الفلسفة الظاهراتية بين الفينومين والنومين
د. جميل حمداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


المقدمة: لقد انصب اهتمام الظاهراتية(phénoménologie) على دراسة الظواهر (الفينومين)، ولاسيما المدركة منها عن طريق الوعي أو الشعور في الزمان والمكان، أو دراسة تجارب الذات الإنسانية المعاشة في هذا العالم المشترك و المدرك في علاقة وثيقة بالغير أو الآخر، أو البحث في محتويات الشعور ومضامين الوعي . ويعني هذا أن الظاهراتية لاتدرس النومين الذي تحدث عنه إيمانويل كانط، والذي يتمثل في معرفة الله، وبداية العالم، ودراسة النفس أو الروح الإنسانية؛ لأن هذا سيخرجها عن نطاقها العلمي الموضوعي الصارم والدقيق. ومن هنا، ترفض الظاهراتية الاشتغال الميتافيزيقي. وبالتالي، لا يهمها سوى إدراك الوجود الظاهري، أو ما يبقى في الذاكرة الإدراكية من مدركات راسخة. لذلك، تنكر هذه الفلسفة كل الأشياء التي لايمكن إدراكها وجوديا.
إذاً، ما الفلسفة الظاهراتية؟ وما سياقها التاريخي؟ وما مرتكزاتها النظرية؟ وما موقفها من الميتافيزيقا؟ هذا ما سوف نتعرف إليه في هذه المطالب التالية:
المطلب الأول: نشأة الفلسفة الظاهراتية
ارتبطت فلسفة الظواهر بالفيلسوف الألماني إدموند هوسرل (1)(Edmund Husserl)(1859-1938م)(2)، وقد كان رياضيا في بداية الأمر؛ إذ نشر كتابا بعنوان (فلسفة الحساب) سنة 1891م، " وقد قادته الرياضيات إلى الفلسفة كما كان شأن كثيرين من المحدثين، فقد استوقف نظره دقة الرياضيات ومتانتها واتفاق العقول عليها، بينما العقول مختلفة على النظريات الفلسفية وعلى منهج معالجتها، فأراد أن يجد للفلسفة أساسا لايتطرق إليه الشك، ويسمح بإقامتها علما بمعنى الكلمة أي برهانيا، وتوسل إلى غرضه باصطناع فكرة القصد كما بينها فانتز برانتانو(1838-1917م)، وشرع يبني مذهبه، فنشر كتابا (في المنطق) في مجلدين (1900-1901) وكتابا ( في الفينومنولوجيا) (1913)، وآخر في الموضوع نفسه (1928)، و(تأملات ديكارتية أو المدخل إلى الفينومنولوجيا) (1931) وهو مجموعة محاضرات ألقاها في السوربون."(3)
ومن هنا، فقد ظهرت الفلسفة الفينومنولوجية في بداية القرن العشرين بألمانيا، بعد أن أرسى دعائمها النظرية الفيلسوف الظاهراتي إدموند هوسرل. وقد انتعشت جامعات ميونيخ وكوتينجان بتأسيس مختبرات علمية تعنى بالفسلفة الظاهراتية في منحاها العلمي والرياضي والموضوعي.
وقد انتشرت فلسفة الظواهر على يد مجموعة من الفلاسفة الألمان، أمثال: مارتن هيدجر(Martin Heidegger)، وإيديث شتاين (Edith Stein)، ورومان إنجاردان (Roman Ingarden)، وأوجن فينك (Eugen Fink,)، وماكس شيلر(Max Scheler)، ونيكولاي هارتمان (Nicolai Hartmann)، إلى جانب أتباعها الفرنسيين كبول ريكور (Paul Ricœur)، وإيمانويل ليفيناس (Emmanuel Levinas)، وجان بول سارتر (Jean-Paul Sartre)، وموريس ميرلوبونتي (Maurice Merleau-Ponty)… أما أعضاؤها في الولايات المتحدة الأمريكية، فهم ألفرد شوتز ((Alfred Schütz)، وإيريك فوجلان (Eric Voegelin)...
وقد تأثرت هذه المدرسة بالفلسفات الحديثة للقرن السابع عشر الميلادي، كما تأثرت بالرياضيات المنطقية للقرن التاسع عشر. علاوة على تأثرها بالظاهراتية المتعالية لهوسرل (Husserl) (1859-1938م)(4)، والفلسفة الوجودية عند سانت أوغستين (St. Augustin) (354-430م) (5)، وباسكال (Pascal) (1623-1662م) (6)، وكيركغارد (Kierkegaard) (1813-1855م)(7)...
المطلب الثاني: مفهوم الفلسفة الظاهراتية
تعنى الفلسفة الظاهراتية بدراسة الوجود في ظاهره، دون النفاذ إلى باطنه وعمقه، أو البحث عن علله ومبادئه الأولى، أو رصد الأمور المجردة التي توجد ماوراء الطبيعة، بل تحاول الظاهراتية أن تنساق وراء البحث العلمي الطبيعي والرياضي؛ حيث تدرس الفلسفة وفق هذا المقترب الموضوعي الدقيق والصارم، وإن كانت الفلسفة بصفة عامة، والميتافيزيقا بصفة خاصة، تتنافى، بشكل ما، مع المقاربات العلمية والتجريبية بشكل كبير.
علاوة على ذلك، فقد اهتم هوسرل بالعلم ونتائجه الدقيقة والرصينة، فقرر دراسة الوجود دراسة علمية موضوعية(8)، باستعمال الملاحظة في دراسة الوجود بشكل ظاهري وخارجي. أي: أرد أن يبني فلسفة وفق النسق العلمي، دون الانطلاق من فرضيات أو مسلمات أو أطر قبلية، بل لابد من الارتكان إلى التحليل العلمي المنطقي والتجريبي في دراسة الوجود من الظاهر. ولكن هذه النظرية الفلسفية لم تستطع أن تثبت نفسها في الساحة الفلسفية الغربية، مادامت تهدف إلى علمنة الفلسفة، وربطها بالظاهر الموضوعي والمرصود. وفي هذا، يقول عبد الرحمن بدوي، في كتابه (تاريخ الفلسفة الحديثة): "إنه يضع مبدأين: أحدهما سلبي والآخر إيجابي، المبدأ السلبي أنه يجب التحرر من كل رأي سابق، باعتبار أن ما ليس متبرهنا ببرهان ضروري فلاقيمة له". والحالة النفسية المطلوبة هنا تشبه حالة الشك الكلي عند ديكارت مع هذا الفارق وهو أن هوسرل لايستند مثل ديكارت إلى أسباب للشك فلاينكر العالم الخارجي ولايرتاب في وجوده ولكنه يطلب إلى العقل أن يضع بين قوسين الوجود الواقعي للأشياء لكي يحصر نظره في خصائصها الجوهرية كما هي ماثلة في الشعور، ومع اعترافه بأن هذا الموقف غير طبيعي وأنه مؤقت يتيح للعقل أن يتناول الموضوع بريئا من كل واسطة مشوهة فينظر فيه نظرا صافيا."(9)
أما المبدأ الإيجابي عند إدموند هوسرل، فيدل على " ماهية هذا الموضوع؛ إذ يقول: إنه يجب الذهاب إلى الأشياء أنفسها. أي: إلى الأشياء الظاهرة في الشعور ظهورا بينا، مثل اللون الأزرق أو الأحمر والصوت والحكم وما إلى ذلك من ماهيات ثابتة مدركة بحدس خاص."(10)
ويعني هذا كله أن الظاهراتية فلسفة تكتفي بماهو ظاهري وحسي ومدرك من قبل الوعي الراصد، دون النفاذ إلى عمق الأشياء وجواهرها وماهياتها غير الظاهرة . وبذلك، ترفض الظاهراتية كل ماهو ميتافيزيقي وماورائي غير مدرك في الزمان والمكان من قبل الذات المدركة.
المطلب الثالث: مبادىء فلسفة هوسرل
ترتكز فلسفة هوسرل الظاهراتية على مجموعة من المبادىء الأساسية التي يمكن حصرها فيما يلي:
1- القصدية : وتعني أنه لايمكن الحديث عن إدراك للذات بدون موضوع، فوعي الذات مقترن بالشيء أو التفكير في الموضوع الخارجي. ومن ثم، لا يمكن الحديث عن الأنا دون الغير، أو دون الواقع الخارجي الموضوعي. فالمقصدية هي المسؤولة عن ملء البياضات والفراغات بفهمها وتأويلها. وهنا، رد واضح على ديكارت الذي يقول: أنا أفكر، إذاً، أنا موجود. والصحيح: أنا أفكر في شيء مقصود، إذاً، أنا موجود.
ومن هنا، فقد تشكلت القصدية مع الفلسفة الفينومنولوجية، ولاسيما مع الفيلسوف الألماني هوسرل(Husserl) الذي أثبت مدى الاتصال الملتحم بين الذات العارفة والموضوع الذي تعرفه. وليس هناك فاصل أو حاجز بينهما. وقد تبعه في ذلك مجموعة من الوجوديين المعاصرين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فقد كان الفلاسفة، قبل ذلك، يفصلون بين الذات العارفة وموضوع المعرفة. بيد أن هوسرل رفض هذا الفصل بين الذات والموضوع، وجعل الذات والموضوع معا يتفاعلان تواصلا وترابطا وتشاركا، ويحضران معا، بتواجدهما الحي، في عالم مشترك واحد.أي: لا يمكن فصل الذات عن الموضوع، ولا الموضوع يمكن فصله عن الذات. ومن هنا، فقد كان هوسرل يرد على الذين كانوا يعتبرون العقل مثل صندوق يحتوي على الأفكار الذهنية بمعزل عن محتوياته وموضوعاته.
كما رفض هوسرل تصور ديكارت القائم على الأنا المفكرة في انفصال تام عن موضوعها المعرفي. بمعنى أن الذات تفكر في موضوع ما. أي: ثمة قصدية تربط الذات بالموضوع المفكر فيه. وتعني القصدية أن كل وعي هو وعي بشيء، وكل فكرة هي فكرة عن شيء، وهكذا، " لقد أخذ هوسرل على ديكارت قولته:" أنا أفكر..." دون أن يذكر لنا في أي شيء يفكر، لأن الفكر بغير شيء يتعلق به ضرب من المحال."(11)
ويقول إدموند هوسرل موضحا القصدية بنقده للكوجيطو الديكارتي الذي يركز على الأنا مفصولا عن الموضوع الخارجي: "إذا بقيت البداهة المتعلقة بالقضية " أنا افكر، أنا موجود عقيمة، فذلك راجع إلى أن ديكارت قد أهمل اعتبارين هما: الأول، إنه أهمل كليا توضيح المعنى المنهجي الخالص لمفهوم التعليق المتعالي للحكم؛ والثاني، أنه لم يأخذ بعين الاعتبار أن بإمكان الأنا، عن طريق التجربة المتعالية، أن يوضح ذاته بذاته بشكل لامتناه ومنظم، مما يعني أنه قد أهمل إبراز أن الأنا يشكل لوحده مجالا خاصا ممكنا للبحث والتفكير. لهذا سنقوم بتوجيه أضواء البداهة المتعالية ليس إلى الكوجيطو (الأنا المفكرة بالمعنى الديكارتي الواسع)، بل إلى أفعال الوعي المتعددة، أي إلى تيار الوعي الذي يشكل حياة الأنا هاته (الذات المتأملة). تستطيع هذه الأنا في كل لحظة أن تتخذ من هذه الحياة الذاتية موضوعا لتفكيرها، سواء كان إدراكا أو تمثلا أو حكما وجوديا قيميا أو إرادة (...). إن إدراك هذه الطاولة مثلا هو، قبل أي شيء، إدراك لهذه الطاولة بالذات؛ وعليه سيكون كل وعي بشكل عام وفي ذاته وعيا بشيء ما، مهما كان الوجود الواقعي لهذا الشيء(...)