صفحة الكاتب : السيد اسعد القاضي

حضور مرتكبي المعاصي في المراسم الدينية [نظرة في كيفية التعامل معهم]
السيد اسعد القاضي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين، إلى يوم الدين.

من دون مقدمات ولا تمهيد.. نطرح سؤالاً طالما دعت الحاجة للإجابة عليه، إجابة مستوحاة من النص الشريف.. لو أن شخصاً محبّاً لأهل البيت (عليهم السلام) خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ملمّ بالذنوب، مرتكب لذنب مصرّ عليه، غلبه عليه الشيطان وهوى نفسه الأمّارة، كيف يتم التعامل معه من قِبل المؤمنين والمكلّفين؟

وبتعبير آخر: ما هي وظيفة المكلفين تجاه الاشخاص الذي يقترفون محرماً من المحرمات، خصوصاً إذا كان اقتراف المحرم في مورد طاعة أو في بيت عبادة؟. 

وأمثلة هذا كثيرة جداً، كالذي يدخل المسجد ليصلي جماعة وهو ساكن في دار مغصوبة أو محل مغصوب، أو عاق لوالديه، أو يحجّ الحجّ المستحب وهو يغشّ في المعاملة، أو يعود مريضاً وهو حالق لحيته، أو يزور المعصوم (عليه السلام) وهو يتّصف بصفة تبغضها الشريعة.

والأمر الذي يثير حساسيّة البعض إلى حدّ كبير هو حضور هؤلاء في المراسم الحسينية ومشاركتهم إحياء المرسم ودعمه، بل في تكثير السواد على أقلّ تقدير. 

والذي يهمّنا في هذا الصدد هو وجهة نظر الشريعة المقدسة في نوع التعامل مع هذه الشريحة.

أمامنا ثلاثة خيارات، فلننظر أيها أزكى وأوفق بذوق الشريعة المستوحى من النصوص الشريفة.

*الخيار الأول:* أن نفصل بين طاعة هذا الشخص ومعصيته، فالذي يدخل المسجد وهو غاصب ـ مثلاً ـ يطرد من المسجد، وبعد أن يتّقي الله ويترك المحرّم يُسمح له بدخول المسجد والصلاة فيه ومشاركة المتعبّدين، وهكذا المجلس الحسيني والتجمعات الحسينية يُبعدُ منها أهل المعاصي، ولا يسمح إلا لأهل التقى والصلاح.

لكن لا أظنّ أن أحداً مطّلعاً على أخلاق المعصومين (عليهم السلام) يرضى بهذا الخيار، خصوصاً إذا نظرنا إلى ماروي عن أبي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا سافر صلى ركعتين ثم ركب راحلته وبقي مواليه يتنفّلون فيقف ينتظرهم، فقيل له: ألا تنهاهم؟ فقال: إني أكره أن أنهى عبداً إذا صلى، والسنة أحبّ إلي، فيستفاد منها ومن نظائرها أن ذوق الشريعة عدم النهي عن العبادة وكلّ ما يتعلق بالله تبارك وتعالى، وليس هو شيء مختص بالصلاة، خصوصاً بعد قوله (عليه السلام): السنّة أحب إليّ.
 
وربما يستفاد هذا المعنى من جواب الإمام الجواد (عليه السلام) حول قطع يد السارق في القصة المشهورة، حيث أجاب (عليه السلام) بأن اليد تقطع من أصول الأصابع ولا يُقطع كلّ الكف، واستدل بقوله تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً)، وبما أن اليد إحدى المساجد السبعة، فهي لله، وما كان لله لا يقطع، كذلك أمير المؤمين (عليه السلام) قطع يدَ سارق من أطراف الأصابع واستدل بهذه الآية وذكر هذه العلة.

ولا يفوتنا أن نأخذ بنظر الاعتبار أن مرتكبي الذنوب لهم حضور في كلّ تجمّع، في التجمّعات العامة والخاصّة، في الأسواق والمحافل، الدينية وغيرها، وفي كل زمان ومكان، منذ أن نزلت الشرائع من السماء وإلى يومنا هذا، وبمرأى من الأنبياء والرسل والأوصياء (صلوات الله عليهم أجمعين) وبمنظر من أهل التقى والصلاح الذين لا تأخذهم في الله ودينه لومة لائم، وما سمعنا أن أحداً منهم سار على هذا النحو، وتعامل بهذا النوع من التعامل. 
فهذا الخيار لا ينسجم مع ذوق الشريعة.

*الخيار الثاني:* أن نترك المكان الذي يتواجد فيه أهل الذنوب، فإذا كنّا في مسجد ـ مثلاً ـ ودخل العاصي إلى ذلك المسجد، نترك المكان ونخرج منه كي لا نجتمع مع المذنبين، وهكذا التجمّع الحسيني، والحرم الشريف وأمثاله.

ولننظر كيف تعامل المعصوم (عليه السلام) مع الحالات المشابهة..
 
روي عن زرارة قال: حضر أبو جعفر (عليه السلام) جنازة رجل من قريش وأنا معه، وكان فيها عطاء، فصرخت صارخة، فقال عطاء: لتسكتن أو لنرجعن، قال: فلم تسكت، فرجع عطاء، قال: فقلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن عطاء قد رجع، قال: ولم؟ قلت: صرخت هذه الصارخة، فقال لها: لتسكتن أو لنرجعن، فلم تسكت فرجع، فقال : امض بنا، فلو أنا إذا رأينا شيئاً من الباطل مع الحق تركنا له الحقّ لم نقضِِ حق مسلم.

فليس من ذوق الشريعة ولا رأيها أن يُترك الحقّ والعبادة والطاعة من أجل حضور شخص يمارس الباطل أو يتّصف به، فلا نترك التجمّع الديني ونغادره بسبب تواجد بعض مرتكبي الذنوب، وأيّ حق أعظم علينا من حقّ أهل البيت (عليهم السلام)؟!، فلا نتركه بسبب وجود بعض المذبين وحضورهم.  

*الخيار الثالث:* ننهاه عن المنكر، بدلاً من أن نطرده أو نترك المكان الذي هو فيه، شريطة إمكان نهيه عن المنكر واحتمال ترتّب النفع عليه، على أن لا يكون النهي عن المنكر سبباً لتوهين المؤمن، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: أنزلوا الناس منازلهم، مضافاً إلى الشروط والآداب المقررة في محلّها.

وهذا هو الخيار الوحيد الذي يمكن العمل به والتعويل عليه.

وغنيّ عن البيان أن المؤمن ـ وهو المعتقد بأحقيّة أهل البيت (عليهم السلام) ـ له شأن عند الله تعالى، فعن زيد بن يونس الشحام قال: قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): الرجل من مواليكم عاصٍ يشرب الخمر ويرتكب الموبق من الذنب، نتبرأ منه؟ فقال: تبرأوا من فعله ولا تتبرؤوا من خيره، وأبغضوا عمله، فقلت: يسع لنا أن نقول: فاسق فاجر؟ فقال: لا، الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا ولأوليائنا، أبى الله أن يكون ولينّا فاسقاً فاجراً، وإن عمل ما عمل، ولكنّكم قولوا: فاسق العمل، فاجر العمل، مؤمن النفس، خبيث الفعل، طيب الروح والبدن.

وبعد..

لننظر ما هو عمل المعصوم (عليه السلام) تجاه هذه الظاهرة، وهي ظاهرة وجود الملمّين بالذنوب وأصحاب المعاصي في الأجواء العبادية، خصوصاً الحسينيّة منها، بعد أن بات واضحاً أن المعصوم لا يقبل بالمعاصي، ولا يتسامح تجاهها.

من المعلوم أن في زمان المعصومين (عليه السلام) كان الناس يزورون قبر الحسين (عليه السلام) وبالتحديد في زمن الإمام الصادق (عليه السلام)، وما كان عددهم قليلاً، بل على العكس، كان التجمّع كبيراً، خصوصاً في النصف من شعبان وفي عرفة، ومن الطبيعي أن الحاضرين عند قبر الحسين (عليه السلام) ليس كلهم على مرتبة عالية من التقوى، بل بعضهم ملمّ بالذنوب، كما هو حالي وحالك وحال معظم الناس في كل زمان ومكان، مع أنّا لم نجد المعصوم (عليه السلام) تعرّض يوماً لهذا الأمر أبداً، ولا نبّه له، بل نجد العكس..

1ـ لما يَسأل الإمام (عليه السلام) بعضَ أصحابه: بلغني أن أناساً يأتونه ـ أي: قبر الحسين (عليه السلام) ـ من أهل الكوفة وغيرهم في النصف من شعبان، يقول له الراوي: نعم قد شاهدت بعض ما تصِف، فيقول (عليه السلام): الحمد لله الذي جعل أفئدة من الناس تهوي إلينا...

2ـ عن داود بن كثير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) تحضر لزوار قبر ابنها الحسين (عليه السلام) فتستغفر لهم ذنوبهم.

فلابد أنهم مذنبون وببركة زيارة الحسين (عليه السلام) واستغفار أمه الصديقة (عليها السلام) تمحى ذنوبهم.

3ـ وأخيراً نقول: قال الإمام الصادق (عليه السلام): وإنه ـ يعني الحسين (عليه السلام) ـ لينظر إلى زوّاره وإنه أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده، وإنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ويسأل أباه الاستغفار له، ويقول: أيّها الباكي لو علمت ما أعد الله لك لفرحت أكثر مما حزنت، وإنّه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة. 

فالسلوك الوحيد المرغوب به شرعاً تجاه أهل المعاصي من أتباع أهل البيت (عليهم السلام) هو نهيهم عن المنكر بالأسلوب الذي يليق بحالهم، وبالشروط المحدّدة المذكورة في محلّها.

الموالي لساداته المتبرئ من أعدائهم
أسعد القاضي

حرر في 13 صفر 1440 هـ


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد اسعد القاضي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/10/24



كتابة تعليق لموضوع : حضور مرتكبي المعاصي في المراسم الدينية [نظرة في كيفية التعامل معهم]
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net