الصلاة وأجزاءها من توراة موسى وانجيل عيسى إلى قرآن محمد دراسة مقارنة
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
في طبيعة الأديان ، وفي صميمها تتمحور منظومة الأخلاق إنطلاقاً من تهذيب النفس و العفاف ، وهجران الفاحشة والرذائل ، ونشر العدل والاحسان في المجتمع الانساني ، وهي تتفق في المبدأ والغاية وهذا مما لا شك فيه ، فكل الاديان تبحث عن السعادة والمعرفة والوصول إلى الحقائق ، والصلاة والعبادة من أهدافها هو تحقيق هذه التعاليم، وهي الغاية في تحقيق العبودية لله وحده .
من يطلع على سيرة الانبياء السابقين جميعاً من أبينا آدم إلى خاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يجد أنهم كانوا يتقربون إلى الله تعالى بالصلاة والعبادة ، فالإتيان بها من سنن الأولين وهي عماد الدين سواء في العهد القديم أو الجديد ختاماً بالإسلام ، فكانت لهم أوقاتاً للصلاة وشرائطاً وأحكاماً وأُسساً فقهية متفق عليها عند الأنبياء ، وهذه هي تعاليم السماء التي التزم بها الأنبياء والقديسين والصديقين عبر الماضي .
إنَّ الأديان جمعيها تتفق في البحث عن الحقيقة ، وتحاول أن تتَّصل بالكون ، وتعرف علاقتها به، وعلاقة الحياة بالكون بداية ونهاية ، وعلاقة الحياة بما وراء الطبيعة ، وتحاول معرفة العلاقة هل هي علاقة دائمة أو لها حدود معينة مرسومة ؟ لا تستطيع أن تتجاوزها وتتخطَّاها. غاية الأمر قد لا تكون الإنسانيَّة في سيرها وفي تفكيرها موفَّقة، فالذين يعبدون الأوثان كاليونان القدماء ، استهواهم الجمال والجلال ، فطفقوا يبحثون عنه ويستلهمونه ، وما بحثهم إلَّا عن ترجمة عن شعورهم بشيءٍ له الجمال والجلال ، وهو الذي يبعث الشعور بالجمال ويذيع الجمال ، ويمنحه هديَّةً من السماء إلى الأرض ، فإنَّ السماء مدينة الغوامض ومتحف الفن والجمال ( 1).
عند مراجعة الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد نجد جملة من النصوص تشير إلى أن الصلاة التي كان يصليها الأنبياء السابقين كانت مكوَّنة من أجزاء تركيبية ، وكانت لها مقدمات وشرائط، فمن تلك الأجزاء القنوت والركوع والسجود، والتطهير في الأماكن الخاصة التي خصصت لهذه العبادة .
ففي الأسفار الستة (الخروج، يهوديت، أعمال الرسل، المكابيين الثاني، المزامير، دانيال)، وبعض الأناجيل( لوقا ، مرقس، متى) ورد الكثير من هذه الشواهد التي تنسجم بشكل كبير ما نشاهده اليوم من أفعال في الصلاة اليومية التي يصليها المسلم .
من تلك الشواهد :
1ـ في ديانة موسى وعيسى عليهما وعلى نبينا واله والسلام كان المصلي بداية يقوم بعملية غسل اليدين والرجلين ورأسه في موضع بالقرب من المعبد يطلق عليه بالمرحضة كما ورد في النص الوارد في سفر الخروج : ( ووضع موسى المرحضة(2) بين خيمة الاجتماع والمذبح وجعل فيها ماء للاغتسال ليغسلوا أيديهم وارجلهم عند اقترابهم الى المذبح يغسلون كما أمرهم الرب )(3) .
وهذه من عادة الانبياء والرسل منهم ومن مريديهم أن لا يأتوا إلى الصلاة إلاَّ وهم متطهرون فتارة يستخدمون الماء للتطهير من المراحض ، كما في المعابد وأُخرى من الأنهار إذا كانت صلاتهم تصلى في البر اري ، هذا إذا كان صلاتهم في المعبد أما اذا كانت في أماكن عامة خارج المدينة فقد كانوا يذهبون إلى الأنهار ويتطهروا من أجل إقامة الصلاة ، ويفهم من بعض النصوص أنهم كانوا يقفون للصلاة بشكل جماعي ويمكن أن يكون ذلك في أيام السبت والله العالم .
2ـ المصلون في العصور الماضية قبل ان يأتون للصلاة وتحقيق السجود والتضرع الى الله يقومون بعملية التطهير بالماء ، وهذه هي عادتهم في أوقات متفرقة لأداء الصلاة ، وكأن هذه الفعل من السنن والآداب التي مارسها الأنبياء أمام شعوبهم واتباعهم ومريديهم وتلامذتهم ، ورد في سفر يهوديت: (و كان بعد هذا أن جميع الشعب بعد غلبتهم جاءوا إلى أورشليم ليسجدوا للرب و لما تطهروا) (4).
وفي الإسلام ورد عن خاتم الرسل محمد : ( لا صلاة إلاَّ بطهور ) (5)، والذي يمكن أن يستفاد منه في هذه المسألة أن هذه القاعدة موجودة في جميع الشرائع ، وهي عدم الإتيان بالصلاة إلاَّ في حالة الطهارة الكاملة ، ولا يصح التهاون بمقدمات الصلاة ، ومن تهاون بإحدى المقدمات وهي التطهر أو الوضوء فلا صلاة له ، ولذا ينبغي الاتيان بهذه العبادة بما بينه الأنبياء والرسل من الطهارة ومراعاة الأجزاء التركيبية ، وما ورد عن نبي الإسلام وتعاليمه التي بينت أن الصلاة أولها التكبير وآخروها التسليم .
3ـ ويمكن إضافة شاهد آخر وهو أن الموحدين الذين سلموا أمرهم لله تعالى وبما جاء به موسى ، الذين بقوا على إستقامتهم ولم ينحرفوا عن المنهج الصحيح لسيرة الأنبياء نجدهم كما يشير إليه النص الوارد في سفر أعمال الرسل من أن صلاتهم كانت خارج المدينة وبجوار النهر الجاري الذي كانوا يتطهرون به : ( و في يوم السبت خرجنا إلى خارج المدينة عند نهر حيث جرت العادة أن تكون صلاة) (6) .
ولذا أن الكثير من العبادات التي تكون مقبولة وأقرب لرضا الله تعالى أن تكون على شكل جماعات وحشود كما في صلاة العيد والجمعة، إذ لعل في الأذهان في تلك العصور كانوا يعتقدون بأن لو كان وسط هذه الحشود مهما كثر عددهم وجد شخص ما وكان مخلصاً ومتوجهاً لله تعالى فان الله تعالى سوف يشمل الجميع ويغمرهم بلطفه ورحمته كونهم قالوا إياك نعبد وإياك نستعين فلا تبعض في تلك الصفقة التي من جهة الله تعالى فإما يقبل من الجميع أو لا يقبل والله تعالى وسعت رحمته كل شيء.
عندما يطلع الباحث والمختص في الأبحاث المقارنة وينظر إلى هذا النص الوارد في سفر أعمال الرسل لعله يتصور أ ن هذه العادة أشبه ما تكون بصلاة المسلمين بمختلف مذاهبهم ومدارسهم الفكرية حينما يصلون الأعياد والجمع كونهم يأتون على شكل أفواج ، ويجتمعوا لإداء صلاة جماعية تجتمع فيها القلوب قبل الأجساد ولعل في سفر المكابيين الثاني وسفر يهوديت شاهدان فيهما من مستوى كبير من الوضوح من الشاهد السابق : (و كان الناس يتبادرون من البيوت أفواجاً ليصلوا صلاة عامة )(7) (و كانوا بجملتهم يصلون إلى الله من كل قلوبهم)(8) .
4ـ مارود ذكره في إنجيل مرقس من أن صلاة الصبح يوجد لها وقت محدد وهو في الصباح الباكر ولا شك إن نبي الله عيسى كان من بني إسرائيل وكان يتعبد ويصلي على ديانة اليهود التوحيدية المستقيمة هذا كان قبل أن يبعث نبياً وهادياً للعباد ، ولذا نجد أن أول صلاة كانت تصلى باكراً هي صلاة الفجر ، وهذا ما نجده بشكل واضح وصريح : (وفي الصبح باكراً جداً قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك)(9) .
