صفحة الكاتب : غائب عويز الهاشمي

فتوى النصر
غائب عويز الهاشمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


الاهداء 


الى من نطق بالفتوى الربانية 
الى كل من لبى نداء المرجعية الرشيدة 
الى كل الشهداء والجرحى والمفقودين 
الى كل أم فقدت وليدها 
الى من دعم وساند الحشد المقدس 
الى كل أحرار العالم الذين ناصروا قرار المرجعية 
أهدي جهدي المتواضع ومن الله التوفيق 


                   غايب عويز عبود الهاشمي 
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنام محمد واله الطيبين الطاهرين الى قيام يوم الدين وأشهد أن لا أله ألا الله الملك القدوس السلام المؤمن العزيز الجبار وأشهد أم محمدا صل الله عليه واله وسلم النبي الصادق الأمين المبعوث رحمة للعالمين رسول رب العالمين وعلى اله الطيبين الطاهرين الى قيام يوم الدين الحمد لله الذي أمرنا بأتباع المنزل في كتابه (أتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) (1) بعد أن أنهيت طبع آخر كتبي (الأخلاق الرضوية) والتي بلغت سبعة عشر كتابا عن علوم القرآن وأهل البيت عليهم السلام ولما للفتوى المباركة من أهمية في تحقيق النصر وكسر شوكة الأعداء أردت أن أخوض   مع الخائضين في تسليط الضوء على الفتوى الربانية التي جاءت على لسان آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله الوارف وبتشجيع من أحد الإخوان المختصين سلطت الضوء عليها من معظم الجوانب لأن الحديث عن فتوى النصر ذو شجون تسطر فيه أروع قيم البطولة والرجولة القصص التي تستحق ان ينفرد لكل منها عنوانا للبسالة لقد خابت وفشلت كل الخطط والحسابات من أقوى دول العالم وأكثرها تفردا وتقدما في الجانب التكنلوجي بفعل الفتوى الربانية والتي استقبلتها الجموع بالترحيب 

(1)سورة الأعراف آية 3

والتنفيذ فتسابقت الرجال ومن كل الأعمار وفي بعض الأحيان عوائل ضمت الجد والأبن والحفيد للانضمام بصفوف الجيش ومؤسسة الحشد المقدس ونتيجة للأيمان الذي يمتلكه المقاتل أخذ يسطر أروع الملاحم الجهادية حتى أصبح عنوانه مخيف للأعداء عندها حيكت عليه الدسائس من أجل أحباطه والتقليل من شأنه وأخذ الجهلاء ينشرون
 أبواقهم الخالية ليقللوا من أهمية هذا الإنجاز الضخم وراح الجهلاء أيضا يتصدون لأعمال ومواقف هي أكبر مما يتصورون والجاهل كما أشار سيد البلغاء وأمير الكلام الامام علي بن أبي طالب عليه السلام (لو حاججني ألف عالم لحججتهم ولو حاجني جاهل لحجني )يعني لو ألف عالم جادلوني في العلم لأمكنني الحوار معهم ولاقمت الدليل أي الحجة عليهم ولو جادلني جاهل لغلبني لأن الجاهل لا يعلم أصول العلم كما لا يفهم قواعد الفتاء ولا خطر الفتوى ولا ادب الجلوس مع العلماء والتحاور معهم هكذا هم الأكثرية في زمان غابت فيه القيم الانسانية    


