صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

الحشد الشعبي ما بعد داعش
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يمكن تقسيم مواقف العراقيين من الحشد الشعبي إلى ثلاث، موقف مؤيد بمنتهى الحماس، ويؤل له كل الانتصارات على داعش مع تجاهل دور جيشنا الباسل، وآخر معادي له ويعتبره مجرد مليشيات مسلحة لفصائل سياسية تابعة لإيران، لا تختلف في خطورتها عن داعش. وفريق ثالث معتدل، يرى أن الحشد تأسس في وقت مناسب استجابة لفتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها الإمام السيستاني يوم كان العراق مهدداً باحتلال داعش من شماله إلى جنوبه. والجدير بالذكر أن الإمام السيستاني كان دائماً بمثابة صمام الأمان للشعب العراقي، دون أي انحياز لهذا المكون أو ذاك، وهو صاحب مقولة (أهل السنة هم أنفسنا). 

ومن شدة حماسه، راح الفريق الأول يطالب بترشح الحشد في الانتخابات وتحويله إلى تجمع سياسي لمكافأته على تضحياته، الأمر الذي رأيتُ فيه خطراً على مستقبل العراق والعملية السياسية، لذلك نشرتُ مقالاً بعنوان: (لا لمشاركة الحشد الشعبي في الانتخابات)(1). وقد عاتبني البعض منهم على دعوتي هذه، بينهم كتاب معروفين بإخلاصهم للعراق، إذ سألني أحدهم: (ماهي المسوغات الشرعية و العرفية و الانسانية و القانونية لرفضكم مشاركة الحشد في الانتخابات؟).
فأجبته بما يلي:
المسوغات هي كون الحشد الشعبي تنظيم عسكري مسلح من تنظيمات الجيش العراقي، وبقية القوى الأمنية المسلحة. ووفق الدستور العراقي الدائم الذي صوت عليه الشعب عام 2005، لا يجوز للقوات المسلحة أن تمارس أي نشاط سياسي، ومنه الترشح للانتخابات المحلية والبرلمانية. وقد أثبتت التجارب العالمية أنه في حالة مشاركة القوات المسلحة بالسياسة، سيحلون خلافاتهم بالرصاص بدلاً من النقاش الهادئ، و التصويت والأخذ برأي الأغلبية. وذكَّرتُه بما حصل في اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1986 عندما حلَّ خلاف في صفوف قيادة الحزب الحاكم (الماركسي)، فانشق إلى جناحين انفجرت بينهما أزمة سياسية استخدموا فيها السلاح بدلاً من التصويت، فقُتل الآلاف من نفس التنظيم، من بينهم زعيم الحزب اليمني الاشتراكي، والمنظر الثوري المعروف عبدالفتاح اسماعيل، وعدد غير قليل من القياديين. لذلك فالسماح للقوات المسلحة، ومنها الحشد الشعبي بالترشح للانتخابات وممارسة السياسة ، يعني آخر مسمار في نعش الديمقراطية والاستقرار في العراق.

أما الفريق المتوجس خيفة من الحشد فيطالب بحله "الآن الآن وليس غداً"!!، وحجته أنه يجب حصر السلاح بيد الدولة فقط، وهو قول صحيح ونؤيده بقوة، ولكن الحشد ليس خارج الدولة، بل هو جزء من القوات المسلحة حسب قانون أصدره البرلماني العراقي، وهو تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة.
كذلك نرى أن وضع العراق هش، فرغم قضائه على الجناح العسكري من داعش، إلا إن هناك مئات الخلايا الإرهابية النائمة، واحتمال ظهور تنظيمات داعشية أخرى في أي وقت وبمختلف الأسماء. فهناك قيادات سياسية رغم مشاركتها في العملية السياسية، ولكنها مدمنة على خلق المزيد من المشاكل للعراق، ونحن نعرف دور مسعود بارزاني والأخوين النجيفي في جلب داعش إلى العراق بحجة التهميش والاقصاء، وبدعم حكومات أجنبية. 

كذلك فما أن انتصرت الدولة على داعش، واسترجعت المناطق المتنازع عليها ومنها كركوك من هيمنة الانفصاليين بقيادة البارزاني، حتى وبرزت لنا ظاهرة جديدة باسم (تنظيم الرايات البيضاء)، والتي يعتقد أن رئيس إقليم كردستان السابق مسعود بارزاني قام بتشكيله لـ"زعزعة امن واستقرار المدن الشمالية"، وأنهم من الدواعش الذين سلموا انفسهم للبيشمركة".(2)

وكما تفيد الحكمة: (لا يصح إلا الصحيح)، فها هي المرجعية الدينية العليا، وعلى لسان ممثلها الشيخ عبد المهدي الكربلائي، تدعو الى دمج قوات الحشد الشعبي بالمنظومة الأمنية" مشددة على "محاربة الفساد والفاسدين بكل حزم وقوة".(3)... وهذا يعني أن المرجعية هي الأخرى تؤيد عدم السماح للحشد بالترشح للانتخابات البرلمانية والمحلية، أو أي نشط سياسي. وقد أيد الدكتور العبادي رئيس الوزراء هذه الدعوة متعهداً للمرجعية بـ "محاربة الفساد المستشري والتصدي له بكل أشكاله"(4).

وبناءً على كل ما سبق، ما زلنا نعتقد أن أفضل حل للحشد الشعبي، ومكافئته على تضحياته في مساهماته البطولية مع جيشنا الباسل في دحر داعش، هو دمجه مع القوات الأمنية، وعدم  زجه في صراعات سياسية التي لا تسلم من تلويث السمعة بالفساد.
17/12/2017
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ 
ــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- د.عبدالخالق حسين: لا لمشاركة الحشد الشعبي في الانتخابات
 http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=935

2- عضو في الامن النيابية يتهم بارزاني بتشكيل تنظيم أصحاب الرايات البيضاء.. هؤلاء عناصره
http://www.akhbaar.org/home/2017/12/238182.html

3- المرجعية العليا تدعو الى دمج الحشد بالمنظومة الامنية ومحاربة الفساد بكل حزم وقوة
http://www.akhbaar.org/home/2017/12/238123.html

4- العبادي يتعهد للمرجعية بـ "محاربة الفساد المستشري والتصدي له بكل أشكاله"
http://www.akhbaar.org/home/2017/12/238138.html


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/12/20



كتابة تعليق لموضوع : الحشد الشعبي ما بعد داعش
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net