5ـ أما نهاراً فقد كانت لهم صلاة يصلونها ، وهذا ما نجده في النص التالي: (ثم جاء و هو منتبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين و هم يصلون)(10)، (ثم في الغد فيما هم يسافرون ويقتربون إلى المدينة صعد بطرس على السطح ليصلي نحو الساعة السادسة )(11) وهذا الوقت المخصص لصلاة تقع في المساء : (و صعد بطرس و يوحنا معا الى الهيكل في ساعة الصلاة التاسعة)(12).
6ـ من يراجع توراة اليهود يجد أن هناك ثلاث مرات أيضّاً للصلاة ، وهذا ما نراه واضحاً في النص التالي : (فلما علم دانيال بإمضاء الكتابة ذهب إلى بيته و كواه مفتوحة في عليته نحو أورشليم فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم و صلى و حمد قدام الهه كما كان يفعل قبل ذلك)(13).
7ـ كان الأنبياء والرسل عبر التاريخ يجعلون لهم وقت مخصص للتهجد والعبادة والتضرع في جوف الليل ، وإحياء الليالي ، وهذا ما التزم به الأنبياء جميعاً ، حيث المناجاة والحديث والانس مع الله تعالى والناس غارقون في نومهم وغفلتهم عن تلك اللحظات الرهيبة قال تعالى : ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) [سورة الإسراء/ الآية: 79]، وفي بعض الأناجيل : (وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليصلي ، وقضى الليل كله في الصلاة لله ) (14) .
8ـ ومن يطلع على انجيل لوقا يجد أن الجميع تطهّر مع السيد المسيح ، وتقدم وصلى بهم : (ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً وإذ كان يصلي انفتحت السماء ) (15).
9ـ ويمكن أن نجعل ما اشارت الباحثة ايزابيل(16) شاهد آخر ومؤيد إلى هذه الحقيقية وهي من الديانة النصرانية بان صلاة السيد المسيح مع تلامذته كانت على شكل ركوع وسجود وقيام ، ولذا كتبت في موقعها الخاص : ( من خلال صلاة يسوع المسيح وتلامذته ، ومن خلال الآثار الباقية لحد الآن وإن كانت مشوشة ، ولكننا بتجميعها نخرج بنتيجة هي إن الصلاة كانت ثلاث أوقات صباحا ًوظهرا ًومساءاً ، وفيها سجود(17) وركوع ، وقيام ، وتضرعات (18) .
10ـ في النصوص التالية يتضح المراد أكثر في أن الأجزاء التركيبية كانت متجسدة في عبادة الانبياء ولذا كانوا يميزون بين الركوع والسجود ووضع الوجه معفراً على التراب فمثلاً ورد في سفر المزامير: (هَلُمَّ نَسْجُدُ وَنَرْكَعُ وَنَجْثُو أَمَامَ الرَّبّ خَالِقِنَا، لأَنَّهُ هُوَ إِلهُنَا ) (19)(ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَكَانَ يُصَلِّي ) (20) .
11ـ في متى أيضاً أن يسوع قال لإبليس :عندما طلب منه إبليس أن يسجد له وَقَالَ لَهُ: (( أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي . حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ.)) (21)، وجاء عند مرقس : (( ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ ) (22) ، وأيضاً: (( مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ اسْمَكَ، لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ)(23).
ذكرت هذه الشواهد من باب الإستئناس والتأييد وإلاَّ أن القرآن الكريم وما جاء عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) وعترته الهادية (عليهم السلام ) هو الأساس والدليل والمستند في المسألة تحديد المفاهيم والتعاليم وقد اشار لها القرآن الكريم بشكل واضح وصريح وبدقة عالية .
فمنذ آدم (عليه السلام) كان الدين عبارة عن مفاهيم وتعاليم ، ومن يطلع على حياة نبي الله إدريس فقد كان مقيماً للصلاة ، هذا قبل ولادة نبي الله نوح والطوفان فيقول تعالى في محكم كتابه : ) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ( . [سورة الشورى: الآية: 13].
