صفحة الكاتب : الشيخ ليث الكربلائي

وقفة مع حديث (لابد للناس من أمير)
الشيخ ليث الكربلائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

سأل احد الاخوة عن صحة هذا الحديث ولأن الجواب التفصيلي اطول مما يسعه تعليق رأيت ان أفرد له منشورا .
السؤال/
السلام عليكم ورحمة الله ..ماصحة الحديث المنسوب للأمام علي عليه السلام :
(عليكم بإمام بر كان او فاجرا. ) ..جزاكم الله خيرا
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله 
لم اجد الحديث بالتعبير الذي ذكرتموه انما ورد بتعابير اخرى متعددة جمع بعضها الريشهري في ميزان الحكمة ج1 ص98 واشهرها الصياغة الواردة في نهج البلاغة ١ / ٩١ وهي " لابد للناس من أمير بَرًّ أو فاجر" وباي حال ليس لهذا الحديث سند صحيح وتفصيل البحث في ثلاث نقاط :
1- تخريج الحديث من طرق الامامية
لم يرد في مصنفات الامامية الا في نهج البلاغة ١ / ٩١ من كلام له عليه السلام عن الخوارج ودعواهم ان لا حكم الا لله. وعنه أخذ العلامة في البحار وبالتالي الحديث مرسل بل لا سند له من اصل في كتبنا نعم نقله السيد ابن طاووس في كتابه الملاحم والفتن ص78 عن نعيم بن حماد حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب عن أبي صادق عن علي عليه السلام الحديث .. ونعيم هذا هو المروزي صاحب كتاب الفتن ويفصل بينه وبين السيد ابن طاووس ثلاثة قرون تقريبا لذا لاشك في ان السيد نقله من كتاب الفتن بالوجادة فلا يعد مصدرا اخرا للحديث وسيأتي الكلام عن سند المروزي .
2- تخريج الحديث من طرق ابناء العامة :
اقدم مصدر لهذا الحديث عندهم مصنف عبد الرزاق الصنعاني (ت211) غير اني سأبدأ من حيث انتهيت اي من كتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي (ت288هـ) اذ رواه في ص71 في حادثة تختلف عن حادثة الخوارج التي ذكرتها سائر المصادر قال المروزي: "حدثنا هشيم عن العوام بن حوشب عن أبي صادق عن علي قال إن معاوية سيظهر عليكم قالوا فلم نقاتل ؟ قال لابد للناس من أمير بر أو فاجر" وفضلا عن ان في السند ضعاف فان المروزي نفسه لا يُعتمد على حديثه عند ابناء السنة انفسهم قال الذهبي فيه : " لا تركن النفس إلى رواياته" سير أعلام النبلاء 10 / 600
وقد رواه مسندا كل من : البيهقي في شعب الايمان (ج10/ص5, رقم 7102) وهو ايضا في السنن الكبرى ( ج8/ص319, برقم 16764) وابن ابي شيبة في مصنفه (ج7/ص557, برقم 37907) وايضا (ج7/ص562, برقم 37931) وعبد الرزاق الصنعاني في مصنفه (10/124 ، رقم 18591) ولكن كل اسانيدهم ضعيفة حتى وفق المباني الرجالية لأهل السنة لذا خرَّجه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/225) وعقب قائلا: " فيه وهب بن رزق ولم أعرفه"
ورواه المتقي الهندي في كنز العمال ج5 ص779 مرسلا وهكذا غيره .
الخلاصة ليس لهذا الحديث سند في كتب الامامية وقد روي مسندا في كتب السنة ولكن لم يثبت له عندهم سند صحيح
3- وقفة مع متن الحديث :
وان كان الحديث ليس له سند صحيح لكنه يكاد ان يكون مستفيضا في كتب الحديث والتاريخ ولذا انقل لكم مواقف وآراء بعض علماء الامامية حول متنه :
أ- الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه دراسات في نهج البلاغة ص125قال : فقوله عليه السلام ( انه لابد للناس من إمام . . ) تقرير لهذه الضرورة ، التي يفرضها واقع الاجتماع الانساني ، ولا معدى عنها بحال من الأحوال ، ولئن كانت إمرة الامام الفاجر - حين لا يوجد العادل - شرا - ، فهي على ما فيها من شر خير من الفوضى التي تمزق أواصر الاجتماع . وغير خفي ان الامام لم يقصد في كلمته الآنفة إلى بيان طبيعة الحكم الاسلامي ، وإنما قصد فيها إلى بيان ضرورة الحكم في قبال دعوى الخوارج الفوضويين .