؛ لهذا السبب، فإنه من الضروري توسيع مضمون عبارة أنا أفكر بأن نضيف إليها عنصرا جديدا، فنقول بأن كل ذات مفكرة أو كل حالة وعي تقصد شيئا ما، وأن هذا الوعي يحمل في ذاته ذلك الشيء الذي يفكر فيه.على أن كل أنا مفكرة تمارس ذلك بطريقتها الخاصة؛ فإدراك المنزل يقصد أو يتعلق بمنزل، أو بالتدقيق يقصد منزلا فرديا محددا بطريقة واعية. أما استذكار المنزل، فيقصد المنزل كذكرى، بمثل ما أن التخيل يقصده كصورة خيالية. أما الحكم المنطقي الذي يتخذ المنزل المائل أمامي موضوعا، فيقصده بطريقة الحكم المنطقي. وأخيرا إن الحكم القيمي سيقصد ذلك المنزل بطريقته الخاصة...إلخ.
إن حالات الوعي هاته نسميها حالات قصدية، ولاتدل كلمة قصدية سوى على الخاصية الأساسية والعامة المميزة للوعي بوصفه وعيا بشيء ما؛ وعي يحمل في ذاته، بوصفه أنا مفكرة، الشيء المفكر فيه..."(12)
إذاً، تعني المقصدية انفتاح الذات أو الوعي على العالم، وانفتاح العالم على الذات أو الوعي بشكل عكسي.
2- الإدراك الظاهري: تهدف المقاربة الفينومينولوجية إلى إدراك الشيء أو الموضوع في ظاهره بطريقة علمية موضوعية، دون مساءلة الجواهر المجردة التي لايمكن إدراكها ظاهريا وعلميا. أي: تهتم فلسفة الظواهر بكيفية إدراك العالم أو الوجود بطريقة ظاهراتية علمية تجريبية. ومن ثم، فالفينومنولوجيا هي العلم الذي يدرس الظواهر التي تدركها الذات، أو يدركها الوعي أو الشعور، بفهمها وإدراكها ووصفها كما تظهر للذات الباحثة أو المتفلسفة.
وعليه، فلقد ركزت الظاهراتية على القصدية في علاقتها بالوعي والموضوع. بمعنى أن كل وعي مرتبط بقصد ما، أو تفكير في شيء ما، كأن يكون ذلك، مثلا، طاولة، أو قلما، أو شجرة،...ومن ثم، يستحيل الفصل بين الذات والموضوع... فما هو مدرك فهو موجود، وما ليس مدركا، فهو غير موجود. فما ندركه - مثلا- عبر النافذة فهو موجود. وإذا أغلقنا النافذة فما لا نراه لا يعد موجودا، على الرغم من وجوده الحقيقي. وفي هذا السياق، نتحدث عن مدرك لذاته.
وما يهمنا في هذا التيار الفلسفي ما يقوله ميرلوبونتي عن الإدراك الذي بواسطته تنقل الذات الواعية التجارب المعاشة في العالم. أي: إن الإدراك عبارة عن بعد حيوي إيجابي يساعد على انفتاح أساسي على العالم المعاش. ومن هنا، فكل وعي هو وعي إدراك. ويتم هذا الوعي بتوظيف الجسد في التقاط تجارب هذا العالم المدرك. وهنا، يصبح الجسد المخالف للعقل جسدا مقصديا. ومن ثم، ينبني الإدراك على الذات المدركة من جهة أولى، والعالم الخارجي المدرك من جهة ثانية، ويكون الإدراك بمعطيات حسية ظاهرة من جهة ثالثة.
وغالبا، ما يدرك العالم الظاهري بواسطة الزمان، والمكان، والأشكال، والأشياء. ويشكل هذا كله ما يسمى بالعالم الخارجي. والدليل على تأثر سيميوطيقا التوتر بالظاهراتية وجود مصطلحات عدة، مثل: الإدراك، والحضور، والحقل، والناحية، والعمق، والقصدية، والظاهر، والحسي...
وعليه، فالظاهراتية هي منهج في البحث والدراسة، ووصف للظواهر والتجارب المدركة أكثر مما هي فلسفة مدرسية.
3- تجاوز الميتافيزيقا وتخطيها: ترفض الفينومنولوجيا الميتافيزيقا التي تتعامل مع الظواهر المجردة والبعيدة عن إدراك الوعي أو الشعور. وبالتالي، فالمعرفة العلمية الحقيقية هي معرفة الجواهر الثابتة التي لاتتغير، كما يدركها - فعلا- الوعي أو الشعور، برصد بنياتها وتوصيفها، ولو باستخدام الحدس الذي يتعامل معها وفق منطق القرب، والتعاطف، والتعايش الظاهري.
4- ارتباط الذات بالموضوع: إذا كانت المدرسة الشعورية الذاتية قد أعطت أهمية كبرى للشعور، أو لتدفق المشاعر والأحاسيس والعواطف، وإذا كانت العقلانية الديكارتية قد أعطت أهمية كبرى للشعور، أو للأنا، أو للوعي، كما يبدو لنا ذلك جليا في الكوجيطو (أنا أفكر، إذاً، أنا موجود)، فإن الظاهراتية (La Phénoménologie) تقول بالشعور المستقل بمحتوى خارجي. أي: يرتبط الشعور بموضوع مدرك ما. فكل شعور هو أن يكون شعورا بشيء، أوشعورا بموضوع ما. وهنا، ترتبط الذات بالموضوع والمقصدية. ومن هنا، ندرك ألا وعي بدون موضوع، ولا ذات بدون موضوع. وبهذا، يكون الشعور بشيء ما، ولايمكن الحديث عن الشعور كقوة مستقلة، وإلا فهي قوة وهمية لاوجود لها. ومن ثم، فالشعور مرتبط بالعالم الخارجي، وبمحتويات الشعور نفسه؛ تلك المحتويات التي تلازمه وتلاصقه. ومن ثم، تجمع الفينومينولوجيا بين الذاتية والموضوعية بشكل متوازن. وينصب الوعي الإنساني أو الذاتي على موضوعات مدركة، ضمن تفاعل إدراكي معاش في العالم.
5- فلسفة الحضور: ويعني هذا حضور الذات في العالم عبر الجسد في الزمان والمكان، وعبر مجموعة من التجارب الإنسانية الذاتية والموضوعية المدركة. ومن هنا، فالحضور هو حضور الذات في العالم، وتأكيد الوجود الإنساني.
هذه هي أهم المبادىء النظرية التي ترتكز عليها الفلسفة الظاهراتية، وتدل كلها على فلسفة التواجد الحسي الظاهري القائم على ثنائية الذات والموضوع، وثنائية الوعي والقصدية...
الخاتمة:
وخلاصة القول، يتبين لنا، مما سلف ذكره، أن الظاهراتية قد اكتفت بدراسة الظاهر أو الفينومين بدل الاهتمام بالنومين الكانطي، وقد سعت جادة إلى مقاربة الفلسفة وفق مقترب علمي موضوعي، بتجاوز الميتافيزيقا وإنكارها وتخطيها، والاكتفاء بدراسة الظواهر المدركة عن طريق الحس والشعور دراسة علمية موضوعية . ومن ثم، لم تكتف الظاهراتية بالتصورات الفلسفية فقط، بل اهتمت كذلك بالسيكولوجيا.لذا، يصعب الفصل بين الفلسفة وعلم النفس الفينومنولوجيين. وبالتالي، تنتقد الظاهراتية كل التيارات والمدارس التي تتعامل مع الإنسان والعالم باعتبارهما أشياء موضوعية. ويعني هذا أن الظاهراتية ذاتية بشكل كبير، على الرغم من انفتاحها على العالم الخارجي الموضوعي.