وهكذا كانا العبدين الصالحين هود وصالح في قومهما عاد وثمود ، وإبر اهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) ختاماً بشريعة النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) جميعهم كانت لهم أوقاتاً للصلاة ، وكانوا يحافظون عليها ، ويأمرون أتباعهم في أداءها في وقتها مع أجزاءها ومقدماتها ، وإن فيها سعادة الدارين .
فهذه التعاليم والأحكام الالهية مرتبط جميعها بالبعض الآخر سواء كانت فقهية أو أخلاقية ، وقد أشار النبي محمد بقوله : (مثلي ومثل الأنبياء قبلي كقوم شادوا بناء فبقي فيه موضع لبنة فجئت لأضعها (24) وقال : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )(25).
وفي القرآن الكريم شواهد كثيرة دالة على أن الكثير من ذراري الانبياء والأُمم الماضية في العصور الغابرة قد ضيعوا الصلاة وتهاونوا فيها وخالفوا تعاليم السماء ، ونزلت عليهم عقوبات كثيرة ، وقد وعد منهم المغفرة وجنات النعيم لمن يوفق للتوبة والإنابة إليه تعالى .
قال تعالى : ( أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) . [سورة مريم: الآية 85/59/60].
وكان نبي الله إبراهيم الخليل محافظاً على صلاته ، وكان يدعوا لنفسه وذريته في إقامة الصلاة والاتيان بها بأركانها وشروطها وآدبها . قال تعالى : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ).[سورة إبراهيم : الآية: 40].
وكان نبي الله إسماعيل بن حزقيل على منهاج الأنبياء والمرسلين السابقين المصلين وكان يأمر أهله بتعاليم الله قال تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا).[سورة مريم: الآية: 54/55].
وهذا إسماعيل هو من أنبياء بني اسرائيل، وليس إسماعيل بن إبراهيم الخليل كما ذهب البعض فقد وردت جملة من الاخبار الدالة على ذلك من كونه إسماعيل بن حزقيل .
1ـ عن محمّد بن سنان، عمّن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ إسماعيل الّذي قال الله تعالى في كتابه: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا)، لم يكن إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)، بل كان نبيّاً من الأنبياء، بعثه الله إلى قومه، فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملَكٌ عن الله (تبارك وتعالى)، فقال: إنّ الله بعثني إليك، فمُرْني بما شئت، فقال: لي أُسوة بما يصنع بالحسين (عليه السلام((26).
2ـ وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ إسماعيل كان رسولاً نبيّاً، سلّط عليه قومه، فقشروا جِلْدةَ وجهه وفروةَ رأسه، فأتاه رسولٌ من ربّ العالَمين، فقال له: ربُّك يُقرئك السلام ويقول: قد رأيتُ ما صُنِع بك، وقد أمرني بطاعتك، فمُرْني بما شئت، فقال: يكون لي بالحسين بن علي (عليهما السلام) أُسوة)27).
3ـ وعن بريد بن معاوية العجلي قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): يا ابن رسول الله، أخبرني عن إسماعيل الّذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا)، أكان إسماعيل بن إبراهيم (عليه السلام)؟ فإنّ الناس يزعمون أنّه إسماعيل بن إبراهيم. فقال (عليه السلام): «إنّ إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإنّ إبراهيم كان حُجّةً لله كلّها قائماً صاحب شريعة، فإلى مَن أُرسل إسماعيل إذن؟». فقلت: جُعلت فداك، فمن كان؟! قال (عليه السلام): «ذاك إسماعيل بن حزقيل النبيّ (عليه السلام)، بعثه الله إلى قومه فكذّبوه، فقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب الله له عليهم، فوجّه إليه اسطاطائيل ملَك العذاب، فقال له: يا إسماعيل، إنا اسطاطائيل ملَك العذاب، وجّهني إليك ربُّ العِزّة لِأُعذّب قومَك بأنواع العذاب إن شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي في ذلك. فأوحى الله إليه: فما حاجتُك يا إسماعيل؟ فقال: يا ربّ، إنّك أخذتَ الميثاق لنفسك بالربوبيّة، ولمحمّدٍ بالنبوّة، ولأوصيائه بالولاية، وأخبرتَ خيرَ خلقك بما تفعل أُمّتُه بالحسين بن علي (عليهما السلام) من بعد نبيّها، وإنّك وعدتَ الحسين (عليه السلام) أن تكرّ إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممّن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا ربّ ان تكرّني إلى الدنيا حتى أنتقم ممّن فعل ذلك بي، كما تكر الحسين (عليه السلام). فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك، فهو يكرّ مع الحسين (عليه السلام)(28)
وفي عصر نبي الله شعيب (عليه السلام) كان قومه يستهزئون به ويعيرونه فلم يأبى لهم وكان مقيماً لها ومحافظاً عليها ، وقد أضاعوها ، وتهاونوا بها ، واستخفوا بأحكام الله تعالى .
قال تعالى : ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ). [سورة هود: الآية: 87].
وكان لقمان الحكيم يوصي ولده بوصايا كثيرة منها كان يأمروه بالمحافظة على الصلاة ، وعدم تضييعها ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر ، وهذه الأمور الأربعة هي من سنن الأولين .
فيقول تعالى : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ). [سورة لقمان/ الآية: 17].
أما بنو إسرائيل فقد وعدهم الله تعالى بالعون و قال لهم إني معكم بشرط أن تحافظوا على الصلاة التي أمرت بها فلا تضيعوها .
قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ) .[سورة المائدة/ الآية: 12].
فكانت عاقبة ذلك أن قست قلوبهم بسبب تركهم للصلاة ، ونقضوا الميثاق وقد لعنهم الله تعالى .
وكذلك عيسى بن مريم(عليه السلام) قد نطق بالحق ، وهو في حجر أُمه وقال : إنّ الله تعالى أوصاني بالصلاة ما دمت على قيد الحياة . قال تعالى : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا). [سورة مريم/ الآية: 30/31].
بعد مراجعة هذه النصوص يتضح لدينا ان الصلاة مكونة من قيام وركوع وسجود , ومن ضيعها فانه يعاقب ويدخل في النار المتوقدة , وان حقيقية الصلاة المعراجية في الشرائع السماوية هي تعفير الجبين على الارض واجزائه الاصلية كالحجر والرمل والتراب .
بعد هذا الاستعراض السريع من الآيات القرآنية التي بينت أن الصلاة كانت مكتوبة في الأُمم السابقة، وكان الانبياء (عليهم السلام) يصلون في أوقات مخصصة ، وبركوع وسجود كما أنه يظهر من بعض النصوص الانجيلية انهم كانوا يخرجون للصلاة جماعة .
بعد هذا السرد السريع للموروثات الدينية القديمة الدالة على ان الصلاة وبعض أجزاءها كانت موجودة في الشرائع السماوية ، ولا يوجد دين من الأديان إلا َّوفيه صلاة وعبادة وتضرع ؛ لأن الصلاة لازمة لبعث الروح في نفس معتنقه ، فنجد في بعض الآديان يقف المصلي في حالة الخشوع والإنحناء أمام السماء ويدعو ويناجي ربه فقد قيل أن الإسكندر مرّ في الصحراء مع جيشه الجرار – الذي كان يعد بمليوني جندي - فمر بجوار رجل يصلي ويناجي ربه ، وكان مشغولا ًبصلاته ولم يلتفت إلى عظمة هذا الجيش الجرار ، فلما فرغ قال الإسكندر : أو ما راعتك كثرت جندي ، وهذا الجيش الضخم وحركة السلاح ، وقعقة اللجم والخيل ، وإن هذا المشهد الرهيب لم يهزك ، ولم يرعبك فلم تهابه ؟
فاجابه الرجل المصلي ؛ لإني كنت أُناجي من هو أكثر منك جنوداً ، كنت أُناجي الله والله جنوده لا حدود لها . هذه الكلمة هزت الإسكندر فقال له : أعجبتني مقولتك وحيرني موقفك كنت أتوقع منك المرافقة والمصاحبة لما تحمله من وعي وإن من أمثالك لا يمكن الإستغناء عنه .
فقال المصلي لا أفعل ، فقال الإسكندر لما ؟
فقال : إذا جئت معك أتضمن لي حياة لا موت فيها وغنى لا فقر معه وصحة لا سقم معها وسعادة لا شفاء معها .
فقال الإسكندر : إن هذه الأمور لنفسي غير قادر على تحقيقها فكيف أُحققها لك ؟
فقال : إذا كنت لا تقدر عليها فانا مع من يقدر عليها .
المصادر والمراجع
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الأعمال الكاملة للعلاَّمة المرحوم الشيخ موسى السُّبيتي : المجلّد الاول ، ص 151.
2ـ المرحضة او المراحض: هي عبارة عن أحواض يوضع فيها كميات من الماء يستخدم للتطهير قبل الدخول الى اماكن العبادة وهي المعابد من اجل اقامة الصلاة والتضرع والسجود والركوع فيها .
3ـ سفر الخروج 40: 30 .
4ـ سفر يهوديت :16 :22 . موسوعة الكتاب المقدس / الأسفار القانونية الثانية ج3 ،387 .
5ـ من لا يحضره الفقيه 1 : 22 حديث 67 ، والتهذيب 2 : 140 حديث 545 ، وأنظر جميع الصحاح ففيها الحديث بلفظ (لا صلاة بغير طهور ) .
6ـ سفر أعمال الرسل 16: 13 .
7ـ سفر المكابيين الثاني 3: 18 موسوعة الكتاب المقدس تتمة سفر دانيال 4 : 99.
8ـ سفر يهوديت 4 : 17 . موسوعة الكتاب المقدس تتمة سفر دانيال 4 : 134.
9ـ انجيل مرقس 1 : 35 .
10ـ سفر أعمال الرسل 12: 12 .
11ـ سفر اعمال الرسل 10: 9 .
12ـ سفر اعمال الرسل 3: 1 .
13ـ سفر دانيال 3 : 226 .
14ـ انجيل لوقا 3 : 21 .
15ـ انجيل لوقا 6 : 12 .
16ـ ايزابيل بنيامين ماما اشوري باحثة مسيحية في علم اللاهوت من اهل الموصل تسكن في أوربا .
17ـ كما في سفر المزامير 72: 11 (ويسجد له كلّ الملوك. كلّ الأمم تتعبد له) . وفي القران الكريم : ( يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ)سورة القلم الآية : 42 , ومن تكبر عن الامتثال الى السجود لله تعالى فانه يعاقب وهذا ما هو واضح في النص التالي : (و من لا يخر و يسجد فانه يلقى في وسط اتون نار متقدة) تتمة سفر دانيال 1: 6 .
18ـ كتابات في الميزان : صفحة الكاتبة والباحثة في علم اللاهوت ايزابيل بنيامين ماما اشوري مقالة بعنوان ( الصلاة كما صلاها يسوع ياقداسة الاب ) .
19ـ سفر مزامير 95: 6 :7 .
20ـ انجيل متى 26عدد 39.
21ـ انجيل متى: 4عدد 9-10 وانجيل لوقا: 4عدد 7-8
22ـ انجيل مرقس: 14عدد 35.
23ـ رؤيا يوحنا: 15: 4.
24ـ وقريب منه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه (واله ) وسلم قال : ( مثلي ومثل الأنبياء كمثل رجل بني دارا فأتمها وأكملها إلا موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون : لولا موضع اللبنة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء ) . انظر المصنف : ج7 ،440، في اختلاف يسير في بعض الفاظه كما في البخاري4 : 226 . ومسلم صحيح مسلم 4 : 1791 ح 23 .
25ـ بحار الأنوار: ج71، ص 373، ص 382.
26ـ كامل الزيارات: ١٣٧ ح ١٦١، علل الشرائع: ١ / ٧٧ ح ٢، البرهان في تفسير القرآن: ٣ / ٧١٩ ح ٦٨٩٧.
27ـ كامل الزيارات: ١٣٧ ح ١٦٢، علل الشرائع: ١ / ٧٨ ح ٣ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٢٧ ح ٨.
28ـ البرهان في تفسير القرآن: ٣ / ٧٢٠ ح ٦٩٠١، كامل الزيارات: ١٣٨ ح ١٦٣ ــ عنه: بحار الأنوار: ٤٤ / ٢٣٧ ح ٢٨.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat