لواقعة الطف صور سرمدية، رسمها الامام الحسين (عليه السلام) بثورتهِ العظيمة، وخلدها التاريخ بصحائف من نور, وترجمها عشاقه على مر الدهور، من خلال مواقفهم البطولية وتضحياتهم الكبيرة.
الحاج "زامل عبد الحسن الدراجي" من سكنة محافظة العمارة، التحق بصفوف الحشد الشعبي, بعد سماعهِ فتوى الجهاد الكفائي, التي أطلقتها المرجعية الدينية في الثالث عشر من حزيران عام 2014، غير آبهٍ لعمرهِ الكبير الذي تجاوز الثالثة والستين عاماً، إلّا أنهُ وقبل التحاقه؛ أوصى ولدهُ الوحيد "خضير" قائلاً له:
" بوية الجهاد كفائي وآنه رايح، انتَ ظل هنا يم امك، بوية مااوصيك عليها".
قاتلَ الحاج زامل مع أبطال الحشد, يوماً بعد يوم يحصدون الانتصارات, على زمر داعش الارهابية، حتى وصل زحفهم منطقة الهياكل في الفلوجة، الا إنهُ طيلة تلك الفترة كان لا يعلم بأن ولده الوحيد، قد التحق بعدهُ بأيام بأمر من والدته، في صفوف الحشد الشعبي!
خضير "وحيد أبويه" أوصى مسؤوله, وجميع المتواجدين في المعسكر، أن لا يخبروا أبيه بخبر التحاقه، وكان يعود إلى المنزل قبل إجازة والدهِ الحاج، ليستقبله ويستمع لبطولاته وبطولات المقاتلين كأنه لا يعلم شئ عن المعركة!
يقول الحاج زامل: "بعدَ التحاقي بيومين (من أخر أستراحة لي) تعرضت منطقة الهياكل لهجوم بسيارة مدرعة ومفخخة، كان اليوم عاصفاً والغبار يغطي الجو, ما يجعل إستهداف السيارة بصواريخ(RBG7) صعباً لإنعدام الرؤية، مبيناً إن السيارة حين إقتربت من الساتر، شاهد شاب يركض مرتدياً العلم العراقي، ووقف امام المدرعة وأطلقَ عليها صاروخ".
يتذكر الحاج زامل تلك الأحداث، ويستغرق بالصمت مرةً، ويعود لِيُكمل مرةً آخرى:
"بعدَ الأنفجار بقليل، سكتَ الجميع وحلَّ الهدوء، لنرى الشاب مُغطى بالشظايا التي انتشرت على أثر التفجير، وأتذكر أنّي قُلت في نفسي وقتها؛ "بوياي لو هيج الزلم لو لا، بويه هذا بيه رس من على الاكبر"!
يُتابع حَديثهُ، والدموع بدأت تتسابق بدون أستئذان..
" أسرعَ من كان معي لإنقاذ الشاب، وانا ركضتُ خلفهم، الا أنهم منعوني من الوصول اليه وكان حينها ينزف دماً..! يلفُظُ أنفاسهُ الأخيرة و كلما حاولت التقرب أليه،، أجد أصرار غريب من المقاتلين بمنعي، حتّى قُلت لهم":
"شني السالفه بوية ليش! اريد اشوفه اتبارك بيه هذا البطل منين؟"
"بدأ الشباب بالبكاء والعويل، أقتربت من ذلك الشاب ، فأذا به ولدي فقلت "بوية هذا خضير!"، حينها ردت ان أصرخ، إلا انني حبستُ انفاسي، وعدت للنظر اليه، ثم عدت مرة أخرى محدقاً بوجههِ فاذا به يقول لي":
"أبي أعذرني بس وحك العباس اخو زينب ما كدرت، بوية اريد اوكف كبال الحسين واني رافع راسي، بوية سامحني اذا ما سمعت كلامك بس صوت الحسين بأذني يصيح هيهات منا الذلة"..
بعدها فاضت روحه بين يديَّ، "والحديث لا يزال للحاج زامل"، فقلت لأصحابه؛ "بوية شيلو تاج راسي"، ثُم عُدتُ لوالدته ولم أعاتبها بل قلت لها "زينب خلّفت الف زينب"..
تحية إجلال وإكبار لكل "خضّير " بالحشد الشعبي، ولكل امٍ وابٍ انجبا أسوداً يدافعون عن حرمة الارض والعرض والعقيدة، انهم جند السماءِ في الارض..
دماءٌ زاكيات أُريقت، لحفظ كرامة العراق واهله، ولا بدّ من رد الجميل لهم ولعوائلهم، لكي لا تعصف بهم ريح الفقر والحرمان ولحفظ ماء وجوهم، كأقلِ تعويض للدماء التي روت هذه الأرض.
إنّ إقرار القانون يفوت الفرصة، على من يدعي ان الحشد ميليشيا، اشارةً إلى النفس الطائفي البغيض، وانكار جهود الحشد في التحرير، فألحاق الحشد بوزارة الدفاع، يعطيهُ صبغة قانونية دائمة، تَليقُ بهم وتحفظ حقوقهم.
أمّا الذين وقفوا معارضين لهذا القانون لا يمكن ان نجد كلام يفي وصفهم ، سوى انهم إختاروا ان يكونوا الوجه الاخر لداعش، مثيري الفتنه والطائفية، وأول الهاربين عندما احتاجهم أهلهم، فلهم نقول ولأمثالهم؛ وهل جزاءُ الإحسان إلا الإحسان!