• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : مجلس حسيني – حياة الزهراء {ع} وأسباب معارضتها واختفاء قبرها .
                          • الكاتب : الشيخ عبد الحافظ البغدادي .

مجلس حسيني – حياة الزهراء {ع} وأسباب معارضتها واختفاء قبرها

  الحديث عن مولاتنا فاطمة الزهراء في ذكرى شهادتها , يدفعنا ان تغوص في عمق التاريخ , لنعرف اسباب نوقفها المعارض للخلافة الاسلامية  بشكل لا لبس فيه .. وكانت نتائج تلك المعارضة ان اودت بحياتها الشريفة , والهجوم على دارها وكسر ضلعها .. ثم طلبت ان تستمر في معارضتها لخصومها مدى التاريخ ان يخفى قبرها الى يوم يظهره ولدها الامام المهدي المنتظر {عج} .. هذا الموقف لا بد ان يكون له مقدمات , تفجرت بعد وفاة النبي {ص} بثلاثة ايام على اكثر الاحتمالات ...  
الشرارة جاءت بتعمد الخطاب في المسجد النبوي ، وبجوار قبر المصطفى محمد (ص) ليسجل اعتراضها اول موقف بين المعارضة التي تقودها فاطمة وزوجها ضد القادة السياسيين الجدد في  « سقيفة بني ساعده » حيث جرى تحت سقفه أول موقف في مؤامرة كبيرة على خط ولاية اهل البيت {ع} وخط  رسول الله محمد « ص » . 
الأجواء السياسية في المدينة كانت مرعبة , حيث توحه الاتهامات الى أي شخص باعتباره خارج عن الإسلام ومرتد .. ولكن   لم تكن فاطمة من النوع يقيم لحطام الدنيا وزناً ـ وهي التي شهد القرآن لها ولألها في سورة ( هل أتى ) ... بالإيثار في سبيل الله على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، وهي التي شهدت لها آية التطهير ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) ..
بينما اغتصاب « فدك »انه حجة على الذين غصبوا الخلافة  يدين فعل « المغتصبين »  أثبتت الزهراء (ع) بموقفها للتاريخ أنّ خلافة تقوم في أول خطوة بالاعتداء على « أملاك رسول الله »هذه الخلافة  ليست امتداداً للنبي بقدر ما هي انقلاب عليه ، كما هو شأن كلّ « الانقلابات » الّتي تتمّ في الدنيا حيث يصادر الرئيس الجديد ممتلكات الرئيس السابق الذي انقلب عليه ، بحجةٍ أو بأخرى ، حتّى لا يستطيع أعوانه وأقربائه من الدفاع عن أنفسهم والعودة إلى مراكز الحكم والسلطة .... لذلك أي شخص يتجرّد من العصبية المذهبية ويفهم أوليات السياسة يدرك مغزى مصادرة « فدك » .. وموقف الزهراء {ع} منها .
**** وفعلا تم إخراج عمّال فاطمة منها وبالقوة او كما يعبر صاحب الصواعق المحرقة « انتزاع فدك من فاطمة ».. لهذا يجب ان نعرف ان معارضتها وصراعها مع خصومها وإصرارها (ع) على المطالبة بحقّها حتّى الموت ... {لم تكن فدك هي المطلوبة بل « الخلافة الإسلامية » ـ ولم يكن إصرار الخليفة على موقفه ، إلا لكي يقطع المدد عن المطالبين بالخلافة } وليس غايته الأرض كمزرعة ... 
 
 من هنا قامت فاطمة (ع) تطالب حقّها المغتصب باعتباره « نحلة » من رسول الله اليها فطالبها الخليفة بالشهود.. وشهد على ذلك « عليّ » و «أمّ ايمن » و « الحسنان » فردت شهادة امّ ايمن بحجّة انّها امرأة ـ علماً بأن الرسول قد شهد لها بأنّها من أهل الجنة ، ـ وردت شهادة عليّ ـ بحجّة أنّه يجر النار إلى قرصه !! وردّت شهادة سيّدا شباب اهل الجنة الحسن والحسين بحجّة أنهما صغيران !! علماً ـ بأن صاحب اليد على الملك ، لا يطالب بالشهود في أيّ مذهب من مذاهب الإسلام ولا في ايّ قانون من قوانين الأرض أو السماء فلا يحقّ لأي كان ان ينتزع يد احد على ملك ، ثم يطالبه بإثبات ملكيته له . 
 ولما رفضت شهود فاطمة بالنحله.. قالت اذن : فهي « ملكي » بالإرث ، فرتّبوا على الفور حديثاً على لسان النبي الاكرم يقول : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا ديناراً .. ) ناسين أنّه مخالف لصريح القرآن الكريم في آيات كثيرة عن الميراث , لم يكن أمام فاطمة الزهراء (ع) إلا لتلقي حجّتها في المسجد وعلى رؤوس الإشهاد.. فجاء خطابها صاعقا قويا , لا يدع مجالاً للريب عند أحد.. 
***** : لما لم يجد الخصوم دليلا أمام الزهراء {ع} بدأت المناورات مرة بالقران ومرة بالحديث { نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة} ومرة صارت المناورة بآيات الذكر الحكيم ،{ وهذه اول بادرة ظهرت في الإسلام , حين يقوم مسلم يلوي الآية لمصلحته السياسية , يعني أصبحت المصالح أقوى من النصوص وأهدافها .. بعدها بفترة ياتي ليعتذر عمّا فعل بأنه استجابة لطلب الناس ! ولا نعلم نصا في الإسلام ومتى كان طلب « الاغتصاب » مبررا « للاغتصاب » أياً كان الطالب ، وأياً كان المغتصب ، فكيف والغصب لأملاك النبي الأعظم التي انتقلت الى فاطمة نحلة أو أرثا( وذلك بنصّ الكتاب العزيز الذي يعطي الأنفال ـ وهي كلّ أرض لم يحررها الجيش الإسلامي للنبي الأكرم (ص) ، وفدك أرض صالح عليها أهلها رسول الله وسلمت صلحاً لا حرباً ـ ) {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}...
الفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب.... كأموال بني النضير هذه،مما لم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب، أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة  بل نزل أولئك من الرعب الذي ألقى اللّه في قلوبهم، فأفاء اللّه على رسوله، ولهذا تصرف فيه كما يشاء.. هو قدير لا يغالب ولا يمانع بل هو القاهر لكل شيء، .... روى الإمام أحمد، عن عمربن الخطاب قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء اللّه على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله{ص} خالصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنته، وما بقي جعله في الكُرَاع والسلاح في سبيل اللّه ..
وأخيرا بعد أخذ ورد صرّح الخليفة أمام الجماهير بعدم شرعيّة انتزاع فدك من الزهراء{ع} ولم يجد بدّاً من الاعتراف ، ولكنّه حاول الالتفاف على حجّتها برمي الكرة في مرمى الجماهير الحاضرة في المسجد .. فصار حقّ الزهراء المسلّم رهناً برضا قوم يعرفون مقصد الخليفة من هذه المناورة ، ولكن سيف الإرهاب الذي شهر في السقيفة ما كان يدع لأحد مجالاً للاعتراض .. 
 ولم يكن يخفى على احد حقّ فاطمة في فدك .. وما بعد « فدك » غير أن البطش كان أقوى .. وما فعل بالصحابي الجليل « مالك بن نويرة » أخمد أصوات الجميع ! وما كان يحمله أبناء عشيرة بني اسلم حينما وقفوا مع القيادة الجديدة ودافعوا عنها بالسيف والعصا....
****** لنقف عند فدك وتاريخها السياسي عبر التاريخ 
 المعروف أن فدك كانت ورقة سياسية يراد منها أضعاف تيار ولاية أهل البيت ماديا .. ويقول أصحاب السقيفة إنها ضمت إلى بيت المال .. فهل صدق الأدعياء بهذا الرأي , حين حرموا فاطمة من ارثها , واسقطوا مشروع ولاية أهل البيت {ع} ...؟
المعروف أنّ « فدك » لم تذهب إلى « خزينة الدولة » الا لفترة قصيرة .. ثمّ سلّمها عمر بن الخطاب لأبناء فاطمة ...  ثمّ انتزعها عثمان ليعطيها لصهره مروان بن الحكم ، ثمّ عادت لعليّ في خلافته ـ وكانت له معها موقف حكيم ! حين ضمها للفقراء من المسلمين ..  وجاء معاوية فانتزعها من أصحابها ولم يردّها الى خزينة الدولة بل قسّمها بين أقرباءه ثلاث أقسام : ثلث لمروان وثلث لعمر بن عثمان ، وثلث لولده يزيد ( قاتل الحسين بن علي «ع» ) وهكذا بقيت في كف الأمويين حتّى صفت لمروان وحده .. ثمّ ورثها عمر بن عبد العزيز فردّها على أولاد فاطمة ثمّ اضطر تحت ضغط أعوانه إلى توزيع غلّتها عليهم فقط واستبقاء الأصل في يده ، ثمّ انتزعها يزيد بن عيد الملك لنفسه ، وبقيت في يد المروانيين حتى زالت دولتهم زمن العباسيين .. ردّها أبو العباس السفّاح إلى أبناء فاطمة ( عبد الله بن الحسن بن الحسن ) ثمّ انتزعها أبو جعفر المنصور ثمّ ردّها ولده المهدي بن المنصور إلى أبناء فاطمة ، ثمّ انتزعها ولده موسى بن المهدي..  وبقيت في يد العباسيين حتّى عام 210 فردّها المأمون على أبناء فاطمة ، وكتب بذلك كتاباً ضمنّة أدلة امتلاك فاطمة لفدك .. ثم انتزعها المتوكل ووهبها لابن عمر البازيار ، وكان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها النبي (ص) بيده الكريمة فوجّه البازيار رجلا يقال له « بشران فصرم تلك النخيل ، ثمّ عاد ففلج !! ولا يذكر التاريخ فدك بعد ما صارت في يد البازيار المعادي للنبي{ص} ..اذن فدك لم تكن مجرد ارض بل اخذت طابعا سياسيا , كان يخشى الحكام ممن يتولى عليها فضموها اليهم ..
**** صار موقف  فاطمة في فدك  أوضح  من الشمس في رابعة النهار وأصبح حديث ( نحن معاشر الأنبياء لا نورث ) مثل ( قميص عثمان ) في التاريخ ، لأنها تحولت إلى موقف ..يأتي من وراءه طلاب الحكم ليقصوا عن خلافة أهلها الحقيقيين ، وكفى ب ( فدك ) شهادة على صدق وطهارة وحقّ منهج وقف على رأسه أهل البيت ـ عليّ وفاطمة والحسن والحسين .. الحماة الحقيقيون للرسالة . 
 ومن المفارقات الطريفة ، أن الذين استلبوا الخلافة في سقيفة بني ساعده من ( أهل البيت ) كانوا يشعرون بالضعف لأنه كان ينقصهم قوة الحقّ في خلافتهم ، فراحوا يرمّمون ذلك النقص بقوة المال المغتصب ، والسيف المشهور على رقاب الناس منذ ذلك التاريخ الى يومنا هذا .. 
 أمّا عليّ أمير المؤمنين (ع) والذي كان ازهد النّاس في الدنيا ، وأحرضهم على الرسالة فما كان ليشعر بشيء من الضعف في خلافته حتّى يغطّيه بالمال فلا نقص « الإجماع الجماهيري » وقد تدافعت نحوه كالسيل وكأنها تعتذر عن تقصيرها القديم .. وتأسف الناس حين تركوه وزوجته امام قرارات السقيفة رغم انهم سمعوا ما صرّح الرسول الأكرم في غدير خمّ وغير غدير خمّ بخلافته له من بعده ..
اهداف خطبة الزهراء {ع} المطالبة بفدك .. والمطالبة والخلافة 
 وممّا يكشف عن هدف خطاب الزهراء في مسجد الرسول{ص} حين كانت  في فراش الموت جاء لزيارتها نساء المهاجرين والأنصار ... هنا لم تتطرق إلى « فدك » من قريب أو بعيد بل كانت « الخلافة والولاية » هي المحور .. أولاً وأخيراً .. ( ويلهم أنّى زحزحوها عن مراسي الرسالة ، ومهبط الوحي الأمين ، والعالمين  بأمر الدنيا والدّين وما الذي نقموا ما ابي الحسن ؟ نقموا منه ـ والله ـ نكير سيفه ، وشدة وقعته ، وتنمره في ذات الله ) . 
 ولقد أشار الإمام الكاظم موسى بن جعفر (ع) الى « قضية فدك » اذ حدّد الأهداف التي بعد فدك عندما طلب منه الخليفة هارون العباسي تحديدها ليردّها عليه فقال : ( الحدّ الأول : عدن ، والحدّ الثاني : سمرقند ، والحدّ الثالث : افريقية ، والرابع : سيف البحر ممّا يلي الجزر ، وأرمينية ) . فقال له هارون ما الذي أبقيت لنا .. إذن القضية معروفة هو انتزاع الحكم من أهل الولاية .. 
 والسؤال : هل استطاعت الزهراء بخطابها ان تسترجع فدك ؟ ...  الجواب : لم تسترجع الزهراء فدكاً ولكنها استرجعت الحق الذي عرفناه من خلال موقفها ... ولولا موقفها الذي يمثل صوت الحقّ الذي كاد يضيع في قرارات السقيفة . لورثنا الإسلام , كما ورثه غيرنا ممن لا يوالون فاطمة .. ولولا ولدها الحسين {ع}  وما عمله في كربلاء لورثنا الإسلام الأموي كما ورثه غيرنا .هكذا هزم الخصم » 
وتمر الأيام ونرى كيف  إن الخليفة قد ناقض نفسه بهذا الحديث عندما استأذن عائشة حصّتها من الإرث في بيت النبي وأوصى بأن يدفن عند رسول الله (ص) ( علماً بانّ الزوجة لا ترث من الأرض بل من البناء فقط ) ـ كيف ترث عائشة زوجة الرسول ولا ترث فاطمة بنت الرسول ؟ .. وأيضاً اذا صحّ هذا الحديث فلماذا لم يصادر الخليفة بيوت النبي من أزواجه ؟ ولكن المشكلة أنّ الدلائل على صدق الزهراء {ع} لم تكن  تعوز الخليفة الجديد .. بل الدوافع والغايات .. وعندهم دليل كبير وهي شهادة النّبي (ص) عندما قال لعلي : ( عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار ) ...لقد مزّقت الزهراء الاعذار الواهية ، والأقنعة الكاذبة ، وفضحت النفوس المريضة ، انّ ( السقيفة ) لم تكن مجرّد فكرة طارئة استغلت غياب القائد الأعظم ، كما استغلّ السامري فرصة غياب موسى عن قومه . وروي أن عمر بن الخطاب قال للنبي ( ص) بعد ما أفاء الله عليه من خيبر : " ألا تخمس ما أصبت - أي تأخذ الخمس منه وتقسم الباقي على المسلمين - فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا أجعل شيئا جعله الله لي دون المسلمين ، يقول : ما أفاء الله على رسوله " (المغازي للواقدي 1 : 377 - 378 .   
ــــــــــــــــــــــــ   النفاق في الإسلام ــــــــــــــــــــــــــــــــ
المنافقون ينقسمون إلى قسمين ، قسم كان معروفا ، تحددت شخصياتهم معروفة ، هؤلاء يسهل اتقاء شرهم وخطرهم . وقسم لم يكن معروفا ، لم يعلم  احد عنهم شيئا ، لأنهم لا يختلفون عن الصحابة العدول والمخلصين من حيث  المظهر وإظهار الإيمان ، ولهذا كانوا يحسبون من خيرة الصحابة بلا ريب ، ولم يكن يعلمهم إلا الله تعالى : يقول عز وجل : ( ومن أهل المدينة مردوا إلى النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم ) هؤلاء لشدة تمرسهم وقدرتهم على النفاق اختفى أمرهم  عن الناس . فلو منح الصحابة كافتهم العدالة والوثاقة فإنها ستشمل هؤلاء المنافقين المستورين بلا ريب ، وبالتالي ينطبق عليهم حديث الاقتداء ، فيجوز الاقتداء بهم ، فهل تتحقق بهم الهداية ؟ .. 
يروي البخاري  بالإسناد إلى أبي هريرة ، عن النبي ( ص) قال : " بينا أنا قائم ، فإذا زمرة قادمون قربوا حتى عرفتهم ، خرج رجل من بيني وبينهم ، قال : هلم . قلت : أين ؟ قال هؤلاء : إلى النار والله . قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا  بعدي على أدبارهم القهقرى ...  
 
قلت : وما شأنهم ؟ قال {ص} : إنهم ارتدوا بعدي على أدبارهم القهقرى ، فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم " .... المتدبر في هذا الحديث يستيقن أن كثيرا من الذين وصفوا بالصحابة ومنحوا هذه العدالة ارتدوا بعد النبي ( ص) القهقرى . وبالتأكيد لم يكن هؤلاء منافقين ، لأن الارتداد يكون بعد إيمان  والمنافقون لم يكن لهم إيمان حتى يرتدوا بعد النبي ( ص) إذ أنهم لم يؤمنوا حتى في زمان النبي , نعم يمكن ان يقال إنهم  ارتدوا في أواخر حياة النبي ( ص) ، لأن المرتدين في زمانه لم يكن يجهل ردتهم  فهو لم يرف ما فعلوا بعده ,  في حين أنه كان يعلم بالمرتدين في حياته . ثم قال : " فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم " ، هذه إشارة  إلى كثرة المرتدين وقلة الناجين منهم حتى وصفهم بهمل النعم ، أي الإبل القليلة التي تنفصل عن القطيع ، في حين أن المرتدين في زمانه لا يزيدون على عدد الأصابع . نخلص من هذا إلى أن من بين الصحابة - وكثير ما هم - قد ارتدوا بعد النبي ( ص) .
 ولا أحد يعلم من هم  وبالتالي لا يستطيع أن يصرف عنهم العدالة لثبوت الصحبة لهم . فهذه معضلة بلا شك يبطل على إثرها حديث " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " .وفي رواية : يقول النبي ( ص)  " ليردن علي أناس من أصحابي الحوض ، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول : أصحابي ! فيقول : "لا تدري ما أحدثوا بعدك " اذن هؤلاء لم تنفعهم الصحبة بتعبير النبي{ص} ..إن الصحبة والمشاهدة لا تعطيان أحدا مزية ولا عصمة ، وهذا هو النبي ( ص) يؤكد ذلك بقوله : " وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم إلى ذات الشمال ، فأقول : أصحابي أصحابي . فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم " نحن نعلم بعد أن الفتن والاختلافات عصفت بالصحابة قبل وفاة النبي( ص)واستمرت بعده .ولا يعقل ان يكون انسان متفق بالصحبة ومختلف في الحق .. بل هي أصل الفتنة ..أخرج البخاري عن العلاء بن المسيب ، قال : " لقيت البراء بن عازب ، فقلت له : طوبى لك ، صحبت النبي ( ص ) وبايعته تحت الشجرة ، فقال : يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده " ! ... إذا الصحبة والبيعة لا تحول بين الإنسان والإحداث والابتداع ، ولا تعصمه من الأخطاء ، لأنه من الممكن أن يكون المبايع للنبي ( صلى الله عليه وآله ) في لحظة البيعة مؤمنا صادقا ، ولكن ليس هناك مانع من انتفاء هذه الحال عنه في أي وقت آخر ، فيذنب ويرتد ويحدث في أمر الدين ، { لذا نقول { اللهم اجعل عواقب امورنا الى خير }..
عليه فحديث " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " ، وأي حديث آخر يأمر بأتباع كافة الصحابة دون شرط ، هو حديث لا يستقيم ، لمخالفته واقع الصحبة، إذ لا يتسق وتلك الأخطاء والاختلافات الني وقعت بينهم ، لأن متابعة المختلفين في المسألة المختلف فيها متابعة على السواء محال ، وأتباع أحدهما هو مخالفة للآخر، وتكون هذه متابعة للدليل لا للشخص ذاته .
يقول الألباني : " قال ابن حزم : . . . إن هذه الرواية لا تثبت أصلا ، بل لا شك أنها مكذوبة ، لأن الله تعالى يقول في صفة نبيه ( ص ) : ( وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى )  فإذا كان كلامه  في الشريعة حقا كله وواجبا ، فهو من الله تعالى بلا شك . وما كان من الله تعالى فلا يختلف في قوله ( لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)وقد نهى عن التفرقة والاختلاف بقوله : ( ولا تنازعوا ) . فمن المحال أن يأمر رسول الله {ص} بأتباع كل قائل من الصحابة ، وفيهم من يحلل الشئ وغيره يحرمه . ولو كان ذلك لكان بيع الخمر حلالا ، اقتداء بسمرة بن جندب ، ولو كان أكل البرد للصائم حلالا اقتداء بأبي طلحة ، وحراما اقتداء بغيره منهم ." ثم أطال في بيان بعض الآراء التي صدرت من الصحابة وأخطئوا في السنة ، ذلك في حياته وبعد مماته . وقيل "كيف يجوز تقليد قوم يخطأون ويصيبون ؟ ! " .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ***{تاريخ من  الذين هدموا قبور أهل البيت عليهم السلام} فمن هم الذين هدموا قبور أهل المسلمين وقبور بيوت زوجات النبي وبيوت الصحابة ....؟.. 
الحقيقة أنّ تاريخ المسلمين ليس مدنساً في وقائع بعينها، قدرَ ما هو مدنسٌ في وقائع نبش القبور نكاية بأصحابها. ذلك تاريخ أقل ما يقال فيه اليوم إنه ملطخ بالعار. ولكن ما ارتكز في العقول يمكن ان نقول عنه : ان الطيور التي ولدت في قفص تعتقد ان الطيران جريمة ..
وإنّ مسألة نبش القبور وهتك حرماتها والعبث بجثث الموتى كيداً ولؤماً وحقداً، قضيةٌ ليست جديدة في تراث المسلمين، ولا هي طارئة على سِيَرهم. لذلك منذ فجر الإسلام، كان بعض الصحابة يوصون بأن يُدفنوا ليلاً، أو سراً، أو في قبور مموّهة، مخافة أن يتعرض جثمان أحدهم للنبش! ولقد تكررت مثل هذه الوصايا مع علي بن أبي طالب {ع} ومن قبله مع فاطمة بنت محمد{ص} بنفسها. حيث أوصت أن تدفن ليلا ولا يحضر جنازتها احد .. وهي تختلف من ناحية عدم حضور الصحابة لموقفهم السياسي من الإسلام عامة , ومن موقف ولاية أهل البيت {ع} خاصة واغتصابهم الخلافة ....
ثمّ إنّ الأمويين قاموا بنبش قبر زيد بن علي وأوعزوا بأن يُصلبَ وتعليق  جثة على نخلة مدة اربعة سنوات , ثم انزلوه واحرقوه وذروا عظامه في نهر الفرات .. أي دين هذا ...؟ ومجرد ان تذكر هذه الجرائم التي امتدت لفكر داعش الان , ياتيك من يقول ان تسكت حفظا على وحدة المسلمين .. ! ثمّ إنهم لم ينتهوا حتى أحرقوا جثته، وقد نثر ما تبقى من عظامهِ في الفلاة!
ومن عجيب التصاريف أن معاوية بن أبي سفيان الذي بدأ العباسيون بنبش قبره، كان هو نفسُه أول من أمر بنبش قبور الصحابة، حينما عهد إلى واليه في المدينة أن ينبش قبور شهداء معركة أحد، وأن يخرجهم من مثواهم، بعلة أنه يريد إجراء عين ماء في ذلك المكان الذي دفنهم النبي فيه، قبل قرابة خمسين عاماً!(كتاب الجهاد لابن المبارك:1/84)
وفي زمن العباسيين عام 236 هجري، بعث الخليفة المتوكل بجنوده إلى قبر الإمام الحسين بن علي في كربلاء، ليهدموه وينبشوه. وأمرهم أن يحرثوا بالبقر موضعَ القبر، وأن يبذروه ويسقوه، وأن يُجرَى عليه الماءُ حتى يُطمَسَ كل أثر له، فيمتنع الناس عن إتيانه وزيارته !(تاريخ الأمم الملوك للطبري:9/185)... وفي سنة 443 هـ، نبش الحنابلة قبر الإمام موسى بن جعفر الكاظم في باب التبن (الكاظمية اليوم)، ونهبوا مقامه، ثمّ أحرقوا المقام.
ويذكر ابن الأثير في كتابه الكامل أنّ السُنِنَة الحنابلة (قصدوا مشهد باب التبن فنقبوا في سوره فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضّة وسُتور وغير ذلك. فلمّا كان الغد، كثر جمعهم فقصدوا المشهد، وأحرقوا جميع الأخشاب والفراش وكل شيء يحترق ، واحترق ضريح موسى، وضريح حفيده الإمام  محمّد بن عليّ الجواد، والقُبّتان الساج اللتان عليهما… وجرى من الأمر الفظيع ما لم يجرِ في الدنيا مثله! فلمّا كان الغد خامس الشهر من ربيع الأول (443 هـ) عادوا وحفروا قبر موسى بن جعفر ومحمّد بن عليّ لينقلوهما إلى مقبرة أحمد بن حنبل، فحال الهدم بينهم وبين معرفة القبر، فجاء الحفرُ إلى جانبه).(الكامل في التاريخ لابن الأثير:8/59)
 
 
    نهب حجرة النبي :..  لم يكن انتهاك ضريح الإمام الحسين {ع} في كربلاء المقدسة، خاتمة المطاف عند الوهابيين. فبعد قرابة عامين من مأساة الروضة الحسينية، تلقت الروضة النبوية، في المدينة المنورة، ضرباً مشابهاً من النهب والسلب والانتهاك، على يد (إمام المسلمين) سعود الكبير آل سعود!
ولقد سار سعود بجيشه الوهابي إلى المدينة المنورة، بعد أن فعل الأفاعيل في أهالي مدينة الطائف، في سنة 1803 م.. ...  ويصف المؤرخ السيد أحمد دحلان ما قام به الوهابيون من مجازر في الطائف فيقول: (ولمّا دخلوا الطائف قتلوا الناس قتلاً عاماً، واستوعبوا الكبير والصغير، والمأمور والأمير، والشريف والوضيع، وصاروا يذبحون على صدر الأم الطفل الرضيع، وصاروا يصعدون البيوت يُخرجون من توارى فيها، فيقتلونهم.
فوجدوا جماعة يتدارسون القرآن فقتلوهم عن آخرهم حتى أبادوا من في البيوت جميعاً، ثم خرجوا إلى الحوانيت والمساجد وقتلوا من فيها… يقتلون الرجل في المسجد وهو راكع أو ساجد، حتى أفنوا هؤلاء المخلوقات).(خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام:297) ومن بعد أن نشر ابن سعود الرعب في بلاد الحرمين، عبر هذه المذبحة، تمكن من أن يُحكِم سيطرته على مكة التي سلّمها له أهلها من دون قتال، في 7 محرم  ـ (أيار 1803 م).
ويصف دحلان ما أقدم عليه الوهابيون في مكة، قائلاً: (بادروا بهدم المساجد ومآثر الصالحين، فهدموا أولاً ما في المعلى من القبب فكانت كثيرة، ثم هدموا قبة مولد النبي{ص} ومولد أبي بكر، وبيت الإمام علي عليه السلام، وقبة السيدة خديجة عليها السلام، وتتبعوا جميع المواضع التي فيها آثار الصالحين… وهم عند الهدم يرتجزون ويضربون الطبل ويغنون… وبالغوا في شتم القبور التي هدموها.
حتى قيل إنّ بعضهم بالَ على قبر السيد المحجوب، وبعد ثلاثة أيام من عمليات التدمير المنظّمة، مُحِيت الآثار الإسلامية في مكة المكرمة).(خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام:302)
*** ومن بعد أن فرغ آل سعود من تدمير آثار مكة، صوّب وجهه نحو مدينة رسول الله، فبعث إلى أهلها طالباً منهم أن يبايعوه، فامتنعوا.  فأقبل إليهم مقتحماً عليهم بلدهم، فقاتلوه فغلبهم، ثم إنه أباح المدينة لجنوده… أما هو فقد توجّه إلى الحجرة النبوية. يروي حسن الركي مؤلف كتاب (لمع الشهاب)، ما حدث في المسجد النبوي بقوله: (طلب ( آل سعودُ) الخدمَ السودانَ الذين يخدمون الحرم النبوي؛ فقال: أريد منكم الدلالة على خزائن النبي؛ فقالوا بأجمعهم: (نحن لا نوَليك عليها، ولا نسلطك)؛ فأمر بضربهم وحبسهم حتى اضطروا إلى الإجابة، فدلوه على بعض من ذلك، فأخذ كل ما فيها… وكان فيها من النقود ما لا يحصى، وفيها تاج كسرى أنو شروان، الذي حصل عند المسلمين لمّا فتحت المدائن، وفيها سيف هارون العباسي، وعقد كان لزبيدة زوجته، وفيها تحف غريبة من جملة ما أرسله سلاطين الهند لحضرته الشريفة .. تزييناً لقبّته؛ وأخذ قناديل الذهب وجواهر عديدة).(لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب:108)
**** بعد أكثر من قرن من ذلك الزمان… أكمل (كبيرهم عبد العزيز آل سعود)، ما بدأه سلفه سعود الكبير.  فهدم مقامات أئمة آل البيت عليهم السلام، في مقبرة البقيع بالمدينة، ونهبها. ثم مضى في مكة، إلى قبر السيدة خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإلى قبر أمه السيدة آمنة بنت وهب عليها السلام، فهدمهما ومحا أثرهما من على وجه الأرض… فكان بذلك أشبهَ خلف بالسلف!
**** لما  استولى آل سعود على مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وضواحيهما عام 1344 هـ، وقاموا في اليوم الثامن من شوال بهدم قبور أئمة البقيع (عليهم السلام)وهم: • الإمام الحسن المجتبى ابن أمير المؤمنين.  • والإمام علي بن الحسين زين العابدين.  • والإمام محمد بن علي الباقر ابنه.  • والإمام جعفر الصادق ابن الإمام الباقر (عليهم السلام). وبعد استفتاءً علماء المدينة بيد قاضي قضاة الوهابيين «سليمان بن بليهد»بالتهديد والترهيب وقع العلماء على جواب نُوّه عنه في الاستفتاء بحُرمة البناء على القبور، تأييداً لرأي الجماعة التي كتبت الاستفتاء.  فنشرت جريدة أم القرى بعددها 69 في 17 / شوّال 1344 هـ ـ وكأن الجواب قد أعدّ تأكيداً على تهديم القبور. واعتبرت الحكومة السعودية ذلك مبرّراً مشروعاً لهدم قبور الصحابة والتابعين ليقدموا إهانة لآل الرسول (ص) .وكان ممن قتل في هذه الهجمة المشهورة بهمجيتها فضيلة الشيخ الزواوي مفتي الشافعية وجماعة  كثيرة من بني شيبة (سدنة الكعبة).
**** ثقافة هدم القبور التاريخ والجذور
فاجعة هدم قبور أئمة أهل البيت {ع}  ليست أعظم من فاجعة قتلهم وتصفيتهم بشتى الطرق، فقتل المعصوم أعظم من هدم قبره والاعتداء عليه....لكن الذي يهمنا  هو معرفة ظاهرة لا إنسانية، ولماذا تميز أعداء آل البيت بتحويل سخطهم بعد موتهم على قبورهم الطاهرة دون مراعاة لأي خلق إنساني , لم أجد في المصادر ما يشير إلى حالة هذا التيار , بل هي  وراثة ثقافية اكتسبها هؤلاء خاصة إن العربي شديد الأنفة لما يتناقض مع غيرته وشيمته،ولكن هي حالة جاءت من ثقافات غير عربية ثم اتخذها التكفيريون  موقفاً خاصاً يميزهم في تعاملهم في أعدائهم،من الأنبياء والمعصومين ..
لو تتبعنا التاريخ نجد هذه الثقافة (ثقافة التخريب) في فلسفة العداء الصهيوني  فقط الذي يدعو أصحابه إلى تخريب معابد الآخرين لأنهم مخالفون لهم في العقيدة، ففي (بروتوكولات حكماء صهيون) نجد هذه الوصايا وهي أطروحة الانتقام من المخالف بالاعتداء على دور عبادته تنكيلاً به..تجد هذه العبارات (كنائس المسيحيين كبيوت الضالين ومعابد الأصنام فيجب على اليهود تخريبها) ولم نملك مصادر تثير إلى هذه الظاهرة غيرهم .والتثقيف عليها دليل على تأصل هذه الثقافة في نفوس اليهود،ولا زالوا يمارسونها , وتسربت منهم إلى الجزيرة العربية وتأثر المشركون , وتطبعوا بالثقافة الانتقامية .
ـــــــ ظهرت أولى بوادر هذه الثقافة  عند هند زوجة أبي سفيان حينما حاولت التنكيل بالنبي{ص} حين قامت بنبش قبر أم النبي السيدة آمنة بنت وهب ... بعدها بدأت عمليات الانتقام من الموتى , حين أقدمت بالتمثيل بجسد حمزة {ع} ... ثم تصاعدت هذه الظاهرة في تاريخ الاموين  فقط ..أصبحت النفسية الأموية تصر على التنكيل بالآخر، وظهرت بشكلها الجلي بالانتقام من أهل البيت {ع} وملاحقة قبورهم وتخريبها, غايتهم التشفي من الأحياء ,و فرض الهيمنة على المعارضة العلوية والمعصومين {ع} والسيطرة على شيعتهم وقواعدهم الشعبية .. فكان بعد كل ثورة شيعية , تقوم السلطة الأموية بحملة تهديم قبور الأئمة وكبار شخصيات المعارضة ..
روى السيد ابن طاووس  قال: أن أمير المؤمنين{ع} أمر ابنه الحسن {ع} أن يحفر له أربعة قبور في أربعة مواضع، في المسجد، وفي الرحبة، وفي الغري، وفي دار جعدة بن هبيرة، وإنما أراد بهذا ألا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره ...وفي حديث مولىً لعلي بن أبي طالب {ع} في حديث دفنه .. فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه، فأخبرناهم بما جرى وبإكرام الله تعالى أمير المؤمنين{ع} فقالوا: نحب أن نعاين من أمره ما عاينتم، فقلنا لهم: إن الموضع عفا أثره بوصية منه  فمضوا وعادوا إلينا فقالوا: إنهم احتفروا فلم يروا شيئاً, إذن حاول الأمويون نبش قبر ابن عم رسول الله {ص}..
ـــــ هذه دواعي إخفاء قبر أمير المؤمنين {ع} بقي كذلك حتى أن الأئمة {ع} يتعاهدون زيارته سراً ويصطحبون معهم خواص شيعتهم ليوقفوهم على قبر جدهم أمير المؤمنين{ع} ..
   ـــ ولم يسلم الحسن والحسين عليهما السلام من الانتقام بقبريهما .. فحين مات الحسن {ع} شهيدا جاء به الحسين وأبناء علي {ع}  الى زيارة قبر جده  فقامت المرأة بكل أحقاد الماضين لآل البيت {ع}وصل الحال أن ترمى جنازة الحسن{ع} بالسهام لمنعهم من دفنه عند جده رسول الله {ص} ..ولم تزل ثقافة التخريب لقبور الأئمة {ع}  تتوسع  في ظل سياسة الملاحقة لأشخاصهم حتى تصل ذروتها في فكر العباسيين , وهذا المنصور العباسي  يشعر بالهزيمة في داخله، وحينما ينصحه أحد المقربين له بالكف عن سياسة البطش لآل علي{ع} يكشف عن هذه الهزيمة بقوله: إنه يلاحق أناساً يرونه بالأمس سَوَقَه، ومعنى ذلك أن الدونية التي يعيشها المنصور العباسي تدفعه باتجاه الانتقام من آل البيت {ع}  والتنكيل بهم فيحاول أن يتعرض لهم بشتى أساليب المطاردة وأهمها تعفيه آثارهم وتهديم قبورهم لذا فإنه حرص كثيراً على هدم قبر الحسين{ع}  ظناً منه أن يسجل انتصارا على العلويين ..
ــــ   ولم تقتصر رغبة هدم قبر الحسين {ع} وتخريبه على سياسة المنصور ,فإن هارون  العباسي عمد إلى هدم قبر الحسين{ع} ومطاردة زائريه.... ثم قطع سدرة كان يستظل بها الزائرون لقبر الحسين{ع} وتوارث الناس حديث رسول الله {ص} بلعن قاطع السدرة فقال: لعن الله قاطع السدرة، ولم تتحقق هذه النبوءة إلا في عهد هارون الذي أوغل في محاربة آل علي{ع} وإيقاف تقدم أمرهم وتصفية رموزهم بدس السم وقتلهم.وقام هارون اللعين بهدم السقيفة التي كانت مبنية على قبر الإمام الحسين{ع} وحارب الزوار بكل وسيلة يعرفها الظالمون .
*** يختلف المؤرخون فى تصرف الخليفة العاشر المتوكل بن المعتصم , بعض المحدثين يرونه الخليفة الذي أعز الله به الإسلام وأظهر على يديه{السنة ومحا البدعة} ،وفي زمانه ظهر اسم السنة والجماعة , فقد تحالف الرجل ضد كل الفرق والمذاهب الأخرى واجتهد في القضاء على المخالفين، بينما يراه آخرون  طاغية وفرعون العرب ,معقد متعصب أرعن يستلذ بتعذيب من يخالفه الرأي. في زمانه تأسست الفكرة التكفيرية الإرهابية التي يمارسها السلفيون والمتشددون في يومنا هذا ... لا أقول انه هو المؤسس .. لأنه ورثها من الذين سبقوه , ولكنه نجح في تكريس الفكر الإسلامي لمحاربة المسلمين , كان هو السبب المباشر للإرهاب اليوم ..
هذه أفكار ملوثة بالإجرام ولون الدم وهتك الحقوق الإنسانية , نظام ادخلوه في الإسلام انتقاما منهم لرسول الله {ص} وال بيته الكرام ,  ولكل من يلتزم بالقران وأقوال الرسول وأهل البيت {ع} فكان موقف الزهراء بإخفاء قبرها له معان ظاهرية وباطنية منها ..
اولا :.. تشخيص اعداءها الذين اغتصبوا الخلافة أي اغتصبوا الولاية الإلهية من ال البيت {ع} 
ثانيا :.. ارادت ان لا يكون أي منهم حاضرا جنازتها او عارفا قبرها ليزور القبر بعد حين , وقد تنسى الاجيال مواقفهم حين يسمعون زيارتهم قبرها والصلاة عندها , فيقولون كما قالوا في اسلام وحشي قاتل الحمزة بن عبد المطلب , رغم ان الفرق بالموقفين ان قاتل حمزة {ع}  انما قتل رجلا فارسا مقاتلا .. اما الاخرون فانهم قتلوا رسالة الإسلام كلها , وبدلوا كلام الله ورسالة الأنبياء ... 
اما الجزء الباطني : فانها اراتدت ان تقول للامة ان الاعتداء على مقام الرسالات سيستمر الى يوم القيامة بسبب ذلك الموقف بالسقيفة , فهي تريد ان تبين موقفها الذي لم ينته بموتها , بل ان تبقى في صفوف المعارضين لكل نظام طاغي , واليوم لن تجد مجاهدا الا واعتمر قلبه بموقف مولاته الزهراء ..
تقول أسماء بنت عميس ولما جاء اجل فاطمة لم تحم ولم تصدع ، ولكن أخذت بيد الحسن والحسين فذهب بهما إلى قبر النبي {ص}فأجلستهما عنده ثم صلت بين المنبر والقبر ركعتين ثم رجعت لهما وضمتهما إلى صدرها ، وقالت يا ولدي اجلسا عند أبيكما ساعته ، والإمام{ع} يصلي ، ثم رجعت إلى  المنزل فحملت ما فضل من حنوط النبي{ص} فاغتسلت به ولبست فضل كفنه ثم نادت يا أسماء فقالت لها : لبيك يا بنت رسول الله ، فقالت تعاهديني ، فاني ادخل هذا البيت فأضع جنبي ساعة فإذا مضت ساعة ولم اخرج فناديني ثلاثا فان أجبتك ، وإلا فاعلمي إني لحقت برسول الله {ص} ثم قامت وتوضأت  وصلت ركعتين ، ثم جللت وجهه بطرف ردائها وقصت نجبها ، وقيل بل ماتت في سجدتها .
فلما مضت ساعة أقبلت أسماء فنادت يا فاطمة الزهراء ، يا أم الحسن والحسين ، يا بنت رسول الله ، يا سيدة نساء العالمين ، فلم تجب فدخلت فإذا هي ميتة ،فقال الأعرابي : كيف علمت وقت وفاتها يا ابن عباس ، قال : اعلمها أبوها ، ثم شقت أسماء جيبها ، وصرخت  ثم خرجت الى المسجد فتلقاها الحسن والحسين فقالا : أين أمنا فقالت ماتت بنت رسول الله .. فإذا هي ممتدة فحركها الحسين فإذا هي ميتة فقال : يا آخاه آجرك الله في أمنا ، وعلا الصراخ في بيتها من أبناءها ..فعلم اهل المدينة بفاتها واجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة رجت المدينة وعلا الصراخ يا حبيبتاه ، يا بنت رسول الله ، واقبل الناس إلى علي وهو جالس ، والحسن والحسين ، بين يديه يبكيان فبكى لبكائهما ، واجتمع الناس وهم يسترجعون ينتظرون ان تخرج الجنازة فيصلوا عليها ، فخرج أبو ذر الغفاري وقال:  انصرفوا فان ابنة رسول الله {ص} قد أخر إخراجها هذه العشية فقام الناس وانصرفوا .
  
الحمد لله رب العالمين 
5-3-2017



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=90363
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 03 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20