ب- الشيخ محمد السند في كتاب الإمامة الإلهية ج1 ص187 : لا يتوهم انه حيث لابد للناس من أمير برّ أو فاجر تدار به رحى إدارة النظام الاجتماعي البشري وهذه اللابدية والضرورة العقلية التي نبه عليها علي ( عليه السلام ) في النهج تقتضي تنصيب الأمير على الناس بالذات بالأصالة من دون حديث النيابة عن المعصوم .
ووجه اندفاع التوهم : أن الضرورة العقلية تقتصي الزعيم ، أما شرائط كونه أمير برّ لا فاجر هو كون إمارته من تشريع الله تعالى وإذنه إذ الولاية لله تعالى الحق ، والإمارة تجري على يد الفرد البشري المخول منه تعالى في ذلك .
ويقول في ج1 ص233 أن الانسان مدني بطبعه ، ويعلم من ضرورة العقل انه لابد في كل اجتماع مدني من نظام وإدارة تقيم هذا الاجتماع وهو المشار اليه في قوله ( عليه السلام ) : لابد للناس من أمير بر أو فاجر
ولا يمكن الاستدلال به على وجوب طاعة الفاجر ومشروعية افعال يقول الشيخ السند - في بيان ذلك - في الامامة الالهية ج2-3 ص225 إنّ ضرورة الفعل وهو النظم لا تدلّ على مشروعية فاعلية الفاعل ، نظير السجّان الذي يسقي المحبوس لديه المشرف على الهلاك ماءً غصبياً لا يدلّ على إباحة الماء ; لأنّ شرب الماء للسجين المظلوم لا يوجب حسناً فاعلياً للفاعل ، بل يوجب سوءً في فاعلية الفاعل
ج- توضيح مهم للشيخ أحمد السلمان دام توفيقه في كتاب شبهات عقدية في نهج البلاغة : وقالوا : أن أميرالمؤمنين عليه السلام صرّح بما لا يحتمل التأويل بأنه لا يُشترط في الإمام العصمة ، بل لا يُشترط فيه حتى العدالة ، إذ أنه عليه السلام قال : لابد للناس من أميرالمؤمنين بَرًّ أو فاجر 
والجواب على هذا :
أولا : صاحب الإشكال خلط بين مفهوم الإمامة والإمارة ، فالذي يطلق عليه إمام هو صاحب الولاية العامّة على الناس ،أمّا الأمير فهوالذي ينصّب من قبل صاحب الولاية العامة ،والكلام في هذه الرواية حول الأمير وليس الإمام ،فهو الذي يمكن أن يكون برًّا أو فاجراً إلا أنه ليس بإمام الحقّ المنصب من الله جلَّ جلاله .
الثاني : لو سلّمنا جدلاً بالتطابق بين معنى الإمامة والإمارة فليس في هذا النص حجّة للخصم ؛ إذ أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام في هذا الكلام بصدد بيان بطلان ما يذهب إليه الخوارج ، فأول الكلام هو الآتي : ومن كلام له عليه السلام في الخوارج لما سمع قولهم : ((لا حُكْم إلا لله)) قال عليه السلام : كلمة حق يُراد بها باطل ، نعم إنه لا حكم إلا لله ، ولكن هؤلاء يقولون : لا إمرة إلا لله ، فإنه لابد للناس من أمير برَّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ، ويستمتع فيها الكافر، ويبلَّغ اللهُ فيها الأجل ، ويجمع به الفيء ، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل ، ويؤخذ به للضعيف من القوي ، حتى يستريح به بَرٌّ، ويُستراح من فاجر 
فالخوارج يدّعون أنه لا حكم إلالله عزَّوجل ، وأميرالمؤمنين عليه السلام ردّ عليهم بدليل وجداني ، وهو أنّ الناس يحتاجون في أمورهم الدنيا لأمير، سواء كان برًّا أم فاجراً ، فالكلام هنا حول ما تقتضيه الحاجة البشريّة ، سواء كانوا متشرّعة أم لم يكونوا كذلك ؛ لأن الإنسان مدني بطبعه أو بالضرورة ، ولازم المدنية أن يكون هناك نظام اجتماعي يرعاه أحد ،يكون في قمة الهرم ،سواء سُمّي حاكماً أو ملكاً أو رئيساً أو أميراً أو خليفة .
أي أنه عليه السلام يرد على الخوارج الذين يرفضون كل حاكم حتى لو كان صالحاً ، بأن حاجة الناس لحاكم وإن كان فاجراً لا تخفى على أحد ، فإن وجود حاكم فاجرخير من أن يكون الناس بلا حاكم بحيث تسود الفوضى ، وينعدم الأمن .
ولهذا قال العلامة البيهقي : لا تمتٌّع بالوجود للإنسان إلا عند المشاركة ، فالواحد لا يكفي صنعة مأكوله ومشروبه وملبوسه ، بل يحتاج أن يعمل كلّ لكلّ يتكافؤون فيه ، وذلك بتمدّن واجتماع على أخذ وإعطاء ، يفترض لأجله العدل الذي لا ينفكّ عن الاصطلاح والتواطؤ، فإن كلاً يرى ماله على غيره عدلاً ، وما لغيره عليه غيرعدل ، بل يحتاج إلى متميّزعن النّاس والاتباع كلَّهم بخواصّ يذعنون له بها ، فذلك معنى القول أميرالمؤمنين عليه السلام : لا بدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر، وهذا من مقتضى طبيعة الإنسان 
وهذا الأمرمشابه لما يحصل بين المسلمين والملاحدة ، إذ أنّ الحوارمعهم يبدأ من الصفر، وهو إثبات وجود الصانع للكون بالأدلة والبراهين،دون التطرّق إلى بيان صفاته أوحقيقته ، ثم تتدرج معه شيئاً فشيئاً كلما أقرّ لك بأمر.
فلا علاقة أصلاً بين هذا النص وبين ما يذهب إليه الشيعة من اشتراط عصمة الإمام من كل نقيصة ؛ لأن الإمام عليه السلام بيَّن حاجة الناس إلى حاكم يحكمهم ، بغض النظرعن صفات ذلك الحاكم ما هي ، فهذا أمر آخرلم يبيّنه الامام في كلامه .
علماً أنّ كتاب (نهج البلاغة) زاخر بالنصوص التي تثبت صراحة عصمة أميرالمؤمنين عليه السلام وغيره من أئمة المسلمين عليهم السلام ، ونكتفي هنا بإيراد نصّ واحد اعترف العام والخاص بدلالته .
قال عليه السلام : بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم ، وهم أزمَّة الحق ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، ورِدُوْهم وُرُود الهيم العطاش ، أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله ، إنه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلي منا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإن أكثرالحق فيما تنكرون ، واعذروا من لا حُجّة لكم عليه ، وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر، وأترك فيكم الثقل الأصغر؟ 
ودلالة هذا النص صريحة على عصمة الإمام عليه السلام وبقية أهل البيت عليه السلام ، لا سيما قوله : (( فأنزلهم بأحسن منازل القرآن))، أي أنهم ثقل للقرآن وعديله ، ولهذا قال ابن أبي الحديد المعتزلي تعقيباً على هذه العبارة : وقوله : (( فأنزلوهم منازل القرآن)) تحته سرعظيم ، وذلك أنه أمرالمكلفين بأن يٌجروا العترة في إجلالها ، وإعظامها ، والانقياد لها ، والطاعة لأوامرها مجرى القرآن .
فإن قلت : فهذا القول منه يشعر بأن العترة معصومة ، فما قول أصحابكم في ذلك ؟ قلت : نصَّ أبومحمد بن متويه رحمه الله تعالى في كتاب (الكفاية) على أن عليًّا عليه السلام معصوم ، وإن لم يكن واجب العصمة ، ولا العصمة شرط في الإمامة ، لكن أدلة النصوص قد دلّت على عصمته ، والقطع على باطنه ومغيبه ، وأن ذلك أمر اختصَّ هو به دون غيره من الصحابة ، والفرق ظاهر بين قولنا : (( زيد معصوم)) ، وبين قولنا : ((زيد واجب العصمة)) ؛لأنه إمام ، ومن شرط الإمام أن يكون معصوماً ، فالاعتبارالأول مذهبنا ، والاعتبارالثاني مذهب الإمامية


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ ليث الكربلائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/11/20



كتابة تعليق لموضوع : وقفة مع حديث (لابد للناس من أمير)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net