صفحة الكاتب : ساهر عريبي

الربيع العربي بين الدعم القطري والأجهاض السعودي
ساهر عريبي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عُرف العام الميلادي المنصرم بعام الثورات العربية بعد أن شهد العالم سقوط عدد من الحكام العرب الذين جثموا على صدور شعوبهم لعقود من الزمن كمبارك وبن علي والقذافي فيما يترنح اخرون اليوم تحت ضربات الشعوب العربية الثائرة التي ضاقت  ذرعا بهؤلاء الطغاة الذين تمادوا في ظلمهم وقمعهم وفسادهم  وبعد ان حولوا الحكم في عهدهم إلى ملك عضوض  يورثونه أبنائهم كما يورثون أموالهم وممتلكاتهم.
 
ولم يكن ربيع العرب الذي تفتحت أولى زهوره في تونس الخضراء حدثا تصادفيا أو تامريا خاصة وأن من أشعل فتيله شاب تونسي عاطل عن العمل لم يجد حلا لمعاناته سوى بإضرام النار في جسده ليشعلها ثورة شعبية من المحيط إلى الخليج,  بل هو حصيلة تراكمات تأريخية ومعاناة ونضال للشعوب العربية طيلة عقود  خلت حيث ملئت زنزانات الجلادين بالأحرار فيما إعتلى العديد منهم أعواد المشانق في سبيل الحرية.
 
وكان مما يميز هذا الربيع هو الأساليب التي إستخدمها الثوار لأبقاء وهج الثورات ملتهبا ومنها شبكات التواصل الأجتماعي والهواتف المتحركة والفضائيات التي وفرت للمنتفضين فرص كبيرة لأنجاح ثوراتهم. وتأتي في مقدمة هذه الفضائيات فضائية الجزيرة التي تمولها الحكومة القطرية.
فهذه الفضائية يعود إليها فضل كبير في نجاح الثورات العربية ليس لتغطيتها هذه مجريات الأحدداث في الدول العربية الملتهبة بل لأنها بذرت بذور الثورة منذ أن تأسست هذه المؤسسة الأعلامية.
 
فالجزيرة ومنذ إنطلاقتها سعت لرفع وعي المواطن العربي عبر طرح مواضيع حساسة للنقاش على الهواء لم يكن المواطن العادي ليجرأ حتى على التفكير بها أو مناقشتها مع نفسه مثل الديمقراطية والتعددية السياسية والتوريث وفساد الحكام وغيرها. وبعد خمسة عشر عاما من النقاش الحر الذي أغضب العديد من الحكام العرب وأفضى لتوتر العلاقات مع دولة قطر أثمرت تلك الجهود في إيصال وعي المواطن العربي إلى مستوى الثورة بعد أن عجزت القوى الوطنية عن تحريك الشارع بهذا المستوى لمحاصرة الأنظمة لتلك القوى والتنكيل بها .
 
ولذا وعند إنطلاق شرارة الثورة سارعت فضائية الجزيرة إلى إكمال دورها التأريخي حيال تلك الثورات عبر ممارسة دورها الأعلامي في  تسليط الأضواء على مجريات الأحداث وتغطيتها , او عبر ممارستها لدورها في شحذ همم الثوار أو عبر ممارسة الدور الرقابي على السلطات القمعية وتعريتها أمام العالم وذلك لمنعها من التمادي في إرتكاب الجرائم ضد الثوار أو عبر ممارستها للدور الأرشادي وتوجيه مسار الثورات من خلال إستضافة قادة أحزاب المعارضة والنشطاء الذي أعطوا توجيهاتهم ونصائحهم للثوار.
 
ولم تستثن الجزيرة في تغطيتها لربيع العرب دولة من ذلك وحتى البحرين  رغم خصوصيتها الخليجية والتي ثار شعبها ضد الحكم الدكتاتوري فقد حظيت الثورة البحرانية بتغطية من قبل قناة الجزيرة عند إنطلاق الثورة ولازالت الجزيرة تشير إلى البحرين بأنهاجزء من ربيع العرب في موقعها الألكتروني.وقد تسبب برنامج صرخة في الظلام الذي بثته قناة الجزيرة باللغة الأنكليزية والذي سلطت فيه الأضواء على معاناة شعب البحرين ,في توتير علاقاتها مع البحرين والسعودية.
 
وقد تجلى الدور القطري وبشكل واضح في دعم الثورة الليبية سياسيا وإعلاميا وماديا وعسكريا.ولازالت دولة قطر تحمل مع الجماهير العربية مطرقة التغيير تدق بها فوق رؤوس الطواغيت العرب في مختلف أرجاء الوطن العربي. ولذا فقد كان الدور القطري داعما ومساندا لربيع العرب وعلى طول الخط وأكاد أن أجزم بأن هذه الثورات لم تكن لتنجح لولا هذا الدعم.إلا ان هذا الربيع العربي ومنذ ولادته واجه ولا زال يواجه تحديات جمة. فهناك محاولات محمومة لمنع إنتشاره وسريانه كالنار في الهشيم في بلاد العرب وهناك محاولات لأجهاضه والألتفاف عليه وتحريف مساره. 
 
واما من يقود قوى الثورة المضادة للتغيير فهي السعودية التي ألقت بكامل ثقلها وبما تمتلكه من عائدات نفطية في سبيل إيقاف سيل الثورات العربية الجارف.بل وسخرت حتى المؤسسة الدينية التي أصدرت الفتاوى تلو الأخرى  تحرم على الشعب التظاهر والخروج على ولي الأمر! وأعتبار ذلك ضرب من ضروب الفتنة ومدعاة للفوضى وإرباك للنظام.ولم تبخل السعودية بالمال النفطي الذي بذلته لكل الأقلام والفضائيات المأجورة ورجال دين وسياسيين وقفوا بوجه الثورات العربية .
 
بل إنها إستهانت وبشكل سافر بمشاعر الشعب التونسي عندما وفرت ملاذا أمنا للطاغية الفاسد بن علي بعد أن ضاقت عليه الأرض بما رحبت. وأما في مصر فهي تحاول اليوم دعم التيارات السلفية المتشددة التي تقرأ الدين قراءة متحجرة بعيدة كل البعد عن روح الشريعة الأسلامية التي وصفها الرسول الأكرم بقوله (إنما بعثت بالشريعة السمحاء).فهي بذلك تحاول شق صف الشعب المصري وإثارة النزاعات الدينية والمذهبية فيه والسعي لتمزيقه ومن ثم إجهاض ثورته المباركة خاصة وأن هذه الجماعات السلفية كانت من أشد المؤيدين لنظام مبارك ومن أشد المعارضين للثورة عليه بإعتباره من أولي الأمر! 
 
واما دورها في ليبيا فليس ببعيد عن ذلك عبر دعمها للجماعات السلفية في مجتمع ليبي معروف بتسامحه.  وأما في اليمن فسعت السعودية لإنقاذ نظام علي عبدالله صالح من السقوط على أيدي أبناء الشعب اليمني سواء عبر حمايته ودعمه أوإستضافته أو عبر تسخيرها  للمال لشراء الذمم في محاولة لكبح جماح الثورة التي تقف على أبواب السعودية.أو عبر دعم الجماعات السلفية التي لا هم لها سوى الأقتتال الطائفي والدفاع على أولي الأمر الفاسدين والظالمين.أو عبر تقديم المبادرات التي لاهدف منها سوى إطالة عمر نظام صالح.
 
وكانت الطامة الكبرى هي في دعمها لنظام أل خليفة في البحرين وذلك بإرسال جيشها لحماية هذا النظام الأيل للسقوط على أيدي ثوار البحرين.فكان ذلك التدخل العسكري السعودي سابقة خطيرة في ربيع الثورات العربية إذ لم يستعن أي نظام عربي بجيش لحمايته من السقوط وقمع شعبه , وحتى القذافي فلقد إستعان بمرتزقة ولم يطلب تدخلا عسكريا عربيا لحماية نظامه من السقوط. وهنا لابد من الأشارة إلى الدور السعودي في إجهاض الأنتفاضة الشعبانية المباركة في العراق في التسعينات من القرن الماضي, ودعمها اللامحدود لنظام صدام. ورغم ان التغيير الجديد في العراق قد تم بأيد امريكية وليس شعبية عراقية إلا أن السعودية ناصبت التجربة الجديدة في العراق العداء وسعت لأجهاضها بكل الطرق والأساليب.
 
إن هذه المواقف السعودية تعكس خوفا متجذرا في أعماق حكامها من رياح التغيير التي تعصف بالمنطقة والتي تقف اليوم على الأبواب ويسمع صريرها حكام الرياض خاصة وقد وصلت شرارتها إلى المنطقة الشرقية التي تعاني من تمييز وإضطهاد وقمع منذ عقود.واما الدعم السعودي للثورة السورية فهو ليس نابع من إيمان بمبدأ الثورة والتغيير بل هو نابع من منطلقات طائفية بحتة ويدخل في إطار صراعها مع المحور الأيراني في المنطقة وسعيها لأيصال القوى السلفية المتطرفة إلى الحكم ليبدأ عهد جديد في المنطقة سمته الصراعات الطائفية والدينية والمذهبية لأنها بإعتقادهم طوق النجاة الوحيد الذي يقف سدا بوجه التغيير فيها.
 
ولذا فإن الربيع العربي اليوم يقف عند مفترق طرق فإما ان ينحرف عن مساره أمام الضغوطات التي تمارسها قوى الثورة المضادة حياله بقيادة السعودية ,أو أن يكمل مسيرته حتى تحقيق كامل أهدافه معتمدا على قواه الذاتية ووعي الجماهير ودعم الدول الصديقة وفي طليعتها قطر.ولاشك بان إرادة الشعوب هي الغالبة وإن طال الزمن وأن رياح التغيير العاتية لن تصمد بوجهها كل الأنظمة المتخلفة والشمولية التي ستلاقي نهايتها المحتومة 
sailhms@yahoo.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ساهر عريبي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/01/05



كتابة تعليق لموضوع : الربيع العربي بين الدعم القطري والأجهاض السعودي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net