الى السيد عادل عبد المهدي رئيس الوزراء - رسالة مفتوحة
جاسم المعموري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
جاسم المعموري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لطالما يتعذر علينا الاتصال بجميع المسؤولين في العراق ، لاسيما المسؤولين الكبار منهم وذلك لأسباب كثيرة، تخص بالدرجة الأساس المسؤول العراقي ثم المواطن العراقي ولسنا اليوم بصدد الحديث عنها ، ولكن اردنا أن نقول أننا إضطررنا الى كتابة هذه الرسالة المفتوحة لعدم وجود قنوات الاتصال .
لابد انكم تتسألون عن غضب الشارع العراقي حول أدائكم وإدارتكم لشؤون البلاد جميعا ، والكلام هنا موجه لجميع المسؤولين العراقيين من خلال شخصية رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي ، وربما تعرفون الإجابة عن تلك الأسئلة التي تدور في خلدكم ، وتحاولون الوصول إلى الإجابة المنطقية والموضوعية و الصحيحه لتلك الأسئلة ، وتحاولون إيجاد الحلول لكل تلك المشكلات التي يعاني منها المواطن العراقي من شماله حتى جنوبه ، ولكن وفي خضم تلك المحاولات فاتكم الكثير من الأمور التي هي غاية في الأهمية ، والتي سببت القطيعة بين جماهير الشعب وبين نظامهم السياسي ، الذي كان يجب أن يكون افضل في أدائه ، و اكثر إخلاصا ودقة في العمل والتفكير ، و إيجاد الحلول لأن هذه القطيعة بين النظام في العراق وبين الجماهير تعد مؤشرا خطيرا جدا على الأمن القومي للعراق كله . لقد حاول الشعب العراقي أن يوصل إليكم رسائله بشتى الطرق التي تمثلت بالكثير من المظاهرات السلمية وغير السلمية ، وكذلك من خلال الطرح في وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي ، و حتى من خلال الفنون المختلفة على الصعيد الثقافي والفني العراقي ، بل حتى عن طريق فنون الكاريكاتير وغيرها ، التي حاولت وتحاول أن توصل إلى قياداتها معاناة المواطن العراقي على كافة المستويات ، والغريب في الأمر أنه كل هذه الرسائل تبدو وكأنها لم تصل إليكم ، والسبب في ذلك هو عدم وضع الحلول الصحيحة والناجحة التي من الممكن أن يشعر بها المواطن بشكل واضح ومؤثر ولا نريد أن نخوض في تلك التفاصيل ، ولكن من الممكن أن نؤشرالى بعض القضايا المهملة ، ولكنها بنفس الوقت في غاية الاهمية ، فعلى سبيل المثال سوء الادارة في دوائر الدولة ، وكيفية التعامل السيء من قبل الموظفين مع المواطنين ، والتأخير في إنجاز المعاملات ، والرشاوي التي تدفع إلى الموظفين من اجل إنجاز تلك المعاملات في الأوقات المحددة ، حتى اصبح العراق من أكثر دول العالم فسادا في دوائر الدولة، ويعتبر الفساد أشد من الإرهاب فتكا لاقتصاد العراق ومستقبل أبنائه وابتعاد كل المستثمرين من الإقتراب من هذه الأماكن الموبوءة.
لقد اضطر أحد المواطنين لإقامة حفل بهيج بالموسيقى وسط الشارع بعد أن حصل على نسخة من هويته الشخصية المفقودة ، وقام بنشر هذا الحفل على وسائل الاتصال الاجتماعي ، لانه كان يعاني من أجل الحصول عليها لأشهر طويلة وربما لسنوات ، وربما كان قد باع الكثير من ممتلكاته من أجل أن يدفع الرشى .
وعندما قمت بالبحث عن الأسباب التي تؤدي بالمواطنين إلى كل تلك المعاناة غير المقبولة وغير المعقولة أصلا ، وجدت في ما وجدت أن من يريد أن يصحح او يغير لقبه او عنوانه او سجل نفوسه حتى في داخل المحافظة نفسها من قضاء الى قضاء - مثلا - لايستطيع ان يفعل ذلك الا بعد الحصول على موافقة وزير الداخلية شخصيا ، وهذل لعمري امر غريب جدا ، ففي الوقت الذي يتم كل ذلك في جميع دول العالم من خلال ضغطة زر واحد عبر الانترنت ، نجد العراق يسير الى الوراء بشكل لا نظير له ، فما شان وزير الداخلية بذلك ؟ وإذا افترضنا ان هناك دواعي أمنية أدت الى اتخاذ هذا الإجراء وسلمنا انه اجراء صحيح ، فلماذا يتم تاخير المعاملات لسنوات طويلة ؟ مما سمح لاصحاب النفوس الضعيفة ممن يعمل في تلك الوزارة من استغلال الناس وطلب الملايين تلو الملايين من الدنانير منهم ، على أمل إنجاز معاملاتهم التي تبدو وكأنها لاتريد ان تنتهي ، وان باستطاعتي ان اثبت لكم ذلك بعد مقابلات شخصية قمت بإجرائها مع مواطنين يعانون من هذه الإجراءات أشد المعاناة.
سيادة رئيس الوزراء لا تحسب ان هذه المعاناة بسيطة ولا تحتاج الى انتباهكم ، بل انها تشكل حسب اعتقادي تحديات ومشاكل تؤثر بشكل او باخر على العراق كله ، بل هي تشكل تحديا أمنيا خطيرا على مستوى الأمن القومي للعراق ، وما تلك المظاهرات التي اتسمت بطابع العنف الا شاهدا على ما نقول .
وكنا قد سمعنا منكم شخصيا إنكم تريدون توزيع أراضي للمواطنين ، بينما كان الاجدر هو توزيعها لمن يستحقها ، وذلك من خلال قرار واضح ومفصل يُبين هذه الاحقية ، فلا يجوز إعطاء قطعة ارض لمن كان يملك بيتا وباعه خلال الخمسة عشر سنة الماضية ، ويجب ان يتم إعطاءها لرب الاسرة على ان لا يكون لأحد أولاده القصر بيتا ، او قطعة ارض ، او بستان ، او غيرها من الاملاك المعتبرة ، التي من الممكن ان تؤشر على المستوى المادي الجيد للمواطن ، لان بعض الناس يقوم بتسجيل بيته او مايملك باسم شخص اخر من أبناء أسرته ، او يقوم ببيعه وهكذا ، إنكم ان لم تفعلوا ذلك إنما تزيدون الغني غنى ، والفقير فقرا وتبقى المشكلة قايمة ماقام ليل او نهار ، وان هذا يشبه الى حد ما زيادة الرواتب ، فعندما يتم زيادتها لا يراعي التأكد من عدم ارتفاع أسعار المواد الضرورية في السوق من خلال برنامج مراقبة حكومي يقوم بتثبيت تلك الأسعار ، وهكذا يبقى الفقير فقيرا بينما يزداد الغني غنى .
اما معاناة الشباب فهي لا حصر لها ولكن احببت ان أوضح لكم أمرا تعرفونه جيدا ولكن ربما يكون قد غاب عنكم وهو ان المواطن العراقي قبل ٢٠٠٣ هو ليس نفسه المواطن بعد ذلك ، والسبب انه كان يفكر في طعامه فقط في ظل الحصار الذي كان يعاني منه الشعب العراقي لأكثر من اثني عشر عاما ، مما اضطر الناس ان يبيعوا كل ما يملكون من اجل تأمين لقمة عيشهم وإطعام اولادهم ، وربما هذا الوضع الذي كان قائما في ذلك الوقت يفسر جانبا مهما من جوانب تردي الأخلاق في العراق ، مما أدى الى انتشار الفساد الاخلاقي والاداري والمالي ، وندرة الأمانة والإخلاص والنزاهة والوطنية ، فالجوع كافر كما يقولون ومن وجوه كفره ما ذكرناه ، اما الشباب فلم يكن عندهم هواتف محمولة او غير محمولة ولا سيارات ولا إنترنت وكان واحدهم يبحث عن قرص شعير ياكله فلا يجد ، اما اليوم فهم يمتلكون كل ذلك ، وبالتالي فان نقمتهم على الحكم في العراق تتأتى من هذا الجانب ( طبعا توجد جوانب اخرى ولكن لسنا الان بصددها ) لأنهم يشعرون ان النقص المادي الذي يعانون منه سببه الدولة ، والحقيقة ان الدولة لها يد في ذلك بالطبع ، فشركات الانترنت والهواتف المحمولة على سبيل المثال تمتلكها مافيا الأحزاب في العراق ، وهي خارج سيطرة الدولة تماما ، وهذا خطا كبير في دولة مثل العراق ، وارى لزاما على الدولة في العراق ان تضع التشريعات المناسبة لذلك ومنها زيادة الضريبة على هذه الشركات ، او إلزامها بتخفيض الأسعار الى ٥٠٪ مثلا ، مع الالتزام بجودة الخدمة المقدمة للزبائن وبهذا نكون قد وضعنا أولى الخطوات على طريق بناء الدولة التي تتخذ من القانون وتنفيذه ملاذا من التقصير بحق أبناء الشعب ، وإيقاف الفقر والمعاناة للفقراء وزيادة الغنى للاغنياء .
ولا نريد ان نصدع رؤوسكم بمشاكل العراق التي لا تعد ولا تحصى ، كمشكلة الماء والكهرباء مثلا على مستوى الخدمات الحكومية ، او تردي حالة المراكز الصحية وانتشار الأوبئة والغبار ، وتردي نظام المرور ، وسوء الادارة في المراكز التربوية والتعليمية وغيرها كثير ، ولكننا نهيب بشخصكم الالتفات الى المشاكل انفة الذكر الخاصة بسوء الادارة في دوائر الدولة ومحاربة الفساد ، وإيقاف الثراء الفاحش على حساب الفقراء ، ومساعدة الفقراء بالنهوض بأنفسهم ، فانهم ثروة العراق الحقيقية ، فَلَو كانوا غير مخلصين ، وغير محبين لهذا الوطن لفعلوا مافعل غيرهم من أغنياء العراق ، وخانوا الدين وألناس والوطن ، فكل غني في العراق متهم حتى يثبت براءته ، وكل فقير في العراق مظلوم حتى نرفع الظلم عنه ، اننا نعتقد بشجاعتكم واخلاصكم ونعتقد إنكم قادرون على ان تخطو بهذا الاتجاه بكل جدارة ، فهذه الأمور يجب الالتفات اليها مثل ما يجب الالتفات مثلا لعلاقات العراق الخارجية ، بل نعتقد ان الوضع الداخلي اكثر أهمية من اي وضع اخر.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat