صفحة الكاتب : محمد جواد الميالي

مواطن من الدرجة الثالثة عندما نختفي ونصبح ظلا
محمد جواد الميالي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 من فوائد العزلة أنها يمكن أن تثبت لك إنسانيتك من عدمها، لكن ليس بأن تعتزل الناس بل تخالطهم، لأن أعتكاف البشر المحيطين بك، لايمكن أن يوقظ أنسانيتك.

هذا ما دفعني للحديث مع (ص.ج) الذي يعمل عامل نظافة في إحدى دوائر الدولة العراقية، وله من العمر ٤٧، لكن بنيته تحوي بأنه قارب السبعين.

تحدث بتنهيده حزينه، كأن جزءاً من روحه تخرج مع كل حرف ينطق به، كان مليئا بالمعاناة.. يعتصره الفقر وفاقة المعيشة، لا يعرف معنى الرغبات العادية للحياة أبدا.

 بدأ بقص نضال سنوات عمره، والألم والحزن يعتصره.. ضاع شبابي بين التجنيد الإلزامي للنظام البعثي، و بين أنتفاضة التسعينات، حتى بدأت أتخبط بين خناجر الحصار، التي قتلت كل أملٍ في داخلي، ولم تبصر زهرة حياتي أي شكل من أشكال الحياة، عانيت ألم الفقد أحياناً كثيرة، حتى تساقطت قواي مع تساقط آخر أوراق الخريف، حينها أصبحت ثملاً في طيات الجوع والفقر، حتى سقوط النظام الدكتاتوري في ٢٠٠٣.

عندها توقف وأشعل سيجارا وبدى كأن روحه تحترق و تخرج مع كل نفخة دخان، وأكمل قصة معاناته: كأن سقوط النظام الدكتاتوري هو بريق الأمل المنشود لنا نحن الفقراء، كنا نتوسم خيراً بتوفر العمل، كانت أقصى أحلامنا أن نجد عملا يوفر قوت يومنا.. أحلامنا بسيطة، دائماً ما نحلم على قدر بساطتنا.

أبتسامه ساخرة من الوضع الحالي، تلاها كلام بنبرة حزينة، كأنه يتيم قُتِلَ أبواه أمام عيناه.. لم أجد أي عمل أستطيع أن أسد به رمقي، حتى بدأت أصبح كالظل، وبدأت الناس لا تلاحظ وجودي في المكان، فالفقير في بلدي منبوذ ياصديقي.. بعد أن تقاسم الساسة كعكة وطني، والتهموا الأخضر واليابس فيه، عندها في نهاية قواي العمرية عند بلوغي الأربعين، أستطعت أن أجد عقداً حكومياً بمبلغ ١٤٠ الف دينار لأعالة نفسي وزوجتي..

هل تعلم ياصديقي أن كل ممتلكاتي عبارة عن ثلاث ملابس فقط، وإلى الآن مازلت أتنقل من بيت إيجار إلى آخر، فأنا لا أملك شبرا في وطني..

بعد أن أكمل حكايته الحزينه، فهمت كم أن الحياة بائسة بعيوننا، وكم هي بسيطة رغم ألمها بأعينهم.. فهو مازال قنوع جداً بما يملك، لأنه عند كل وقفة في حكايته كان يردد، الحمد والشكر على ما أملك!

يبدوا أن الصراع من أجل المال والسلطة هو ديدن الحياة، ويمكن أن يكون هذا الصراع هداما أو عقيماً وهو الصراع الذي لا يؤدي إلى حل، كما يفعل ساستنا.. لكن هناك من هم خارج قوقعة هذا الصراع، لا يأملون سوى بلقمة عيشهم، فهم مازالوا مواطنين من الدرجة الثالثة..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جواد الميالي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/07/08



كتابة تعليق لموضوع : مواطن من الدرجة الثالثة عندما نختفي ونصبح ظلا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net