وعلى الرغم من نجاعة هذه المقاربة في ربط الذات بالموضوع، وربط الوعي بالقصدية، فإن هذه المقاربة قد جنت كثيرا على الفلسفة عندما حاولت علمنتها وفق مقترب فيزيائي موضوعي دقيق وصارم، بإنكار الميتافيزيقا برمتها، والدعوة إلى تخطيها وتجاوزها وتعويضها بالعلم الظاهري الحسي. في حين، يعتبر الإنسان حيوانا ميتافيزيقيا بامتياز، لا يمكن أن يعيش بالظاهر دون الاهتمام بالغيبيات والروحيات، أوالانشغال بالقضايا الكونية والأنطولوجية والميتافيزيقية، بل أصبح العلم - اليوم- خاضعا للتصورات الميتافيزيقية، يدافع عنها بإخلاص، وصدق، واستماتة لانظير لها.

د. جميل حمداوي
...............
(1) إدموند هوسرل فيلسوف ألماني ومؤسس الظاهراتية. ولد في موراویا في تشيكوسلوفاكيا في عام 1859م. درس هوسرل الرياضيات في لايبزغ وبرلین على کارل وایستراس وليوبولد کرونکر. ثم ذهب إلى فيينا للدراسة بإشراف ليو کونیکس ‌برکر في عام 1881م.
(2) Edmund Husserl : Leçons pour une phénoménologie de la conscience intime du temps, Ed.: Presses universitaires de France, 1996 ; L'Idée de la phénoménologie, Paris, PUF, 1992.
(3) عبد الرحمن بدوي: تاريخ الفلسفة الحديثة، دار المعارف، القاهرة، مصر، الطبعة الخامسة، 1986م، ص:460.
(4)-Edmund Husserl: Leçons pour une phénoménologie de la conscience intime du temps, Ed.: Presses universitaires de France, 1996.
(5) القديس أغسطينوس كاتب وفيلسوف أمازيغي من أصل نوميدي. ولد في عنابة بالجزائر.ويعد أحد أهم الشخصيات المؤثرة في المسيحية الغربية. تعتبره الكنيستان الكاثوليكية والأنجيليكانية قديسا وأحد آباء الكنيسة البارزين.
(6) بليز باسكال (Blaise Pascal) فيزيائي ورياضي وفيلسوف فرنسي، اشتهر بتجاربه على السوائل في مجال الفيزياء، وبأعماله الخاصة بنظرية الاحتمالات في الرياضيات . وهو من اخترع الآلة الحاسبة.
(7) كيركغارد فيلسوف ولاهوتي دانماركي. كان لفلسفته تأثير حاسم في الفلسفات اللاحقة، ولاسيما في ما سيعرف بالوجودية المؤمنة. ومن أشهر من تأثر به وأذاع أفكاره الفيلسوف الألماني كارل ياسبرس، واللاهوتي البروتستانتي كارل بارث.
(8)-Edmund Husserl : La philosophie comme science rigoureuse, traduction Q. Lauer, Paris, PUF, Epiméthée, 1954.
(9) عبد الرحمن بدوي: تاريخ الفلسفة الحديثة، ص:460.
(10) عبد الرحمن بدوي: نفسه، ص:460.
(11) زكي نجيب محمود: نافذة على فلسفة العصر، سلسلة كتاب العربي، الكويت، الكتاب السابع والعشرون، 1990م، ص:53.
(12) E.Husserl:Introduction à la phenomenology, éd.Vrin, Paris;pp26-28.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د. جميل حمداوي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/06



كتابة تعليق لموضوع : الفلسفة الظاهراتية بين الفينومين والنومين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net