تمهيد 
لا شك ان فتوى الجهاد الكفائي  كانت بحق كما وصفها مرشد الثورة الاسلامية في ايران الامام  علي خامنئي بالفتوى الربانية فتوى انقذت العراقيين والعرب والمسلمين والناس اجمعين من  اخطر وباء في تاريخ البشرية  اسمه الارهاب الوهابي المدعوم من قبل ال سعود من اخطر هجمة ظلامية وحشية هجمت على الانسانية كانت تستهدف ذبح الحياة والانسان وقتل قيمها الانسانية وكل شيء جميل فيها
ومن ثمار الفتوى الربانية فتوى  النصر فتوى الجهاد الكفائي هي وحدة العراق والعراقيين بكل اطيافهم واعراقهم ومحافظاتهم وتأسيس الحشد الشعبي المقدس الذي انتمى اليه كل عراقي صادق مخلص محب للحياة والانسان ومعتز بالإنسانية وقيمها السامية النبيلة  بغض النظر عن لونه عرقه  طائفته معتقده وجهة نظره
وهكذا  توحد السني والشيعي والعربي والتركماني والكردي والمسلم والمسيحي والايزيدي والصابئي في صرخة واحدة انا عراقي انساني  هيهات منا الذلة
نعم للحياة الحرة نعم للحضارة للعلم  لدولة القانون للحرية         لا   للموت  للوحشية للجهل للفوضى للعبودية
وهكذا امتزجت دماء وارواح وأجساد العراقيين  بعضهم مع بعض بل ضمهم قبر واحد وهذا لم يحدث في كل تاريخ العراق  وهذا هو سر الفتوى الربانية وسر انتصاراتها التي وصفت بالمعجزة
  فكانت  هذه الفتوى الربانية  قوة لا يمكن وصفها الا كما وصفها مرشد الثورة الاسلامية كما قلنا انها قوة ربانية  ولا نزيد على ذلك  حيث منحت من  لبى هذه الفتوى وانتمى الى الحشد الشعبي المقدس قوة روحية وجسدية نعجز عن تحديدها قد لا تصدق شخص في الثمانين من العمر يتسابق مع ابن العشرين في ميدان الحرب في مواجهة الكلاب الوهابية والصدامية صارخا بوجوههم هيهات منا الذلة داعيا الى حياة حرة كريمة  قائلا  مهمة الانسان الحر  في الحياة اقامة العدل وازالة الظلم نشر النور وتبديد الظلام والا ليس حرا هكذا علمنا الامام على والامام الحسين عليهما السلام
ولا شك ان الانتصارات التي حققتها قواتنا المسلحة  الباسلة وظهيرها القوي الامين الحشد الشعبي المقدس بماركة ومناصرة  الفتوى الربانية فتوى الجهاد الكفائي فتوى النصر   افرحت محبي الحياة والانسان  واحزنت اعدائها
وشعر ال سعود وكلابهم الوهابية داعش القاعدة النصرة  ومئات المنظمات التي ولدت من رحم ال سعود ونمت في حضنها ثم نشرتها في كل مكان من العالم لنشر الظلام والارهاب والفساد والوحشية   بالخطر وان استمرار الفتوى الربانية ووليدها الحشد الشعبي المقدس  يعني تلاشي مخططاتهم واحلامهم الخبيثة بل يعني نهاية وجودهم على الارض نهاية ال سعود وكلابهم الوهابية الوحشية 0
 لهذا غيروا وبدلوا في اشكالهم في الوانهم في اساليبهم  وصبغوا عملائهم بالوان  قد تخدع من ينظر اليها مثل العلمانية والمدنية  امثال جوقة المدى  وبعض  المجموعات التي تتظاهر بالعلمانية وحتى اليسارية وبعض رجال الدين الشيعة  اخذت تغدق عليهم الاموال واصبحوا جميعا يرددون ما تردده جريدة الشرق الاوسط التابعة لمخابرات ال سعود   وبوق الضاري التابعة لهيئة النفاق والمنافقين   كما استغلوا بعض العناصر  المعروفة بحماقتها وطفولتها وحبها للشهرة  والمال والنفوذ والنساء من الذين حسبوا انفسهم على الشيعة وفتحوا لهم الابواب على مصارعها  وحسب الطلب اضافة الى دواعش السياسة وثيران العشائر  وعناصر المجالس العسكرية والبرزاني ودواعشه  والنجيفي ودواعشه   ووراء هؤلاء جميعا الماكنة المالية والاعلامية الواسعة التابعة لإل سعود وشنوا حملة اعلامية كبيرة وواسعة جدا  تستهدف الاساءة الى الفتوى الربانية ووليدها الحشد الشعبي المقدس وكانت  تطالب بما يلي
 (1) دعوة الامام السيستاني الى الغاء الفتوى الربانية يعني الغاء الله  بحجة انتفاء الاسباب لا يدرون ان الفتوى هدفها صنع الانسان الحر وبناء الحياة الحرة الكريمة  لإتمام مكارم الاخلاق لتحقيق ارادة الله في الرحمة للعالمين جميعا
(2)دعوة الحكومة الى حل الحشد الشعبي المقدس  بل هناك من طالب  بطرد عناصر الحشد الشعبي المقدس خارج العراق او بإعدامهم بحجة انهم عملاء وخونة
(3)اتهام الفتوى الربانية بانها فتوى طائفية كانت السبب في نشر الارهاب رغم انها وحدت العراقيين وانهت الطائفية والعنصرية والعشائرية والمناطقية  وزرعت الحب والسلام  في النفوس ودفعتهم الى التضحية ونكران الذات
 (4) جمعت كل جرائم وموبقات ومفاسد الكلاب الوهابية والصدامية ورمتها على الحشد الشعبي المقدس
فجاء رد الشعب العراقي بكل اطيافه القوي والشجاع على هؤلاء وعلى اصواتهم النشاز الاصوات المأجورة دواعش السياسية الذين يزرعون الفتنة والتفرقة  وعلى لسان رئيس الحكومة
ان قوات الحشد الشعبي المقدس   لن تحل وسيبقى تحت قيادة المرجعية الدينية الرشيدة والدولة واطلق على فتوى الجهاد الكفائي اسم فتوى النصر
ويبقى الحشد الشعبي المقدس متسلحا بالفتوى الربانية بفتوى النصر الى الابد حتى يتبدد ظلام  الكلاب الوهابية ويعم النور في كل مكان من الارض حتى تقبر الوحشية ومن يؤيدها وتعم الحضارة والقيم الانسانية في كل مكان 0
ذكرت في التمهيد أهمية الفتوى الربانية ودورها في صنع النصر بعدها تطرقت الى معنى الفتوى في اللغة والاصطلاح والقرآن الكريم وكيفية قبول الفتوى والقاعدة العظيمة لها كما شمل البحث أركان الفتوى وشروط المفتي وحكم الفتوى والأدلة على ذلك ومتى تكون الفتوى فرض عين وأهمية الفتوى وحاجة الناس لها 0

الفتوى 
معنى الفتوى في اللغة: يمكن إيضاح معنى الفتوى لغة في ثلاث نقاط:[1]
1.    تأتي الفتوى بمعنى البيان . يقال: أفتاه في الأمر: أبانه له .
2.    تأتي الفتوى بمعنى الجواب على السؤال . يقال: أفتاه في المسألة يفتيه إذا أجابه .
3.    قد تختص الفتوى ببيان المشكل والجواب عما أشكل؛ حيث إن أصلها من الفَتَى، وهو الشاب الحدث، الذي شب وقوي، فكأنه يقوي ما أشكل ببيانه .
ويقال: الفُتوى والفُتيا والفَتوى، والجمع: فَتاوِي بكسر الواو، ويجوز فَتاوَى بفتحها للتخفيف .
معنى الفتوى في الاصطلاح:[2]


[1] انظر مجمل اللغة: 3/711 وأساس البلاغة: 334 والنهاية في غريب الحديث والأثر: 691 والمصباح المنير: 462 ولسان العرب: 15/147-148 والقاموس المحيط: 4/375
[2]    انظر صفة الفتوى والمفتي والمستفتي: 4 والفروق: 4/48-54 وإعلام الموقعين: 4/196

الفتوى اصطلاحا: الإخبار بالحكم الشرعي مع المعرفة بدليله 
وقد تضمن هذا التعريف أمورا ثلاثة:
الأمر الأول: قوله: الإخبار يفيد أن الفتوى من باب الإخبار المحض؛ إذ المفتي إنما يخبر بفتواه من استفتاه، فإن شاء قبل قوله وإن شاء تركه، ولا يلزمه بالأخذ بها .
وفي هذا احتراز عن حكم الحاكم وقضاء القاضي؛ فإن الحاكم أو القاضي يخبر الخصوم بقوله على سبيل الإلزام .
"فيشترك هو والمفتي في الإخبار عن الحكم، ويتميز القاضي بالإلزام"[1] .
قال القرافي: وبيان ذلك بالتمثيل:
أن المفتي مع الله تعالى كالمترجم مع القاضي؛ ينقل ما وجده عن القاضي واستفادة منه بإشارة أو عبارة أو فعل أو تقرير أو ترك .
والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم؛ ينشئ الأحكام والإلزام بين الخصوم، وليس بناقل ذلك عن مستنيبه، بل مستنيبه قال له أي شيء حكمت به على القواعد فقد جعلته حكمي .
فكلاهما موافق للقاضي ومطيع له وساع في تنفيذ مواده، غير أن أحدهما ينشئ، والآخر ينقل نقلا محضا من غير اجتهاد له في الإنشاء .
كذلك المفتي والحاكم؛ كلاهما مطيع لله تعالى قابل لحكمه، غير أن الحاكم منشئ والمفتي مخبر محض[2]
 . [1]    إعلام الموقعين: 1/36 .
[2]    الفروق: 4/53-54 .
 الأمر الثاني: قوله: بالحكم الشرعي يدل على أن الفتوى تختص ببيان الحكم الشرعي، دون غيره من الأحكام .
وفي هذا احتراز عن بيان الأحكام غير الشرعية؛ كاللغوية والطبية والعقلية؛ فإن ذلك لا يدخل تحت الفتوى بمعناها الشرعي الخاص، وإن كان داخلا تحت المعنى اللغوي العام للفتوى، وهو البيان والجواب .
الأمر الثالث: قوله: مع المعرفة بدليله يفيد أن الفتوى إنما تصدر عمن يعرف الدليل، وذلك هو العالم بالشرع، وهو الفقيه المجتهد، وهذا يشمل: ما أخبر به المفتي عما فهمه عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، مما نص عليه الكتاب والسنة، أو أجمعت عليه الأمة، ولما استنبطه وفهمه باجتهاده، ويشمل أيضا ما أخبر به عما فهمه عن إمامه الذي قلده من كتاب أو ألفاظ هذا الإمام[1] .
لذا فقد ذهب كثير من الأصوليين إلى أن المفتي هو المجتهد، وأنه لا يفتي إلا مجتهد، وهذا يشمل المجتهد المطلق ومجتهدي المذهب[2] .
وهذا فيه احتراز عن العامي المقلد؛ فإنه مجرد ناقل لقول غيره، وفيه احتراز أيضا عن الراوي؛ فإنه يخبر عن الحكم الشرعي، وإنما هو ناقل للفظه فقط، مع أن كلا من المقلد والراوي يشترك مع المفتي في بيان الحكم الشرعي .

[1]    انظر إعلام الموقعين: 1/36، 4/174، 196 .
2]    انظر الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: 4/221-222 وشرح الكوكب المنير: 4/557 .
قال ابن القيم: حكم الله ورسوله يظهر على أربعة ألسنة: لسان الراوي، ولسان المفتي، ولسان الحاكم، ولسان الشاهد .
فالراوي: يظهر على لسانه لفظ حكم الله ورسوله .
والمفتي: يظهر على لسانه معناه وما استنبطه من لفظه .
والحاكم: يظهر على لسانه الإخبار بحكم الله وتنفيذه .
والشاهد: يظهر على لسانه الإخبار بالسبب الذي يثبت حكم الشارع 
والواجب على هؤلاء الأربعة أن يخبروا بالصدق المستند إلى العلم؛ فيكونوا عالمين بما يخبرون به، صادقين في الإخبار به، وآفة أحدهم الكذب والكتمان[1].


 [1]    إعلام الموقعين: 4/174
    الفتوى في القران الكريم
ولقد وردت كلمة الفتوى في كتاب الله تعالى في آيات منها : قوله سبحانه وتعالى : { فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} ( ). 
يعني فاسألهم سؤال تقرير.

وقال جل جلاله : { يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ }( ) وقال سبحانه وتعالى : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنّ }( ) .  أَي يسأَلونك سؤال تَعَلُّـم. 

والمفتي هو الذي يجيب الناس على أسئلتهم ويبين لهم أحكام الله تعالى فيما يسألونه ،  والمستفتي هو طالب الفتوى من أهلها .

وفـي الـحديث الشريف 0 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الإِثْمُ ما حَكَّ فـي صدرك وإِن أَفْتاك الناسُ عنه وأَفْتَوك ) ( ) ، أَي وإِن جعلوا لك فـيه رُخْصة وجَوازاً .

كيفية قبول الفتوى 0
والقاعدة العظيمة في الفتوى ، وكيفية قبولها ما ورد في القصة الآتية عن وابصة الأسدي (1)، قال : أتيت رسول الله  صل الله عليه واله وسلم وأنا أريد أن لا أدع شيئا من البر والإثم إلا سألته عنه ، فأتيته وحوله عصابة من المسلمين يستفتونه ، فجعلت أتخطاهم إليه ، فقالوا : إليك يا وابصة ، فقلت لهم : دعوني أدنو منه ، فإنه أحب الناس إلي أن أدنو منه ، فقال : دعوا وابصة ، أدن يا وابصة أدن يا وابصة ، فدنوت فجلست بين يديه ، فقال لي : يا وابصة ؟ أتسألني أو أخبرك ، قلت : بل أخبرني يا رسول الله ! قال : جئت تسألني عن البر والإثم ، قلت : نعم . فجمع أنامله ثم جعل ينكت بهن في صدري ، ويقول : (  يا وابصة استفت قلبك واستفت نفسك ، استفت قلبك واستفت نفسك ، البر ما اطمأنت إليه النفس ، والإثم ما حاك في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك ثلاث مرات ) (2) .

وعن أبي ثعلبة الخشني(3) ، قال قلت يا رسول الله : أخبرني بما يحل لي وما يحرم علي ، قال : فصعد النبي  صل الله عليه واله وسلم  وصوب في البصر، فقال النبي  صل الله عليه واله وسلم : ( البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون ) رواه أحمد(4). ورجاله ثقات (5).
  - مسند أبي يعلى : 3/162.
  - وابصة بن  معبد بن الحارث بن مالك بن الحارث صحابي جليل ، الثقات : 3/431.
  - مسند أبي يعلى : 3/162.
  - جرثوم بن عمرو أبو ثعلبة الخشني اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، صحابي جليل . تهذيب التهذيب : 12/52.
  - مسند الإمام أحمد : 4/194 .
أركان الفتوى: أركان الإفتاء أربعة؛ وهي: المفتي، والمستفتي، والمستفتى عنه، والمفتى به. 
. (1)المفتي: وهو العالم الشرعي الإسلامي الذي يقوم بإصدار الفتوى والإجابة عن السؤال. 
(2). المستفتي: وهو الشخص الطّالب للإجابة والحكم الشرعيّ. 
.(3) المستفتى عنه: وهو السؤال عن الحكم، والمسألة المسؤول عنه، ويجب أن تكون هذه المسألة فيها إلتباس وتحتاج بياناً في الحكم، ويجب أن يكون المستفتى عنه فيه لبس وليس حكماً شرعيّاً واضحاً. 
(4.)المفتى به: وهو الحكم الشرعيّ والجواب عن السؤال، ويكون الجواب مستمدّاً من القرآن الكريم، أو السنّة النبويّة، أو بالإجماع. شروط المفتي: حتّى يستطيع أن يكون العالم مفتياً ويصدر أحكاماً شرعيّة يسير عليها النّاس في حياتهم، 
على المفتي أن يتمتع بصفات معيّنة وشروط لا يجب اختلالها؛ منها: 
(1). أن يكون مجتهداً "حسب التعريف الإسلامي للاجتهاد"، أي أن يكون قادراً على استنباط الأحكام الشرعيّة والتحليل المنطقي للقرآن والسنّة
.(2) أن يكون قادراً على فهم معاني وتفاسير وأسباب نزول الآيات القرآنية. 
(3.) أن يكون على دراية وعلم بعلوم اللغة العربية.
.(4) أن يكون على دراية وعلم "بعلوم الحديث" و "علوم القرآن". (5.) أن يكون على معرفة بالقانون الإسلامي. 
(6). أن يكون على معرفة سابقة بكل الفتاوي السابقة 1لما يتعلّق بالفتوى التي يصدرها في نفس الموضوع. أهميّة الفتوى: ومّنا يدلنا على أهميّة الفتوى في حياتنا، ذكرها في آيات كثيرة في القرآن الكريم، حيث أنّ جلّ وعلا يتوّلاها؛ يقول تعالى: "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلَالَةِ" ([2]) الصافات: 11.
. كما أنّ الله سبحانه وتعالى قد رفع مرتبة الإفتاء، وجعلها وظيفة رسولنا الكريم "صلّ الله عليه واله وسلّم"، ورفع مكانتها بأن حرّم التساهل في أمرها حيث لا يجوز لأيّ كان أن يفتي في شيء لا يدري به، وإنّما كان على المفتين أن يكونوا جديرين بهذا الموقف وأن يتحمّلوا مسؤوليّة إفتائهم؛ يقول تعالى في ذلك: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ"  سورة النحل 116(3).
وَالاسْتِفْتَاءُ لُغَةً: طَلَبُ الْجَوَابِ عَنِ الأَمْرِ الْمُشْكِلِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: :﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ ([4])،

([1]) لسان العرب، والقاموس المحيط.
([2]) الصافات: 11.
 ([3]) النحل:116.
([4]) الكهف: 22.
وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى مُجَرَّدِ سُؤَالٍ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ﴾ ([1])، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيِ اسْأَلْهُمْ.([2]) 
والمستفتي: اسم فاعل من الاستفتاء وهو لغة: طالب الفتوى. 
وفي الاصطلاح هو: من طلب الحكم الشرعي من المجتهد، فيدخل فيه العامي والمتعلم الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد. 
وَالْفَتْوَى فِي الاصْطِلاحِ: تَبْيِينُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ عَنْ دَلِيلٍ لِمَنْ سَأَلَ عَنْهُ وَهَذَا يَشْمَلُ السُّؤَالَ فِي الْوَقَائِعِ وَغَيْرِهَا.([3]) 
وَالْمُفْتِي لُغَةً: اسْمُ فَاعِلِ أَفْتَى، فَمَنْ أَفْتَى مَرَّةً فَهُوَ مُفْتٍ، وَلَكِنَّهُ يُحْمَلُ فِي الْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ بِمَعْنًى أَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ،
قَالَ الصَّيْرَفِيُّ: هَذَا الاسْمُ مَوْضُوعٌ لِمَنْ قَامَ لِلنَّاسِ بِأَمْرِ دِينِهِمْ، وَعَلِمَ جُمَلَ عُمُومِ الْقُرْآنِ وَخُصُوصِهِ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ، وَكَذَلِكَ السُّنَنُ وَالاسْتِنْبَاطُ، وَلَمْ يُوضَعْ لِمَنْ عَلِمَ مَسْأَلَةً وَأَدْرَكَ حَقِيقَتَهَا، فَمَنْ بَلَغَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ سَمَّوْهُ بِهَذَا الاسْمِ، وَمَنِ اسْتَحَقَّهُ أَفْتَى فِيمَا اسْتُفْتِيَ فِيهِ.([4]) 

([1]) الصافات: 11.
([2]) تفسير القرطبي (15/68)، وتفسير ابن كثير (4/3)، ط عيسى الحلبي.
([3]) شرح المنتهى (3/456)، مطبعة أنصار السنة بالقاهرة، وصفة الفتوى والمستفتى لابن حمدان ص4.
([4]) البحر المحيط (6/305).
حكم الفتوى: 
الأصل أن الفتوى فرض كفاية، إذ لا بد أن يوجد في المسلمين من يبين لهم أحكام دينهم فيما يعرض لهم، ولا يُحْسِنُ ذلك كل مكلف، فوجب أن يقوم به من يقدر عليه.
ولم تكن فرض عين لأنها تقتضي تحصيل العلوم الشرعية وليس كل الناس أهلا لها، فلو كلفها كل واحد لأدى ذلك إلى تعطيل أعمال الناس ومصالحهم، لانصرافهم إلى تحصيل علوم بخصوصها، وانصرافهم عن غيرها من العلوم النافعة. 
والأدلة على ذلك كثيرة ومنها:
- قول اللَّـه تبارك وتعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ
ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ([1])، 
وقول النبي ـ صَلَّ اللَّـهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ ـ: «من سئل عن علم ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار»([2]).
قال جلال الدين المحلي: ومن فروض الكفاية القيام بإقامة الحجج العلمية، وحل المشكلات في الدين، ودفع الشبه، والقيام بعلوم الشرع كالتفسير والحديث والفروع الفقهية بحيث يصلح للقضاء والإفتاء للحاجة إليهما.([3]) 
([1]) آل عمران: 187.
([2]) أخرجه الترمذي (5/29) من حديث أبي هريرة، وقال: حديث حسن صحيح.
 ([3]) شرح المنهاج للمحلي (4/214).

ويجب أن يكون في البلاد مفتون ليعرفهم الناس، فيتوجهوا إليهم بسؤالهم يستفتيهم الناس، وقدر الشافعية أن يكون في كل مسافة قصر واحد.([1]) 
متى تكون الفتوى فرض عين؟
يتعين الجواب على المفتي بشروط: 
الأول: أن لا يوجد في الناحية غيره ممن يتمكن من الإجابة، فإن وجد عالم آخر يمكنه الإفتاء لم يتعين على الأول، بل له أن يحيل على الثاني.([ 2])
قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول اللَّـه ـ صَلَّ اللَّـهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ ـ يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول.([ 3])
الثاني: أن يكون المسئول عالما بالحكم؛ لأن اللَّـه تعالى حرم القول في دين اللَّـه بلا علم.
الثالث: ألا يوجد مانع يمنع المفتي منه، فإذا كان السؤال عن أمر غير واقع، أو عن أمر لا منفعة فيه للسائل، أو غير ذلك؛ فهذا مانع من وجوب الجواب عليه. ([4])

([1]) شرح المنهاج (4/214).
([2]) شرح المنتهى (3/458) مكتبة المنيرة.
([3]) المجموع للنووي شرح المهذب للشيرازي (1/45)، القاهرة، المكتبة المنيرية.
([4]) الموافقات (4/313).
مقام الفتوى شأنه عظيم: وتتبين عظمة مقام الفتوى مما يلي:
أولا: أن اللَّـه تعالى ذكر بعض الأحكام بلفظ الفتوى ونسب ذلك إلى نفسه سبحانه فقال ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا﴾ ([1]). 
وقال: ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ([2]).
ثانيا: أن النبي ـ صَلَّ اللَّـهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ ـ كان يجيب على الأسئلة التي توجه إليه، وكان ذلك من الواجب عليه، حيث كلفه اللَّـه تعالى بذلك فقال: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ ([3]). 

