صفحة الكاتب : حسين فرحان

الطبقة السياسية، والتأزم النفسي للمواطن .
حسين فرحان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قالت المرجعية الدينية العليا في خطبتها الأخيرة - يوم الجمعة ١٥ /٣/ ٢٠١٩ - مانصه: ”إنّ انشغال الطبقة السياسيّة بالنزاعات والتجاذبات والاختلافات على المواقع والمناصب، أدخل البلد في دوّامةٍ من عدم الاستقرار والتخلّف عن بقيّة الشعوب وإهدار الطاقات والتأزّم النفسيّ للمواطن، إضافةً الى ضياع فرص تقديم الخدمات للمواطنين وتوفير فرص العمل والتطوّر له ".
لنقف على عبارة (التأزم النفسي للمواطن) التي وردت في هذا الجزء من الخطبة، فهي إشارة تستحق التأمل والنظر فيها بإمعان.
تعرف الأزمة النفسية على أنها: "عبارة عن ضغوط وأحداث ومواقف نفسية داخلية تؤثر على حالة الفرد النفسية تتمثل في صعوبات تواجه الفرد مما تحد من أساليبه وقدراته التقليدية للتعامل والتكيف وبالتالي تعيقه من أنجاز أهدافه وتحدث خللا في التوازن النفسي والاجتماعي للفرد". 
يتحدث المتخصص في علم النفس الدكتور نبيل خوري عن الأسباب التي قد تؤدي إلى ارتفاع في نسبة الأزمات النفسية قائلاً: " إنّ زيادة نسبة الاكتئاب تعود إلى مجموعة عوامل مرتبطة ببعضها بعضاً نتيجة تداعيات الحروب والمجاعة والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية، وهو الأمر الذي ينعكس سلباً على نمط حياة الإنسان ومدى تواصله مع الآخرين، خصوصاً بفعل تزايد القلق على المصير نتيجة النزاعات المسلحة". ويوضح أنّ "المرء يعيش هاجساً دائماً نتيجة عدم استقراره في العمل وسط الأزمات الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة، حتى إنه لم يعد يستطيع الزواج بسهولة كما في السابق، على خلفية الوضع المتدهور اجتماعياً واقتصادياً بالإضافة إلى المصائب من حوله والضغط النفسي المتراكم والتفكير في الهجرة والمصير المجهول". 
"وتظهر آثار الأزمة النفسية على الأفراد من خلال (التوتر، والصرع، والقلق، والضيق، وحدة الانفعال، ارتفاع ضغط الدم، والقرحة، والشعور بالتعب والإرهاق، والصداع، وعدم الثقة، وفقدان الشعور بالأمن، وعدم الرضا، والخلافات مع الزملاء، وانخفاض مستوى الإنتاج ".

ورغم أن المجتمع العراقي عاش ولفترات طويلة في أجواء ملائمة لجعله في مرتبة متقدمة من مراتب الأزمات النفسية الحادة، الا أن الفترة التي أعقبت سقوط النظام لم تكن بأفضل حال من سابقاتها كونها تزامنت مع صراعات وحروب أقليمية شهدها العالم وأزمات اقتصادية وسياسية شهدتها المنطقة بالأضافة الى التدخلات الخارجية ومحاولات بعض الدول المتنازعة لجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات بحجج وذرائع تختلقها لتبرير التدخلات يعينها على ذلك وجود جهات سياسية ممثلة بالحكومة تعمل باتجاهين: 
الاول - إرضاء هذه الدول بتحقيق أجنداتها.
الثاني - الصراع من أجل النفوذ والسلطة وإشاعة روح الفرقة لتحقيق المكاسب السياسية التي تدر عليها - كتيارات وأحزاب - الأموال والمناصب.
فالصراع الأقليمي المحيط بالعراق ماهو الا صراع نفوذ وسلطة، وقد أشارت اليه المرجعية العليا في خطبة سابقة لها بقولها: "هناك صراع سياسي في بعض مناطقنا جرّ الى صراع مسلح. وهذا الصراع السياسي صراع على السلطة والنفوذ. ولا يصح أبدا أن يُطبع بطابع الصراع الطائفي. والخطورة هنا أن بعض الجهات تُجيّش الجيوش وتشحن الكثير من الأشخاص والشباب للدخول في هذا الصراع بأساليب طائفية  وهذه جريمة بحق مُجتمعاتنا. وهي استخدام (الطائفية) وسيلة لتجييش الجيوش واستقطاب الشباب وغيرهم للدخول في صراع ذي طابع سياسي وهو صراع على السلطة والنفوذ" .
وسط هذه الأجواء المشحونة والمليئة بالنزاعات والتجاذبات والاختلافات على المواقع والمناصب  للطبقة السياسية، انعكست النتائج سلبا على المواطن العراقي لتدخله عنوة في أتون هائل من المشاكل، فأصبح وهو لايرى فسحة من النور في هذا النفق المظلم إذ يعيش حالة من التخبط يجهل فيها موضع قدمه ويخاف من مصيره المجهول، ينظر الى كيانه فيراه شاخصا في كومة من النفايات والانقاض تحيط به من كل مكان، ينظر الى بلده وهو يقبع في ذيل قائمة الدول من كل نواحي التقدم والعمران وعاصمته تحتل المرتبة الأولى كأسوأ عاصمة ومكان للعيش.. ينظر للمأساة وهي تبتلعه والفساد ينخر ماتبقى من المؤسسات وينظر للحيتان من حوله تعبث بالمليارات وترمي له بفتات الموائد متصدقة عليه برواتب انهكتها الفواتير وربا المصارف وجشع بعض الاطباء،  فما عادت تكفيه الا لخمسة أيام من شهره الوظيفي..  ينظر لشوارعه المتآكلة تفيض منها مياه الصرف الصحي وتكتظ بالسيارات مخلفة زحاما يقتل وقته ويستهلك أنفاسه.. ينظر لبيوت صغيرة ضيقة كأقنان الدجاج تملأ الأزقة تضم بين جدرانها عوائل تعيش معاناة السكن والايجار وتحلم بسعة الدار وتمليكها.
ينظر لشباب البلد وهم يقتلون الوقت بالسهر على الموبايل و ( النركيلة ) ليعودوا بعدها الى تلك المنازل الضيقة ينامون الى الظهيرة لايهمهم أن كان الوقت ليلا أم نهارا فقد تساوت الاوقات لديهم وماعاد هنالك ما يدعو للأمل.
ينظر إلى جيش من الايتام والارامل وينظر الى التفكك الأسري.. ينظر لبلده وهو يقبع في هذه الفوضى الكبيرة.. (فوضى السلاح، والبطالة، والمخدرات، والامية،  والتخلف، والحرمان، والفساد الاداري، وارتفاع نسب الطلاق والموت، والمرض). 
أن الحياة لمعطلة، وسبب الخراب؛ هو انشغال الطبقة السياسية بالنزاعات والتجاذبات والاختلافات على المواقع والمناصب، فكيف لايكون هنالك ( تأزم نفسي ) يودي بالمواطن الى المصير المجهول.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين فرحان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/03/20



كتابة تعليق لموضوع : الطبقة السياسية، والتأزم النفسي للمواطن .
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net