صفحة الكاتب : شعيب العاملي

هل يعتقد أبو بكر وعمر بإمامة علي ؟! وكيف ذلك ؟!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 السؤال رقم12:

قال أحد المشايخ اللبنانيين على قناتي (الكوثر والثقلين) أن:
1. أهل البيت كانوا يحترمون الصحابة وأوصونا بهم خيرا، وأن أمير المؤمنين يقول: الله الله في صحابة نبيكم.

2. أن أغلب الصحابة كانوا أوفياء لأهل البيت ويعتقدون بإمامتهم حتى أبو بكر وعمر. وحتى السنة يعتقدون بإمامتهم كالشيعة باستثناء الإمامة السياسية ولذا فإن السنة كلهم شيعة إمامية.

فما مدى صحة هذا الكلام الغريب ؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا الكلام فضلاً عن كونه غريباً كما ذكرتم: مُخالِفٌ للكتاب والسنة والإجماع والعقل !

1. أما مخالفته للكتاب الكريم
فمن جهات عدة:
- منها أن احترام الصحابة جميعاً لا يجتمع مع وجود المنافقين فيهم في حياة الرسول صلى الله عليه وآله، وقد أمر الله نبيه بجهادهم والغلظة عليهم فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة : 73]

- ومنها أن احترام احترام أهل البيت لهم لا يجتمع مع انقلابهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بنص القرآن الكريم: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ[آل عمران : 144]

- فجزاء المنقلبين على أعقابهم الذين حادوا الله ورسوله (الغلظة عليهم) والبراءة منهم: أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [آل عمران : 87]

ولا يمكن الأمر باحترامهم على ما هم عليه من النفاق والعداوة لآل بيت النبي (ص)، لأن هذا يخالف صريح القرآن الكريم.

2. أما مخالفته للسنة الشريفة
 فقد تواتر النقل عند الشيعة بارتداد (أكثر) الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى صار من مسلمات المذهب الشيعي، ولا يمكن الأمر باحترام المرتدين ولا الإيصاء بهم.

بل رواه السنة في أصح كتبهم أيضاً، فهذا البخاري يروي في أحاديث الردة من صحيحه قول النبي (ص) يوم القيامة عن تلك الزمرة: خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم.
قلت: أين ؟
قال: إلى النار والله
قلت: ما شأنهم ؟
قال إنهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقري. فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم (صحيح البخاري ج7 ص208)
وقال في لسان العرب: الناجي منهم قليل في قلَّة النَّعَم الضالَّة. (لسان العرب ج11 ص710)

فيكون الكلام مخالفاً للسنة التي رواها الشيعة والسنة حتى البخاري، فكيف يكون أغلب الصحابة أوفياء لأهل البيت وقد ارتدوا بعد النبي إلا قلة قليلة ؟!

3. أما مخالفته للإجماع
فلأن المسلمون مجمعون على أن الخلافة هي منصب (ديني ودنيوي) معاً، فالشيعة يعتقدون أن الإمامة هي نيابة كاملة عن رسول الله صلى الله عليه وآله في كل شيء.

والسنة يصرحون بأن الإمام والخليفة هو المولج بأمور (الدين والدنيا)، فلا يمكن أن يعتقد أبو بكر وعمر بإمامة علي عليه السلام وهما يزعمان أنهما خليفتا رسول الله صلى الله عليه وآله!

وقد طفحت كلمات علمائهم بهذا المعنى، فقال من عدّوه (حافظاً للمذهب) و(إماماً جليلاً رفيع الشأن) و(أقضى القضاة) البغدادي الماوردي: الْإِمَامَةُ مَوْضُوعَةٌ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا (الأحكام السلطانية 450 هـ)

وكذا التفتازاني حيث قال: وقد ذكر في كتبنا الفقهية أنه لا بد للأمة من إمام يحيي الدين ويقيم السنة (شرح المقاصد ج2 ص271)
وقال: والإمامة رياسة عامة في أمر الدين والدنيا خلافة عن النبي عليه الصلاة والسلام.. وقال الإمام الرازي هي رياسة عامة في الدين والدنيا لشخص واحد من الأشخاص (المصدر ص172)
ومثله ما ذكره القاضي الإيجي وابن خلدون والجويني وغيرهم.

فهذه الرئاسة لا تنعقد إلا لشخص واحد يزعم ابو بكر ومن بعده عمر أنها لهم، ويعتقد بذلك السنة من بعدهم، فيما يعتقد الشيعة أن الإمام هو علي بن أبي طالب عليه السلام حصراً.

ولذا روى الفريقان رواية: من مات بغير إمام مات ميتةً جاهلية (رواه السنة في مسند أحمد ج4 ص96، وقريب منه عند الشيعة ما في الكافي ج1 ص376 وهي روايات عديدة عند الفريقين)
وتظهر خطورة المسألة من آثارها، فإنه يترتب عليها الموت على الإسلام أو على الجاهلية.

فيكون القول بأن أبا بكر وعمر يعتقدان بإمامة أهل البيت عليهم السلام مخالفاً لإجماع المسلمين شيعة وسنة.
وإن كان الذي يعتبر عندنا هو الإجماع الذي يعلم بدخول المعصوم فيه وهو متحقق.

4. أما مخالفته للعقل
فلأنه يلزم منه الجمع بين الضدين! والضدان لا يجتمعان.

إذ أن الخلافة والإمامة لا تجتمع لعلي وأبي بكر معاً ! ولا لعلي وعمر معاً !
فإن الإمامة والخلافة التي يكون (وجوب الطاعة) من أهم لوازمها لا يمكن أن تنعقد لشخصين معاً كل منهما يمثل نهجاً مغايراً للآخر، فلا يمكن عند السنة الاعتقاد بوجوب طاعة علي عليه السلام ووجوب طاعة عمر معاً مع أن الأول يمثل أحكام الله تعالى والثاني يمثل النقيض لها تماماً في كثير من الموارد.

فكيف يكونا أئمة أوفياء لأهل البيت عليهم السلام وقد ظلم الأول والثاني علياً عليه السلام وسلباه حقه وأحرقا داره ؟!
وكيف تجتمع إمامتهم مع علي عليه السلام وقد حرما حلال الله وحللا حرامه ؟!

إن هذا الكلام لا يصح بوجه، ويكفي اتباع السنة لأبي بكر وعمر ليمتنع اتباعهم لعلي عليه السلام، ويكون الخلاف معهم خلافاً في الإمامة التي تدور الشريعة مدارها بعد النبي صلى الله عليه وآله.

ثم إن ما نُقِلَ عن أمير المؤمنين عليه السلام: الله الله في صحابة نبيكم.
قد نُقِلَ مبتوراً بتراً يشبه قوله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)

فإن كلامه عليه السلام واضح جليّ يقول فيه:
 اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِ نَبِيِّكُمُ الَّذِينَ لَمْ يُحْدِثُوا حَدَثاً وَلَمْ يُؤْوُوا مُحْدِثاً فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص أَوْصَى بِهِمْ، وَلَعَنَ الْمُحْدِثَ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ وَالْمُؤْوِيَ لِلْمُحْدِث‏ (الكافي ج7 ص52، من لا يحضره الفقيه ج4 ص191، تهذيب الأحكام ج9 ص177)

فقسّم الصحابة إلى فئتين:
أ. الفئة التي لم تُحدث حدثاً ولا آوت محدثاً فهؤلاء أوصى الرسول بهم، وهم الخُلَّص الكُمَّل الذين وقفوا مع علي عليه السلام حينما هجم الثاني وجلاوزته على الدار، فالله الله في هؤلاء فإنهم من راعوا حق صحبة الرسول صلى الله عليه وآله وحفظوه في أهل بيته وأحبوهم وأطاعوهم.

ب. الفئة التي أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، فخانت العهود والمواثيق واعتدت على كتاب الله الناطق وظلمت النبي في عترته، وهم الذين لعنهم النبي في نفس الحديث (ولعن المحدث منهم)

فالاستدلال بهذا الحديث على لزوم حب الصحابة او اتباعهم او احترامهم هو استدلال سقيم كما ترى. كما سائر ما ورد في السؤال كما تبيّن.

اللهم لا تجعلنا ممن قلتَ عنهم: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ [البقرة : 79]

والحمد لله رب العالمين
السابع عشر من شهر ذي القعدة 1438 للهجرة


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/08/15



كتابة تعليق لموضوع : هل يعتقد أبو بكر وعمر بإمامة علي ؟! وكيف ذلك ؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net