([1]) النساء: 127.
([2]) النساء: 176.
([3]) النحل: 44
فالمفتي وارث النبي ـ صَلَّ اللَّـهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ ـ في بيان الأحكام للأنام، وقد خلف النبي ـ صَلَّ اللَّـهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ ، ثم أهل العلم جيلا بعد جيل.
ثالثا: غاية الفتوى بيان حكم اللَّـه تعالى، فهي من القول على اللَّـه تعالى، قال ابن القيم: «إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات» ([1]) 
ونقل النووي عن العلماء: أن المفتي موقع عن اللَّـه تعالى. ونقل عن ابن المنكدر أنه قال: العالم بين اللَّـه وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم؟([2])


 ([1]) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم (1/10).
([2]) مقدمة المجموع (1/73) تكملة المطبعي وتحقيق.
أهمية الفتوى وحاجة الناس إليها

لقد أدى التقدم العلمي ، وتعدد حاجات الناس المستحدثة ، وما ترتب على ذلك من كثرة الوقائع المتباينة، والمتعددة  مع غياب المؤسسات الشرعية التي تقوم بتطبيق الشريعة أو بيان حكمها فيها إلى تطلع المسلمين إلى معرفة حكم الله فيها لمعرفة حلالها من حرامها ، وصحيحها من فاسدها ، ومقبولها من مردودها ومرجع الناس في ذلك بعد الرسول - صل الله عليه واله وسلم - هو عالم الشريعة ،الراسخ في العلم ، المشهود له بالزهد والورع، المستقل بأحكام الشرع نصا واستنباطا لقوله تعالى { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }[1]
 ومما لاشك فيه أن خلو المجتمع من المفتين يجعل الناس يسيرون وفق أهوائهم، ويتخبطون في دينهم خبط عشواء فيحلون الحرام ويحرمون الحلال ويرتكبون المعاصي من حيث يعلمون أو لا يعلمون[2]
ومن ثم فحاجة الناس إلى المفتي لا تقل عن حاجتهم للطعام والشراب ولذلك وصفهم ابن القيم رحمه الله بأنهم:" في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب وطاعتهم أفرض عليهم من طاعة الأمهات والآباء بنص الكتاب قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [3]
[1] ـ النحل آية 43
[2] ـ الفتيا ومناهج الإفتاء ـ د/ محمد سليمان الأشقر ـ دار النفائس ـ الأردن ـ طبعة ثالثة ص 28[3] ـ إعلام الموقعين ج1/16 والآية سورة النساء آية 59
ففي هذه الآية الكريمة أمر الله  تعالى" برد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه صل الله عليه واله وسلم، وليس لغير العلماء معرفة كيفية الرد إلى الكتاب والسنة، ويدل هذا على صحة كون سؤال العلماء واجبا، وامتثال فتواهم لازما.
  قال سهل بن عبد الله رحمه الله: لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإذا عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإذا استخفوا بهذين أفسد دنياهم"[1]
ولما كان للافتاء والفتوى هذه المنزلة العظيمة زاد خطرها إذ عليها يتوقف صلاح الدنيا والآخرة ، ومعرفة الحلال من الحرام، ومما زاد من خطورتها كثرة الأحداث، وتعدد القضايا التي ليس لها نظير في حياة سلفنا يقاس عليه ،أو لها نظير ولكن تغيرت علل الأحكام بسبب تغير الظروف مما يستلزم معه تغير الحكم .
وهذا كله يستلزم أن يكون المفتي على قدر تام من  التصور والإحاطة الشاملة بالمسألة قبل الحكم فيها حتى يكون الاجتهاد صوابا أو قريبا من الصواب وإلا أفسد على الناس  دينهم وحياتهم ودفعهم على ارتكاب المعاصي من حيث لا يشعرون، وباء هو بإثمهم جميعا إلى يوم الدين   والقول على الله بغير علم هو افتراء عليه بالكذب نهانا الله عنه بقوله {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }[2]

[1] ـ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ـ دار إحياء التراث ـ لبنان 1405هـ/1985م ج5/260
[2] ـ النحل 116
والمعنى: إن الذين يتخرّصون على الله الكذب ويختلقونه، لا يخلَّدون في الدنيا ، ولا يبقون فيها، إنما يتمتعون فيها قليلا...ولهم على كذبهم وافترائهم على الله بما كانوا يفترون عذاب عند مصيرهم إليه أليم.[1]
فالآية : بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه[2]
ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئا مما حرم الله، أو حرم شيئا مما أباح الله، بمجرد رأيه وتشهِّيه.[3]
وبين الله سبحانه أن الفتيا بغير علم "من أعظم المحرمات بل جعله في المرتبة العليا منها فقال تعالى : {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }[4]

[1] ـ جامع البيان في تأويل القرآن ـ: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، [ 224 - 310 هـ تحقيق : أحمد محمد شاكرـ مؤسسة الرسالة الطبعة : الأولى ، 1420 هـ - 2000 م ج17/314 باختصار
[2]  ـ إعلام الموقعين ج1/39
[3] ـتفسير ابن كثير ـ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ـ تحقيق سامي بن ممد سلامة ـ دار طيبة للنشر والتوزيع الإسلامية ـ طبعة ثانية 1420هـ /1999م ج4/609
[4] ـ الأعراف 33 وانظر إعلام الموقعين ج1/39
 من أجل هذا التهديد والوعيد لمن يفتي في شرع الله بغير علم وجدنا كثيرا من السلف يتورع عن الفتيا بل ويحذر من الخوض فيها وقد  ذكر العلماء كثيرا من أخبارهم في ذلك وإليك بعضا منها:
 قال: ابن المنكدر :العالم بين الله تعالى وخلقه فلينظر كيف يدخل بينهم .
وقال عبد الرحمن ابن أبي ليلى :أدركت عشرين ومئة من الأنصار من أصحاب رسول الله - صل الله عليه واله وسلم -يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول  وفي رواية ما منهم من يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.
 وعن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم من أفتى في كل ما يسأل فهو مجنون
 وقال عطاء بن السائب التابعي: أدركت أقواما يسأل أحدهم عن الشيء فيتكلم وهو يرعد .
وقال سفيان بن عيينه وسحنون أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما .
 سئل  الشافعي عن مسألة فلم يجب فقيل له فقال حتى أدري أن الفضل في السكوت أو في الجواب .
 وقال الأثرم :سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن يقول لا أدري وذلك فيما عرف الأقاويل فيه
وعن الهيثم بن جميل قال: شهدت مالكا سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدري .
 وروى عنه أيضا أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها وكان يقول من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب .
 وسئل عن مسألة فقال لا أدري فقيل :هي مسألة خفيفة سهلة فغضب وقال: ليس في العلم شيء خفيف .
 وقال الشافعي: ما رأيت أحدا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت منه على الفتيا .
 وقال سحنون : إني لأحفظ مسائل منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب قبل الخبر ؟ فلم ألا على حبس الجواب
وروي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر  أنه جاءه رجل فسأله عن شيء فقال القاسم: لا أحسنه فجعل الرجل يقول: إني وقفت إليك لا أعرف غيرك. فقال القاسم :لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي والله ما أحسنه فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يا ابن أخي الزمها فو الله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم. فقال القاسم : والله لأن يقطع لساني أحب إلي من أن أتكلم بما لا علم لي به.(1)

[1] ـ انظر  آداب الفتوى للإمام النووي14-17 وإعلام الموقعين ج1/35 وأدب المفتي والمستفتي لابن الصلاح  ص 11

أهمية دور المفتي : 

    وتكمن أهمية المفتي والإفتاء في أن المفتي يقوم ببيان الأحكام الشرعية للمسائل التي تحدث للناس ، وما يجد في هذه الحياة من مسائل لم تكن وقعت قبل ذلك ، وبالتالي فإن المفتي يبين فيما يترجح لديه حكم الله تعالى فيما ينزل بالمسلمين .
         
     ولذلك قالوا: لابد أن نعلم أن المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، لقوله صل الله عليه واله وسلم : ( العلماء ورثة الأنبياء )(1) ، والعالم والمفتي قائم بفرض الكفاية لكنه معرض للخطأ ، ولهذا قالوا : المفتي موقع عن الله تعالى . فعن ابن المنكدر قال : العالم بين الله تعالى وخلقه ، فلينظر كيف يدخل بينهم(2) .

    ولخطر الإفتاء ومسئوليته العظيمة عند الله تعالى كان الصحابة والتابعون والمجتهدون يتورعون عن الفتوى ويحيلها بعضهم إلى بعض خشية الوقوع في الخطأ في حكم الله تعالى .


(1)صحيح بن حيان :1189
(2)المدخل الى السنن الكبرى1438

موقف التابعين من الفتوى : ر
 فعن عبد الرحمن ابن أبي ليلى (1) قال : أد كت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صل الله عليه واله وسلم يسأل أحدهم عن المسألة ، فيردها هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول (2).
وفي رواية : ما منهم من يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه ، ولا يستفتى عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.

 

(1)أبو عيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى وأسم أبي ليلى يسار الأنصاري الأوسي الكوفي وابو ليلى صحابي شهد أحد وما بعدها من المشاهد :
تهذيب الأسماء 1283
(2)تاريخ بغداد =13412والمدخل الى السنن الكبرى =1433


وبسبب خطر الفتوى وعظم شأنها يقول ابن مسعود(1) وابن عباس(2) رضي الله عنهم : من أفتى في كل ما يسأل فهو مجنون (3).
    وعن الشعبي (4)والحسن(5)وأبي حصين(6)التابعيين قالوا: إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب  لجمع لها أهل بدر (7)


(1)عبد الله بن مسعود بن غافل وفاء بن حبيب الهذلي أبو عبد الرحمن من السابقين الأولين ومن كبار العلماء من الصحابة مناقبه جمة وأمره عمر على الكوفة ومات سنة أثنين وثلاثين أو في التي بعدها بالمدينة : تقريب التهذيب 1323
(2)عبد الله بن عمر بن ربيعة العنزي حليف بني عدي أبو محمد المدني ولد على عهد النبي صل الله عليه واله وسلم ولأبيه البغوي مشهوره ووثقه العجلي مات سنة بضع وثمانين :تقريب التهذيب 1309
(3)أدب المفتي والمستفتي 175
(4)عامر بن شراحيل الشعبي أبو عمرو ثقة مشهور فقيه فاضل مات بعد المائة ولو نحو من ثمانين : تقريب التهذيب 1287
(5)الحسن بن أبي الحسن البصري وأسم أبيه يسار الأنصاري مولاهم ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيرا ويدلس مات سنة عشر ومائة وقد قارب التسعين : تقريب التهذيب 1160
(6)آداب الفتوى =115
(7)أبطال الحيل 162وتحفة الأحوزي 2100وآداب الفتوى 176
 وعن عطاء بن السائب التابعي(1): أدركت أقواما يسأل أحدهم عن الشيء فيتكلم وهو يرعد(2). يعني يرتجف خوفا من الله تعالى ان تكون فتواه خاطئة . 
      
وعن سفيان بن عيينة(3)وسحنون(4)قالا : أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما(5)

1))عطاء بن السائب بن مالك ويقال زيد الثقفي أبو السائب الكوفي =تهذيب التهذيب 7183
(2)آداب الفتوى =115
(3)سفيان بن عينيه بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي ثقة حافظ فقيه أمام حجة مات في رجب سنة ثمان وتسعين وله أحدى وتسعون سنة =تقريب التهذيب 1245
(4)سحنون بن سعيد الأفريقي من فقهاء أصحاب مالك جالس مالكا مدة وقدم بمذهبه الى أفريقيا فأطهره فيها وتوفى سنة 142هجرية =معجم البلدان 1231
(5)أعلام الموقعين =134وأدب الفتوى 18

.
موقف أئمة الفقه من الفتوى :
وعن الشافعي(1)وقد سئل عن مسألة فلم يجب فقيل له : فقال حتى أدري أن الفضل في السكوت أو في الجواب (2). 

 وعن الأثرم(3)سمعت أحمد بن حنبل(4)يكثر أن يقول : لا أدري وذلك فيما عرف الأقاويل فيه(5). 

     وعن الهيثم بن جميل(6)شهدت مالكا(7)سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في ثنتين وثلاثين منها لا أدري(8)


(1)الأمام الشافعي محمد بن أدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب الأمام عالم العصر ناصر الحديث فقيه =سير أعلام النبلاء 105
(2)أدب الفتوى 115
(3)عمر بن دينار الملكي أبو محمد الأثرم الجمحي مولاهم أحد الأعلام =تهذيب التهذيب 826
(4)أحمد بم محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي نزيل بغداد أبو عبد الله أحد الأئمة ثقة حافظ فقيه حجة مات سنة أحدى وأربعين وله سبعه وسبعون سنة =تقريب التهذيب 184
(5)آداب الفتوى 115وأدب الفتوى 179
(6)الهيثم بن جميل البغدادي أبو سهل الحافظ نزيل أنطاكيه (ت312هجرية)=تهذيب التهذيب 1180(7)مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن جتيل بن عمرو بن الحارث وهو ذو أصبح الأصبحي الحميري أبو عبد الله المدني الفقيه أحد أعلام الأاسلام أمام دار الهجرة =تهذيب التهذيب 1015(8)أداب الفتوى 115

وعن مالك أيضا أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها ، وكان يقول : من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب(1). 

وسئل عن مسألة فقال لا أدري ، فقيل هي مسألة خفيفة سهلة ، فغضب وقال ليس في العلم شيء خفيف (2) 

      وقال الشافعي : ما رأيت أحدا جمع الله تعالى فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت منه على الفتيا (3).بمعنى أن ابن عيينة كان متمكنا من علمه ومع هذا كان قليل الفتوى يسكت عن كثير منها أو لا يفتي مع قدرته .

(1)صفة الفتوى =18
(2)صفة الفتوى =18
(3)اداب الفتوى 116


 
 موقف العلماء : 
 قال الصيمري(1): قل من حرص على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها إلا قل توفيقه واضطرب في أمره ، وإن كان كارها لها كانت المعونة له من الله أكثر والصلاح في جوابه أغلب(2) .
     

عن ابن جريج(3) أولي الأمر منهم  أولي الفقه في الدين والعقل ، وعن مجاهد(4) لعلمه الذين يستنبطونه منهم قال الذين يسألون عنه ويتحسسونه(5).
فوجه الاستدلال من هذه الآية : أن الله تعالى حث على تدبر القرآن والاعتبار بآياته والاتعاظ بمواعظه ، وهذا يدل على أن أولي الألباب بما لهم من العقل السليم واللب الصافي عليهم أن يتأولوا ما لم يستأثر الله بعلمه ، إذا التدبر والاتعاظ فرع الفهم والتفقه في كتاب الله ، والآية الكريمة تدل على أن في القرآن ما يستنبطه أي يستخرجه أولو الألباب والفهم الثاقب (6). 
 
ومن الذي يستخرج الشيء من معادنه غير المتخصص المتمكن الدارس لا المتخبط المتتلمذ البسيط قليل البضاعة . 

(1)هو القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين الصميري كان حافظ للمذهب شيخ الشافعية وعالمهم القاضي من أصحاب الوجوه تفقه بأبي حامد المروروذي وبأبي الفياض وأرتحل الفقهاء أليه الى البصرة وعليه تفقه أقضى القضاة الماوردي وصنف كتاب الأيضاح في المذهب سبع مجلدات وكتاب القياس والعلل وغير ذلك كان موجودا سنة 405هجرية =طبقات الفقهاء 1223-224وطبقات الشافعيين 2184-185وسير أعلام النبلاء 1714
(2)أدب المفتي والمستفتي 184وصفة الفتوى 111وآداب الفتوى 116
(3)حي بن يؤمن بن حجيل بن جريخ أبو عشانه توفى سنة هجرية 118 =تقريب التهذيب 1185
(4)مجاهد بن جبر الملكي أبو الحجاج المخزومي المقري مات بمكة سنة أثنين أو ثلاث ومائة وكان ساجد وكان مولده سنة أحدى وعشرين في خلافة عمر =تهذيب التهذيب 1038-40
(5)تفسير الطبري 5182
(6)مناهل العرفان 243

الخاتمة
عندما نقول فتوى النصر نعنيها بالتأكيد نعم بالفتوى انتصرنا  لأنها تحمل روح الدفاع المقدس منذ انطلاقتها فشكلت خيمة لكل أحرار العالم سارية هذه الخيمة الشهداء فهم رايات النصر بأيمانهم ومواقفهم التي تستحق أن يركع أمامها التاريخ لما تحمله من قيم الشجاعة والبطولة والأيمان بعدالة القضية في كل هذا نستمد العزم والعون من قيم الشهادة والشهداء في واقعة الطف التي أنتصر فيها الدم على السيف واصبح الشهداء فيها رايات خفاقة للحق والعدالة وأعلاء كلمة ألله اكبر فهم شهداء المذهب والعقيدة يتقدمهم سيدهم سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام عندها بانت دلائل النصر للمنهج الإسلامي منهج أهل البيت عليهم السلام في الحرص على قيم الكرامة والسلام والحفاظ على جوهر الفعل الإنساني ولكن هل يرضى الأعلام المعادي والمأجورين كما هم سابقا شوهوا الحقيقة وطمسوا معالم أهل بيت الرسالة عليهم السلام وكان همهم الأصفر الرنان ورضا الحاكمين يعودوا اليوم وبأساليب مختلفة على تحريف معنى الانتصار بالفتوى المباركة بل بالتشكيك فيها كونها كما يدعون تزرع روح التفرقة وتبث الطائفية ولكنهم هذه المرة كعادتهم فشلوا أمام اندفاع الملايين لتلبيتها والتي لولاها لكنا سبايا وتهدمت الأضرحة المقدسة كما هدموا أضرحة البقيع ولا بد من الإشارة أن هذه الأضرحة تشكل عامل ضغط على العملاء والسائرين في ركابهم لأنها مصدر إشعاع يعم المعمورة ولكن الأمة التي حباها الله سبحانه وتعالى بوجود المسدد لها المتمثل بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني حفظه الله ورعاه والمرجعية الرشيدة أفشلت كل المراهنات وصعقت الجميع في الوقت المناسب وهذا يؤكد دقة المرجعية الرشيدة في تحديد الوقت المناسب ولهذا وغيره حاولوا جاهدين ولا زالوا في التقليل من شأن هذه الفتوى المباركة ومن الحشد المقدس بل طالبوا وبكل وقاحة أن يبعد هذا الحشد عن الوجود وطالب القسم منهم باعتبار الحشد المقدس مليشيا مثل داعش والقاعدة من حيث الخطر والأدهى من هذا أن المطالبين عرب أمثال قطر ومن لف لفهم وسقط في حظيرتهم وكان ولا يزال الحشد المقدس يلازمهم في الخيال لبسالته وأيمانه بالفتوى اليس هذا هو النصر المسدد بحمد الله تعالى؟
وفتوى النصر تعاملت مع الواقع تعاملا جادا فلولاها لطال الإرهاب الوطن والأمة ولهذا خلقت الأمان والاطمئنان للأمة باسم الدين والضمير لمواجهة الاستبداد والفوضى والشر واستطاعت أن تؤثر روحيا على الملايين من الناس ليحملوا مسؤوليه الانتماء للوطن والدين والأمة وهي تحمل نتاج فكري متطور 0
فكما نقرأ واقعة الطف بعد ألف سنة ونيف وهي تجدد فينا روح التضحية والفداء من أجل المبادئ السامية ونصرة الدين والمذهب وانتصار الدم على السيف ونهاية الظالمين المؤلمة والتي لم يحصلوا من حطام الدنيا ما كانوا يحلمون ولم يبقى شاخص لهم كذلك نقرا نتائج فتوى النصر بعد ألف سنة مع وجود المتغيرات كيف يخلد الشهداء وتضحياتهم التي تؤكد صدق انتمائهم للدين والمذهب وخلودهم في ضمائرنا الى الأبد كونهم من صنع هذا النصر المبارك 0
ونقرأ فتوى النصر كقيمة جمالية استطاعت أن تؤثر على الملايين من الناس ليحملوا مسؤوليه الانتماء للوطن والدين وكذلك فعلت فعلها مع ميسوري الحال وكل طبقات المجتمع بما فيهم الفقراء بما يستطيعون وبقناعة وتقديمه للحشد المقدس من الدعم اللوجستي الذي ساهم في تحقيق النصر من خلال ادامة زخم المقاتلين وأمدادهم بما يحتاجون من مؤن وغذاء وكل شيء وبهذا ساهم أبناء الشعب كل من موقعه في دعم هذه الفتوى الربانية التي وحدت العراقيين في تحديد مصيرهم واختيار مستقبلهم المشرق واندحرت قوى الظلام تجر أذيالها بعار الهزيمة والذل وبهذا حققت الفتوى أهدافها رغم أنوف الحاقدين وسطع أسم المرجعية الرشيدة الذي لقن الأعداء أبلغ الدروس والحسابات المستقبلية 0
هذه الفتوى المباركة انطلقت باسم الدين والضمير لمواجهة الاستبداد والشر وأستنها الوعي الإنساني الإصلاحي للدفاع عن الوطن في وقت محنته واستطاعت أن تقضي على فكرة تقسيم الوطن والقضاء على فرص التعصب الطائفي والقومي والتوسعي في وقت شكل الفساد ظاهرة مدعومة غايتها أنهاء الوحدة العراقية من خلال استغلال الوظيفة وقبول الرشوة وأنكار العدالة 0
وانبثقت الفتوى من أجل أن تنهي هذه اللعبة القذرة التي وقف العالم أمامها متفرجا ألا وهي مسألة سبي النساء وبيعهن في مزادات الهلاك لقد حسمت  الفتوى النتيجة بتعرية مزادات النخاسة وصفقات الموت لتجار الدم 0
والفتوى المباركة استنهضت فينا قول الرسول الكريم محمد صل الله عبيه واله وسلم عن الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس واستطاعت ترجمة معنى ابتهاج أمير المؤمنين علي عليه السلام حين أبلغه الرسول صل الله عليه واله وسلم أن مصيره الشهادة وبعثت هذا الزهو الشعبي وأعادة الحياة الى الشارع الإسلامي كي لا يجير موضوع الشهادة لصالح الفكر الانتحاري فقول الامام عيه السلام (فزت ورب الكعبة)يؤكد شرف الانتماء لهذه الأمة والدفاع عنها وترجمة قول النبي صل الله عليه واله وسلم وهو يخاطب الحسين عليه السلام (لك منزلة عند الله لا تنالها ألا بالشهادة )
من خلال تكريم عوائل الشهداء والاهتمام بهم وعمل برامج تعبويه تؤكد هذا الاهتمام وأصبح عنوان الشهادة عنوان للثراء الروحي من أجل قيم الدين والوطن والأنسان فكان نداء المرجعية فرصة لالتحاق الناس بركب المسؤولية وفهم معنى أن نموت من أجل الآخرين لا العكس0
وأخيرا أقول وبكلمة واحدة هي صمام أمان الوطن وما النصر ألا من عند الله0


المصادر
القرآن الكريم
(1)أساس البلاغة 334
(2)النهاية في غريب الحديث والأثر 691
(3)المصباح المنير462
(4)القاموس المحيط 4375
(5)لسان العرب 15147
(6)أعلام الموقعين 4196
(7)الفروق453
(8)الأحكام في أصول الأحكام للأمدي 4221
(9)الثقات 3431
(10)البحر المحيط 6305
(11)المجموع للنووي شرح المهذب الشيرازي 145القاهرة المكتبة المنبرية
(12)أعلام الموقعين عن رب العالمين لأبن القيم 110 
(13)الفتيا ومناهج الأفتاء دمحمد سليمان الأشيقر دار النفائس الأردن طبعة ثالثة
(14)أدب الفتوى للأمام النووي 14-
(15)أدب المفتي والمستفتي لأبن الصلاح 
(16)المدخل الى السنن الكبرى1438
(17)تهذيب التهذيب 1252
(18)تفسير القرطبي 1568
(19)تفسير أبن كثير 43 طبع عيسى الحلبي
(20)تفسير الطبري 5182
(21)شرح الكوكب المنير 4196
(22)شرح المنتهى 3456مطبعة أنصار السنة بالقاهرة
(23)شرح المنهاج للمحلي 4214
(24)مجمل اللغة 3711مسند أبي يعلى3162
(25)مسند الأمام أحمد 4194
(26)مقدمة المجموع 173تكملة المطبعي
(27)معجم البلدان 1231
(28)مناهل العرفان 243
(29)صفة الفتوى والمفتي والمستفتي 448
(30)صحيح أبن حيان 1189
(31)سير أعلام النبلاء 105
(32)الموافقات 4313
(33)جامع أحكام القرآن للقرطبي دار أحياء التراث لبنان 14051985مح5260
(34)جامع البيان في تأويل القرآن محمد بن جرير بن كثير بن غالب الأملي أبو جعفر الطبري (224-310هجرية)وتحقيق أحمد محمد مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى 1420هجرية 2000 م ح17314
(35)تقريب التهذيب 1545
(36)طبقات الفقهاء 1223
(37)طبقات الشافعيين 2184

  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


غائب عويز الهاشمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/07/05



كتابة تعليق لموضوع : فتوى النصر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net