صفحة الكاتب : شعيب العاملي

(2) إبليس.. رائد التشكيك !!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم

الكمال.. غاية سامية لبني آدم المُكرّمين..
طريقُهُ سُلَّم العلم واليقين.. وعدوّه ظلمات الجهل والشك..

وكان سعي الإنسان للعلم والمعرفة سبباً لما يورث النفس سكينةً واطمئناناً، وعند اليقين يأنس المؤمن بربه ونبيه ووليه ودينه وكتابه.. وكلما كُشفَ له عن مزيدِ بصيرةٍ أوغل في عالم القُرب من خالقه والمنعم عليه.. فلا يبقى بعدها محلٌّ للظنون والشكوك والأوهام.. فهو في عالم الحقيقة التي لا ينازعها منازع..

ونطقت آيات الكتاب بالتمايز بين طريقي العلم والجهل، فقال تعالى (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)

ولا يخلو طالب اليقين من إحدى حالتين:
الأولى: أن يكون في حالة ضلال وشك وحيرة، فتدفعه الفطرة إلى البحث في كل الطرق ليخرج من هذه الظلمة، ويرشده العقل إلى ربه ويأخذ بيده إلى أبواب الله تعالى حججه على خلقه.. وفي مرحلة بحثه قد يكون معذوراً لجهله غير المسبوق بالعلم، وقد لا يؤاخذ إلا بعد أن تتم عليه الحجة ويظهر الحق عنده جلياً، فيحسن منه اتباعه ويقبح منه اجتنابه.

الثانية: أن يكون ممن وصل لليقين ويرجو زيادة الإيمان أو ثباته، وهذا حال المؤمنين جميعاً، فإنهم يسألون الله تعالى أن يثبتهم على ما بلغوه من يقين، وأن يزيد في إيمانهم.

لكن هؤلاء المؤمنين واجهوا معضلة تحاول سلبهم تلك الجوهرة الثمينة التي بلغوها بإيمانهم.. لتنقلهم إلى مصاف الذي (آتيناه آياتنا فانسلخ منها).

فأمَامَهم جبهة يقودها عدوّهم إبليس، ليجعلهم ممن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فيصيروا كالتي نقضت غزلها !

وقد استغل اللعين يوماً على آل الرسول عظيماً، يوم تقطّع فيه قلب الرسول وابنته البتول ع، وضج فيه الخلق لله تعالى حزناً على ما أصاب الحسين وصحبه..
فجعله يوم فرح وسرور! وأعلن انتصاره على بني آدم بأن بلغ في هلاكهم الغاية! ثم كشف لشياطينه برنامجه العدائي للبشر.. فأوضحه لنا رسول الله صلى الله عليه وآله لئلا نغفل عنه يوماً من أيامنا..

وقد كشف فيه إبليس أوراقه.. وبيّن طريقته وأسلوبه في هذا الصراع..

ففي الحديث الشريف عن زين العابدين عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله:
و لقد قال لنا رسول الله ص حين أخبرنا بهذا الخبر: إن إبليس لعنه الله في ذلك اليوم يطير فرحا فيجول الأرض كلها بشياطينه وعفاريته فيقول: يا معاشر الشياطين قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة وبلغنا في هلاكهم الغاية وأورثناهم النار إلا من اعتصم بهذه العصابة.

فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم، وحملهم على عداوتهم، وإغرائهم بهم وأوليائهم، حتى تستحكموا ضلالة الخلق وكفرهم ولا ينجو منهم ناج.
ولقد صدق عليهم إبليس وهو كذوب أنه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح.. (كامل الزيارات ص266)

فلا نجاة لكم يا بني البشر إلا بالاعتصام بهذه العصابة: محمد وعترته الطاهرين عليهم السلام.

وإنما جعل ابليس وجنوده همّهم وشغلهم في ثلاث خطوات:

أولها: (تشكيك الناس فيهم) أي في محمد وآله.
ثانيها: (حملهم على عداوتهم) فلا عداوة لهم مع اليقين بالعترة الطاهرة، وبعد التشكيك ينفتح باب العداوة للأطياب على مصراعيه..
ثالثها: (إغراؤهم بهم وأوليائهم) فبعد التشكيك والعداوة يُطرَق باب الإغراء بهم، مهما كان لونه.. من تسلّط وأذية وطرد وتهجير وقتل وتعذيب !!

إنه إذاً (منهج التشكيك).. ورائده إبليس! وأعوانه من شياطين الجن يتلوهم شياطين الإنس يعينوهم بطريقٍ ينسف كل (يقين)! ويفتح الباب على كل عداوة وأذية للعترة وأتباعهم.

