صفحة الكاتب : كاظم فنجان الحمامي

الطاغية وول ستريت مظالم الفقراء من عروة بن الورد إلى روبن هود
كاظم فنجان الحمامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بدأت النخبة الواعية في نيويورك تستشعر مخاطر هيمنة المصارف وبيوت المال على المؤسسات الغذائية والدوائية, وتعاني احتكارها لمكاتب الرهن العقاري, والمراكز الإعلامية, وانتبه الفقراء هناك للفوائد المالية الثقيلة التي تفرضها عليهم دور الربا, وما تفعله بهم البنوك الجشعة من ممارسات استنزافية, أثقلت كواهلهم بالديون والفواتير المتراكمة فوق بعضها البعض, فولدت حركة (احتلوا وول ستريت) لتلبي نداءات الفئات المسحوقة, وتنسف ثقتهم بإجراءات الوول ستريت, وتسخر من مضاربات سوق الأسهم, وتعترض على سياسة الحكومة في تبذير أموال الشعب على المخططات الحربية الاستباحية الاستباقية, وتبذيرها في تسديد نفقات ترسانات البنتاغون الجبارة, ناهيك عن تذمرهم من الضرائب القاسية, التي قصمت ظهورهم, وشردتهم في متاهات الضياع, ومما زاد الطين بلة, تلك الهبات المالية السخية التي اعتادت أمريكا على منحها سنويا لأنصارها, من الأقطار المؤازرة لها, على حساب مستقبل الشعب الأمريكي, حتى وصلت الأوضاع إلى أقصى درجات التوتر والتردي, خصوصا بعد أن أصبحت غيلان (وول ستريت) متهمة بالانحياز ماليا للمشاريع الصهيونية في الأرض المحتلة, وتورطها مع البيت الأبيض والكونغرس بالبرامج الامريكية التوسعية العابرة للقارات. .

فتشكلت هذه الحركة الاحتجاجية لتحرض الناس على توجيه ضربة مباشرة لأفاعي (وول ستريت), وتدعوهم لتضييق الخناق على تماسيح مستنقعات نيويورك بالولايات المتحدة, ولم تمض بضعة أشهر على تأسيس الحركة, حتى التحق بها ملايين المشردين, من الذين حُرموا من إعانات دور الرعاية الاجتماعية, أو من الذين سحقتهم بلدوزرات البطالة والحرمان. .

ربما كان المشاكس (كالي لاسون) أول من اختمرت في ذهنه بذرة التمرد على (وول ستريت), وكان يرى أن الغبن الذي لحق بالأمريكيين من هذا الكيان المالي المتسلط على رقابهم, وممارساته الظالمة, التي أفرزت هذا الواقع الفوضوي, سيما ان غيلان (وول ستريت) لم تعتذر للناس حتى الآن, ولم تتنازل عن غنائمها التي سرقتها في الظلام من قوت الشعب الأمريكي. .

وهكذا انطلقت الجموع الغاضبة, من دون أن تكون لها قيادة مركزية, فكل متظاهر يعبر عن غضبه بالطريقة التي يراها مناسبة, والهدف المعلن الآن هو مطالبة البيت الأبيض بتطبيق ضريبة (روبن هود) في التبادل التجارية, ومطالبته بالعودة إلى أحكام قانون (الأنشطة المصرفية غير السوية), وإدخال الإصلاحات المصرفية, ومحاربة الفساد المستشري في الولايات الامريكية, ومن نافلة القول نذكر: أن ضريبة (روبن هود) قريبة الشبه, بأهداف حركة الصعاليك, التي ظهرت في قلب الجزيرة قبل الإسلام, وتحولت إلى حرفة تفوقت على الفروسية على يد أميرهم (عروة بن الورد), وكانت تردد صيحات الفقراء, وتعكس صرخات الجياع, وتدعو للانتقام من البخلاء, وامتاز الصعاليك بالشجاعة والصبر وقوة البأس والمضاء وسرعة العدو, فكانوا يغيرون على قوافل التجار, ويوزعون غنائمهم على الفقراء, فاتسمت لغتهم الشعرية بالترفع والسمو والإباء, وهذا ما نجده في قول (أبي حراش الهذلي):

وإني لأثوي الجوع حتى يملني

فيذهب لم يدنس ثيابي ولا جرمي

أرد شجاع البطن قد تعلمينه

وأوثر غيري من عيالك بالطعم

 

لقد أخذت الصعلكة شكلا ايجابيا رغم أنها قامت على السلب والنهب, كانت أهدافها ترمي إلى إطعام الفقراء من أموال الأغنياء, وكأنهم يؤكدون أن للفقراء حصة في أموال الأغنياء.

أما (روبن هود) فقد ولد في الأحياء الانجليزية المتوسطة, وكان فارسا شجاعا مهذبا, يتمتع ببراعة مذهله في رشق السهام, كان يسرق الأغنياء الأشحاء ليطعم الفقراء, فحارب الظلم والطغيان في غابات توتنغهام, حتى طبع اسمه منذ زمن بعيد في ذاكرة الفولكلور الانجليزي, وها هو اليوم يعود للظهور من جديد في شوارع (واشنطن دي سي), ويرشق (وول ستريت) بسهامه, التي لا تخطأ, ويطالب إمبراطورية البيت الأبيض بإرساء قواعد العدل والإنسانية في المعاملات المالية, التي صارت خاضعة بالكامل لسلطات المرابين والجشعين. .

خرج (روبن هود) ممتطيا دراجته النارية في ميادين الأرض الامريكية الجديدة, ليصول ويجول في الحديقة الأمامية للبيت الأبيض, فمتى يخرج علينا السليك بن السلكة, وتأبط شراً, والشنفرى, ومعهم كوكبة من الصعاليك النبلاء, الذين حاربوا الظلم والفساد, ورفعوا الصعلكة إلى مرتبة الشموخ والسيادة, ودعوا الناس للتضامن والتكافل الاجتماعي. .

وهل من العدل والإنصاف أن ننعتهم بالصعاليك وهم الذين رسموا بشجاعتهم وبسالتهم أروع مواقف المروءة والرفعة والشرف ؟؟, ونترك الحرامية الذين سرقوا لقمة العيش من أفواه الجياع, ونهبوا أموالنا, ليشيدوا فيها أفخم القصور في ضواحي توتنغهام, المدينة التي خرج منها الفارس روبن بن هود بن عروة بن الورد ؟؟؟. . .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم فنجان الحمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/02



كتابة تعليق لموضوع : الطاغية وول ستريت مظالم الفقراء من عروة بن الورد إلى روبن هود
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net