صفحة الكاتب : د . طلال فائق الكمالي

كيف اقتدى غاندي بالحسين عليه السلام .
د . طلال فائق الكمالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في أبان الاحتلال البريطاني للهند ، كان غاندي يروم السفر من مدينة لأخرى ، فقطع تذكرة قطار من الدرجة الأولى والتي لا يحق لأحد من الهنود أن يقتنيها ، كون من يقتني هذه التذاكر له حق السفر على عربات القطار المميزة والمختلفة كليا عن باقي العربات الأخرى ، إضافة لمنع اختلاط المسافرين فيما بينهم والذين صنفوا آنذاك برأي المستعرين البريطانيين إلى درجتين أولى وثانية .
وعند جلوس غاندي في المقعد المخصص له حسب التذكرة التي قطعها وإذا به يُفاجأ بالرقيب المكلف بالتدقيق على صحة التذاكر والمقعد المخصص لكل مسافر، وما إن نظر الرقيب إلى غاندي حتى انتفض مستغربا وجود شخصا كغاندي بسحنته الهندية بين البريطانيين الذين خصصت لهم هذه العربة .
عندها استفهم الرقيب مستهجنا ومستنكرا سبب وجود غاندي في هذه العربة .
فأجاب غاندي لا مباليا : أنه يمتلك هذا المكان ، وقد دفع مستحقات تذكرة هذا المقعد.
إلا أن الرقيب لم يكن مستعدا لاستيعاب أن رجلا هنديا وان كان يحمل الجواز البريطاني وتذكرة المقعد له الحق أن يجلس بين أسياده البريطانيين ، مما دعاه أن يترك العربة فورا .
فأبى غاندي أن يرضخ لإرادة الرقيب وعنصريته فأعلن رفضه علنا ، مما تعالت الأصوات بين الطرفين ، حينها تدخل رجال أمن القطار مؤازرين الرقيب على ضرورة مغادرة غاندي هذه العربة إلى عربة أخرى .
في تلك اللحظة كان غاندي يستعيد كثيرا من الرموز في ذهنه الذين كانوا رمزا في جميع معتركات حياته العلمية والعملية ، وأعظم ما تجلى له في تلك اللحظة كقدوة كان الإمام الحسين عليه السلام الذي استلهم منه الكثير من الدروس والتجارب والعبر ، رغم أن غاندي يدين بديانة الهندوس ، فما أن تذكر صلابة مواقف الإمام وعمق تفانيه من اجل المبادئ والقيم الإنسانية السامية ، وانتفاضته ضد كل ما هو باطل وفاسد وان كلفه الكثير ، كما تذكر شموخه وحيدا مظلوما بين زمرة من المرتزقة الضالة ، وأنه ترجم كل تلك القيم بلغات شتى تنطق بالإباء والسؤدد يفهمها القاصي والداني ما دامت الحياة .
نعم تذكر كل ذلك ورفض أن يترك مقعده مجبرا مذلا راضخا للظلم والعنصرية والعنجهية ، مما دعاه أن يضع رأسه في حجره متمسكا بمقعده ، عندها أنهال عليه الرقيب ومن معه بالضرب مرة والترغيب مرة وبالتهديد والوعيد مرة أخرى ، وبينما هو كذالك مضرجا بدمه حاملا عبأ ألآمه حتى وصل إلى المدينة التي كان يروم الوصول إليها دون أن يخضع لإرادة أعداء الإنسانية والعدالة والحرية ، هنا رفع رأسه شامخا منتشيا بما تعلم من مدرسة كربلاء وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة النصر وقدحت عيناه بنور الغضب على كل متكبر جبار ونطق كيانه وجوارحه ولسانه وهو يغادر العربة قائلا : تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فانتصر .
نعم هذا هو الحدث الذي جعل غاندي يصرح بمقولته الشهيرة والتي منها كانت الشرارة التي حرر بها الهند من قيد الاستعمار المستبد ..... غاندي الذي لم يسمع عن الحسين وأرض كربلاء إلا القليل ولم يفقه مقدمات وحيثيات وجزئيات أحداث يوم الطف وما قبله وبعده كما وصل إلينا ، لكنه أدرك متيقنا عظمة الإمام عليه السلام ، فاستنار بقبس من شمس لا ولن تغيب .
لقد شدتني هذه الحادثة كما شدت مَنْ قرأها ، واستوقفتني كثيرا وأنا أتأمل مستغربا جحودنا بالبعد عن قراءة كلمات الإمام الحسين التي خطها بدمه الطاهر وسطرها بالجود بالنفس وخيرة الأحبة من الأهل والأصحاب ، بل رسم لنا خارطة الطريق إلى الله تعالى وإلى حياة الإباء وإلى معرفة الذات للحيلولة دون الانزلاق في هاوية الشيطان والنفس والهوى .
لذا يجب أن ينعقد اللسان بالنطق بلبيك يا حسين إن لم ندرك المغزى منها ومغزى سر الله الحسين ، وليصرخ الضمير (بلا) خجلا بالبعد عن فيض مدرسته ، ولتُشل القدمين عن الحركة بالطواف حول قبره الشريف دون أن نفقه أن هذا القبر عاصمة الله في الأرض ، ولتنتفض الجوارح أسفا إن لم يكن مصداق حبنا للحسين قولا مقرونا بالعمل .
على أساس ما تقدم ما علينا إلا أن نتعلم من غاندي كيف تعلم من الحسين إن لم نستطع أن نتعلم من الحسين شيئا .
طلال فائق الكمالي 
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . طلال فائق الكمالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/10/19



كتابة تعليق لموضوع : كيف اقتدى غاندي بالحسين عليه السلام .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 5)


• (1) - كتب : ياسين جبر ، في 2012/05/18 .

أولاً حادثة القطار لم تحصل في الهند وانما في جنوب افريقيا. ثانياً هل يمكن أخي العزيز أن تزودني بالمصدر أي اسم الكتاب الذي استخرجت منه عبارة غاندي بخصوص الإمام الحسين رضي الله عنه وأرضاه. مع خالص تقديري.

• (2) - كتب : حسين صادق مهدي ، في 2012/01/03 .

شيخنا الفضل طلال الكمالي ـ جزاك الله خير الجزاء ، كنت ولازلت تضع يدك على الجرح ـ علينا أن نتعلم من غيرنا كيف قدست مفاهيمنا ومصاديقها من رموز ،بينما نجد انفسنا على هامش تلك المقدسات ـ رفيق دربك ابو ذر ديالى

• (3) - كتب : حسين صادق مهدي ، في 2012/01/03 .

شيخنا الفضل طلال الكمالي ـ جزاك الله خير الجزاء ، كنت ولازلت تضع يدك على الجرح ـ علينا أن نتعلم من غيرنا كيف قدست مفاهيمنا ومصاديقها من رموز ،بينما نجد انفسنا على هامش تلك المقدسات ـ رفيق دربك ابو ذر ديالى

• (4) - كتب : الدكتور رافع الخفاجي ، في 2011/11/03 .

احسنت يا استاذنا واحسنت حيت قلت تعالوا نتعلم من غاندي كيف تعلم من الحسين إن لم نستطع أن نتعلم من الحسين نفسه

• (5) - كتب : صباح محسن كاظم ، في 2011/10/20 .

الاستاذ طلال فائق الكمالي؛جزيت خيراً على ذكر هذه الحادثة التي أجهل سبب انطلاقها لكنني اكررها بكل ما اكتبه عن الامام الحسين-عليه السلام- وربما العشرات كذلك؛وفقك الله وسلمت وسددت ووفقت لمحبة سيد الاحرار بطل كربلاء ورمز الانسانية..




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net