صفحة الكاتب : عزيز الخزرجي

أسفارٌ في أسرار الوجود ج4 – ح12
عزيز الخزرجي

عُشّاق ألأسفار: جُنيد بن مُحمّد بن جُنيد ألخزّاري ألقواريري ألبغدادي؛

بعد إجرائي لتحقيق مُفصّل لسيرة ألشيخ جُنيد لم يبق شكّ في كونه سُنّياً تابعاً لسفيان ألثوري و لأستاذه ألشّافعيّ و مُسالماً لأهل ألبيت(ع) في نفس آلوقت(1), له بصمات واضحة في نشأة ألتّصوّف ألأسلاميّ, و مقولات و مواقف شاخصة في ترسيم نهج ألصّوفيين, لعلاقته آلوديّة مع آلحاكم ألعباسي و آلتي عدّها آلبعض إشكاليّة لا تُليق و شأن أصحاب آلعلم و آلحقيقة و آلعرفان(2), و قبل آلدّخول في تفاصيل سيرته ننقل لكم موقفاً له دلالات كبيرة و عظيمة في بيان ألفرق في مراتب و درجات أهل آلأيمان و آلأسرار من آلعرفاء, بسبب ألقُرب أو آلبُعد عن ولاية أهل ألبيت(ع) ألذينَ جَعَلَ آلباري حُبّهم و مُوالتهم معياراً للفوز و آلنّجاة في آلدّارين.

 ذلك آلموقف حَدَثَ بين آلعارف ألمعروف بآلبهلول(3) تلميذ آلأمام ألصادق(ع) و بين آلجُّنيد ألبغدادي في قصّةٍ مشهورةٍ تجلّتْ فيها بوضوح مدى آلفرق في آلتقوى و آلطّهارة و آلأستقامة و آلعِلم بين أكبر و أشهر مَدْرَستين في آلتّأريخ ألأسلاميّ قاطبةً, كان يُحاول آلجُّنيد منْ خلالهما معاً؛ إتّخاذ مذهبٍ صوفيّ كحَلٍ وسط و كأنّه كان يُحاول بآلضّمن .. ألتّأسيس لمنهجٍ جديدٍ في آلفكر ألأسلامي كي لا يَخْسرَ آلرّبح ألدّنيوي من مدرسة ألخُلفاء و ألتّخلص من أذاها على آلأقل, و من آلجّانب ألآخر كسب آلضّمان ألآخروي من مدرسة أهل البيت(ع) لِعِلمهِ بحقّهم و مظلوميتهم و ذلك بِعَدم ألتّعرض لهم بسوء على آلأقل:

تفاصيل ألقصّة:

كان يُردُ إسم البهلول كثيراً على لسان تلامذة "ألجُنيد" أثناء حلقات ألدّرس ألّتي كانت تُقام في بغداد عاصمة ألخلافة ألعبّاسيّة ألجّديدة, حتّى سألهُم آلجُنيد يوماً:

[من بهلول هذا؟]

أجابهُ بعضهم:
[رجلٌ مجنون, ليس لهُ مكانٌ معلوم]

قال آلجُنيد بعد ما سمع آلكثير من عجائبه:
[إحضروا لي بهلولاً, فأنّ لي معه حديث!]

و بعد آلبحث عليه من قبل آلتلاميذ في كلّ مكان عثروا عليه في خارج ألمدينة, فقالوا لهُ:
[إنّ شيخنا يطلبك]

فقال بهلول:
[إنْ كان لشيخكم معي حاجة فليأتي هو إليّ]

فلمّا سمعَ آلجُنيد منْ تلامذته قول آلبهلول, قال:
[إنّ آلحقّ معهُ]

فذهب إليه بنفسه و من معهُ فرآهُ في وسط آلصّحراء واضعاً رأسهُ على حجرٍ و هو يتفكّرُ فيما حولهُ!

سلّم آلجُنيد و منْ مَعَهُ على بهلول, فردّ عليهم ألسّلام و نهضَ فجلسَ إلى جانب ألجّنيد, و لمّأ إستَقّر بهم ألمجلس, سألهُ آلبهلول:
[من أنتْ؟]

قال:
[أنا جُنيد ألبغدادي]

قال بهلول:
[و ما عَمَلُكَ؟]

أشارَ آلجُنيد بيدهِ إلى منْ مَعَهُ مُتفاخراً, و قال:
[عملي هو تربية و هداية ألبشر]

تَبَسّم بهلول و قال:
[إنْ كُنتَ كذلك .. فهل تَعرف آداب أكل آلطّعام؟]

قال آلجُنيد بكلّ ثقةٍ:
[نعم]
و إسْتأنَفَ كلامهُ قائلاً:
[أبدأُ بِذِكرِ آلله تعالى؛ آكلُ من أمامي؛ ألتَقِمُ آلطّعام قليلاً .. قليلاً؛ أضعُ آلطّعام على يَسارَ فمي؛ أمْضغهُ بهدوءٍ؛ لا أنظرُ إلى طعامَ آلآخرين؛ أحمدُ آلله على كلّ لقمةٍ من آلطّعام؛ أغسل يديّ قبل آلطّعام و بعدهُ]

نهضَ بهلول من آلأرض و قالَ:
[كيف تدّعي هداية آلناس يا شيخ و أنتَ لا تعلمُ آداب آلطّعام بعد؟]

فوجِأ آلجُنيد و صُدم بكلام ألبهلول, فقالَ لهُ أتباعهُ:
[يا شيخ إنّ هذا آلرّجل لمجنون كما قلنا لك]

لمْ يُصدّق ألجُنيد ذلكَ و قال:
[لا أعتقد إنّه مجنون, و حتّى لو كانَ كذلك .. فلا بُدّ من آلأستماع لما يقولُ]

فلما ذهبَ بهلول صاحَ بهِ آلجُنيد:
[إنّ لي مَعَكَ حاجّةٌ]

قالَ بهلولٌ:
[إنْ كُنتَ لا تعلم آداب آلطّعام! فهلْ تعرفُ آدابَ آلكلام؟]

قالَ آلجُّنيد:
[نعم أعرفُ ذلكَ]
و أضافَ:
[لا أتكَلّمُ إلّا بمقدار؛ لا أقول قولاً شططاً؛ إنْ حَدَّثْتُ آلنّاس حَدَّثْتَهم على قَدْرِ عُقولِهم؛ أدْعوا إلى آلله و رسوله]

لكن بهلول تركهُ و إستمرّ في طريقه .. فناداهُ مَنْ كانَ مع آلجُّنيد ثالثةً؛ أنْ إنْتَظرْ ليُتِمَّ آلشيخ حديثهُ!

إلتَفَتَ بهلول إلى آلجُنيد و قال:
[ظَهَرَ لي أنّك لا تعلمُ آدابَ آلطّعام و لا آدابَ آلكلام, فما تُريدُ منّي؟]

لمْ يكنْ يتوقّع آلجنيد و لا تلامذتهُ ذلك من آلبهلول, فقالوا للجُّنيد:
[أ رَأَيْت يا شيخ بأنّ هذا آلرّجل مجنونٌ, فما تنْتَظر من مجنونٍ أكثر منْ ذلك؟]

إنْتَهَرَهُم ألجّنيد و قال:
[إنْ كانَ مجنوناً فعلينا أنْ نستَمِعَ لِما يقول]
ثمّ تَبِعَ آلجّنيد بهلولاً ألّذي كان يُحاولُ آلأبتعادَ عنه كثيراً, فناداهُ آلجُّنيد و قال:
[إنّ لي معكَ حاجّة]

قال بهلول:
[ما جاجة منْ لا يعرفُ آداب طعامه و لا آدابَ كلامه معي؟]



فقالَ آلجُّنيد:
[أعلمُ شيئاً كثيراً]

قالَ بهلولٌ:
[إخبرني هل تعرف آدابَ آلنوم؟]

قال آلجُّنيد:
[نعم]

فقال بهلول:
[كيف تنام؟]

قالَ آلجُّنيد:
[أصلّي آلعشاء و من ثمّ آلدّعاء و أنام على جانبي آلأيمن مستقبلاً ألقبلة]

لكنّ بهلول إشمَئَزّ منه, و لم يرضى بجوابه و قال:
[إذن؛ لا تعرفُ آدابَ آلنّوم أيضاً!]

عندها حاول بعض تلامذة آلجُّنيد أنْ يُؤدّبَ بهلول و يوجعه ضرباً, لكنّ آلجُّنيد كانَ عاقلاً حليماً .. حال دون ذلك, ثمّ دنى و وقفَ خلف بهلول و أخذَ يترجّى منهُ قائلاً:
[أنا جُنيد ألبغدادي لا أعلمُ شيئاً, علّمني ما تعلم لما فيهِ رضا آلله تعالى]

وقفَ بهلول و تبسّم قليلاً .. ثمّ قال:
[كُنتَ تدّعي آلعلم فإبْتَعَدتُ عنكَ و لمّا أقرَرْتَ بجهلك فها أنا أعلّمك]

جلس بهلول على حجرٍ و دعا آلجُّنيد أن يجلس على حجرٍ آخر بجانبهِ, ثمّ قال:
[أمّا ما ذكرتَ يا جُنيد من آداب ألطّعامِ فكُلّهُ فرعٌ, و أمّا آلأصل في ذلك: هو أنْ يكون طعامعكَ منْ حلال, لأنّ لقمة آلحرام لا ينفعُ معها مئاتَ ما ذكرتَ من آلآداب و آلمُستَحبّات, و هي آلتي تُسَوّد ألقلب]

فَرِحَ آلجُّنيد بذلك كثيراً و قالَ:
[جزاك آلله عنّي خيراً]

و بعدها قال آلبهلول:
[أمّا آداب آلكلام؛ فأنّهُ لا بُدّ من طهارة قلبك و صفاء نيّتك و أنْ يكونَ غاية كلامكَ طلب رضا آلله لا منْ سواهُ و أنْ تجتنبَ لغو آلحديث لأنّهُ يجرّ إليكَ يومَ آلقيامة ألويلاتُ و آلثّبور و لا ينفعُ معهُ شيئ من آلآداب و آلعلوم]

نهض آلجُنيدُ منَ آلحجرِ و جَثا على رُكْبَتَيهِ أمامَ بهلول و كأنهُ غلامٌ و تلميذٌ بين يديهِ, و قال:
[إنّ ما علّمتني بهِ لمْ أكنْ سَمِعْتُهُ منْ أحدٍ قبلكَ]
ثُمّ وَضَعَ يَدَيهِ على صدرِهِ إجلالاَ و قال:
[أيّها آلعزيز؛ أخْبرني ما آداب آلنّوم؟]

قالَ بهلول:
[ما كُنتَ تَعْلَمَهُ في ذلك فهو فرع, و أصْل ألأصل فيه هو قبل أنْ تغفوا عليك أنْ تُفْرغ قلبكَ منْ حبّ آلدّنيا و آلحسد و آلبغض و آلعداء للمسلمين و أنْ تلهج بذكر آلله تعالى حتّى تنام عيناك]

ثم نهض بهلول من آلأرض فإنحنى الجُّنيد في آلأثناء على يديه ليُقبّلَهُما, ثمّ قال:
[لقدْ علّمْتَني آلحقّ, أرجو أنْ يُجزيكَ آلله عنّي خيراً يوم آلجزاء].

