صفحة الكاتب : ا . د . حسن خليل حسن

كيف تواجه البصرة موجات الفيضان الربيعي..؟
ا . د . حسن خليل حسن

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

مركز علوم البحار- جامعة البصرة
           بين الغيض والفيض يبدو ان قَدَر ارض البصرة وسكانها اما العطش او الغرق، فبعد محنة الجفاف والغزو الملحي من  الخليج بسبب شحة المياه في صيف العام 2018  عادت قتامة المشهد المائي  الى  الظهور في العام 2019 بعد تزايد تصاريف المياه من روافد شط  العرب التي لم تحدث منذ سنوات، ومصطلح الفيضان يشير الى عدم قدرة المجرى النهري (قناة النهر) على تصريف كمية المياه المتدفقة اليه من روافده في بعض الحالات الموسمية مما يضطره الى دفع المياه الفائضة عن طاقته الاستيعابية باتجاه الجوانب وبالاخص الضفاف والاكتاف النهرية المنخفضة،  وفيضانات انهار العراق في الجنوب امر متكرر في السابق خصوصاً خلال الاشهر (كانون الثاني-آذار) حيث يتوافق تساقط الامطار في المنابع مع ذوبان الثلوج وتشبع قطاعات التربة والاحواض الطبيعية والاصطناعية كبحيرات السدود بطاقتها الاستعابية الكاملة، كما يمتاز نهر دجلة بفيضاناته المفاجئة والسريعة خلال بعض السنوات الوفيرة الامطار  اذ تبدأ المناسيب بالارتفاع في بداية الشتاء وتبلغ ذروتها في الربيع (آذار ونيسان وربما تمتد الى شهر مايس).  والتصاريف الربيعية العالية في لروافد نهر دجلة وشط العرب خلال شهر آذار من العام 2019 تعيد ذاكرتنا الى ما حدث من فيضانات عارمة لدجلة وروافده خلال الاعوام (1963 – 1967- 1969 – 1972- 1976  وكان آخرها في العام 1988)،                 الشكل (1)، وبالرغم من ان التصريف الربيعي في تلك الاعوام  اكثر من التصاريف التي تتكرر خلال وقتنا الحاضر لكن تأثيرها الفيضاني الحالي يعود الى ان الاهوار المفتوحة كانت تعمل كخزانات طبيعية تستوعب كميات هائلة من المياه الفيضانية قبل التجفيف وكانت تقلل من الموجات الفيضانية القادمة اليها، اذ كانت تتسع لأكثر من 27 مليار متر مكعب سنوياً وهو ما يعادل ايراد نهر دجلة لسنة كاملة خلال السنوات الاخيرة، الا انها لم تعد كسابق عهدها من حيث الاتساع والامتداد بعد ان تم تقطيعها وانشاء السداد داخلها فضلا عن تناقص اعماقها بسبب الفعاليات البشرية وبالاخص الفعاليات الحربية في الثمانينيات والصناعة النفطية وما رافقها من مد الطرق والمنشآت اللوجستية المختلفة، وانشطة الاستصلاح والاستثمار الزراعي في ايران، ناهيك عن اسباب تتعلق بالظروف الطبيعية المتمثلة بالترسيب الريحي وتراكم الاتربة بفعل الفعاليات البشرية الامر الذي تسبب بضعف فاعليتها في استيعاب الموجات الفيضانية، يضاف الى ذلك عدم الاستعداد الكافي لتنظيف بحيرات السدود داخل وخارج العراق من الترسبات التي تتراكم فيها خلال السنوات الماضية لعدم توقع ايرادات مائية هائلة كما حدث في ربيع العام 2019،  وربما كان السبب الابرز بأحداث الغمر التي طالت بعض مناطق شمال البصرة المحاذية لهور الحويزة وجهات من جوانب شط العرب خصوصاً  
لشكل (1) التغاير التدريجي لتصاريف نهر دجلة خلال الخمسين سنة الاخيرة
       المناطق المنخفضة التي تجاور المجرى عدم وجود سداد مهيئة لمثل هذه المناسيب العالية للروافد وتزامن ذلك مع ارتفاع المد لتكرار الرياح الجنوبية الشرقية التي تزيد من طاقة وارتفاع المد، مما تسبب بغمر غير مسبوق لبعض المناطق الواقعة خلف الاكتاف النهرية ، ومن ناحية الروافد الايرانية من جهة الشرق (الطيب والكرخة ودويريج والكارون) فيحدث فيها ارتفاع مناسيب خلال الربيع لتزايد كمية التساقط في منابعها وذوبان جزء من الثلوج لوجود تزايد طفيف في درجات الحرارة خلال الربيع مقارنة بفصل الشتاء لذا تفيض المياه المتولدة في المنابع عن قدرة السدود على السيطرة على كمياتها الكبيرة فتتدفق باتجاه الانحدار الطبيعي للارض الى ان تصل الى اخفض نقطة بين العراق وايران وهي الاهوار المشتركة في الحويزة، وان المساحات الارضية المتبقية داخل هور الحويزة حالياً لا تتسع لهذه الكميات الهائلة من المياه مما تسبب باجتياحها لمناطق زراعية

وسكنية خلف السداد الترابية الموجودة داخلها، والمياه الفائضة عن مجاري الانهر الايرانية تتدفق غرباً لتجتاح الاراضي العراقية  بمسارين رئيسين  :
محور الجريان الاول: يتدفق من المرتفعات الايرانية المحاذية لحدودمحافظة ميسان عبر مناطق  (الشيب والطيب والفكة) بسبب فرق الارتفاع بين مرتفعات ايران التي تسمى جبال بختياري وهي جزء من سلسلة جبال زاكروس الممتدة على طول الحدود العراقية الايرانية (الشكل 2)، وينْصَب تأثير المياه المتدفقة على الجهات الشرقية من محافظة ميسان ( قضاء الكحلاء - ناحية المشرح -ناحية بني هاشم)،  ويصل تأثير تدفق موجات الفيضان الربيعي الى شمال البصرة وبالاخص نهايات نهر السويب وقد يصل الى الجزء الشمالي من شط العرب بفعل بعض القنوات والجداول غير المسيطر عليها، والاخطر من كميات المياه الكبيرة هو اختلاطها بعناصر كيميائية وفيزيائية غير مرغوب فيها وبالاخص في الاراضي المستصلحة حديثاً على الحدود الايرانية، والتي لها تأثير سلبي على مياه انهار البصرة التي تستغل مياهها في الشرب والزراعة والاستزراع السمكي.
  اما محور الجريان الثاني  تتدفق المياه من جهة الشرق باتجاه انهار البصرة عبر  نهر الكارون الذي ينبع من جبال زارد كوه في منطقة بختياري في سلسلة جبال زاغروس، ويتلقى العديد من الروافد مثل ديز وكوهران قبل دخوله الى اقليم خوزستان في إيران، وتضطر ايران الى فتح تصاريفه العالية باتجاه شط العرب مقابل قرية سيحان في جنوبي البصرة وهي تصاريف مؤقتة لكنها تصاريف كبيرة قد تتجاوز 1000 متر مكعب بالثانية وهي ذات تأثير مباشر على مناطق جنوب البصرة وضفاف القرى (سيحان –السيبة-والواصلية -الدورة - المخراق وغيرها من المناطق وصولاً الى راس البيشة جنوبي الفاو)،

الشكل(2) مناطق تدفق الموجات الفيضانية ياتجاه هور الحويزة شمال البصرة
.ونسجل هنا بعض التوصيات لمواجهة ارتفاع مناسيب شط العرب خلال موجات الفيضانات الربيعية:
1- اتباع اسلوب نصب السدود المطاطية (المؤقتة) خلال موجات الفيضان الربيعي لاغلاق الفتحات الناتجة عن تكسر السداد الرئيسة داخل الهور التي تتسرب منها مياه الموجات الفيضانية من جهة هور الحويزة، وتقنية السدود المطاطية  توفر الوقت اللازم للنصب كما انها تتيح التحكم بالمساحة التي تمتد عليها، فضلاً عن امكانية ايصالها الى المناطق التي لا تتوفر فيها طرق برية معبدة بالنقل الجوي او النهري.
2-اكمال انشاء مبزل شرق دجلة المقترح ليمتد لمناطق شرق شط العرب، الشكل (3)، واكمال ربطها بالجزء الجنوبي من البصرة(نهاية الحدود البرية مع ايران)، ليكون هذا المبزل مهرباً اضطرارياً لموجات الفيضانات الاستثنائية و لتفادي خطر تدفق مياه البزل الايرانية في بعض ايام فصل الصيف
3-تأهيل المهارب الفيضانية لنهر دجلة شمال العمارة واستحداث مهارب اخرى باتجاه مبزل شرق دجلة وفتح المبازل الثانوية المطمورة وتعميق المبازل الرئيسية الحالية.
 4- تأسيس خلية ادارة ومعالجة كوارث المياه من خبراء في محافظات واسط وميسان والبصرة مرتبطة بالسلطات التنفيذية في مجلس الوزراء، لمتابعة  الموجات الفيضانية الربيعية  وموجات مياه البزل من الجهة الشرقية على طول حدود المحافظات الثلاث مع ايران بالاضافة الى تدارس موضوع الحصص المائية خلال فترات الشحة المائية.
5-الزام شركات النفط في حقول مجنون والحقول القريبة بتقديم الدعم اللازم لتلافي اضرار موجات المياه القادمة لان سياسة زيادة التحصينات الموجودة لحماية ابار النفط التي اتبعتها الحكومة العراقية خلال فيضانات اذار  تكون على حساب المناطق المجاورة.
6- تعلية ورصف السداد الجانبية الواقية على طول الحدود الايرانية وبالاخص ضفاف الجزء الجنوبي من مجرى شط العرب لحماية المناطق الزراعية والسكنية وهذا الاجراء من مهام  وزارة الموارد المائية التي تشرف على محرمات مجرى شط العرب بإسناد من آليات وزارة البلديات والاسكان والاعمار، ومن المهم استثمار جهد الحشد الشعبي الذي يتسابق في خدمة القضايا المصيرية للعراق وله مواقف عديدة في ادارة الازمات المتعلقة بالموارد المائية في البصرة.
7- تقييم الاضرار المترتبة على ارتفاع مناسيب المياه  على البنى التحتية والمزارع والمناطق السكنية لاخذ الاحتياطات اللازمة خلال المستقبل لمثل هذه الاحداث مع ضرورة رسم خرائط لمسارات التدفقات المائية الفيضانية من جهة ايران وتحديد قيم افتراضية لحجم التدفقات بشكل موسمي(مياه الفيضان الربيعي ومياه البزول) لوضع تقديرات لحجم المساحات المتوقع اغمارها والتهيؤ لإجراءات احترازية تخص فتح بعض المنافذ الارضية لاستيعابها، والتنسيق المباشر بين الحكومات المحلية في واسط وميسان والبصرة لتحقيق هذا الهدف.
8- اطلاق برنامج استصلاح الاراضي المتروكة بين العراق وايران والتنسيق المشترك بين الدولتين لوضع خطط استصلاح مشتركة للاستفادة الايجابية  في احياء الاراضي المتروكة والاتفاق على مسارات اطلاق المياه الراجعة من غسل الاراضي.
9- توفير مناطق آمنة لزراعة المحاصيل الشتوية والاستزراع السمكي في الاراضي الحدودية بشرط ان يكون الاستثمار مشترك بين القطاعين الحكومي والاهلي والاستفادة من رؤوس الاموال الموجودة داخل العراق.
10- توفير الدعم الحكومي اللازم لتوسعة المنافذ النهرية المتصلة بالاهوار وبالاخص مدخل نهر الشافي  والانهر الفرعية المتصلة بهور الحمَار الشرقي لاستيعاب طاقة الموجات الفيضانية باتجاه الاهوار، مع ضرورة اكمال كري وتنظيف الانهر الداخلية في مدينة البصرة والتخطيط لتصريف مياهها باتجاه شط البصرة لتجنب اختلاط مياهه الملوثة خلال ارتفاع المناسيب وتلويثها للمجرى الرئيس لشط العرب.
11- التنسيق مع الوزارات الامنية لرفع التجاوزات على محرمات الانهر والتجاوزات قرب الضفاف النهرية.
12-من الضروري اتخاذ موقف وسطي في التصريحات الاعلامية معاكس لما تحاول ان تبثه بعض وسائل الاعلام من تهويلات حول الموجات الفيضانية ومعاكس ايضاً لما تحاول ترويجه بعض وزارات الدولة من التقليل من مخاطر السيول والزعم بانها تحت السيطرة بنسبة عالية، كما يجب استحداث هيئات اعلامية مستقلة لنقل الاخبار الخاصة بالوضع المائي وتطوراته، ومراقبة الاعلام الخاص بنشر اخبار غير دقيقة للحد من تسخير تلك الاخبار لاغراض المزايدات السياسية، ومراقبة صفحات الاعلام التي تحاول تهويل المعلومات واشاعة الذعر بين المواطنين، وتوعية المواطنين ان الكوارث الطبيعية جزء من نظام حياة البشر ويجب التعايش معها بشكل ايجابي لانها تحصل في جميع مناطق الامم في العالم المتحضرة والمتخلفة على حدٍ سواء.
13- اعادة التصميم الهندسي للبنى التحتية للمناطق المحاذية والقريبة من ضفاف الانهار وبالاخص القريبة من ضفاف شط العرب كالشوارع العامة وشبكات الكهرباء والاسالة والمجاري لمواجهة أي ارتفاع متوقع في المناسيب خلال مواسم الوفرة المائية، لان معظم التدفقات الفيضانية تسلك المناطق المنخفضة كالاراضي المتروكة والشوارع والمجاري وشبكة صرف الامطار، وهي تسبب رفع مناسيب المياه الارضية داخل المدن خلال مواسم الفيضان وتسبب مشاكل كبيرة في شبكة الصرف الصحي.
14- متابعة الآراء الهندسية التي تتحدث عن تراكم الارسابات في فم شط العرب الجنوبي بين الفاو رأس البيشة وتكوّن سد طيني يتحكم بالكتل المائية الداخلة والخارجة الى شط العرب ويمنع  تفريغ جزء من الموجات الفيضانية، وهذا الامر يستدعي اجراء مسوحات باثومترية لقاع المجرى المائي في تلك المنطقة وتقييم ذلك التأثير لوضع المعالجات اللازمة. 

الشكل (3) المبازل المُقامة والمقترحة شمال محافظة البصرة
الهوامش:
•    المحمود، حسن خليل حسن (2000) مشروع نهر العز (دراسة في جغرافية الموارد المائية)، رسالة ماجستير، كلية التربية للعلوم الانسانية، جامعة البصرة، 243 صفحة.
•    عثمان ، خليل ابراهيم بلال، عادل علي سليمان، يعرب ابراهيم(2012) مورفولوجية نهر دجلة في مدينة الموصل، مجلة تكريت للعلوم الهندسية/المجلد 19 /العدد 3/ ، 17 صفحة.
•    رشيد، مؤيد جاسم(2008) دراسة جيومورفولوجية ورسوبية لهور الحويزة، والمناطق المجاورة له، اطروحة دكتوراه جامعة بغداد- كلية العلوم، 208 صفحة. 
•    حسن، زينب ضمد (2009)صلاحيـة مياه هور الحويـزة للاستعمالات العامــة، المؤتمر العلمي الثالث لكلية العلوم، جامعة بغداد،  10 صفحات.
•    علون، علاء كامل(2010) محمية الصافية الطبيعية نظام بيئي متكامل، موسوعة البيئة العراقية ، موقع ميزوبوتاميا،

http://www.mesopot.com/default/index.php?option=com
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ا . د . حسن خليل حسن
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/04/01



كتابة تعليق لموضوع : كيف تواجه البصرة موجات الفيضان الربيعي..؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net