صفحة الكاتب : عادل الموسوي

المقلدون وتعدد الافاق عند السيد الخوئي " قدس سره " ووحدة الافق عند السيد السيستاني " دام ظله "
عادل الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تتمة لموضوع " نظرة عامة في يوم الشك وثبوت الرؤية الشرعية " واستدراكا لما اوردته - في اﻻمر الثالث - من بضع امثلة على امكانية اﻻختلاف في التكليف في الصوم بين افراد اﻻسرة الواحدة رأيت ان في النفس منها شيء ولعل من ﻻ يتصور امكانية اﻻختﻻف يجد فيها قياساً مع الفارق وربما ترد تلك الامثلة بقول : اين مثال المسافر المكلف بالصوم لنيته اﻻقامة عشرة ايام والمكلف بالافطار لنيته اﻻقامة تسع - وغيرها من امثلة - من اختﻻف مبنى الفقهاء في مسألة كفاية رؤية الهﻻل في بلد في ثبوته في بقية البلدان او عدم كفايتها ، وكيف يصحح فعلين متناقضين - الصوم واﻻفطار - من مكلفين يستندان في تقليدهما الى حجة شرعية .
   لذا رأيت - مستدركا للتوضيح - ان اورد بعض اﻻمور اﻻتية :

اوﻻ : المحور الاساس في مسألة اﻻختﻻف في ثبوت الرؤية هو اختﻻف مباني العلماء وتتركز في اختلاف مبنى السيد الخوئي " قدس سره " والسيد السيستاني " دام ظله " في مسألة ثبوت الهلال وتعدد الافاق ، وسبب الاختﻻف في الامتثال هو اﻻختﻻف في التقليد ولبيان سببه وصحة وحجة تقليد كل منهما لنتأمل بعض المقدمات الاتية :
أ - اذا اختلف العلماء في الفتوى وجب الرجوع الى اﻻعلم - على تفصيل - 
ب - في مسألة وجوب البقاء على تقليد الميت او وجوب العدول الى الحي او جواز البقاء والعدول يتم الرجوع فيها الى الاعلم من اﻻحياء - على تفصيل - 
ج - من قلد مجتهدا فمات فإن كان الميت اعلم وجب البقاء على تقليده وان كان الحي اعلم وجب العدول اليه - وعلى تفصيل ايضا - 
د - لا يجوز تقليد الميت ابتداءً .
ها - لتجنب الكﻻم ثبوت اعلمية احد المرجعين على الاخر - التمس ان - نفترض استصحاب اعلمية السيد الخوئي " قدس سره " .
لذا تكون نتيجة ما تقدم من مقدمات هي : بقاء بضع اجيال - لغاية عام وفاته في 1992 - من مقلدي السيد الخوئي على تقليده بإعتباره اﻻعلم - بحسب الفرض - ونشوء جيلين من مقلدي السيد السيستاني بأعتبار عدم جواز تقليد الميت ابتداءً - السيد الخوئي - وان كان اعلم .
اذن كﻻ التقليدين يستند الى حجة شرعية والعمل على فتاواهما مجز ومبرء للذمة لان الحجية منجزة للتكليف ومعذرة عن المخالفة .

ثانيا : اعتقد ان مصدر عدم تصور او تصديق امكانية حدوث اﻻختﻻف في الاحكام الشرعية الموجهة الى المكلفين يرجع الى تصور مطلوبية امتثال الحكم الواقعي للمكلف ولابد ان يكون في الواقع واحدا لا متعددا متناقضا كالحكم بالوجوب والحرمة في موضوع واحد وفي زمان واحد ، والحق ان الاحكام تدور مدار موضوعاتها والمطلوب في العناوين اﻻولية عند العلم بالموضوع هو الحكم الواقعي ويتدرج الشارع مع المكلف ان لم يحصل العلم الى الظن وهو عنوان ثانوي - مع المسامحة في استعمال المصطلحات لتقريب المعاني - والظن المعتبر شرعاً قد يكون مطابقا للواقع وقد يكون مخالفا ولكنه يستند الى حجة والحجة معذرة عن المخالفة لانها صادرة من المشرع .
امثلة : 
أ- " من تيقن الطهارة وشك في الحدث بنى على الطهارة " وهذه الفتوى مستندة الى اصل عملي يبين الوظيفة الشرعية للمكلف - وهو اﻻستصحاب - وهو حجة شرعية وحكم ظاهري ، واذا تأملنا موضوع الحكم في الواقع لوجدنا ان المكلف المتيقن للطهارة الشاك في الحدث : اما ان يكون قد احدث في الواقع او لم يحدث ، فإن لم يحدث فﻻ اشكال ، اما اذا كان محدثا فقد توجه اﻻمر اليه بالبناء على الطهارة وهذا مخالف للواقع لكن المكلف - في هذا الفرض - معذور عن المخالفة لانه استند الى حجة شرعية .
ب - صحيحة عبد الرحمن بن عبد الله قال : سألت ابا عبد الله ع عن هﻻل شهر رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال : لا تصمه اﻻ ان تراه ، فإن شهد اهل بلد اخر انهم رأوه فإقضه - شرح العروة ، كتاب الصوم ج 2 عن الوسائل باب 8 ح 3 - الرواية اﻻنفة المعبر عنها بالصحيحة  نوردها للمثال وتوضيح المطلب ولا ادعاء للبحث في الدﻻلة .
من الواضح للمتأمل في هذه الرواية ان الامام ع نهى السائل عن الصوم لعدم الرؤية لان الهﻻل قد غم عليه وهو حكم ظاهري لان الهلال في الواقع قد يكون موجودا لكنه غير مرئيء ، اذن فالمعتبر في تنجز الحكم الشرعي بوجوب الصوم هو موضوع الحكم وهو رؤية الهلال لا وجود الهلال ، وقد فرعت الرواية بقول اﻻمام ع : " .. فإن شهد اهل بلد اخر انهم رأوه فإقضه " والحكم بالقضاء هنا هو لتنجز التكليف بعد انكشاف الخلاف ، ولو لم يشهد لدى السائل احد لكان معذورا عن مخالفة الواقع ، ولو كان الواقع بذاته مطلوباً لتوجه الامر بالصوم احتياطا لضمان اصابة الواقع .
وخلاصة ذلك ان الاحكام الشرعية تدور مدار موضوعاتها واختلاف عناوينها فموضوع الحكم بوجوب الصوم هو رؤية الهلال لا وجود الهلال ولو كان ذلك مطلوباً لكان في الحسابات الفلكية الكفاية .
ج - " لا يثبت الهلال بشهادة العدل الواحد ولو مع اليمين " وفي هذه المسألة دليل على ان موضوع حكم وجوب الصوم ليس هو وجود الهلال في الخارج بل موضوعه قيام الحجة الشرعية بثبوته بالطرق المنصوصة المستندة الى الادلة الشرعية

، وفي المسألة المتقدمة ترى ان العدل الواحد الذي رأى الهلال يتنجز بحقه الصوم - او الافطار - لانه رأى الهلال ولا يتنجز الحكم لغيره لعدم اعتبار شهادة العدل الواحد ، وكذلك الكلام في شهادة النساء وان بلغن اربع .
   ان الخلاف بين من يتعبد بالنصوص الشرعية المحددة لضوابط ثبوت الرؤية الشرعية وبين من يأنف الاذعان لها ويعتمد الاراء والاهواء هو عين الخلاف بين مدرسة اعتماد النص ومدرسة الاجتهاد امامه ، بين مدرسة اهل البيت ع ومدرسة الخلفاء ، بين مدرسة عصمة الائمة ع ومدرسة عدالة الصحابة .
لذا اظن ان في الهلال " الخلق المطيع "  افتتان " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " 
ثالثا : ان بقي في النفس شيء من عدم تصور الامر بالنقيضين - كوجوب الصوم وحرمته - وصعوبة الاذعان به لم يبق لي الا ان اسوق المثال الاتي : 
هب ان سيدا عين ولديه وامر عبيده بالسمع والطاعة لهما وانقسم العبيد بين  الولدين لامتثال احكامهما فأمر احدهما مجموعة عبيده بفعل وامر الاخر المجموعة اﻻخرى بتركه وكل من الولدين لم يخرجا عن طوع ابيهما وكل العبيد امتثلوا كلا من الامر والنهي ، فإن قلت : ان كان واقع مراد الاب الفعل او الترك فإن كانت الموافقة يقينية فكذلك المخالفة كانت يقينية ، قلت لك ليس مراد الاب الفعل او الترك انما المراد سمع وطاعة العبيد لاولاده .
وما سقناه هنا من مثال هو لتقريب المعنى والا فتحري الواقع مطلوب فإن لم تصل اليه فدونك الظاهر وهو الغالب فيما انت مأمور به .

بقيت ملاحظة : 
لكثرة من يقول بكفاية رؤية الهلال في بلد في ثبوته في بقية البلدان في عصرنا هذا فقد يظن البعض ان السيد السيستاني " دام ظله " قد انفرد بهذا الرأي حتى ان كثير من الدول والمراجع قد اعتبر هذا اليوم عيدا وبقي السيد السيستاني ومقلدوه صائمين ينتظرون العيد في الغد .
في الواقع ان السيد السيستاني لم ينفرد بهذا القول - اتحاد الافق - بل هو القول المعروف والمشهور بين فقهاء الامامية كما ذكر ذلك السيد الخوئي " قدس سره " - في مستند العروة الوثقى / كتاب الصوم - ، فإن قلت : فما الصحيح من القولين ؟ لعدم امكان صحتهما معا في الواقع ، قلت : لكل فقيه دليله الشرعي المستند الى حجة شرعية والحجة - كما ذكرنا - منجزة للتكليف معذرة عن المخالفة ، هذا ان سلمنا بمطلوبية احدهما في الواقع - المجهول - الذي لا يعلمه الا المشرع ، وان فرضنا مخالفة احد القولين للواقع فهذه المخالفة مغفورة برخصة من المشرع .
وخلاصة القول : 
- ليس موضوع حكم الصوم او الافطار هو وجود الهلال بل موضوعه رؤية الهلال . 
- لماذا ؟ 
- لان الشريعة نصت على ما هو المعتبر في رؤية الهلال . 
- فإن خالف الصوم او الافطار الواقع المطلوب ؟ 
- المطلوب هو الامتثال للحكم الظاهري المنجز للتكليف وليس المطابقة للواقع .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عادل الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/06/20



كتابة تعليق لموضوع : المقلدون وتعدد الافاق عند السيد الخوئي " قدس سره " ووحدة الافق عند السيد السيستاني " دام ظله "
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net