مَنْ هُو آلجُّنيد؟

هو آلجُّنيد بن محمّد, أبو آلقاسم ألخزّاز, كان والده يبيعُ ألزّجاج, لذلك لُقّبَ بآلقواريري, أصلهُ من نهاوند من إيران, مولده في بغداد لذلك لُقّبَ أيضاً بآلبغدادي يُعَدّ من أشهر عُرفاء ألمُسلمين.

قال عنه آلسّبكي(4): [هو سيّد آلطائفة, و مُقدّم آلجّماعة, و إمام أهل ألخرقة, و شيخ طريقة ألتّصوف, و عَلَمُ آلأولياء في زمانه و بهلول ألعارفين].

و قال عنهُ آلحافظ أبو نعيم: [ألمربي بفنون آلعلم, ألمؤيّد بعيون ألحلم, ألمُنوّر بخالص ألأيقان, ثابت ألأيمان, ألعالم بمودع ألكتاب, ألعامل بحلم آلخطاب, ألمُوافق فيه للبيان و آلصّواب].

كان آلجُنيد من أعلام ألتّصوف و آلمعرفة في عصره, و كان رأس ألخاصّة ألّذين كانوا في أعلى آلمعرفة, و هم أولياء الله, ألذين ليستْ لهم من المعرفة غايةٌ و لا نهاية, فآلمعروف و آلمأمول هو ما يستحق آلحياة و آلفناء, إذ يُفنى كلّ شيئ إلّا وجهه آلكريم ألباقي.

يقول عزيز ألسّيد جاسم: [و إذ يُدرك ألجُّنيد ألمعرفة على هذا آلنحو, من إتصاله ألنّسبيّ بآلمُطلق ألجَّليل, فأنّهُ لا يملك لمعرفته غير ألتّنافذ مع آلخوف و آلرّجاء و آلطلب و آلأشتياق, و آلورع و آلحزن و آلتّذلل, من مقامٍ إلى حالٍ, و منْ حالٍ إلى مقام, و كأنّ آلمقامات و آلأحول شيئٌ واحد](5).

يقول ألجُّنيد: [قيل فلان بآلله عارف, و فلان بآلله عالم, لمّا رأوهُ مُجلّاً هائباً, راهباً راجياً, طالباً مشتاقاً, و رعاً مُتّقياً و باكياً حزيناً, خاضعاً مُتذلّلاً, فلما ظهرتْ منهم هذه ألأخلاق عَرَفَ آلمُسلمون أنّهم بآلله أعْرف و أعْلم من عوام ألمسلمين, و كذلك وَصَفَهُم الله فقال: "إنّما يخشى اللهَ منْ عبادهِ ألعُلماء", و قال داود عليه السلام: "إلهي ما عَلِمَ مَنْ لَمْ يَخْشَكَ؟](6).

ألتّصوف في نظرِ ألجُّنيد:

 عبّر آلجُّنيد عن ألتّصوف بآلقول: [ما أخذنا آلتصوف عن آلقيل و آلقال, لكن عن آلجّوع, و ترك الدّنيا, و قطع ألمألوفات و آلمُستحسنات, لأنّ آلتّصوف هو؛ صفاء آلمعاملة مع آلله تعالى, و أصله ألتّعزّف عن ألدّنيا, كما قال حارثة(7): "عزِفتْ نفسي عن آلدّنيا, فأسهرتُ ليلي و أظمأتُ نهاري"](8), و يضيف بآلقول:

[إنّما آلتّصوف نعتٌ أقيم آلصبر فيه, فقال له أحد تلامذته: "يا سيدي؛ نعتٌ للعبد أم نعتٌ للحقّ؟", فقال: نعتٌ للحقّ حقيقة, و نعتٌ للعبد رسماً](9).

و يُقَيّد ألجُّنيد ألتّصوف في دعوتهِ؛ بآلعبوديّة ألمُطلقة لله, عبر ثورة صامتة, حيث يقول:

[إنك لن تكون له(لله) على آلحقيقة عبداً, و شيئ ممّا دونهُ لك مسترقٌ, و إنّك لن تصل إلى صريح آلحريّة, و عليك من حقيقة عبوديته بقيّة, فإذا كنتَ له وحدهُ عبداً؛ كنتَ ممّا دونهُ حُرّاً](10).

و بذلك يرى الجُّنيد بأنّ آلحرّيّة و آلأنعتاق من أسرِ آلشّهوات و آلمادّيات شرطٌ أساسيٌ للعارف ألمُتصوّف ألمُدّعي لعشق الله تعالى و آلفناء في حضرته, إنّ آلتّنازل عن آلحرّيّة, كرهاً أو طوعاً .. بكلّ صُوَرِهِ ألسّياسيّة و آلطّبقيّة و آلأقتصاديّة و آلثقافيّة؛ يُلغي شرط ألحريّة ألأنسانيّة بإعتباره ألمُعطى آلألهي ألأسمى, و يُغلق باب تحقيق ألعبوديّة لله تعالى.

فآلعارف ألحقيقي هو آلعاشق ألذي لا يأسرهُ شيئ خارج طريق الله, بما في ذلك ذات آلعارف نفسه, لكونه آخر عقبة كَأداء أمامَ آلعارف للعبور و آلتحرر من أسر آلنفس و آلمتعلقات ألمادّيّة لنيل الحكمة, لأنّ آلتّحرّر من آلقيود ألماديّة و آلتّخفيف من ثقل ألحاجات ألجسديّة و آلشّهوات و آلرّغبات؛ يُوفّر للرّوح ألأنسانيّة قُدراتٍ أوسع للتّحليق في فضاء آلمعرفة وصولاً لسرّ آلأسرار أو(ألسّر ألأعظم).

ثم يُعرّف ألجُّنيد؛ ألعارف بآلقول حين سُئل:

[مَنْ آلعارف؟]

قال:

[منْ لَمْ يأسرهُ لحظهُ و لا لفظهُ](11).

و لعلّه إختصرَ معنى آلحكمة بقولٍ حكيم حسب رأي آلبعض, حين سُئِلَ:

[بِمَ تأمرُ آلحكمة؟]

قال:

[تأمرُ آلحكمةُ بكلّ ما يُحمدُ في آلبّاقي أثرهُ, و يَطيبُ عند جُملة آلنّاس خبرهُ, و يُؤَمّن في آلعواقب ضررهُ](12).

و قيل لهُ:

[ما آلعارف؟]

قال:

[من نطق عن سِرّك و أنتَ ساكت].

لقد أخضع آلجُّنيد ألمعرفة للحكمة, متجنّباً ألبلاء و آلتهلكة, و كان آلحلّاج يفهم ما يدور في قلب الجُّنيد .. على ما هو عليه من تعارض مع موقفه ألظّاهر, و ربّما إعتبر آلحلّاج ذلك نوعاً من آلغموض ألّذي يفترض أنْ يتنزّه عنهُ أهل ألعرفان و آلتّصوف, لهذا هَجَرَهُ و لم يلتق به حين إتّهَمَهُ بِحُبّ ألظّهور.

إنّ نزعة ألجّمع بين آلحقيقة و آلشّريعة و بين آلخط ألحاكم ألظّالم و آلخط ألمحكوم ألمظلوم؛ نَفَعَتْهُ لئن يكونَ قائداً بارزاً لمتصوّفة بغداد و آلعالم آلأسلاميّ, حيث كثر فيه أتباعهُ و مُريديه, في عصر آلأضطرابات ألطائفية و المذهبيّة و آلمُنازعات ألسّياسيّة بين آلفرق ألمختلفة, و كان زمن ألمتوكل ألعبّاسيّ يشهد نهاية ألخلافات ألمريرة حول خلق ألقرآن على يد آلخليفة نفسهُ(13).

و آلحملة على آلمتصوفة بلغتْ آلشدّة أيضاً في وقتها, غير إنّ علاقات الجُّنيد ألطيّبة مع آلسّلطان ألحاكم أسهمتْ في إيقاف تلك آلحملة, فأصبَحَ محبوباً لدى الأوساط ألشّعبيّة و آلرّسميّة أيضاً, و بذلك كان الجُّنيد سبَبَاً في تهدئة ألفتنة و آلأحتجاجات ألشعبية ضدّ آلعباسيين في نفس ألوقت, و تمكّن من تحقيق ظروفاً مُلائمة بطريقتهِ ألمُعتدلة لحركة ألتّصوف في بغداد ألّتي أصبحت مركز ألتّصوف في آلعالم ألأسلاميّ.

وحدة ألشّهود و وحدةِ آلوجود في نظرِ ألجُّنيد:

آمن آلجُّنيد بوحدة ألشهود, و إستنكر وحدة ألوجود(14), فهو يقول:

[متى يتّصل منْ لا شبيه لهُ و لا نظير لهُ بِمَنْ لهُ شبيهٌ و نظير؟ هيهات! هذا ظنٌّ عجيبٌ, إلّا بِما لطّفَ آلّلطف منْ حيث لا دَرَكَ و لا وهْمَ و لا إحاطةَ إلّا إشارة آليقين و تحقيق ألأيمان](15).

و هكذا نلمس من هذه ألعبارة إستنكار ألجُّنيد لفكرةِ ألأتحاد بآلله تعالى أو آلحلول فيهِ كما كان يعتقد بذلك آلحلّاج.

 [كما لم يعتقد تماماً .. حتّى بوحدة آلوجود](16).

كما عابَ آلجُّنيد على آلّذين أظهروا آلمواجد, و عدّهُ إفشاءاً لأسراِر ألمذهب ألصّوفي؛

[فـإظهار ألمواجد من آلأمور ألتي عابها آلجُّنيد على آلصّوفية و عدّها من علامات ضعف ألرّوحانيّة, كما حدث للحلّاج فقتلهُ آلفقهاء بتهمة ألكفر و آلزندقة](17).

تجدُر ألأشارة و كما تطرقنا في سيرة منصور ألحلّاج في آلحلقة قبل آلسّابقة, إلى أنّ إعتقاد ألحلّاج بكشف بعض آلرّموز و آلبيانات للنّاس و إنْ كانتْ مكلف - من شأنه تقوية عقائد آلناس و دفعهم نحو آلمعرفة و آلهداية و آلأيمان بآلله, و إلّا فلا فائدة تُرجى من آلتّصوف و آلعرفان مهما بلغ صاحبه من آلمراتب و آلدّرجات ألعالية إذا لم تكن دعوته في خدمة ألآخرين لتحقيق ألأنسجام و آلسّعادة و بآلتالي ألكمال بين بني آلبشر, بل ستكون آلأسرار و آلمعالم في حالة نيلها؛ بعيداً عن ألمعالدلة ألتي أشرنا لها, و تبقى حَبِيسَةَ نُفوسِ أصحابها, و خير آلنّاس منْ نَفَعَ آلنّاس و هداهم للأيمان و حَقّقَ ألغاية من آلوجود في وجودهم, بل إعتبر آلحلّاج ألمُدّعين ألّذين لا يكشفون آلحقّ و ما توصّلوا إليه من آلكرامات للنّاس إمّا بخلاءاً أو كاذبون, و لعلّ آلبُخل في مذهب آلعارفين لا يقلّ دِناءةً و إنحرافاً عن آلكذب, لأنّ آلكافرٌ ألسّخيّ خيرٌ من آلمؤمن ألبخيل, كما ورد في آلرّواية.

و يعتقد بعض المُتَطلّعين بأنّ هدوء آلجُّنيد عند آلسّماع – أحياناً – كان هدوءاً ظاهريّاً .. إنسجاماً مع وقار وضعه, و دعوته إلى آلتوفيق بين آلتّصوف و آلأصول ألتقليديّة ألشّرعية ألسائدة, فحين كان يُسأل عن سبب ذلك؛ كان يستوحي جوابهُ من آلآية ألقرآنية:

[ترى آلجّبال تحسبها جامدةً و هي تمرّ مرّ آلسّحاب, صنع الله ألذي أتقن كلّ شيئ](18).

ما يفهمه آلسّامع من هذا آلجواب, هو:

لومهُ ألمُبَطّن للسّائل, و إشارته – أيّ ألجُّنيد - إلى عظمةِ نفسهِ, و قدرتها و مكانتها في آلوجود؛ لأيمانه ألعميق و إتصالاتهِ ألسّريّة و غيرها, أيّ ما أراد قوله بعبارة أفصح:

"أنّكم أيّها آلناس تنظرون إلى سكون جوارحي و هدوء ظاهري, و لا تدرون من أنا بقلبي!"

فما فائدة أن يكون آلأنسان من يكون, من دون أن يفيد آلآخرون بشيئ, أو يشعر بمآسيهم و محنهم على آلأقل(19)؟

لعلّ أسباب هذا آلمنحى ألأعتقادي هو سبب نظرتهِ للوجود من آلأصل, فوحدة ألشّهود - لدى آلجُّنيد – تختلفُ عن وحدة آلوجود لدى "مُحيي آلدّين بن عربي" ألمُلقّب بـ "آلشيخ ألأكبر" أو ألسهروردي ألشهيد أو غيرهم من آلأشراقيّين, فوحدة آلوجود؛ قائمة على  آلعلم و آلأعتقاد و آلتّنظير, أمّا وحدة آلشّهود فهي حالٌ, و ليس علماً و لا إعتقاداً, و لا تخضع لوصفٍ و لا تفسيرٍ, و هي أخصّ مظهرٍ عرفانيّ من مظاهر ألحياة ألصّوفيّة.

 و وحدة ألشهود هي آلحال ألتي يُسميّها صوفيّة ألأسلام بآلفناء و عين آلتوحيد .. كآلشيخ ألعطار ألنيشابوري و أبو سعيد أبو آلخير و أبو هاشم آلزاهد و آلحلّاج(19).

أجمل ما كان يُردّده آلجُّنيد دائماً:

كثيراً ما كان ينشد ألأبيات ألتّالية:

قدْ كانَ لي مَشربٌ يَصفُو برؤيتكم .. فكدّرتُــهُ يدُ آلأيّــأم حينَ صـفا

و كذلك:

تَحَمّلْ عظيمَ آلجُّرم مِـمَّنْ تُحبّـهُ .. و إنْ كُنتَ مَظلوماً فَقُل أنا ظـالمُ

و كذلك ما ذكره أبو نعيم ألاصفهاني:

أُناس أمَنّـاهــم فَنـَمّوا حـديــثــنــا .. فلمّا كتمْنا آلسّر عنهم تقوّلـُــــوا
و لمْ يَحْفِظُوا آلودّ آلّذي كانَ بيننا .. و لا حينَ همّوا بآلقطيعةِ أجْمَلوا

لقد إختلط معنى آلحبّ في نفس جُنيد ألتي جمعتْ؛ ألحبّ آلألهي و آلأنساني و حبّ مدينة بغداد و حبّ آلأصحاب و آلأشياء, فكانت له أيّأم ألأنس و آلفرح و آلصّفو و السعادات ألبشريّة.
 

ألسّيرة ألعلميّة للجُّنيد:

يرجع عِلْم ألجُّنيد إلى طفولته ألذّكيّة, ألحسّاسة, ألمُدهشة, و منذُ ذلك آلحين بدأ يُؤسّس في وجوده أسرار ألشريعة و آلتصوف خطوة خطوة و هو في حضرة بيت ألصّوفي ألمعروف خال الجُّنيد"سرّي ألسقطي".

يقول الجّنيد:

[كنتُ بين يَدَيّ "سرّي ألسّقطي" و أنا إبن سبع سنين, و بين يَدَيّ جماعة يتكلَّمون في آلشّكر]

فقال لي:

[يا غلام مآ آلشكر؟]

فقلتُ:

[ألّا تُعصي الله بنعمة].

فقالَ لي:

[أخشى أنْ يكون حظّكَ من آلله لسانك!]

قال الجُّنيد:

[فلا أزال أبكي على هذه ألكلمة ألّتي قالها آلسرّي لي](20).

سُئل الجُّنيد؛

[مِمّنْ إسْتَفَدتَ هذا آلعِلمْ؟]

قال:

[من جُلوسي بين يَدَيّ الله ثلاثينَ سَنة تحت تلك آلدّرجة], و أومأ إلى درجة داره(21).

يقول إين ألأثير في بيان حال ألجُّنيد و مُجاهداته ألعلميّة ألشّاقة:

[مكثَ أربعين سنة لا يأوي إلى فراشٍ, ففتحَ عليه من آلعِلم ألنّافع و آلعمل ألصّالح؛ بأمورٍ لم تحصل لغيره في زمانه, و كان يَعرف سائر فنون ألعِلم, و إذا أخَذَ فيها لم يكُنْ لهُ فيها وقفةٌ و لا كبوةٌ](22).

و يُضيف قائلاً:

[أنّ آلجُّنيد كانَ على مذهب "سُفيان ألثوري" وطريقهُ و الله آلأعلم](23).

و يُعَرّف الجُّنيد نفسهُ, بآلقول: [ألناس ينسبونني إلى"سريّ السقطي" و كان إستاذي محمد آلقصاب(ت275هـ)](24).

و أخذ آلجُّنيد "شيخ ألطائفتين"(25) ألحديث من آلحُسين بن عرفة(26), أمّا آلمعارف ألصّوفيّة فأخذها من آلشيوخ و آلأقطاب ألكبار, مُرَجّعَاً علومَهُ و أفكارهُ إلى "ألعِلْمِ ألّلدُني" بحسب مُصْطَلحاتِ ألصّوفيين, كما تابع مُعظم سِيَر ألصّوفيّة من أمثال" بُشر ألحافي"(27) ألذي أرجأ آلتّصوف أو "عِلِمِ ألباطن" أو "ألعِلْم ألّلدني" إلى آلخضر(ع), و ذلك لاعتقاده أنّه ما زال حيّاً.

يقول آلجُّنيد: [رضوان الله على أمير ألمؤمنين عليّ(ع), لولا أنّهُ إشتغل بآلحروب و واجه آلفتن لأفادنا من عِلْمنا هذا معاني كثيرة؛؛ ذاك إمرؤٌ أُعطي ألعِلْم ألّلدني, و آلعِلْم ألّلدني خُصّ به آلخضر, قال تعالى: "و علّمناهُ من لدّنا علماً"(28)](29).

قال آلكعبي عن الجُّنيد: [رأيتُ ببغداد شيخاً يُقال لهُ آلجُّنيد, ما رأتْ عيني مِثلهُ, كان آلكتبة يحضورنهُ لألفاظه, و آلفلاسفة لدقّة كلامه, و آلشّعراء لفصاحتهِ, و آلمُتكلمون لمعانيه, و كلامه ناءٍ عنْ فَهمِهم](30).

و مِمّا يُؤكد ما أوردناهُ في آلمقدمة من ضعف ألولاية في عقيدة ألجُّنيد و ضياع هذا آلأصل ألأهمّ في مُعتقدهِ – أو عدمْ تأصّله كاملاً في وجوده بتعبير أدقّ - رغم إعترافه بفضل ألأمام عليّ(ع) و تَفَرّده من بين ألصّحابة بآلعلوم و مكانته عموماً في آلأسلام - هو آلحِوار ألّذي أجراهُ معهُ "عبد الله بن سعيد بن كلاب" حين سألهُ عن حقيقة مذهبهِ, و كان في معرض تصنيف كتابه ألّذي ناقَشَ فيه ألمذاهب ألمُختلفة .. قال آلجُّنيد:
[مذهبنا إفرادُ ألقِدَم عن ألحَدَثِ, و هِجْران آلأخوان, و نسيان ما يَكونُ و ما كان]

فقال إبن كلاب:

[هذا كلامٌ لا يُمْكنُ فيهِ ألمُناظرة]

ثم سألهُ عن آلتّوحيد, فأجابهُ بعبارة مُشتملة على آلمعارف, ثمّ قال:

[أعِدْ عليّ .. لا بتلك آلعبارة]

ثمّ إستعادهُ آلثالثة, فأعادهُ بعبارة أخرى, فقال:

[أملِهُ عليّ]

فقال آلجُّنيد:

[لو كنتُ أُجَرّدهُ ما كُنتُ أمليه]

فأعترف إبن كلاب بفضله(31).

أمّا مأخذنا عليه فهو من عين جَوابه لـ "أبن كلاب" بآلقول في بداية المناظرة:

[مذهبنا إفراد ألقِدَم عن ألحدث, و هجران ألأخوان, و نسيان ما يكون و ما كان]

فلو إعتقدنا بأن الجُّنيد عنى بذلك ألفصل في آلعلاقة بين الله تعالى و آلخلق, ففي هذا كلامٌ  فلسفيّ يُنافي سلوك و معارف أشهر ألعارفين في آلتأريخ ألأسلامي, لكون ألخلق – خصوصاً ألأنسان ألكامل – مظهراً لتجلّي آلله تعالى في هذا آلوجود, و هذا يتوضّح لنا بشكل جليّ من خلال ألمقولة ألمعروفة و آلمشهورة .. حتّى بين آلعوام و آلتي وردت في حديث قدسيّ يقول فيه الله تعالى لرسوله الكريم:

[كنتُ كنزاً مخفيّاً فخلقتُ آلخلق لكي أُعْرف]

أو قوله تعالى في حديثٍ قدسيّ آخر:
[عبدي أطعني تكنْ مَثَلي تقولَ للشيئ كُنْ فيكون]

كما أنّ خلق ألكون يُدلّل على عظمة ألخالق, و خلق ألأنسان يدلّ على كمال آلخالق, و قد أشرنا في مباحث سابقة إلى مسألة ألجانب ألكمالي في خلق ألأنسان و هل إنّ الله تعالى كان بإمكانه خلق من هو أفضل من آلأنسان نفسه أم لا؟
بآلأضافة إلى طُرق نيل ألكمال و مواصفاتِ ألأنسان ألكامل!

و بهذا يكون ألجُّنيد قد أحدث شرخاً قوياً في آلعلاقة بين الله و آلعبد و دور ألولاية ألأيجابي في بلوغ ألكمال,  لعدم وضوح أسرار آلموضوع عنده كاملةً, فلدينا من آلأحاديث و حتى الآيات القرآنية ألعديد ألّذي يُوّضح أبعاد و مواصفات تلك آلعلاقة التي وصفها الله تعالى في بعض آياته بأنه تعالى أقرب إلينا من حبل ألوريد(...إنّهُ أقربُ إليكم من حبل ألوريد)(32), بحيث لا يتمكن الأنسان مهما تَفنّنْ من آلاتيان بعبارة للقرب اقوى منْ ذلك!

أمّا قوله:

[هجران ألأخوان!؟]

فلا حاجة للتّعليق عليه, لأنّها إبتداءاً تُخالفُ أصل آلأصول ألأخلاقية في عقيدة ألأسلام ألّتي تحثّ على آلتّزاور و آلتوادد و قضاء حاجات ألمؤمنين حتّى يكونوا كمثل ألجّسد ألواحد إذا إشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر آلجّسد بآلسّهر و آلحمى, كما وَرَدَ عن آلرّسول(ص) في حديث مُتواتر! بل مسألة ألثواب و آلعقاب يُحدّدها مدى آلخدمة و آلعمل ألصّالح ألذي يُقدّمهُ آلأنسان للمجتمع طبقاً لشرع  آلله تعالى ألّذي حدّده آلقرآن و أهل ألبيت(ع).

و أخيراً قولهُ:

[نسيان ما يكون و ما كان!؟]

فهذه نقطة آلفصل و آلوصل في عقدة ألسّاعي الى الله تعالى, فكيف يُمكن للأنسان و هو ألمُقوّض .. ألمُكبّل بآلذّنوب و آلمُنكرات و سوء ألظّن و آلفسق و عبادة آلنفس و إختلاف آلأمّة؛ أن يَجِدَ سبيلهُ للوصول إلى رضا الله تعالى من دون وجود آلولاية و بآلذات حبّ و ولاية أهل ألبيت(ع) كبوصلة للحقّ في وجوده, و لنا في تجربة ألمسلمين بعد رحلة ألرّسول(ص) و ما جرى للأمة آلأسلاميّة .. أكبر دليل على أهميّة هذا آلأعتقاد ألّذي أكدّهُ آلباري تعالى في آلقرآن و آلرّسول الأمين محمد(ص) نفسهُ في وصيّته حين جعل رضا و مُوالاة أهل بيته (ذوي آلقربى) مِعْياراً للفوز بآلجّنة .. أو مُعاداتهم و بغضهم لا سامح الله معياراً لدخول آلنار.

فأنْ كانَ قَصَدَ مسألة ألخلافة من بعد ألرّسول(ص) فلعمري هذا هو آلأجحاف بحقّ ألسُّنة و أهل البيت(ع) ألذين جعلهم الله تعالى أولياء للنّاس في مُحكم كتابه ألمُبين(33).

 و إنْ كان قَصَدَ بها ألذّنوب, فلا يُوجود نصّ على ذلك, بل بآلعكس تَذَكّر ألذّنب و طلب ألعفو و آلأستغفار للأستعبار؛ فضيلة و منطلق نحو آلصّلاح و آلهداية و آلعمل ألصّالح, و إنْ كان قصد بها آلحَسنات؛ فهي آلأخرى لا عُمق و لا دراية فيها, كون تذّكر آلحَسنات مبعث للفرح و آلسعادة و آلأستِزادة في عمل ألخير, و وجود آلأنسان كدافع للأتيان بآلمزيد منها و تكرارها, و لا أعتقد إشْتِمالها على نقاط عرفانيّة عميقة لوضوحها على أيّة حال.

و لذلك فإنّ آلجُّنيد يكون قد جَنى على نفسه من حيث يعلم أو لا يعلم؛ بهذا آلفصل ألأختياري ألمُجحف بين ولاية الله عن طريق آلنفس ألأمارة بآلسّوء بحسب تعريف القرآن .. و بين و لاية الله تعالى عن طريق من خصّهم بآلولاية, و للتأريخ نقول:

 و من آلصعب إلقاء آللوم على جُنيد وحدهُ على هذا آلخلط ألعقائدي ألّذي يُسَمّيه آلبعض بـ "آلشّطحات", بل كان أستاذه "سري ألسّقطي" و "أبي ثور" - ألّلذين كانا من آلنّواصب و من آلمرّوجين لخلافة بني آلعباس – هُما آلسّبب في زرع تلك آلأفكار في عقله منذ صباه, و لعلّ سبب كرهه آلشّديد للحديث و للرّواة .. كما بيّن ذلك دراسة ألدكتور محمد جلال شرف يعود إلى ذلك آلخلط ألذي أصاب آلجُّنيد و أصاب أساتذته من قبل(34).

و آلمُفارقة آلكُبرى ألّتي لم أجد لها تحليلاً مُقنعاً في سيرته .. سوى آلقول بوجود ألتّناقض و حالة من آلنفاق في شخصية ألجُّنيد, هو: تضارب آلسّيرة ألعمليّة للجُّنيد مع بعض مقولاته بشكلٍ فاضح؛ ففي آلوقت ألّذي يقول:

[ألطريق إلى الله مسدود على خلق الله عزّ وجلّ, إلّا على آلمُقتفّين آثار رسول الله و آلتّابعين لسنّته كما قال عزّ وجلّ: (لقد كان لكم  في رسول الله إسوة حسنة)](35).

فأننا نتساءَل:
[هل كان آلخلفاء ألعباسيين إسوةٌ حسنةٌ.. و هم آلذين إرتكبوا آلمحارم و آلمعاصي و قتل ألنّفس ألبريئة؟]

و لهذا آلسّبب رأينا آلفرق ألكبير بين عِلمَ و تَقوى و عَقيدةَ "ألبهلول" ألّذي كانَ مُتمسّكاً بولاية أهل ألبيت(ع) و تابعاً لأمام زمانه ألأمام ألصّادق(ع)(36) و بين الجُّنيد ألذي كان قطباً سائباً يتململُ بين آلحقّ و آلباطل حين إعترف بجهله أمام علم البهلول؛ بين مدرسة آلخلفاء و مدرسة أهل البيت(ع)؛ بين آلخليفة(ألأمام) آلكاذب و بين آلأمام ألصّادق, و قد تجلّى هذا آلفرق كما بيّناهُ من خلال ألمُحاورة ألتي جَرَتْ في مُقدّمة هذا آلبحث بين "آلجُّنيد" و "ألبهلول" نرجو آلأنتباه لها بدّقّة.

و لعلّ هذا آلخلط ألعقائدي هو مرضْ مرض أكثر ألمسلمين, خصوصاً من آلمُدّعين في هذا آلعصر حين خلطوا آلحقّ مع آلباطل, و آلحال أنّهُم يتجاهلون أو يجهلون ما جرى في تأريخنا ألمؤدلج, و أنّهُ لا تجتمع أبداً رايتان للحقّ في آن.

و من آلمُوآخذات ألهامّة ألأخرى في سيرة ألجُّنيد ألبغدادي بسبب نهجه ألذي وضّحناهُ آنفاً؛ أنّهُ واجه آلكثير من آلمُعاناة و آلشّطحات حين أراد آلتّوفيق عاجزاً بين آلحقيقة و آلشّريعة و علم ألباطن و علم ألظاهر, و على صعيد ألعلاقات ألأجتماعيّة و آلرّسميّة, فلا أحد يستطيع أن يتوافق مع إتّجاه واحد يجمع آلحقّ و آلباطل, و هذا ما إدّعاه الجُّنيد مُحاولاً ألظّهور و إدّعاء ألحكمة و آلعرفان و آلتّفرد بآلرأي دون مُنازع .. خصوصاً في مُحاولتهِ ألتّوفيق بين آلخليفة ألظّالم  ألغصب و بين أهل الأيمان ألمرتبطين بولاية آلأئمة ألأثني عشر(ع), فقد كان للجُّنيد علاقات حسنة و وديّة مع آلقضاة و مع آلخليفة نفسهُ بلْ كان والده بمثابة ألمسؤول على إدارة شؤون قصر ألخلافة, و كان يُعتبر سنداً للخلافة ألعباسيّة, حين كان يحولُ دون تظاهر ألنّاس ضدّ(ألخليفة) ألّذي كانَ يقتل و يسفك آلدّماء و يرتكب ألمعاصي!

و لعلّ هذه ألمواقف ألشّائنة للجُّنيد .. جعلتْ ألعارف منصور ألحلّاج مُخالفاً لنهجهِ منذ آلبداية, حيث عارضهُ آلحلّاج بسبب مواقفه و إختلاط الحبّ في وجوده .. حتّى غادر بغداد و هجرها مُتألّماً بسبب سطوة ألجُنيد على آلشارع ألبغدادي و طريقة تصّوفهِ أنذاك للأسباب ألّتي فصّلناها(37).

أشهر مقولاته:

[ألمروءة إمتحان زلل آلأخوان]
[إنْ بدتْ عينٌ من آلكرم ألحقتْ ألمُسئ بآلمحسن]
[لا تسكن إلى نفسك, و إنْ دامت طاعتها لك في طاعة ربّك]
[أكثر آلنّاس علماً بآلآفات, أكثرهم آفات]
[ألعبادة على آلعارفين أحسن من آلتيجان على رؤوس ألمُلوك]

أيّها آلقُرّاء ألأفاضل:

لقد عرضنا عليكم في آلقسم ألأخير من هذا آلجزء سيرة بعض ألعرفاء مع آلتّحليل ألدّقيق؛ خصوصاً لسيرة ألشيخ جُنيد ألبغدادي كما لاحظتم .. كحقائق بيّنة, و وقفنا على مدى أهميّة و دور ألولاية في سيرة و سلوك ألمهاجر إلى آلله, لتكون تلك آلتجارب ألكبيرة لعُشّاق ألأسفار مؤشرات عمليّة و اضحة لّلذين عَزَموا و تهيئوا للأسفار للتّخلص من آلرّوتين ألقاتل و آلشكليات ألّتي أصبحتْ طابع معظم آلناس في هذا آلعصر بسبب آلتحجر و آلأنغلاق و آلجهل ألفكري و آلمعرفي, و إعلموا أيّها آلأعزاء إذا لم يكن زادكم في آلأسفار حُبّ آلوصيّ ألأمام عليّ(ع) و أهل بيته ألطاهرين ألمظلومين كأساس؛ فأنكم حتّى لو بلغتم درجة آلجُّنيد في آلتّصوف كما بيّننا فأنها سوف لن تنفعكم و ستواجهون أنواع المحن و آلبلايا, و لن تحْصلوا على أسرار ألوجود و قد تسقطون في أول إمتحان تُواجهونه في أسفاركم, لكون هذا الطريق ليس ككل آلطرق .. ففيه آلصّعاب و آلمآسي و آلأبتلاآت ألمُختلفة في آلأنفس و آلنّقص في آلثّمرات و آلأموال و لا حولَ و لا قوّة إلّا بآلله ألعليّ ألعظيم. 
عزيز ألخزرجي
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من آلمعروف أنّ في أهل السّنة مذاهب عديدة أشهرها؛ الشافعي و الحنبلي و المالكي و الحنفي, و كان هؤلاء الأئمة مُجرّد تلامذه عند أئمة الشيعة أو تلامذه عند تلامذه آلأئمة المعصومين ألأثني عشر(ع), و لم يدّعوا – أيّ أئمة المذاهب ألسّنيّة أبَداً - إمامتهم للمذاهب ألآنفة ليتسنّى تقليدهم بلّ لم يذكروا شيئاً بإسم المذهب أو وجوب تقليدهم, كلّ ما قاموا به هو إنّهم تعلّموا أصول آلدين و الفقه و آلتفسير من أهل البيت(ع) خصوصاً ألأمام الصادق(ع) كما جمعوا آلأحاديث و آلرّوايات من مختلف ألرّواة و المصادر كمؤرخين لا أكثر, لكنّ آلسلطات ألعباسيّة  سخّرتهم و إستمالتهم و وفّرتْ لهم الأمكانات بعد ما رأتْ ألتجافي منهم بعض آلشيئ لأساتذتهم لدعم سلطانهم,  فأستخدمتهم كتيّار يُمَثّلون آلسّلطة ألدّينية ألتّشريعية داخل ألخلافة  كندٍ لخطّ أهل ألبيت(ع) ألّذين عارضوا آلتيار آلحاكم بإعتبار آلعباسيين غاصبين للخلافة كآلأمويين, و آلجّدير بآلذّكر إنّ آلشيخ "أحمد بن حنبل" على سبيل ألمثال لم يُؤيّد تماماً سياسة ألعباسيين حتّى إنّه إمتَنَعَ ألتّصدي  لمنصب ألقضاء أيّام الخلافة العباسية, و أُودع في آلسّجن و عُذّب لفترة معيّنة ثم أطلق سراحهُ بعد وساطة ولده صالح بن أحمد بن حنبل لدى آلخليفة ألعبّاسي, حيث كان أحد أركان ألسّلطة ألعباسية أنذاك و قاضياً لمدينة إصفهان و آلجّدير بآلذكر أيضاً؛ أنّ منْ أسموهم فيما بعد بأئمة ألمذاهب ألسّنية لم يكونوا على وفاق تامّ مع آلنهج ألعبّاسي في آلحكم كما لم يكونوا مع نهج أهل ألبيت(ع) تماماً – بمعنى لم يكونوا أصحاب مشروع تغيري في آلأمّة, و لعلّ هذا آلخلط هو آلذي أدّى إلى آلترويج و آلدّعاية لهم و إحتضانهم من قبل ألسّلطات ألعباسيّة بعد ما تفرّدوا ببعض ألآراء ألشّاذه في آلفقه و آلأمامة و طريقة إستنباط آلأحكام الشرعية مخالفين بذلك نهج أهل ألبيت(ع) .. لذلك إستغلّ آلحكام ألعباسيّون موقفهم هذا بعد ما إطمئنوا على إنقطاعهم - أي الأئمة الأربعة – عن أمام عصرهم و إبتعادهم عن خطّ و ولاية أهل البيت(ع) ليصبحوا بمرور آلزمن مذاهب إسلاميّة يُقلّدهم أبناء آلسّنة ألّذين يجهلون حقيقة هذا التأريخ و خفاياه و جذوره.
و آلجدير بآلذكر أنّ آلشافعيّ كان من مُحبيّ أهل البيت(ع) ممّا أثّر هذا المنحى و آلسلوك في شخصيّة تلميذه جنيد ألبغدادي, حيث قال آلشّافعي شعراً عظيماً بحقّ آلأمام عليّ(ع) لم يستطع ألتّفوه به حتّى عُلماء آلشيعة أنفسهم, حين قال في معرض تعليقه على هدم آلأصنام في آلكعبة من قبل آلأمام علي(ع) و آلرّسول آلأمين(ص) مُؤلهاً فيه ألأمام عليّ(ع) و هو يصف موضع قدمه ألمُبارك حين وضعه على كتف الرسول(ص) لهدم آخر صنم لم تكن أياديهم ألمباركة تصل إليه قائلاً:
ماذا أقولُ لمنْ خطّتْ لهُ قدماه .. في موضعٍ وضع الرّحمن يَمْناهُ
إنْ قلتُ ذا بشرُ فآلعقل يمنعني .. و أختشي الله من قولي هو اللّـه
و يُعبّر الشافعي عن آلموضوع في قصيدة أخرى بآلقول:
[ياربّ بالقدم ألّتي أوطأتهـا من قاب قوســـين آلمحـلّ ألأعظــمُ....
وبحرمة ألقدم ألّتي جُعـلت لهـا كتفُ ألمُؤيـّدِ بِالرّســالة سـُــلّما....
ثبّتْ على متن آلصّراط تكرماً قدمي و كُن لي مُحسناً ومُكرّما....
وإجعلهما ذخري فمنْ كانا لهُ .. أَمِنَ آلعذابَ ولا يَخاف جهنّما....
أهل ألنّهى عجزوا عن وصف حيدرة و آلعارفون بمعنى كنهه تاهوا....
قيل إمْتَدِح لأمير ألنّحل .. قُلتُ لهم؛ مدحي و مدح ألورى من بعض معناه ....
ماذا أقول لِمَنْ حَطّتْ لهُ قدمٌ في موضعٍ وضَعَ آلرّحمنُ يمناه ....
إنْ قلتُ ذا بشرٌ؛ ألعقل يَمْنَعُني و أختشي الله من قولي هو الله....]
قال تلامذته بعد هذا: فمات آلشّافعي و ليس يدري أ عَليّ ربّه أم ربّه آلله.
(2) بِغَضّ ألنّظر على آلجانب ألعبادي و آلمقولات ألصّوفية للجُّنيد هناك رأيان في موقفه ألعقائدي حيال آلأحداث ألّتي جرت في زمانه بآلنسبة لعلاقته  بآلحُكّام ألعباسيّين ألذين نكّلوا بأهل بيت الله ألطّاهرين بعد ما إستخدموا خطّهم للوصول إلى سدّة الخلافة ألأسلامية؛ و هذان آلرّأيان بحاجة إلى دراسات أعمق لمعرفة تفاصيل آلحقيقة و هما:
ألرّأي ألأوّل: يعتقد صاحب ألرّسالة ألقُشيريّة بشافعية مذهب ألجُنيد بقوله:[كان فقيهاً على مذهب أبي ثور(أبي ثور ألكلبي) ألذي كان مُعادياً لأهل البيت(ع)], كما تؤكد مقالات الصّوفيّة من آلجانب ألآخر على تسنّن ألجّنيد البغدادي  و على مذهب آلعوام, حيث ينفي هذا الموقف .. ما أشاعه آلصوفيّة من كونه كان يمتلك وكالة خاصّة من آلأمام ألثاني عشر محمّد بن آلحسن ألمهدي(عج) بعد آلغيبة ألكبرى كفضيلة كبرى ذكره له تلامذته العديدين, حيث عاصر آلجُنيد ألأمام ألحادي عشر ألحسن ألعسكري(ع) و ولده مُحمّد بن آلحسن ألمهدي الأمام الثاني عشر, بل إنّ تتلمذه على يد ألشّافعي و تفقهه في آلأحكام طبقاً لعقيدة ألشّافعي  يُبرهن بأنّهُ لم يكن في منهجه سائراً على خط أهل البيت(ع).
من آلمعروف بحسب ألكتب ألتأريخية و آلروائية بأنّ آلوكالة الخاصة ألتي نسبها بعض ألمؤرخين و آلصّوفية للجُنيد ألبغدادي بعد شروع الغيبة ألكبرى للأمام ألثاني عشر(ع) لا أساس لها من آلصّحة, فآلتوقيع ألمشهور ألذي صدر من آلناحية ألمقدسة تُثبت بأنّ آخر و كيل خاص و مباشر من قبل صاحب الزّمان كان ألفقيه عليّ بن محمد ألسّمري(قدس) كنهاية لزمن ألغيبة الصغرى, و لم يُعيّن آلأمام ألمهدي(عج) سفيراً خاصاً له بعد آلأعلان عن غيبته آلكبرى بحسب ما ورد في التوقيع ألمشهور لصاحب ألزّمان(عج), و إنّما وكّلَ أمر قيادة ألمسلمين ألعامّة و هدايتهم للفقيه ألمُتمكّن؛ ألمُخالف لهواه؛ ألمُطيع لمولاه؛ ألصائن لدينه.
ألرّأي ألثّاني: إعْتقد بعض ألمؤرخين خصوصاً ألمُتصوّفين منهم بأنّ آلجُنيد إستخدم مبدء ألتّقية في مسيرته لهداية ألنّاس لتلافي ألمواجهة مع آلسّلطات ألعباسيّة ألظالمة ألتي حاربتْ ألعلويين و أنكَلت بهم, لأنّها كانت تتخوّف من إنتشار حركة ألتّشيّع لأهل ألبيت(ع) ألمُعارضين لخطّ ألخلافة, بلْ كانت  تُعاقب كلّ من يدّعي ألولاء لخطهم أو حتّى آلتَسَمّي بأسمائهم, و آلّذي أعتقدهُ هو: إتّخاذه منهجاً وسطاً بين آلأثنين, و آلدّليل على ذلك ما أوردناه في مُناظرته مع آلشّيخ ألعارف "بهلول" في بداية هذا آلبحث و آلله آلأعلم.
(3) ألبهلول؛ هو وهب بن عمرو(عمر) آلصّيرفي, من أهل ألكوفة وُلد في بداية ألقرن ألثّاني ألهجري و توفّى سنة190هـ, كان رجلاً تقيّاً ورعاً زاهداً فقيهاً مُحدّثاً أديباً عالماً, و بهلول إماميّ ألمذهب, عاصر ألأمام ألسّابع موسى  بن جعفر آلكاظم(ع) و آلثّامن علي بن موسى آلرّضا(ع) و كان من خاصّة تلاميذ ألأمام ألكاظم(ع) و من نوابغ عصره لما إمتاز به من عقلٍ راجحٍ, و قد عدّه آلشّيخ ألطّوسي من أصحاب ألأمام ألصّادق(ع).
أمّا آلسبب ألحقيقي ألّذي جعل البهلول(يُستَجَن) و يركب قصبته بدل الحصان و يدخل السوق و يصيح: خلّو آلطّريق؛ لا يطَأكُم فرسي, و هو على هذا آلحال حتّى آخر عُمرهِ .. فهو: ألفرار بدينه من سلطة هارون ألرشيد ألّذي قال: [ما جنّ بهلول و لكن فرّ بدينه منّا], بل قال أحد وزرائهِ للبهلول: [مآ ألفضل إلّا فيك و ما آلعقل إلّا منْ عندك و ما آلمجنون إلّا منْ سمّاك مجنوناً], بل سمّاه البعض بـ "ألمجنون ألعاقل" أو "ألعاقل ألمجنون"!
فلم يكن جنونه إلّا إفتعالاً و تظاهراً ألجأتهُ إليه ضرورة سياسيّة, مؤْثراً سلامة دينه و آخرته على سُمعته و دنياه و ما كان يتمتع به من مقام علميّ و إجتماعيّ .. مُضحّياً بذلك في سبيل ألمصلحة الأسلامية ألعُليا.
ذكر آلسّيد محسن ألأمين سيرة آلبهلول من مصدرين هما؛
أوّلاً: مجالس ألمؤمنين للمستوفي .. ألذي يذكر؛ [أنّ آلرشيد كان يسعى في قتل ألأمام ألكاظم(ع) و يحتال في ذلك فأرسل إلى حملة ألفتوى يستفتيهم في إباحة دمه مُتّهماً إيّأهُ بإرادة ألخروج عليه و منهم ألبهلول, فخاف من هذا و إستشار إمامهُ آلكاظم(ع), فأمرهُ بإظهار ألجُنون ليسلم].
ثانياً: روضاتِ ألجّنّات .. عن كتاب غرائب آلأخبارللتستري ألذي قال: [إنّ آلرّشيد أراد أنْ يُوليّ رجلاً ألقضاء فشاور أصحابه فأشاروا ببهلول, فأستدعاهُ و قال له: "أعنّا على عملنا هذا",  قال: "بأيّ شيئ أعنكَ؟", قال: "بعمل ألقضاء", قال: "أنا لا أصلح لذلك", قال: "أطبق أهل بغداد أنّك صالح له", فقال: "سبحان آلله .. أنا أعرف بنفسي منهم, فأنْ كنتُ في إخباري بأنّي لا أصلح للقضاء صادقاً, فهو ما أقول, و إنْ كنتُ كاذباً فآلكاذب لا يصلحُ لهذا آلعمل, فألحّوا عليه و شدّدوا و قالوا: لا ندعك أو تقبل قال: إنْ كان و لا بُدّ فأمهلوني آلليلة حتّى أُفكر في أمري, فلمّا أصبح تجانن و ركبَ قصبةً و دخل آلسوق و كان يقول: طرقوا خلّوا الطريق لا بطأكم فرسي, فقال الناس: جنّ بهلول, فقال هارون: "ما جنّ و لكن فرّ بدينه منّا, و بقي على ذلك إلى أنْ مات].
و كلتا آلرّوايتان تدلّان على شيئ واحد و هو: مقاطعة ألبهلول للسّلطة ألعباسيّة لكونها سلطة ظالمة و مُغتصبة للخلافة, و ثباته على ولاية أهل ألبيت(ع), و موقفه هذا يُبرهن على مُناصرة ألحقّ و مُجانبة ألباطل, (أعيان الشيعة, للسيد محسن آلأمين), و ذكره أيضاً صاحب ألكشكول ألشّيخ ألبهائي, و مراقد ألمعارف و غيرهم.
(4) ألسبكي: "طبقات ألشّافعية".
(5) جاسم, عزيز السيد(1979م). متصوفة بغداد. ألمركز الثقافي العربي, ص148 ط2.
(6) ألأصفهاني: "حلية ألاولياء", ج10.
(7) عنى به ألصحابي "حارثة بن آلنعمان ألخزرجي" ألذي ثبت في حُنين و كان من أهل الصّفة و إستشهد في أحد آلغزوات مع آلنبي(ص) ألّذي مدحه(ص) حين سأله بُعيد صلاة الفجر؛ كيف أصبحتَ يا حارثة؟ فقال: يا رسول الله أصبحتُ مُوقناً بآلله, فتعجب آلرّسول(ص) من قوله, و سألهُ : ما حقيقة يقينك, فأجاب: و ممّا جاء في جوابه  ما أوردناه في آلنّصّ(للتفاصيل؛ راجع أصول الكافي للشيخ ألكليني, ج2 ص44).
(8) جاسم, عزيز ألسّيد(1979م). متصوفة بغداد. ألمركز ألثّقافي ألعربي, ص149, ط2.
(9) ألسّلميّ, أبو عبد آلرّحمن(1980م), طبقات الصوفيّة. ألدار العربية للنشر, ط2.
(10) ألسّلمي, أبو عبد الرّحمن(1982م). طبقات الصوفية, ألمركز ألثقافي العربي.
(11) نفس ألمصدر ألسابق.
(12) ألاصفهاني, أبو نعيم:"حلية آلأولياء", ج10.
(13) مسألة خلق آلقرآن كانت إحدى آلظواهر البارزة في تأريخ ألفكر ألأسلاميّ, رافقت بقوّة حكم ألعبّاسيين ألّذين إتّخذوه ذريعة لقتل ألكثير من المسلمين ألمُعارضين لسياستهم, يقول أبو نعيم ألأصفهاني: [قال أبي حنيفة بخلق آلقرآن, و إستُتيب من كلامه ألرّديء غير مرّة, كثير آلخطأ و آلأوهام](ألأصفهاني, أبو نعيم(1984م). كتاب ألتصانيف, دار الثقافة – ألدّار ألبيضاء, ط3.
و قال عبد آلله بن أحمد بن حنبل في كتاب ألسُّنة: [حدّثني إسحاق بن يعقوب ألطوسي, حدثنا أحمد بن عبد آلله بن يونس, عن سليم المقرئ, عن سفيان ألثوري, قال: سمعتُ حمّاداً يقول: أ لا تَعْجَبْ من أبي حنيفة, يقول: ألقرآن مخلوق؟ قل لهُ: يا كافر .. يا زنديق]"إبن حنبل, أحمد(1985م). كتاب ألسُّنة, ج1, ص184 و 185 رقم 241.".
و قد نقلها إبن حنبل بطرق مختلفة, كما أكّد ذلك أبو بكر الخطيب في تأريخ بغداد و آلحافظ؛ يعقوب بن سفيان في كتابه "ألمعرفة و آلـتأريخ", و كذلك صاحب كتاب ألعلل و معرفة الرّجال, و هذا بعض ما نقلوهُ عن أبي حنيفة بشأن آلقول بخلق القرآن ألكريم و رووهُ بأسانيد متعددة, و إذا كان هذا حال أبي حنيفة و تصريح بعضهم بكفره, أو على آلأقل بكونه كافراً وفقاً لقواعدهم؛ فما هو رأيهم في غيره من علماء المسلمين؟
و قد نسب آلقول بخلق القرآن إلى جماعة مِمّن عرفت إمامتهم عند آلسّنة منهم: على بن ألمديني, و لذلك ترك عبد آلله بن أحمد بن حنبل تبعاً لأبيه ألتحديث عنهُ خوفاً.
و آلمعتزلة هم أشدّ خصوم ألحنابلة في مسألة خلق ألقرآن, و هم و إنْ قالوا بخلق ألقرآن؛ لكنهم لم يُكَفّروا من خالفهم في آلرّأي .. و لم يستبيحوا دمهُ كما هو آلحال بآلنسبة لأحمد بن حنبل و أتباعه, و إقتصروا على إعتبار الفكرة؛ فكرةٌ خاطئة و غير صحيحة, و أنّ آلفهم ألصحيح للتوحيد يتناقض معها, و سنختصر رأي ألمعتزلة بهذا آلموضوع من خلال النقاط أدناه:
أولاً: حقيقة الكلام؛ يذهب ألمعتزلة إلى أن آلكلام على وجه ألحقيقة ليس له إلّا معنى واحد, و هو الحروف ألمنتظمة ألدالة على معنى ألتي تصدر للتعبير عمّا يُراد إفهامه, و وقع الخلاف بين مُحقّقيهم في؛ هل إنّ آلأولى تعريفهُ بأنّهُ آلحروف و آلأصوات ألمنتظمة أو إنّه فقط ألحروف ألمنتظمة؟ و قد ذهب آلقاضي عبد آلجبار إلى أنه عبارة عن الحروف ألتي تنتظم و إنْ لم تنتظم بآلفعل, بل يكفي فيها وجود حيثيّة ألأستعداد للأنتظام في نظره, و أنّه لا داعي لتعريفه بآلحروف ألمنظومة و آلأصوات ألمُقطعة, لأنّ آلحروف هي نفس ألأصوات في آلواقع, فيكون تكراراً, على أنّ ما يتألف من حرفين أو من حرف لا يكون حروفاً منظومة.
يقول القاضي عبد الجبار في كتابه "ألمُحيط بآلتكليف" أثناء شرحه لحقيقة ألكلام: [و آلذي عقلناه في ذلك هو:
ألحروف ألّتي تنتظم .. و هذا آلحدّ أولى و أسلم من قول من قال: هو آلحروف ألمنظومة و آلأصوات ألمُقطّعة, لأنّ في ذلك إخراجاً لما يتألف من حرفين أنْ يكون كلاماً, و فيه أيضاً ضربٌ من آلتكرار, فأنّ آلأصوات ألمقطعة هي الحروف لا غير](ألقاضي, عبد آلجبار(1984م). ألمحيط بآلتكليف - ألمؤسسة ألمصرية ألعامّة للتأليف و آلأنباء و آلنشر – ألدار المصرية للتأليف و الترجمة – ألقاهرة, ص306, ط1.]
ثانياً: في معنى كون المتكلم متكلماً؛ إعتقد ألمعتزلة أنّ ألمتكلم يكون مُتكلّماً إذا فعل آلكلام و لو لم يكن قائلاً به, فلو فعل الكلام فهو متكلم و إن قام الكلام بغيره, و ليس كل وصف يلزم أن يكون قائماً في آلموصوف, فآلضارب صفة و لكن قائماً من غير الضارب و إنما في آلمضروب و إنْ صدر من آلضارب, و كذا ألمُنعم, فصفة النعمة صادرة من آلباري عزّ وجل, غير إنّه ليس قائماً بذاته عزّ وجل, بل يخلقه عزّ وجل و يجعله قائماً في مخلوقاته.
و يضيف القاضي بآلقول: إعلم أنّ آلمتكلم عندنا هو فاعل الكلام, و إنّما نعرف أنّ هذه حقيقة بمثل ما نعرف في شيئ من أسماء الفاعلين أنّه يُفيد فعلاً من آلأفعال, و هذا نحو آلضارب و آلكاسر و آلمنعم و غيرها, و معلوم أن آلطريق ألذي به تُثبتْ هذه آلأوصاف مفيدة للفعلية أنك لا تعلم كذلك إلّا عند وقوع هذه ألأفعال بحسب أحواله, فأنْ لم يُعرف ذلك لمْ يُعرف متكلماً, و متى عرفتَ هكذا عرفتَ مُتكلّماً, فجرى مجرى ما ذكرناه(نفس ألمصدر, ج1 ص309).
ثالثاً: في معنى آلكلام ألألهي: ذهب آلمعتزلة كما ظهر مما تقدم أن الكلام من صفات  الفعل و ليس من صفات ألذات, و أن معنى كون ألباري عزّ وجل متكلماً؛ أنّه تبارك و تعالى فاعل الكلام و خالقه و إن لم يكن قائماً بذاته تبارك و تعالى, و إعلم أنّه إذا كان مُتكلّماً يعني أنّه فاعل ألكلام فقد كفى في صحة كونه مُتكلماً كونه قادراً على هذا النوع, كما أنّ سائر الأوصاف ألّتي تتبع ألفعليّة يكفي في صحّتها كونه قادراً عليه, فأذا أحدث آلكلام ثبت كونه متكلماً, كما إذا أثبت النعمة كان منعماً, و ليس آلذي كان لأجله كان أحدنا موصوفاً بأنه متكلم إلّا فعلهُ للكلام فقط دون أن يقال: إنّما وُصف بذلك لفعله بآلة و لسان(نفس المصدر, ج1 ص315).
رابعاً: خلق القرآن الكريم؛ إتفقتْ كلمة المعتزلة على أنّ آلقرآن ألكريم و هو كلام الله عزّ وجل مخلوق له عزّ وجل و ليس بقديم, و أنه صفة غير قائمة بذاته كما هو آلحال بآلنسبة للنعمة, فهو عزّ و جلّ مُنعمٌ بإعتبار صدور ألنعمة منهُ, و نعمه عزّ و جلّ كلها حادثة و مخلوقة له عزّ و جلّ, و كذلك كلامه تعالى و إن كان قد صدر منهُ و لكنه حادث و مخلوق له تبارك و تعالى, يقول القاضي عبد آلجبار  المعتزلي: [و قد أطلق مشايخنا كلّهم في آلقرآن أنّه مخلوق](نفس المصدر, ج1, ص331).
و قال في شرح الاصول الخمسة اثناء عرضه للآراء في موضوع خلق القرآن ألكريم: فقد ذهبتْ ألحشوية النوابتْ من آلحنابلة إلى أن هذا القرآن ألمتلو في آلمحاريب و آلمكتوب في آلمصاحف غير مخلوق و لا مُحدث, بل قديم مع  الله تعالى, و ذهبت ألكلابيّة إلى أنّ كلام الله تعالى هو معنى أزليّ قائم بذاته تعالى, مع إنه شيئ واحد؛ توراة؛ إنجيل؛ زبور؛ فرقان, و أنّ هذا الذي نسمعه و نتلوهُ حكاية كلام الله تعالى, و فرّقوا بين الشاهد و آلغائب(القاضي, عبد آلجبار(1965م). شرح آلاصول ألخمسة, مكتبة وهبة – القاهرة, ص527, ط1.
و يضيف؛ أما مذهبنا في ذلك فهو: أنّ آلقرآن كلام الله و وحيه, و هو مخلوق مُحدث أنزله الله على نبيّه(ص) ليكون علَماً و دالاً على نبوّته, و جعله دلالةً لنا على آلأحكام لنرجع إليه في آلحلال و الحرام, و إستوجب منّا بذلك ألحمد و التقديس, و إذن هو آلذي نسمعه آليوم و نتلوهُ(نفس المصدر, ص528).
أما رأي أنا؛ فهو إن كتاب الله تعالى بلا شك هو من خلق الله, لكن آلصّفات و آلأسماء التي وردت فيه هي أزلية و ثابتة, و لا يوجد طريقة أمثل في تجسيد كلمات و معاني و بيان القرآن سوى عبر الكتاب؛ ألقرآن؛ ليكون مرشداً و دليلاً لعباد الله ألذين يُريدون إتّباع طريقه تعالى, و نزوله عن طريق الوحي على الرسول(ص) كان بنفس آلألفاظ التي توارثناه  فيما بعد عن طريق أئمتنا الميامين و علمائنا و محدثينا المخلصين, و هو ذلك الكتاب الخالد ألذي تعهد الباري تعالى بحفظه و حتى تطبيقه عملياً في آخر الزمان إن شاء الله.
ملاحظة أخرى: إن آلذين قالوا بخلق القرآن كانوا يبغون من وراء ذلك إشاعة عدم آلجّدية و القدسية للألتزام بما ورد فيه خصوصاً في مسألة الصفات ألتي تجسدت في شخصية الرسول و الأئمة الطاهرين .. تلك الصفات أرادوا أن يجعلوا عليها غشاوةً .. و كأنها صفات قابلة للتغير من قبل الله و ليست ثابثة و نحن إذن غير مُلزمين للأتّصاف بها ما دامت حادثة, فآلله تعالى قد يُغيّرها ما دامت غير ثابثة و مخلوقة, بينما آلحقيقة هي أن تلك الصفات ازلية و ثابثة و هي الكفيلة بتحقيق الكمال في وجود آلأنسان ليكون خليفة الله في الأرض, و خلافنا مع القائلين بخلق القرآن يبدأ و ينتهي من هنا كخطوط حمراء لا يمكن أبداً ألتجاوز عليها, و الله الأعلم.
(14) تحدّثنا عن فلسفة و معاني "وحدة الشهود" و "وحدة ألوجود" في حلقات سابقة.
(15) ألقُشيري, "ألرسالة ألقُشيريّة".
(16) شرف, محمد جلال( ). "دراسات في آلتصوف ألأسلامي".
(17) شرف, محمد جلال( ). "ألحلّاج ألثائر ألرّوحي في آلأسلام".
(18) سورة ألنمل / 88.
(19) لعلّ هذه ألمؤآخذه هي ألمؤآخذه ألأبرز ألتي عابنا عليها آلغرب, بكوننا نحن المسلمين ألشّرقيين – خوصصاً ألمُعَمّمين منهم – إتّكاليين و طفيليين!
(19) راجع سيرة آلعطار و أبو سعيد أبو الخير و آلحلّاج و آلمُلّا صدرا و آلخميني و آلمطهري.
(20) إبن الجوزي: "صفة الصّفوة".
(21) نفس المصدر السابق.
(22) إبن الأثير: "البداية و النهاية", ج11.
(23) ألبغدادي, ألخطيب(1978م). تأريخ بغداد, ج3 ص75, ط2.
(24) المصدر السابق.
(25) أي آلطائفة ألتي إتّخذتْ طريقة الصوفيّة و آلطائفة التي إتّخذتْ طريق الشرع, بحسب رأي طُلابهِ.
(26) إبن الأثير ألبداية و النهاية, ج11.
(27) كان "بُشر ألحافي" في شبابه سِكّيراً و غير مُلتزم دينيّاً  و إنجرف مع تيار ألفساد ألّذي ساد في عصره و أصاب آلقسم آلأعظم منْ شباب بغداد أنذاك بسبب سياسة ألخلافة العباسية و تشجيعها على ذلك حيث كان مُعظمِهم يشربون آلخمر و يفعلون آلمنكرات و يرتكبون آلمُحرّمات, و سبب توبة بُشر ألحافيّ يعود إلى آلقصّة ألتالية:
كان آلأمام ألكاظم(ع) يمشي في آلأزقّة يوماً فسمع غناءاً ماجناً ينبعثُ من أحد ألبيوت, و في آلأثناء خرجتْ فتاةٌ, فتوقّف آلأمام(ع) و سلّم عليها, ثمَّ سألها قائلاً:
صاحب ألبيت حرٌّ أم عبد؟
فقالتْ مُتعَجّبةٌ:
بلْ حرٌّ.
فقال آلأمام(ع):
صَدَقْتِ! لو كانَ عبداً لَخافَ سيّدَهُ.
عادتْ آلفتاة و سألها صاحب آلبيت – و إسمه بُشر- عن سبب تأخّرها فقالت:
مَرّ رَجُلٌ و سألني: (صاحب ألبيت حرٌّ أمْ عبد؟)
فقال بُشر: و بماذا أجبتيهِ؟
قالت ألفتاة: قلتُ لهُ حرٌّ, فقال لي:
صَدَقْتِ .. لو كانَ عبداً لخاف سيّدهُ!
أطرقَ بُشر مُتَفَكراً, و شَعَرَ بآلكلمات تهزُّ أعماقه, ثمّ إنطلق خلف آلأمام(ع) حافياً يُعلن توبته و عودتهُ إلى أحضان ألدّين و آلأيمان, و منْ ذلك آليوم دُعيَ بِبُشر ألحافي و إشتهرَ بين آلناس بزهده و عبادتهِ و تصوّفه.
(28) سورة ألكهف / 65.
(29) ألطوسي, أبو نصر السراج. ألّلمع, محمد جلال شرف, دراسات في التصوف الأسلامي.
(30) ألحنبلي, إبن عماد( ). شذرات المعارف, ج2 ص63, ط3.
(31) المصدر السابق؟
(32) سورة ق / 16.
(33) [إنّما وليّكم الله و رسوله و آلذين آمنوا ألّذين يُقيمون آلصلاة و يؤتون آلزّكاة و هم راكعون](ألمائدة / 55).
(34) شرف, محمد جلال(  ). دراسات في التصوف الأسلامي.
(35) للتفاصيل راجع: إبن الجوزي, صفة الصّفوة.
(36) من نعم آلله تعالى أنّه قبل أن ينتشر آلبشر على آلأرض أرسل لهم الأنبياء و آلأوصياء و آلأئمة ليُقوّموا الناس جنباً إلى جنب بشكل مباشر و غير مباشر لهدايتهم إلى سبل الرشاد, كي لا يبقى لأحدٍ حجّة للتذرع به من الأنحراف, من هذا نقول بأن لطف الله تعالى و رحمته أوجب على نفسه بأن لا تخلو آلأرض من نبي أو أمام عادل معصوم من الخطأ, و لهذا وردَ الحديث المتواتر عن رسول الله(ص) ألقائل: [من مات و لم يعرف إمام زمانه ماتَ ميتةً جاهليّة]. و قد إتفق علماء الأماميّة على صحّة هذا الحديث, كما ذكره جمعٌ غفير من تابعي مدرسة الخلفاء, منهم؛ألحافظ محمد بن ناصر الألباني, و الذهبي, و إبن تيميّة في منهاج السّنة.
كما أكّدت ألرّوايات على إستمرارية وجود آلخلافة الألهية في آلأرض, و هو على الله يسير, فبدونها لا يبقى في آلأرض من يؤشر للخطأ و آلصواب يقيناً .. ممّا يفتح الباب للمغرضين و أصحاب الأهواء أن يقولوا و يفعلوا ما يشاؤون, و آلرّواية السند في ذلك ما ورد عن رسول الله(ص) قوله: [لو بقيتْ ألأرض بلا إمام لساخت بأهلها](ألكافي, للشيخ ألكليني. ج1, ص179, ح10).
(37) للمزيد من آلتفاصيل عن موقف آلحلّاج؛ راجع ألحلقة ألعاشرة من هذا آلجزء.    


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عزيز الخزرجي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/11/08



كتابة تعليق لموضوع : أسفارٌ في أسرار الوجود ج4 – ح12
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : ازياء BOOS ، في 2023/10/17 .

اولا رحم الله جدنا وحبيبنا ابا القاسم الجنيد البغدادي قدس الله سره ورضي الله عنه وارضاه
تانيا : مرقد ابو وهب بهلول بن عمير التصريفي المتوفي سنة 190 هــ الموافق 807 م ,
فهل يوجد صحه للقصه هده وجدي وحبيبي ابا القاسم الجنيد البغدادي قدس الله سره ورضي الله عنه وارضاه ولد بعد 200للهجريه
لا صحه لهده القصه نهائيا
وسئل جدي وحبيبي ابا القاسم الجنيد البغدادي قدس الله سره ورضي الله عنه وارضاه: " من العارف؟ " فقال: " من نطق عن سرك وأنت ساكت ".
سمعت محمد بن الحسين يقول: سمت عبد الله بن علي يقول: سمعت أبا عمر بن علوان يقول: كان شاب يصحب الجنيد.. وكان يتكلم علي خواطر الناس، فذكر للجنيد، فقال له الجنيد: ما هذا الذي ذكر عنك؟ فقال الجنيد: اعتقد شيئاً. فقال: اعتقدت!! فقال الشاب: اعتقدت كذا وكذا! فقال الجنيد: لا. فقال: اعتقد ثانياً، ففعل، فقال: اعتقدت كذا وكذا. فقال: لا فقال: ثالثاً. فقال: مثله. فقال الشاب هذا عجب، أنت صدوق، وأنا أعرف قلبي؟! فقال الجنيد: صدقت في الأول والثاني والثالث، ولكني أردت أن أمتحنك هل يتغير قلبك!!
وادا اردتم قول انه يوجد مثل هده قصه هات لي الكتاب الدي قراته منه بل اعرف انه لا يوجد لا كتاب ولا قصه مثل هده قصه
فلمادا اراد جدي وحبيبي ابا القاسم الجنيد البغدادي قدس الله سره ان ياتي بالبهلول فانه يعلم ما يوجد في داخل البهلول من الكلام ويريده هو ان يتقول ما عنده
ولكن لا صحه ولا صله لهده القصه ولا صله زمانه بزمان جدي وحبيبي ابا القاسم الجنيد البغدادي قدس الله سره ورضي الله عنه وارضاه




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net