمر كطيف أمام عيني ليجلد . . 

عيسى :- من بن حنبل ؟ 

الأمام :- فقيه لم يأتي زمنه بعد.. وآه عليك يا بغداد ستضرب بالمنجنيق وينعاها الشعراء وسيرفع جعفر البرمكي على جسر بغداد . 

عيسى (بغضب) :- أسكت... أنك تخرف يا موسى لا أحتمل وجودك .

الأمام :- ستمر السنين وتتطاول الأيام ويأتي من يصنع تاريخ آخر أما صواب الحكم وشرعية ووجوده فتبقى ما هي . 

عيسى :- سأرسلك إلى بغداد ولتكن بين  يدي من يعرف التعامل معك 

الأمام :- أينما أذهب فثمة وجه الله . وابنتك لا تطفئ نور قلبها ولا تجعل الذبول والجفاف يصيب فكرها أنها نقية صافية كالثلج فوق قمم الجبال .

                              المشهد الرابع

(ميمونة في غرفتها تناجي نفسها وعليها سيماء الحزن والذبول)

ميمونة :- ماذا تحمل ؟ ضعف يشوبه الكبرياء تحت جمال آخاذ -- علم يتدفق كالشلال من أعالي الجبال سمو مكبل بالأغلال . 

آه -- هذا كله ولا تريد أن تحيى وأن تدع ذريتك تعرف من أنت؟

رأيت فيك أحلام أنعتاق الروح وصلابة الجسد ورأسك المغطى بشعاع النجوم وقيود تربطها يديك وخيال عجزت يدي تمتد إليه.

في هذا اليوم هرعت إلى مكانك بعد أن تلاشت خيوط الظلام وعزفت الطيور ألحانها تلهفت لأحمل الطعام أليك لم يكن هناك اثر ... أخذت أمشي بخطى سريعة رباه الغرفة فارغة أخذت عيناي تدور في أرجاء المكان وتمادى بي الأمر وكأني أفتش عن أبره وسط ذلك الفراغ الموحش دب ما يشبه الموت إلى قدماي ليعرقل خطاي.

لن تعود ثانية ولن أسمع صوت الحق يجلجل من جديد لن أرى ذلك الملاك الروحاني .

هاهي أصوات روحانية يرتفع صداها من بعيد صارخة أن دماء نقية ستتجمد في عروقها وأن نزيف الطمع والشدة لن يتوقف ومن كان صلباً كتمثال من رخام سيبقى صامداً عبر الأجيال 

أينما تذهب فأنت موجود في خاطري مقدس في ضميري خالداً في قلبي مضيئاً أمام ناظري شجاعاً كجمع من الفرسان كريماً كشلال من المياه سأبقى أنا في وحدتي أرقب صرخة أيامي وأعد أقمار شهوري بين أشجار الهموم والآلام وجداول من الدموع . 

لك مني أمواج من الوفاء وزخات مطر في الأشواق وعيون من الحب . 

                                الفصل الخامس 

                                المشهد الأول 

(في قصر يحيى البرمكي جلس يحيى مهموماً ينظر بتوجس بقلق إلى الفضل) 

الفضل :- موسى العلوي أفرغت له غرفة وجهزتها بوسائد وفراش وأمرت أن يرسل إليه الطعام أنه متعب هزيل لا يستطيع الوقوف لكثرة ما مر به من الجوع وحمل الحديد . 

يحيى :- بهذه الطريقة تتقرب إلى العلويين أنهم قوة وموسى قلب العلويين ويقال أنه الأمام بعد أبيه . 

الفضل :- علمتنا يا والدي أن نعمل من أجل سمعتنا وصيانة ماء وجهنا وأن لا نبذلها من أجل صيانة كرسي خلافة هارون وإنما بما يضمن وجودنا في مواقع الوزارة والقيادة . ولا يهمني أن كان إمام أو غير إمام كل ما في الأمر سأخفى الأمر عن هارون .

يحيى :- هارون يريدك أن تضيق عليه ويلفظ أنفاسه في السجن .

الفضل :- عندما يريد أن يلفضه أنفاسه يأخذه ويورده حتفه مثل يحيى العلوي . 

