صفحة الكاتب : نايف عبوش

ترادف الأجيال.. بين تحديات الانفصام وضرورات التواصل
نايف عبوش

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تعاقب الأجيال من السلف إلى الخلف ظاهرة اجتماعية، وحقيقة حياتية قائمة. وهي بموضوعية تواترها، احد حتميات سنن التطور في الحياة. إلا ان الملاحظ، ان الفجوة التي تحدث بين الجيل الحالي، وبين الجيل الذي يليه، تزداد اتساعا، وتترسخ عمقا، بشكل متواتر، وملفت للنظر، مع مرور الزمن. 

ومع مفاعيل حركة الزمن، وبالتفاعل مع معطيات التطور، والإنجازات العلمية، والتقنية، التي تطالعنا بها الحداثة، يوما بعد يوم، فإن الكثير من القيم، والتقاليد الاجتماعية، باتت تتعرض للكثير من التغيرات. بل ان البعض منها، كاد يختفي من الوجود، حيث تحل محلها تقاليد، وعادات جديدة، تستولدها ضرورات التطور، ومسايرة الحال. 

وفي الأجيال السابقة، كان الترادف قوياً بين الأجيال، وكان التواصل الاجتماعي الحقيقي التقليدي، ملتحما بشكل متماسك، بين الجيل السالف، والجيل اللاحق له، من الشباب. فقد كانت مجالس السمر قائمة، وعامرة في الدواوين، وفي مجالس الحارات، وفي المناسبات بكافة أشكالها، مع ما يرافقها من طقوس اجتماعية متوارثة. وقد كان جيل الشباب حريصاً على محاكاة الاسلاف في السلوك، من حيث تمثل قيم الرجولة، والشجاعة، والتمسك بالكرم، والامانة، والعفة، وغيرها. كما كان السلف يحرصون على تربية الشباب، على مناقبية الصدق، والفضيلة، واحترام القيم الاجتماعية، وتوقير الكبار، والتفسح في المجلس، وذلك من خلال النصح والإرشاد، وتداول الحكايات التراثية، وترديد القصائد التي تتغنى بتلك القيم. وحيث كانت وسائل التواصل الاجتماعي محدودة، وبطيئة السرعة، يوم ذاك، فإن تأثيرها، موجبا ام سالبا، على ظاهرة الترادف، كان بطيئا جداً، بل ولا يكاد يذكر. 

على ان سرعة التطورات المادية، العلمية، والتقنية، للحداثة في العصر الراهن، كانت هائلة، ومن ثم فإن تأثيراتها بشقيها السالب، والموجب، جاءت فعالة. وقد افرزت تقنيات الشبكة العنكبوتية، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الجديدة، منتديات جديدة بديلة للحوار، والتواصل، والدردشة، حلت محل مجالس السمر التقليدية، حيث أنتجت واقعا جديداً، من الواقع الافتراضي بكل ما فيه من تسهيلات، ومغريات، والذي أوشك ان يحل بالكامل، محل الواقع الحقيقي للحياة الاجتماعية، التي التي كنا نعيشها بسعادة، حتى الأمس القريب. 

ومنذ ان أصبح الواقع الافتراضي الرقمي الجديد، حقيقة واقعة ، سارع الجيل الحالي للإنغماس فيه بالكامل، واخذ ينفصل تدريجياً عن واقعه الاجتماعي، بكل حلقاته التقليدية ، الأسرية منها، والاجتماعية، الأمر الذي خلق فجوة شاسعة، بين الجيل القديم من السلف ، وبين الجيل الجديد من الشباب، وبشكل أضعف حس الشباب بدفء الترابط، والتواصل الاجتماعي الحقيقي، مع بيئته الاجتماعية الفعلية، بعد ان اعتمد قيما، وتقاليد، بل، ولغة دردشة جديدة غريبة، عنها تماماً . 

وهكذا أخذت العصرنة بوسائل الرقمية الجديدة، وبما افزرته من قيم، وسلوكيات طارئة، تفرض نفسها بإلحاح، على جيل الشباب، وتحد في نفس الوقت، من سلطة المجتع، وتهمش دور الجيل السالف، في ضبط سلوك الشباب، والحفاظ، على العادات، والتقاليد، والتراث. 

ولذلك بات الأمرُ يتطلَّب الإنتباه الجدي، إلى خطورة الانفصام بين الأجيال، وضرورة الحرص على إدامة التواصل الاجتماعي الحقيقي التقليدي بين الأجيال، حتى بالحدود الدنيا، مع ممارسة التعامل مع الجيل الجديد، بأعلى درجات التفهم لمتطلبات العصرنة، دون التفريط بالقيم، والتقاليد الاجتماعية، والحث على التمسك بأصالة الهوية، والحفاظ على كل ما هو إيجابي من الموروث الشعبي،وذلك لتفادي الاستلاب، والضياع بمرور الزمن.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نايف عبوش
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/04/22



كتابة تعليق لموضوع : ترادف الأجيال.. بين تحديات الانفصام وضرورات التواصل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net