نادي العوائل العراقية المالكة
مازن الزيدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مازن الزيدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بات شتم المحاصصة وهجاؤها مؤخرا السمة التي تميّز خطاب اغلب القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية منذ ٢٠٠٣.
ولعب الفشل والفساد السياسيين دورا مؤثرا في تنصّل القوى المتحاصصة، ودفعها لإعادة النظر في خطابها المعلن، وتحولها من تبنّي المحاصصة الى تبني المدنية والوطنية.
لكن هذا التغيير لم يكن حقيقياً في مجمله، فليس كل من اعلن مناهضة المحاصصة مؤمنا بمغادرة لوازمها والتزاماتها التي يتمتع بها ويتمسك بها.
فالمحاصصة تعني في جوهرها وصاية اصحاب النفوذ والقوة أو من ينتدبونهم على مقدرات الدولة ومؤسساتها؛ بعيدا عن معايير التكنوقراط التي اصبحت اليوم شعار المرحلة.
وهي، اي المحاصصة، بهذا المعنى مورد اعتراض معارضيها ومنتقديها، وان كانت في احد معانيها الايجابية والمطلوبة تعني تقاسم التمثيل في مؤسسات الدولة بحسب الحجم الانتخابي. والمحاصصة بهذا المعنى الاخير تتفق مع التداول الديمقراطي للسلطة، الذي يحفظ التوازن داخل البيئة السياسية، ويمنع احتكارها من طرف على حساب الاخرين.
ما حصل قبل وبعد انتخابات ٢٠١٨، ان بارونات العملية السياسية غادروا المحاصصة بمعناها الاول بشكل فعلي، لكنهم انتقلوا الى نادي التوريث؛ بما يعني تبدّل اللاعبين ولكن بقاء نفس المعادلة. اي بقاء الأدوار وتغير باللاعبين. وهذا تكتيك معروف تلجأ إليه الاحزاب الحاكمة في العالم الثالث، لامتصاص الاستياء المجتمعي، وايهام الشعوب بالاصلاح والمراجعة.
ومن هنا فلم يعد الرهان على الزمن مجدياً في مغادرة المحاصصة بمغادرة اقطابها واعتزالهم، بعد ان تم اعداد جيل جديد لوراثة الاباء والاجداد.
فعلى المستوى الشيعي، سجّل التيار الصدري اول دخول له في نادي التوريث بعد اعلان "تحالف النواة" في اجتماع فندق بابل، الى جانب حليفه التيار الحكيمي؛ الذي كان مؤسساً لهذا النادي وصاحب امتيازه.
ويعتبر تقديم احمد الصدر على شيوخ ومخضرمي العملية السياسية كاياد علاوي وصالح المطلك وحيدر العبادي، بمثابة اعلان ولادة جيل جديد يرث البيت الصدري؛ الذي يصرّ على بقائه تياراً وليس حزباً يخضع لقواعد العمل المعروفة.
كردياً فقد كان نادي التوريث اكثر عراقة ورسوخاً في المشهد السياسي منذ انتقلت كارزما ملا مصطفى بارزاني الى ابنائه ادريس ثم مسعود، فرعا العائلة المتنازعان على الزعامة.
وبإعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني ترشيح كل من نجيرفان نجل ادريس بارزاني لرئاسة اقليم كردستان، ومسرور نجل مسعود لترؤس حكومة الاقليم يكون نادي التوريث الكردي يفتح ابوابه للجيل الثالث من احفاد ملا مصطفى. يتزامن ذلك بعد ان حجز الجيل الثاني من اسرة طالباني مقاعدهم مسبقاً متربعين على قيادة حزب تشكل اصلاً لمواجهة الاقطاعية السياسية.
وقد يغري تضخم التراكم المالي والسياسي بعض الزعامات السياسية بحجز مقاعدهم في نادي التوريث كوسيلة وحيدة للبقاء في دائرة التأثير وحماية المصالح.
على ان التوريث السياسي، الذي يتجلى عبر تكريس زعامات الاحزاب العائلية، لا يعتبر ظاهرة جديدة على العمل الحزبي في العالم. فهناك امثلة معروفة في الهند وباكستان ولبنان والسودان وفرنسا من الاحزاب العائلية التي تركت بصماتها المؤثرة في تاريخ تلك البلدان.
لكنّ نموذج التوريث السياسي في العراق لا ينتمي الى النمادج المعروفة؛ بالكثير من خصائصه وتفاصيله، بل يكاد يكون صناعة محلية فريدة بامتياز.
فليس هناك بلد يضم هذا العدد من الاعضاء في نادي التوريث السياسي، كما هو الحال في العراق. وحتى بالنسبة الى النموذج اللبناني فإنه يختلف عن مثيله العراقي بكونه يمثل امتداداً واقعياً لتاريخ من الزعامات الاثنية والطائفية التي اتفقت على تشكيل لبنان على اسس فئوية.
اذن، فنحن امام تحول اخطر في نظام المحاصصة التي انتقلت من الاطار السياسي المعترف به والمعمول به منذ ٢٠٠٣، الى محاصصة العوائل والاحزاب الوراثية التي تفصّل الدولة والدستور بما يكرّس بقاءها
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat