صفحة الكاتب : محمد المستاري

لكـم إعلامكـم.. ولنـا فايسبوكنـا 
محمد المستاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لقد أصبحت معظم المؤسسات الإعلامية بمختلف أشكالها، اليوم، وخصوصا منها المرئية، من أقوى القنوات والآليات التي تراهن عليها سلطة الدولة، -في العديد من الأنظمة والحكومات الفاسدة والمستبدة-، لتبرير الأوضاع الاجتماعية السائدة، ضدا على كل محاولات التغيير المتجسدة في شكل حركات احتجاجية واجتماعية وحراكات شعبية، المطالبة بالإصلاحات الفعلية والعدالة الاجتماعية، والرامية إلى وضع حد جذري للفساد السياسي المستشري.
فقـد تحولت العديد من المنابر الإعلامية العمومية في الكثير من البلدان العربية والثالثية على حد سواء، إلى مجرد أبواق للأنظمة وآليات لإدارة الأزمات، ويمكن أن نستدل على ذلك بفرض الرقابة المتشددة على الإعـلام العمومي، وتسخيره لخدمة مصالح وأجندات النخب السياسية والاقتصادية السائدة، كما يمكن أن نستدل على ذلك ببعد الإعلام كل البعد عن أداء المهام والأدوار المنوطة به، كعدم احترامه للمبادئ المهنية والأخلاقية المتعارف عليها، والمتمثلة أساسا في الاستقلالية والنزاهة والحياد والموضوعية والتعددية... 
وفي نهجه لأساليب التضليل والخـداع وتزييف الواقع، بدل العمل على تنوير الرأي العام بخصوص قضايا ومشكلات مجتمعه، و«ميل الصحافة إلى الإثارة والاهتمام بأخبار المشاهير والفضائح السياسية والأخلاقية»(1)، بدل العمل على نشر قيم المعرفة والتعبير عن هموم وإرادة المواطنين ومساعدتهم على التحرر من نيـر التسلط وبـؤس الواقـع.
هـذا، كما ينم واقع معظم المؤسسات الإعلامية العربية، عن «تحكم بعض الشركات الكبرى في الصناعة الإعلامية، ويظهر ذلك بجلاء من خلال توجه الصحافة إلى تزييف الحقائق أو إخفائها بما يخدم مصالح الجهات المالكة»(2). كما يظهر من خلال تواطؤ الصحافة مع السلطة السياسية في دعمها لإخراج وإشاعة كل الروايات والاتهامات الباطلة، -أحيانا-، التي يتم تأليفها من طرف نسق المخزن ضد أعدائه وخصومه المنتقدين له، من فاعلين ونشطاء سياسيين وصحفيين وكتاب ومناضلين.. إن ما آل إليه واقع ووضع الإعلام العمومي، خصوصا منه التلفزيون، بات يكشف عن جملة من المفارقات، من أبرزنا أننا ندخله لبيوتنا وندفع له قسرا من جيوبنا ثم يقدم لنا في آخر المطاف صورة مزيفة بعيدة كل البعد عن واقعنا. 
لذا نعتقد أن هذه الأسباب وأخرى كثيرة، كافية لتأكيد مشروعية مخاوفنا وتساؤلاتنا الملحة، والتي نذكر منها: هل هو فعلا إعلام حر ونزيه ومحايد ويقول الحقيقة؟ ألا تعدو جل برامجه التلفزيونية في الصحة مجرد ترويج لوصلات إشهارية تخدم مصالح المؤسسات والمقاولات الاقتصادية الكبرى التي تكرس ظاهـرة الاستهلاك؟ هل تُعْرَضُ المسلسلات في التلفزيون بغرض الترفيه والترويح عن النفس، أم فقط لخدمة لوبيات خارجية تستهدف الهوية الثقافية؟ ألا يتم التركيز على استقطاب أكبر عدد ممكن من المشاهدين حتى وإن كان في ذلك أثر سلبي على القيم الاجتماعية والحضارية؟
ما الحاجة أو الفائدة الممكنة من عرض أفلام مدبلجة وإعادة عرضها مرتين أو ثلاث مرات أحيانا في اليوم، مع أن محورها ليس سوى الصراع، الانتقام والحقد الدفين من أجل الانفراد بالحبيب في آخر المطاف؟ ما الفائدة المنتظرة من كثرة البرامج الرياضية المتعلقة بكرة القدم مع أننا لسنا متفوقين في الرياضة أصلا؟ أليس في ذلك خدمة لشركات «اللوطو» و«الطوطو» و«الكينو»؟ وما الفائدة من برامج تزيد الواحدة منها عن ساعة من الزمن تعرض لنا مغنيا لا نفهم ما يغنيه؟ أليس في ذلك تسويقا لآخر صيحات الموضة ومنتجات شركات الأزياء؟
أليست هناك إشكالات مجتمعية عميقة تتعلق بالفقر والسكن والبطالة هي أجدر أن تكون مواضيع للنقاش؟ أليس هناك «مافيا» وسماسرة للعقار تسببوا في رفع ثمن المتر الواحد إلى أزيد من عشرين ألف درهم؟ أليس من العبث ألا نجد مساحة كافية للسؤال الثقافي والفكري في الإعلام الرسمي رغم واقع التخلف والتردي، ونجد مساحات زمنية مطولة لتحليلات رياضية وبرامج هزلية؟ ألا يسلط التلفزيون بسخاء أضواءه القوية على محللين فاسدي الأخـلاق؟  
بالمقابل، ألم يَصِرْ موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك»، اليوم، بديلا حقيقيا عن إعلام ملوث لم يعد يستجيب لحاجيات وتطلعات مشاهديه؟ ألم يساهم في فضحه وتنكره وكتمه للحقيقة في مناسبات عديدة؟ ألم يفضح بهرجاته ورقصاته وحدلقاته لما كانت الفيضانات في مدينة كلميم وعديد من المناطق في جنوب المغرب؟ ألم يفضح شطط مؤسسات مخزنية في استعمال السلطة كقائد منطقة «الذروة» وممارسات أخرى يتعرض لها المواطنون من داخل الإدارات والمؤسسات العمومية عند قضاء حوائجهم؟
ألم يعد يشكل فضاءً رحبا لنشر الخبر والمعلومة على أوسع نطاق بلا حدود ولا قيود؟ ألم يجد فيه الشباب مساحات كافية للتعبير الحر بكل أشكاله المكتوبة والمصورة بلا قص ولا مونتاج؟ ألم تتوافد عليه هجرات جماعية افتراضية بعدما لم تجد متسعا لها بجانب من نهبوا كل خيراتها؟ ألم يساهم بشكل كبير في حراكات الربيع العربي التي أفضت إلى مراجعات دستورية وأطاحت ببعض الأنظمة الاستبدادية؟ ألم يساهم في التعريف بمواهب فنية ورياضية وكوميدية بعدما كانت مجهولة ومقصية؟ ألم يعد يعري الحقائق ويكشف عن حجم المعاناة والعزلة التي يقبع فيها سكان قرى الأطلس بعدما كانوا يموتون في صمت من شدة البرد وحصار الثلوج؟ ألم يضع حدا لاستيراد أطنان نفايات من إيطاليا؟  
هكذا، عندما يتحول موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك»، إلى بديل فعلي عن الإعلام المزيف والمضلل، في تنوير الرأي العام بخصوص قضايا ومشكلات مجتمعه، فإننا نقول آخر كلامنـا: لكم إعلامكـم... ولنا فايسبوكـنـا.
ــــــــــــــــــــــــــــ
هامش:
ــ نجلاء محمد حابر، الإعلام السياسي، دار غيداء للنشر والتوزيع، عمان، 2014، ص. 105.
ــ نفس المرجع، ص. 105.

 

 باحـث في علـم الاجتمـاع – المغـرب


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد المستاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/03/28



كتابة تعليق لموضوع : لكـم إعلامكـم.. ولنـا فايسبوكنـا 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net