يحيى :- سيرميه علينا أنه يريد امتصاص قوتنا وقدراتنا ثم يرمينا متى ما اقتضت الحاجة إلينا ولكن نحن أذكى منه سنستولي على ما يفيض من سلطانه وعطاياه ونتسلل خلسة إلى كل مكان نشم منه رائحة المال والسلطة . نقدم له الطاعة نمتص غضبه نتحمل لعناته لنحصل على الأهداف التي نضعها نصب أعيننا . 

الفضل :- ولكن ماذا يريد موسى العلوي ؟ هل من المعقول هارون يحجب عنه المناصب العالية ؟

يحيى (متذمراً) :- المناصب العالية من نصيبنا نحن لا نسمح للعباسيين بالتقرب منه أنهم يقرعون أبوابنا التماساً للمال وتلبية حاجاتهم. 

الفضل :- نحن نحيط بالرشيد كالسوار بالمعصم حتى خاتم الخلافة بأيدينا . 

يحيى :- ليس المهم ما نحصل عليه بل كيف نحافظ عليه. 

الفضل :- سأذهب إلى موسى العلوي لأراه . 

(الفضل مع الأمام في غرفة يتسلل اليها نور الشمس من كوة  في أعلى الجدار) 

الفضل :- السلام عليك يا بن رسول الله. 

الأمام :- عليك السلام يا فضل أن نمارق الجنة لا يجلس عليها من يعاشر الغلمان حديث عن رسول الله(ص) 

الفضل :- لم أزورك لهذا الأمر أن ما أريده الاطمئنان على طعامك وشرابك . 

الأمام :- عندما دار المفتاح بالباب قلت أتى من يوردني حتفي وها أنت ---

الفضل :- لماذا لم تتناول طعامك ؟ 

الأمام :- أكلت ما هو مقدر لي كسرة خبز وماء 

الفضل :- تأكل كسرة خبز وماء وتترك بقية الأكل أليس هذا عدم اعتراف بنعمة الله وجحود ونكران لفضله . 

الأمام :- لا --- ولكن أعرف المقرر لي هو الخبز والماء وعاجلاً أم أجلاً سأحرم من الطعام كرة أخرى . أتراك نسيت ما فعل بيحيى بن عبد الله بن الحسن .

الفضل :- سأدافع عنك تناول طعامك وغداً يوم آخر . 

                                    المشهد الثاني 

( مناي ينادي في شوارع بغداد )

المنادي :- ما جزاء من يعصي أوامر أمير المؤمنين ؟ 

ما جزاء من يخرج عن طاعته ؟ ما جزاء من يجحد نعمته ؟ ما جزاء من يرد الإحسان أساءه ؟ 

(يتجمهر الناس ويزاحم بعضهم بعضا) 

الجمهور ما الأمر ؟ من الذي عصى أمير المؤمنين من الذي خرج عن طاعته ؟ 

المنادي :- ناكر الجميل -- جاحد النعمة الفضل بن يحيى . 

جمهور الناس (يردد) أجلدوه -- أجلدوه 

رجل (1) :- ماذا فعل ؟ دعونا نعرف --- 

رجل (2) :- لا يهم ماذا فعل ليجلد ثم نعرف ماذا فعل ؟ 

رجل (3) :- لا بد أكل أموال الخراج. 

رجل (4) :- لم نتأكد الفضل بن يحيى أم الفضل بن الربيع تشابه الفضل علينا .

رجل (5) :- سيجلد لأنه لا ينظر في رقاعنا ومظالمنا .

الرجل (1) :- الفضل بن يحيى المتغطرس المتجبر أتمنى أن يكون هو . 

رجل (3) :- أنه هو لقد ذكر أسمه المنادي 

رجل (4) :- أي من يكون لن يتغير شيئاً ها نحن كما كنا سواء جلد أو أعدم أو سجن لن يتغير شيء .

رجل (2) لن يتغير شيء كما كان أيام الأمويين الخراج إلى الخليفة ينفقه على ترفه ولهوه تتمتع الحاشية به . أما نحن فلا أحد يفكر كيف نعيش ؟

رجل (5) :- نحن نعيش على السلب والنهب . في النهار مع الناس في حوانيتنا وفي الليل نترصد ركب التجار في الطريق لنسلبهم . 

رجل (1) :- ويحك أسكت نحن لنا احترامنا وتقديرنا ولا أحد يعلم بذلك . 

(رجل يدخل في زمرتهم) 

الرجل :- لينفض جمعكم وتختفي علامات البؤس من وجوهكم أن الشرور والآلام صنوان متزاوجان يحتضن كل منهما الآخر . 

رجل (1) :- ماذا تريد المنادي ذهب وأنت تريد أن تخطب فينا خليفة الخطيب صوره من الحجاج . خطيب يتلوه خطيب ومع كل خطيب يوجد ظالم فاجر .

رجل (5) :- ليجلد الفضل ليضرب بالسياط ماذا نستطيع أن نفعل نحن جبناء أذلاء ننتظر الخليفة يعلن حرب لنستولي على الغنائم والأسلاب نعيش على فتات وجيف الحروب وبقايا الموتى نحي مع غروب الشمس ونموت مع شروقها . 

رجل (3) :- خطيب يتلوه خطيب لا شيء سوى الكلمات لا شيء سوى العبارات أين قادتنا طارق بن زياد ، موسى بن نصير ، قتيبة بن مسلم الباهلي . 

رجل (6) :- نسائنا قلعن أرحامهن فلم يعد هنالك رجل يستحق أن يكون أب لاولادهن والغواني أخذن مهمة الأنجاب . 

رجل (2) :- طبعاً الغواني أخذن مهمة الإنجاب قلن روحنا كهف مظلمة موحشة ووجهنا مشرق زاهي.... فلا داعي لأن تفكر من أين يأتي المال وكيف يمر النهار . 

( يأتي رجل الشرطة ) 

رجل الشرطة :- ماذا دهاكم تقطعون الطريق على الناس تتحدثون بالغيد الحسان تفرقوا أذهبوا إلى دوركم وأخلدوا إلى حب الغواني أنه دواء للنفوس المعذبة كي نهرب من الواقع .

                                    المشهد الثالث 

 ( في قصر الفضل يجلس يحيى وجعفر والفضل متممدد على الأريكة ) 

يحيى (متثاقلاً) :- من قال لك تكرم هذا العلوي ؟ من هم العلويين ؟ أناس يمثلون الخسارة لا يملكون المال والمنصب لديهم كلمات هل تريد كلمات ؟ لديهم الكثير من يحبهم على شاكلتهم فقراء مدقعين يلبسون سراويل الأسى والحرمان ويخادعون الناس بها . ماذا يريدون ؟ لا أحد يعرف . تعرض عليهم الخلافة يرفضونها يريدون أن ألبس سراويل صوف ممزقة وأجوب الشوارع . 

الفضل (يتأوه من الألم) :- أبتي هذا الرجل المسمى هارون لا يعرف غير السوط لا أستطيع الكلام ( يهمس في أذن أبيه ) 

:- العلوي رجل مسالم لا هم لديه سوى الصلاة وطلب الغفران أخاف يا أبتي من --- من غدر الزمان وصولة الأيام بن رسول الله مقيد بالأغلال لا أدري كيف علم بأمره فجأة مسرور السياف وأقتحم الغرفة في غيابي وأخذه . 

جعفر (نهض واقفاً) :- لو لا أبينا أين أنت الآن ؟ 

الفضل :- أين أنا؟.. السياط ألهبت ظهري حتى لو كنت تمثالا لخافوا من كسرة . ماذا فعلت يا أبي ؟ 

يحيى (ساخراً) :- ماذا فعلت ؟ --- طلبت منه أن يقيم العدل ويمر بالمعروف ويوزع الأموال على الرعية . 

الفضل :- أرجوك لا داعي للسخرية . 

يحيى :- نحن مع الرشيد ليس من أجل صواب الحكم وإصلاح الإنسان خمسة ألاف سنة والإنسان كما هو خاضع لرغباته ونزواته نحن نناور مع الرشيد لاقتسام السلطة والنيل منها هو خليفة بن عم رسول الله ؟ من نحن ؟ إذا لم نبتدع أمور لا يمكنه القيام بها . 

جعفر :- المهم مصير الفضل أنه يطمح إلى السلطة والمال ولكنه عاجز وضعيف يتخذ منك وسيلة لتنفيذ مآربه أما أنا فلا أحتاج إلى من ينفذ لي أطماع نفسي وشهواتها . 

يحيى :- سأذهب إلى بغداد وأنت الفضل الشهاب الذي لا أقول له قرعت بالسياط لأنك أدخلت نفسك بين الطامعين بالخلافة هو وبن عمه مالنا به ؟ 

الفضل :- سيقول الناس أن يحيى جاء لتعديل السواد والنظر في أعمال العمال . 

يحيى :- ليقول الناس ما يريدون ولتؤدي لعنة موسى العلوي إلى تحطم الطرق وسقوط قبة قصر الخلد وإشعال النيران في بغداد وكل هذا لا   يهمني ما يهمني أن أليي الصوت الذي في داخلي. الصوت الذي يدعوني إلى المال والجاه أما الأطماع التي تحفل بها النفوس التي لا تعرف الرحمة فلا شأن لي بها . 

جعفر :- موسى العلوي على خط الضحايا الذين يشكلون أشباح وكوابيس وهلوسة لسيد قصر الخلد. 

مسكينة يا بغداد سنشرب من ماءك المخلوط بدم الشهداء وسيكون لنا جميعاً نفس المصير لا يفصلنا سوى لحظات من الزمن نحن عميان نسير على نفس الخط نحو الهوى السحيقة ستطرز أجسامنا أرض بغداد . 

يحيى (بغضب) :- أخذت تهلوس يا جعفر سأذهب إلى بغداد وأنفذ ما أوعدت به هارون وأعلم يا فضل أنك أوديت بموسى العلوي . 

                                        المشهد الرابع 

(الأمام في قعر حفرة يتم الوصول أليها عبر سرداب فيه منحدر وظلام دامس لا يعرف الليل من النهار)

الأمام :- السجن يفقد القدرة على التمتع بالحواس لا أرى لا أسمع لا أحس سوى بالرمال التي تنهال من الجدران ولا أسمع سوى قرقعة السلاسل أرفع صلواتي أليك يا ربي --- أن هذا لهو البلاء المبين الذي يجعلنا نعرف من نحن أنه الامتحان الأزلي للبشر . كيف نتصرف في حالة الابتلاء ؟ لقد أعطيتني نعمة التحمل وستردد الأجيال القادمة مأساتي وبلائي وسأكون  رمزأ لكل سجين مظلوم لماذا الأقوياء يستهدفون الضعفاء ويجعلون منهم وقوداً لتنفيذ أغراضهم ربما ملايين الأبرياء  لا يغيرون شيئاً من سنة الحياة لأنهم يبحثون عن لقمة عيشهم وتكاثرهم ولكنهم يستهدفون من قبل الطغاة الذين يرفضون من يزاحمهم وقد جئت لأدافع عنهم يا ألهي الطغاة صعاليك غربان سود تتغذى على الدم البشري كالخفافيش في توحشهم وقسوتهم في لا مبالاته بألأم الآخرين . يا الهي أرحمني وخذ بيدي . 

(تفتح الباب ويدفع رجل إلى الداخل مع النور المتسرب يتضح أنه ضخم الجثة مدور الوجه أبيض اللون له لحية كثة طويلة جلس دون أن يسلم) 

الأمام :- السلام عليك يا أخا العرب . 

الرجل (بفتور) :- عليكم السلام . 

الأمام :- من أين أنت؟ 

الرجل :- من بلاد بعيدة جداً . 

الأمام :- أسأل الله أن يفرج عنك همومك . 

(لم يجب الرجل وأخذ يعبث بلحيته) 

الأمام :- اللهم قرب الرحيل وزادنا قليل ودروبنا وعرة وذنوبنا كثيرة . الحياة شاقة والعدالة بعيدة المنال. نسير عبر صحراء حدودها توابيت أناس أبرياء لا شيخوخة على الإطلاق ، أصوات عويل نساء يندبن أطفال طرقات ليالي الشتاء .اغفري لي يا ربي . زماننا القاتل في النار والمقتول لا يدري أين سيذهب ؟ 

( أخذ الأمام يبكي وأخضبت شيبته ألتفت إلى الرجل حيث سمعه يجهش ببكائه) 

الأمام :- هل تبكي لأن أيامنا أصبحت مليئة بالعجزة وأصحاب العاهات ؟ 

الرجل (يشهق بالدموع) :- لا 

الأمام :- هل تذكرت أولادك وزوجتك دون مأوى وطعام .

الرجل (مستمر بالبكاء):- لا 

الأمام :- بكاءك من أجل ذنوبك  التي تقرع أجراسها ساعة الحساب . 

الرجل (متذمراً) :- لا 

الأمام :- تذكرت أننا جميعاً سنقف أمام الواحد الأحد عراة إلا من خطايانا . 

الرجل (بصوت عالي) :- لا .

الأمام :- لا بد أنك فقدت ممتلكاتك وكتبك على حين غرة --- وأخرجت من دارك بالقوة. 

الرجل :- لا 

الأمام :- تبكي لأننا يجب أن نحيا هذه الحياة ونصبر على الابتلاء والمحن. 

الرجل :- قلت مراراً -- لا 

الأمام :- ما سبب بكاؤك

الرجل (عاد إلى النشيج والبكاء بحرقة) :- أنني أبكي --- أتذكر شيء عزيز علي --- 

(توقف الرجل قليلاً ثم أكمل) 

الرجل :- أتذكر عنزتي وهي تهز رأسها نحوي وترفع قوائمها الأمامية . 

الأمام :- ويحك هارون جعلتني أعيش مع الحمقى... والمعتوهين ... ويلك كيف تفتق ذهنك عن هذا العذاب الرهيب ؟ لمن أتحدث عن علوم الحديث وروايات آبائي وحكايات أمتي؟ 

أيها الباعث على الشفقة والرحمة أنك بقايا أدب مأجور. وحروب لا معنى لها. وكراسي خلافة لا يذكرها التاريخ .

الرجل (مقاطعاً) :- هل تريد أن أصف لك عنزتي أنها صفراء اللون نحيلة الجسم عندما تهز رأسها يهتز شعر ذقنها 

الأمام :- تكلم كما تشاء لتسمعك أشباح تهيم في فضاءات داكنة مظلمة . 

(فتحت الباب ودخلوا جماعة ومعهم السندي بن شاهك وأخذوا الأمام) . 

                              الخاتمة 

(على جسر بغداد وضع الأمام مسجى وسمع الجميع أصوات ترددها السماوات العلا) 

أصوات تأتي من بعيد :- ذهب ليعود ويلبي طلبات المحتاجين المنكودي الطالع. ليكن ملاذ للمعذبين وعوناً للمقهورين سيكون مخلد في الأرض والسماء .

 ترك الأرض مليئة بالوحل والطاعون .

تزحف فيها ديدان تأكل أحشاء المترفين .

أي جسر بغداد أنك بانتظار نزلاء آخرين.

حلقت روحه الطاهرة على مركب ذهبي .

تحفه كواكب وشموس من الصالحين .

ها هي أبواب الجنة فتحت على مصراعيها 

ليأخذ مكانه بين الأولياء والمتقين . 

ترك أرضاً ميتة تملأها نفوس انصهرت داخل أوثان 

وقصوراً بنيت على لهيب النيران 

وطرقاً تجول بها الهوام والغربان

ذهب ليعود ويلبي طلبات البائسين 

 

 


كافة التعليقات (عدد : 2)


• (1) - كتب : د.مسلم بديري من : العراق ، بعنوان : سعيد انا في 2011/08/03 .

من دواعي سعادتي وفخري اني اقرا للدكتورة امال كاشف الغطاء هذه المرأة الشمس التي لاتسع عيني كلماتها لتستنجد بكل ما فيّ من عيون تبصر الحرف والابداع
ادامك الله لروعتك

• (2) - كتب : مهند البراك من : العراق ، بعنوان : هنئيا لكم في 2011/08/03 .

تقبل الله صيامكم في شهر رمضان الكريم
هنيئا لكم بهذه الكرامة من باب من ابواب الله التي لايرد عندها طالب

تقبلوا ايها الدكتورة مروري وقراءتي لما كتبتم فقد صورتم واجدتم التصوير لاستشهاد الامام موسى الكاظم عليه السلام

بارك الله فيكم





  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=8299
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 08 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19