صفحة الكاتب : عبد الهادي البابي

الصحفي وآداب الدولة
عبد الهادي البابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لا أحد ينكر ما للصحافة من دور مهم وحيوي في حياة الشعوب والأمم، فهي تعتبر بمثابة السلطة الرابعة التي خولتها الجماهير  لتكون ناطقاً حراً بإسمها ، وهي المرآة الصافية  التي تعكس هموم الناس وتبرز شجونهم وأحلامهم وتطلعاتهم  ومشاكلهم أمام الحكومة أو من يمثلها .
وعلينا أن نعترف بأن الصحافة ليست مهنة آمنة ولا بعيدة عن الخطر ، ففي هذه الأيام التي أصبحت الصحافة مرجعاً سياسياً ومستمسكاً قانونياً وواجهة حرّة تعرض فيها الوقائع اليومية بكل أمانة ومهنية ،صارت اليوم مستهدفة بكل وحشية ، وأصبحت أكثر خطورةً من السابق خصوصاً في بلدٍ تعصف به المشاكل السياسية والأجتماعية والأقتصادية ولسنوات ثقيلة من الزمن  .
ومعلوم أن كل هذه الأخطار متوقعة ومحسوب لها ألف حساب من قبل المشتغلين  في مهنة الصحافة ، ولكن الخطر الحقيقي وغير المحسوب ،والذي يهدد الصحافة  وعفويتها وحريتها هو ذلك (الصحفي) المتأدب بآداب الدولة ،وأعني به الصحفي الذي يستمد مداد قلمه من أنفاس الحكومة وإرادتها وتوجهاتها ورغباتها  حقاً كانت أو باطلاً  ،فيتحول من مطالب بحقوق الشعب الى مطالب بحقوق الحكومة ،ومن عاكس لألام الجماهير ومشاكلها ومطالبها الشرعية ،الى مدافع عن عثرات وإخفاقات الحكومة وأتباعها !وهنا يكمن الخطر الحقيقي الذي يدمر مصداقية الصحافة ويهز ثقة الجماهير بها !
ونحن لا نطلب من الصحفي أن لايطري أويمتدح الحكومة ورجالاتها أو يعدد إنجازاتها أو يطالب الجماهير أن تقف معها وتساندها في مواقفها السياسيةالعامة ومشاريعها الوطنية الكبرى ،فهذا كله شيء حسن ويندرج تحت قاعدة [ولاتبخسوا الناس أشياءهم ] فرجال الحكومة هم بشر ٌ مثلنا وبسبب الأرهاق والتعب والضغوطات النفسية يحتاجون الى كلمة تأييد من هنا وكلمة مؤازرة من هناك ،ولكن الذي نطلبه من الصحفي أن يحذر من الوقوع في فخ الحكومة ،بحيث يتحول الى ببغاء يردد سياساتها ومفاسدها  وكأنها خير مطلق لا شر فيه !!!
فكم من جريدةٍ أو مجلةٍ محترمة كانت مبعث أحترام وتقدير القراء حيث كانوا يجدون فيها مطالبهم وهمومهم وواقع حياتهم ،أصبحت تلك الجريدة أو المجلة مؤدبة ً بآداب الدولة وخاضعة لها بشكلٍ مطلق ،فتحولت الى ناطق رسمي بإسم الحكومات ومحامي عنيد يلتمس الأعذار (الفلسفية) لتأخير الخدمات ويصنف مشاكل الحكومة إلى عدة أصناف ، ويختلق المعوقات التي لم تتذرع فيها الحكومة نفسها !!ويبين لنا في كل عدد من جريدته الغراء مجموعة من هذه المشاكل والأسباب التي تعطل دور الحكومة في إنجاز أعمالها ،ثم يطالب الجماهير  بالكف عن مطالبها الشرعية التي باتت تزعج الحكومة الوطنية وتثير سخطها  ،أو أن هذه المطالب ليس هذا وقتها ، لأن الحكومة في الوقت الحاضر مشغولة ،وتخوض حرباً ضروساً ضد الأرهاب وضد أعداء العملية السياسية ،ويجب أن تعطى الوقت الكافي حتى ولو تطلب الأمر أن يصبر الشعب وينتظر ألف سنة قادمة  !!!
وبطبيعة الحال تجد هذه الأقلام دائماً تدعوا الشعب المسكين بضبط النفس والصبر على الحكومة وتذكّره بصبر أيوب الطويل.. وتعده بمواعيد (عرقوب) التي لانهاية لها اً!!
ومع كل إحترامنا الجليل لأصحاب الأقلام الشريفة التي ماغيرتها الرواتب الكبيرة ولا أستعبدتها المناصب الرفيعة ، إلاّ أن هناك  بعض الأقلام الصحفية  قد أساءت الى قيم الصحافة وشرفها وهدفها الأنساني الكبير ، فهي بدل من أن تكون أقلاماًحرةتخط شعارات المظلومين وآهات المحرومين على جدران الحقيقة ، تحولت هذه الأقلام  ومع الأسف الشديد الى (فرشاة صباغة) تطلي تلك الشعارات والمظلوميات والحقائق الشعبية وتعمل على إخفائها !!بل وذهبت أبعد من ذلك حينما بدأت وعبر (مقالاتها الصحفية الرنانة ونصائحها الذهبية) تطالب الشارع الشعبي أن لايبخس الحكومة إنجازاتها العظيمة ،وأن لايغفل عن مشاريعها الأنفجارية الكبرى !! تلك الأنجازات التي لم يراها الشعب، ولم يشعر بها ، وليس لها وجود إلاّ في [الشعارات الرنانة والخطب العصماء ] التي تغرق البحر ، وتفلق الصخر ! ولكن (عيون زرقاء الصحافة) رأتها وشعرت بها وعاشت في ظلها في بحبوحةٍ من العيش الكريم !!
و على كل حال ،ما علينا إلا أن نلتمس العذر لهذه الأقلام لأنها دخلت في (حضيرة)آداب الدولة ،فروضّتها برياض الطاعة، حتى أصبحت الحقيقة في ميدانها تؤلم وتزعج، وتغّصُ بذكرها حلاقيم،وترعد لها أنوف.. وتذهل بكشفها مهج، فطوت عنها كشحاً ، وأسدلت عليها ثوباً ، و[كفى الله الصحافة شر الحقيقة] !!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الهادي البابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/09



كتابة تعليق لموضوع : الصحفي وآداب الدولة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net