وكانت البداية مع التشكيك لأن الشك لا يجتمع مع اليقين ولا مع الإيمان.. فإذا حلّ الشك فرّ اليقين وصاحبه الإيمان!

وعن الباقر عليه السلام: لا ينفع مع الشك والجحود عمل.
وعن الصادق عليه السلام: من شك أو ظن وأقام على أحدهما أحبط الله عمله، إن حجة الله هي الحجة الواضحة. (الكافي ج2 ص400)

وقد انتَسَبَت لمنهج (التشكيك) مدارس إسلامية عديدة.. تسمى بعضها باسم أهل الحق وخالف بعضٌ التسمية.. وسواء علموا ما هم مقدمون عليه أم جهلوا فإنهم في سفينة واحدة..

1. ففئة تنثر بذار التشكيك بحجة الانفتاح على الساحة! ولزوم العيش في الهواء الطلق! وعدم التفاعل مع هذه المسألة أو تلك! ثم ما تلبث أن تخرج مدرستها جيلاً من المشككين بأمهات مسائل العقيدة الحقة !
2. وثانية تزعم أنها تسعى نحو حرية الفكر فتروّج للمتردية والنطيحة! بحجة رجحان التعدد والتنوع في تفسير الدين! وأن البحث عن الحق لا بد أن يكون بعد الغوص في كل مناهج الباطل!
3. وثالثة تشكك في مفردات عقائدية وفقهية وشعائرية تحت مسمى التنوّر! وتغرق في التنازل قولاً وفكراً وعقيدةً بعد التشكيك بحجة رعاية الآخر! ويا ليت الرعاية كانت في أمور الدماء فهي أولى!
4. ورابعة تدعي الإمامة لغير المعصوم، أو المرجعية لغير أهلها، فتورث الناس الشك في الأئمة والعلماء !

وخامسة وسادسة وسابعة تتقاسم المهام.. ناشرة بذور الشك.. سلاح إبليس الفتاك..
ومن لا يوافقهم يُنعت بالتخلف والرجعية، أو بمحاربة الفكر، أو بالجهل وضعف الإيمان..

لكن هؤلاء غفلوا أو تغافلوا عن أن الشك إن ساغ فإنما يسوغ قبل اليقين، فإذا جاء اليقين لم يجز الشك..
فمن بنى بيتاً محكماً لا يزلزله بيده إن كان عاقلاً، وليس الشك بعد اليقين إلا هدماً لأسّ الإيمان وأركانه وتضييعاً لنعم الله بالهداية.

يروي الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي الشريف: عن الحسين بن الحكم قال: كتبت إلى العبد الصالح ع أخبره أني شاك وقد قال إبراهيم ع (رب أرني كيف تحي الموتى) وأني أحب أن تريني شيئاً.
فكتب ع: إن إبراهيم كان مؤمنا وأحب أن يزداد إيمانا، وأنت شاك والشاك لا خير فيه.
وكتب: إنما الشك ما لم يأت اليقين فإذا جاء اليقين لم يجز الشك.
وكتب: إن الله عز و جل يقول (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) قال: نزلت في الشاك.(الكافي ج2 ص399)

فأسقط الإمام المعصوم عليه السلام كل شبهة لهؤلاء.. وبين الكاظم عليه السلام أن أهل الشك لا خير فيهم، وأن كثرتهم لا تخرجهم عن عنوان الفاسقين.
فطريق أهل الحق هو التمسك بالعقيدة، وتجنب مسلك التشكيك، الذي لطالما اهتم الأئمة عليهم السلام بدفعه لرفع الحيرة عن الشيعة، فعن الإمام الكاظم عليه السلام لعلي بن سويد: رأيت أن أفسر لك ما سألتني عنه مخافة أن يدخل الحيرة على ضعفاء شيعتنا من قبل جهالتهم‏.. (الكافي ج8 ص124)

فالإمام يفسّر ويبيّن (مخافة) أن يصاب الشيعة بالحيرة لجهلهم، وهؤلاء ينقلون أصحاب اليقين من الشيعة للجهل!

والشك ينتشر كالعدوى، فيبدأ بصغائر الأمور ولا ينتهي إلا (بالشك فيهم) ثم تستكمل المسيرة بعداوتهم عليهم السلام!

وهل كان قتال الفجرة لسيد الشهداء يوم الطف إلا وليد التشكيك فالعداوة فالإغراء بقتله عليه السلام ؟! فصار يوم فرح لإبليس وزبانيته عليهم لعائن الله.

اللهم نسألك حسن العاقبة بحق شهيد كربلاء..
ثاني أيام العزاء في شهر محرم الحرام 1439 للهجرة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/09/23



كتابة تعليق لموضوع : (2) إبليس.. رائد التشكيك !!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net