صفحة الكاتب : علي علي

بين الشراكة والتوافق توافه
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 “  شراكة وطنية”، “أغلبية سياسية”، “حكومة توافقية”… وأخريات مرادفات كقوالب جاهزة حين الطلب، مصطلحات تعوّد فرسان أحلام العراقيين الإتيان بها، ساعة اعتلائهم مراكز القيادة في البلاد، ولطالما شرخت مسامعنا هذه العبارات بعد تحرير العراق من النظام الدكتاتوري، في وقت كان حريا بمن تسنموا قيادة البلد في فترة نقاهته، أن يتخذوا من الشفافية خط شروع لبرامجهم، وأن يعتمدوا المصداقية كنقطة مثابة، ينطلقون منها لإعمار ماتهدم من البلاد، ويخدمون بما منوط بهم من واجبات ملايين العباد. وإنه لمن المفترض أن ينهضوا بواقع الشعب المرير، ليسجلوا ذكرا طيبا يكون رصيدا لشعبيتهم، لاسيما ونحن نعيش عالما تتبارى فيه الأمم بالهمم، وتتسابق فيه القادة بإنجاز الأحدث والأحسن والأجود والأكثر جدوى، خشية إسقاطهم والإطاحة بهم في ربيع من الربيعات.

ومفردات الشراكة والأغلبية والتوافقية، لاتعني بالضرورة التطابق التام بالآراء والفكر ووجهات النظر، إذ نسمع دوما في قصص تمر على مسامعنا او تطلعنا عليها كتب التأريخ، حكايات عن اختلافات في الرؤى تنشب بين أفراد او جماعات او فئات، يستعصي الوصول فيها الى حل يرضي الأطراف جميعا، فتستحيل تلكم الاختلافات الى خلافات ومن ثم الى صراعات، وقد تتطور فتأخذ جانب التعنت بالموقف والتزمت بالرأي، فيصل الجميع حينذاك الى مالاتحمد عقباه، ويتساوى إذاك محصول الأفراد والجماعات والفئات من شر ماجنوه على أنفسهم، يوم لاينفع نقاش ولاعتاب ولامال ولابنون.
ولأجل هذا فقد سعى الإنسان الى التقارب والتنازل بغية التعايش تحت سقف واحد مع أبناء جنسه، وهذا عين مادعا اليه ساسة البلد -الصادقون منهم والكاذبون- بعد التحرير، وكلنا يذكر كيف كانوا بداية الأمر شفافين، وديعين، ودودين، وطنيين، حبابين. وكم كانوا يدعون بملء أشداقهم الى فسح المجال أمامهم للنهوض بالبلد، وكم من وسائل سخروها للترويج عن وطنيتهم في الأيام التي تسبق عمليات الانتخاب، وبالتالي وقع المواطن في حبائل خديعتهم وأشراك مكرهم، فإذا بمصطلح المحاصصة هو العامل المشترك لكل المصطلحات المرفوعة حينها، وكان هو المقصود والمعني والمراد، وكل مايدعونه سواه زيفا ورياءً وطلاءً. واستمر رفع شعار المحاصصة بنجاح ساحق ورغبة عارمة من لدن ساستنا، لتكتمل عملية التهام خيرات البلد التي كانت قد بدأت عام 2003 وأدت به الى الوضع الذي نحن عليه اليوم.
نعم، اليوم وصل العراقيون الى يقين قاطع أن التحاصص هو أساس البلاء وأس المصائب التي مر ويمر بها البلد، وأدركوا بعد خراب الكثير الكثير من صروح البلد أن سياسة المحاصصة المتبعة هي التي تكبل مؤسسات الدولة التنفيذية، فتحصر الوزير والوكيل والمدير في زاوية لاتتيح له العمل بما يخدم المجتمع. كما أنها -المحاصصة- تجيّر روح الولاء للمشرّع لصالح فئة خاصة، دون إيلاء المصلحة العامة اي اعتبار واهتمام، فتخرج من معطف الجهة التشريعية قرارات وقوانين تخدم حزبا معينا، او طائفة معنية، او شريحة خاصة، فيستفيد قوم على حساب مصائب أقوام آخرين.
 كما أن المحاصصة تصيب الجهات الرقابية بالعشو بل بالعمى، فتتسيب الجهات التنفيذية من جراء الإفلات من العقاب والمحاسبة الى حيث يترعرع الفساد بأصنافه، ويتغلغل الخراب الى المؤسسات فتستحيل الى مراكز خدمية تابعة، ومؤتمرة بتعليمات من قبل المافوق، والمافوق هذا له مآربه البعيدة عما يخدم البلد، مادامت روح الأنا هي الغالبة، وهذا ما أثبتته السنوات الماضية من عمر عراق الديمقراطية المزعومة، فقد فات “المشاركين” و “المتوافقين” أن الشراكة تعني -أول ماتعني- إيثار المصلحة العامة على المصالح الخاصة. فهل كانت خصلة الإيثار من سمات المشاركين في العملية السياسية فيما مضى؟ أم كان اللهاث وراء حصصهم هو شغلهم الشاغل بعد أن “ألهاهم التحاصص”.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/07



كتابة تعليق لموضوع : بين الشراكة والتوافق توافه
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net