صفحة الكاتب : الشيخ عبد الامير النجار

ردم بئر زمزم
الشيخ عبد الامير النجار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يعتبر بئر زمزم من أقدم الآبار المحفورة في العالم، والمشهورة على وجه الأرض، إذ يصل تاريخه إلى (4000) سنة، وما زال ماءه يتدفق بكامل حيويته لحد الآن، وسيبقى كذلك إلى يوم القيامة؛ لأنه بئر مبارك حفره جبرائيل (عليه السلام) بعقبه لنبي الله إسماعيل وأمه (عليهما السلام)، في قصة معروفة ومشهورة.

كما يعتبر هذا البئر من المعالم المهمة داخل المسجد الحرام، وذو مكانة روحية متميزة، ومرتبط بوجدان المسلمين عامة، والمؤدين لشعائر الحج والعمرة خاصة، فضلاً عن كونه (بئر الماء الوحيدة في العالم التي تشرف عليها تشرف وزارة البترول والثروة المعدنية في الحكومة السعودية؛ باعتبارها ثروة قومية ودينية في البلاد)[1].

موقع وخصائص البئر
يقع هذا البئر المبارك في صحن المطاف بالجهة الشرقية من المسجد الحرام، وعلى بعد (20) متراً عن الكعبة المشرفة تقريباً. وقد (أفادت الدراسات أن العيون المغذية للبئر تضخ ما بين (11-18,5) لتراً من الماء في الثانية. وأن عمقه يبلغ (30) متراً على مرحلتين:
المرحلة الأولى: مبني عمقه (12,80) متراً عن فتحة البـئر.
المرحلة الثانية: جزء منقور في صخر الجبل وطوله (17,20) متراً.
هذا ويبلغ عمق مستوى الماء عن فتحة البئر حوالي أربعة أمتار، وعمق العيون التي تغذي البئر عن فتحة البئر (13) متراً، ومن العيون إلى قعر البئر (17) متراً)[2].
كما خلصت الدراسات الحديثة، إلى (أن بئر زمزم يستقبل مياهه من صخور قاعية من العصور القديمة عبر ثلاثة تصدعات صخرية، تمتد من تحت الكعبة المشرفة، ومن جهة الصفا، ومن جهة المروة، وتجتمع في البئر.
ففي سنة 1399هـ، لما تمَّ تنظيف البئر بأمر الملك خالد بن عبد العزيز بواسطة بعض الغواصين، كتب المهندس يحيى كوشك كتاباً عن زمزم، قيَّد فيه مشاهداته داخل البئر، فقال: تبيَّن بالمشاهدة أن هناك مصدرين أساسيين فقط، أحدهما تجاه الكعبة، والآخر تجاه أجياد، أما المصدر الثالث الذي قالت الروايات التاريخية أنه في جهة جبل أبي قبيس والصفا، فقد وجدت بدلاً منه تلك الفتحات الصغيرة بين أحجار البناء وعددها (12) فتحة.
وقد ذكر ابن جبير في رحلته لمكة المكرمة، قال: وتنور البئر المباركة في وسطها مائل عن الوسط إلى جهة الجدار الذي يقابل البيت الكريم.
ويلتقي هذا مع ما أفاد به المهندس يحيى كوشك: إن البئر في الوقت الحاضر منحرف ومائل إلى اتجاه الكعبة، إلى حد أن الغواص ما كان يستطيع مشاهدة فوهة البئر من قاع البئر.
أما عن ذرع بئر زمزم فيقول الأزرقي: أنا صليت في قعرها، فغورها من رأسها إلى الجبل أربعون ذراعًا (22,45) م، ذلك كله بنيان، وما بقي فهو جبل منقور، وهو تسعة وعشرون ذراعًا (16,28) م... وعلى البئر ملبن ساج مربع فيه اثنتا عشرة كرة يستقى عليها.
ويلتقي هذا أيضاً مع ما ذكره يحيى كوشك حيث قال: إن جدار البئر من الداخل محكم التلييس بعمق (14,80) م من فوهة البئر، وتحت هذا العمق يوجد فتحتان لتغذية البئر: أحدهما متجهة إلى جهة الكعبة المشرفة، والثانية إلى أجياد، ثم يــأتي جــزء منقور في الجبل بعمق (17,20) م)[3].

أسماء زمزم
وردت أسماء كثيرة لهذا البئر المبارك، وما كثرة الأسماء للشيء؛ إلا دلالة على عظم وعلو شأن وفضل وشرف المسمَّى والموصوف، قال الشاعر:
وَاعْلَمْ بِأَنَّ كَثْرَةَ الْأَسَامِي
        دَلَالَةٌ أَنَّ الْـمُسَمَّى سَامِي

ثم إن "ماء زمزم" هو عَلَمٌ لهذه البئر، وأن كثرة الأسماء ترجع في الحقيقة إلى الصفات المتعلقة بماء زمزم أو بئرها. وقد ذكر المؤرخ التركي أيوب صبري باشا (ت 1290هـ/1890م)، في كتاب "موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب" ثلاثين اسماً لزمزم وشرح معناها، ثم ذكر مقطوعة شعرية نظمت هذه الأسماء[4]:
لِزَمْزَمَ ثَلَاثُونَ اسْماً فَاذْكُرْ
        مِنْهَا خُلُوصُ إِيْمَانِكَ يَظْهَرْ

هَمْزَةٌ وَهَزْمَةٌ شِفَاءَ سُقْمٍ مَيْمُونَةٌ
        طَاهِرَةٌ مَرْوِيَةٌ سُقْيَا وَشَرَابُ الْأَبْرَارْ

سَيِّدَةٌ بَرَكَةٌ وَمَضْنُونَةٌ مُبَارَكٌ عِصْمَةٌ
        عَافِيَةٌ مُعْذَبَةٌ طَعَامُ طُعْمِ أَحْرَارْ

مُونِسَةٌ تُكْتَمْ وَبَرَّةٌ حَرَمِيَّةٌ عَوْنَةٌ
        ظَبْيَةٌ زَمْزَمٌ وَطَيْبَةٌ وَبُشْرَى كِبَارْ
 
صَافِيَةٌ كَافِيَةٌ وَأَيْضاً نَافِعَةٌ وَسَالِـمَةٌ
        وَأَيْضاً شَبَّاعَةٌ كَمَا قَالَ عَنْهَا شُيُوخُنَا الْأَخْيَارْ

ولكن بعد التتبع والبحث وجدتها أكثر من ذلك بكثير، وقد جمعت هذه الأسماء من مصادر عدة فبلغت (61) اسماً، ثم رتبتها على حسب حروف الهجاء:
باء: بركة، برَّة، بشرى.
تاء: تُكْتَم.
حاء: حرمة، حَرَمِيَّة، حَفيرة العباس، حَفيرة عبد المطلب.
راء: الرَّواءُ، رَكْضَةُ جبريل.
زاي: زُمَازمُ، زَمْزَمُ، زُمَّزُم، زُمَزِمٌ، زَمَمُ، زَمَّمُ.
سين: سابق، سالمة، سُقْيَا، سُقْيَا إسماعيل، سُقْيَا الله إسماعيل، سيِّدة.
شين: الشُّبَّاعَةُ، شُبْاعَةُ، شَبَّاعَةُ العيال، شراب الأبرار، شِفاء سُقْم، الشَّيَّاعة، شُيَاعة، شَيْعَة.
صاد: صافية.
طاء: طاهرة، طَعَامُ طُعْم، طَعَامُ الأبرار، طِيْبَة.
ظاء: ظَبْيَة.
عين: عافية، عِصْمَة، عَوْنَة.
قاف: قرية النمل.
كاف: كافية.
لام: لا تُنْزَف، لا تُذَم.
ميم: مباركة، مروية، مَضْنُونَةُ، مُعْذَبَة، مُغَذِّية، المغذيَة، المغذاة، مُفَدَّاة، مَكْتُومَةُ، مكنونة، مؤنسة، مؤنة، ميمونة.
نون: نافعة.
هاء: هَزْمَةُ إسماعيل، هَزْمَةُ جبريل، هَزْمَةُ الْمَلك، همزة جبريل[5].
يقول العلامة تقي الدين الفاسي (ت 832 هـ/1428م): (وقد اختلف في تسمية زمزم بـ "زمزم"، فقيل: لكثر مائها. قال ابن هشام: والزمزمة عند العرب الكثرة والاجتماع.
وقيل: إنها سميت زمزم؛ لأنها زُمَّت بالتراب لئلا يأخذ الماء يميناً وشمالاً، ولو تركت لساحت على الأرض حتى تملأ كل شيء.
وقيل: سميت زمزم؛ لزمزمة الماء، وهو صوته.
وقيل: سميت زمزم؛ لأن الفُرْسَ كانت تحج إليها في الزمن الأول فزمزمت عليها. قال المسعودي: قيل لي: والزمزمة صوت يخرجه الفرس من خياشيمها عند شرب الماء.
وقيل: إنها غير مشتقة)[6].

قصة البئر
ذكر العلامة علي بن إبراهيم القمي (ت 329 هـ/941م) في تفسيره قصة بئر زمزم، فيما رواه بسنده عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، قال: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) كَانَ نَازِلًا فِي بَادِيَةِ الشَّامِ، فَلَمَّا وُلِدَ لَهُ مِنْ هَاجَرَ إِسْمَاعِيلُ، اغْتَمَّتْ سَارَةُ مِنْ ذَلِكَ غَمّاً شَدِيداً؛ لِأَنَّهُ لَـمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، كَانَتْ تُؤْذِي إِبْرَاهِيمَ فِي هَاجَرَ وَتَغُمُّهُ.
فَشَكَا إِبْرَاهِيمُ ذَلِكَ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: إِنَّمَا مَثَلُ الْـمَرْأَةِ مَثَلُ الضِّلْعِ الْعَوْجَاءِ، إِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَهَا، وَإِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا. ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُخْرِجَ إِسْمَاعِيلَ وَأُمَّهُ.
فَقَالَ: يَا رَبِّ، إِلَى أَيِّ مَكَانٍ؟.
قَالَ: إِلَى حَرَمِي وَأَمْنِي، وَأَوَّلِ بُقْعَةٍ خَلَقْتُهَا مِنَ الْأَرْضِ، وَهِيَ مَكَّةُ.
فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ جَبْرَائِيلَ بِالْبُرَاقِ، فَحَمَلَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ. وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ لَا يَمُرُّ بِمَوْضِعٍ حَسَنٍ فِيهِ شَجَرٌ وَنَخْلٌ وَزَرْعٌ إِلَّا قَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ، إِلَى هَاهُنَا، إِلَى هَاهُنَا.
فَيَقُولُ: لَا، امْضِ، امْضِ.
حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَوَضَعَهُ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ، وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ (عليه السلام) عَاهَدَ سَارَةَ أَنْ لَا يَنْزِلَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهَا. فَلَمَّا نَزَلُوا فِي ذَلِكَ الْـمَكَانِ، كَانَ فِيهِ شَجَرَةٌ، فَأَلْقَتْ هَاجَرُ عَلَى ذَلِكَ الشَّجَرِ كِسَاءً، وَكَانَ مَعَهَا فَاسْتَظَلُّوا تَحْتَهُ، فَلَمَّا سَرَّحَهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَوَضَعَهُمْ، وَأَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْهُمْ إِلَى سَارَةَ.
قَالَتْ لَهُ هَاجَرُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، لِـمَ تَدَعُنَا فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ أَنِيسٌ، وَلَا مَاءٌ، وَلَا زَرْعٌ!.
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: اللهُ الَّذِي أَمَرَنِي أَنْ أَضَعَكُمْ فِي هَذَا الْـمَكَانِ حَاضِرٌ عَلَيْكُمْ.
ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُمْ، فَلَمَّا بَلَغَ كَدَاءَ ـ وَهُوَ جَبَلٌ بِذِي طُوًى ـ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ: رَبِّ [إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْـمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ] سورة إبراهيم: 37.
ثُمَّ مَضَى وَبَقِيَتْ هَاجَرُ، فَلَمَّا ارْتَفَعَ النَّهَارُ، عَطَشَ إِسْمَاعِيلُ وَطَلَبَ الْـمَاءَ. فَقَامَتْ هَاجَرُ فِي الْوَادِي فِي مَوْضِعِ الْـمَسْعَى، وَنَادَتْ: هَلْ فِي الْوَادِي مِنْ أَنِيسٍ؟.
فَغَابَ عَنْهَا إِسْمَاعِيلُ، فَصَعِدَتْ عَلَى الصَّفَا، وَلَـمَعَ لَـهَا السَّرَابُ فِي الْوَادِي، وَظَنَّتْ أَنَّهُ مَاءٌ، فَنَزَلَتْ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَسَعَتْ، فَلَمَّا بَلَغَتِ الْـمَسْعَى، غَابَ عَنْهَا إِسْمَاعِيلُ، ثُمَّ لَـمَعَ لَـهَا السَّرَابُ فِي نَاحِيَةِ الصَّفَا، فَهَبَطَتْ إِلَى الْوَادِي تَطْلُبُ الْـمَاءَ، فَلَمَّا غَابَ عَنْهَا إِسْمَاعِيلُ، عَادَتْ حَتَّى بَلَغَتِ الصَّفَا، فَنَظَرَتْ حَتَّى فَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي الشَّوْطِ السَّابِعِ ـ وَهِيَ عَلَى الْـمَرْوَةِ ـ نَظَرَتْ إِلَى إِسْمَاعِيلَ، وَقَدْ ظَهَرَ الْـمَاءُ مِنْ تَحْتِ رِجْلِهِ، فَعَادَتْ حَتَّى جَمَعَتْ حَوْلَهُ رَمْلاً، فَإِنَّهُ كَانَ سَائِلاً، فَزَمَّتْهُ بِمَا جَعَلَتْهُ حَوْلَهُ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ: زَمْزَمَ[7].
وفي "تاريخ الطبري" بسنده، عن ابن عباس، قال: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ جَاءَ بِهَاجَرَ وَمَعَهَا إِسْمَاعِيلَ حَتَّى انْتَهَى بِهِمَا إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتَ، فَوَضَعَهُمَا ثُمَّ رَجَعَ، فَاتَّبَعَتْهُ.
فَقَالَتْ: إِلَى أَيٍّ شِيْءٍ تَكِلُنَا، إِلَى طَعَامٍ إِلَى شَرَابٍ تَكِلُنَا؟!.
فَجَعَلَ لَا يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئاً.
فَقَالَتْ: آللهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَتْ: إِذاً لَا يُضَيِّعُنَا.
قَالَ: فَرَجَعَتْ، وَمَضَى حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى ثَنْيَةِ كُدَاءَ، أَقَبْلَ عَلَى الْوَادَي فَقَالَ: [رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْـمُحَرَّمِ] الْآيَةَ.
قَالَ: وَمَعَ الإِنْسَانَةَ شِنَّةٌ فِيْهَا مَاءٌ، فَنَفَدَ الْـمَاءُ فَعَطَشَتْ، فَانْقَطَعَ لَبَنُهَا، فَعَطَشَ الصَّبِيُّ، فَنَظَرَتْ أَيُّ الْـجِبَالِ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ، فَصَعَدَتْ الصَّفَا، فَتَسَمَّعَتْ هَلْ تَسْمَعُ صَوْتاً أَوْ تَرَى أَنِيساً، فَلَمْ تَسْمَعُ شَيْئاً، فَانْحَدَرَتْ فَلَمَّا أَتَتْ عَلَى الْوَادِي سَعَتْ، وَمَا تُرِيدُ السَّعْيَ، كَالْإِنْسَانِ الْـمَجْهُودِ الَّذِي يَسْعَى وَمَا يُرِيدُ السَّعْيَ. فَنَظَرَتْ أَيُّ الْـجِبَالِ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ، فَصَعَدَتْ الْـمَرْوَةَ، فَتَسَمَّعَتْ هَلْ تَسْمَعُ صَوْتاً أَوْ تَرَى أَنِيساً، فَسَمِعَتْ صَوْتاً.
فَقَالَتْ ـ كَالْإِنْسَانِ الَّذِي يُكَذِّبُ سَمْعَهُ ـ: صَهْ.
حَتَّى اسْتَيْقَنَتْ، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعَتَنِي صَوْتُكَ فَأَغِثْنِي، فَقَدْ هَلَكْتُ وَهَلَكَ مَنْ مَعِي.
فَجَاءَ الَـمَلَكُ بِهَا حَتَّى انْتَهَى بِهَا إِلَى مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَضَرَبَ بِقَدَمِهِ، فَفَارَتْ عَيْناً، فَعَجَلَتْ الْإِنْسَانَةُ تُفْرِغُ فِي شِنَّتِهَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه [وآله] وسلم): رَحِمَ اللهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْلَا أَنَّهَا عَجَلَتْ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْناً مَعِيْناً)[8].

عمارة بئر زمزم
إن أول عمارة لبئر زمزم قد تمَّت على يد السيدة هاجر ـ زوجة إبراهيم خليل الله وأم إسماعيل نبي الله (عليهما السلام) ـ؛ وذلك عندما تفجَّر البئر، وجرى الماء من باطن الأرض على سطحها، فقامت (عليهما السلام) بإحاطة الماء بالرمال؛ لحفظه خشية أن يفوتها قبل أن تأتي بالسقاء، وكانت تقول ـ وهي تحثو الرمال ـ: (زم زم، زم زم)، أي: تجمَّع باللغة السريانية.
وقد ظلت زمزم فترة طويلة عبارة عن حوضين:
الأول: بينها وبين الركن يشرب منه الماء.
الثاني: من الخلف للوضوء، له سرب يذهب فيه الماء.
وكانت محاطة بسور من الحجارة بسيط البناء.
ثم عنى الخلفاء والملوك والحكام على مر العصور بهذه البئر المباركة عناية كبرى. فقاموا بعمارتها، وأدخلوا عليها من التحسينات ما يليق بمكانتها. إذ يذكر المؤرخون أن المنصور العباسي يُعد أول من شيَّد قبة فوق زمزم في سنة (145هـ/763م)، وأول من عمل الرخام عليه وعلى الشباك وفرش أرضها
يقول العلامة الأزرقي (ت 250هـ/865م): (وأول من عمل الرخام على زمزم، وعلى الشباك، وفرش أرضها بالرخام، أبو جعفر في خلافته. ثم عملها المهدي في خلافته، ثم غيَّره عمر بن فرج الرُّخَّجي في خلافة المعتصم سنة عشرين ومائتين. وكانت مكشوفة قبل ذلك، إلا قبة صغيرة على موضع البئر، وفي ركنها الذي يلي الصفا على يسارك كُنيسة على موضع مجلس ابن عباس، ثم غيَّرها عمر بن فرج، فسقَّف زمزم كلها بالساج المذهب من داخلها، وجعل عليها من ظهرها الفسيفساء، وأشرع لها جناحاً صغيراً كما يدور تربيعها، وجعل في الجناح كما يدور سلاسل فيها قناديل، يستصبح فيها في الموسم. وجعل على القبة التي بين زمزم وبين بيت الشراب الفسيفساء، وكانت قبل ذلك تزوَّق في كل موسم، عمل ذلك كله في سنة عشرين ومائتي سنة)[9].
وقال العلامة تقي الدين الفاسي (ت 832 هـ/1428م): (وأما صفة الموضع الذي فيه زمزم: فهو بيت مربَّع، وفي جدرانه تسعة أحواض للماء، تملآن من بئر زمزم؛ ليتوضأ الناس منها، إلا واحداً منها معطلاً، وفي الحائط الذي يلي الكعبة شبابيك، وهذا البيت مسقوف بالساج ما خلا الموضع الذي يحاذي بئر زمزم، فإنما عليه شباك خشب، ولم أدرِ من عمل هذا الموضع على هذه الصفة)[10].
وقال اللواء إبراهيم رفعت باشا (ت 1353هـ/ 1935م): (هذه البئر تقع جنوبي مقام إبراهيم، بحيث إن الزاوية الشمالية الغربية من البناء القائم عليها محاذية للحجر الأسود على بعد (18) متراً منه. وماؤها طعمه قيسوني، والبناء القائم عليها مربع من الداخل، طول ضلعه (5,25) أمتار، وهو مفروش بالرخام. وهذا البناء طبقتان: في الأولى منهما خَدَمة البئر، وفي الثانية خَدَمة من الخصيان "الأغوات"، ويُصْعِدا إليه من يريد الاستحمام على سلَّم من الخشب ـ إلى أن يقول ـ وفي سنة (933هـ) عُمِلَ لدائر بيت زمزم طراز مذهب، وكُتِبَ فيه اسم مولانا السلطان الملك المظفر سليمان نخبة آل عثمان.
وفي سنة (948هـ) جُدِّد بيت زمزم على يد الأمير خشقلدي، فرُخِّمِتْ أرضه وجُعِلَ عليه سقف فوقه مظلة مسقوفة بالخشب المزخرف، عليه جملي (جمالون) في وسطه قبة مصفحة بالرصاص.
وفي سنة (1020هـ) وُضِعَ بأمر السلطان أحمد خان شبكة من الحديد بداخل البئر، ومنخفضة عن سطح الماء بمتر؛ لأن بعضاً من المجاذيب كانوا يلقون أنفسهم فيها ليموتوا فداء تصورهم)[11].
وقال حسين عبد الله با سلامة (ت 1359 هـ/ 1940 م): (أما حالة بئر زمزم التي عليها اليوم، فهو بئر مدور الفوهة، عليه قطعة من الرخام المرمر على قدر سعة فمه، ويبلغ ارتفاعها عن بلاط الأرض التي حول البئر من داخل القبة، ذراعين ونصف ذراع اليد، أو (120) سنتم تقريباً.
وأرض بيت زمزم أو داخل قبة زمزم، مفروش بالرخام الأبيض، ويحيط بفم البئر من أعلاه دربزين معمول من الحديد الثخين، وفوق الدربزين شبكة من حديد، وُضِعَت فوق ذلك الدربزين سنة (1332هـ). وكان السبب في وضعها: هو أن رجلاً من الأفغان ألقى بنفسه في بئر زمزم، فلما أُخْرِجَ اهتمت الحكومة التركية لذلك الحادث، وخشيت من تكراره، فارتأت أن تعمل حائلاً يمنع كل من أراد أن يلقي نفسه في البئر، فتقرر عمل الشبكة المذكورة وقاية لذلك، ووُضِعَت بسرعة، وقد شاهدت ذلك بنفسي.
وأما البناء القائم على بئر زمزم، فهو بناء مربع الشكل من الداخل، طول كل ضلع منه أحد عشر ذراعاً بذراع اليد، وسطح البئر مغموس بالحجر والنورة، وفي الجهة الشرقية باب قبة زمزم، وعلى جناح الباب الشمالي طاقة عليها شباك ثخين، وكان في جدار الطاقة سبيل قديم، ثم أُبْطِلَ عمله.
وكذلك على جناح الباب الجنوبي، طاقة عليها شباك ثخين، وكان أيضاً في جدار الطاقة سبيل قديم قد أُبْطِلَ عمله. ومن الجهة الشمالية ثلاث منافذ، عليها ثلاثة شبابيك، لكل منفذ شباك، ومن الجهة الغربية مما يلي الكعبة المعظمة ثلاث منافذ، ولكل منفذ شباك ثخين.
وعلى نحو نصف سطح البئر من الجهة الغربية المقابلة للكعبة المعظمة، مظلة قائمة على أربع بتر، بنيت في النصف الأمامي من سطح البئر، وعلى أربع أساطين لطاف، وضعت اثنتان منها على جدار البئر الأمامي مما يلي الكعبة المعظمة، واثنتان على حد منتصف البئر من الجهة الشرقية ـ إلى أن يقول ـ ومن ضمن بيت زمزم حجرة واقعة في الجهة الجنوبية تابعة لأغوات الحرم، يضعون فيها أدوات تنظيف صحن المطاف، والمدار المرصوف بالحجر الصوان، الذي عليه المقامات الثلاثة، وكذلك الشموع "الشماعدين" التي توضع كل ليلة على باب الكعبة من الغروب إلى بعد صلاة العشاء، ومن الفجر إلى الأسفار، وغير ذلك من لوازمهم. وبجانب حجرة الأغوات المذكورة باب الدرجة المصعدة إلى المظلة التي تعلو بئر زمزم)[12].
وأما في عهد آل سعود، (فقد كان إلى وقت قريب تُستخدم الدلاء لاستخراج ماء زمزم من البئر، حتى أمر الملك عبد العزيز بتركيب مضخة عام (1373هـ) تضخ ماء زمزم إلى خزانين علويين من الزنك، ووُصِّل بكل خزان اثنا عشر صنبوراً موزعة حول البئر؛ لاستخدامها إلى جانب الدلاء حسب الرغبة، ثم أُزِيَلت المباني المقامة على البئر.
وفي سنة (1382هـ) صدر الأمر السامي من الملك سعود بتوسيع المطاف، فخُفِّضَت فوهة البئر أسفل المطاف في قبو عمقه (2,7) م، يتم النـزول إليه بدرج ينقسم إلى قسمين: أحدهما للرجال، والآخر للنساء، وبهذا تكون قد انتهت مرحلة الدلاء نهائياً، واستبدلت بالصنابير، وتم تطوير البئر إلى أبدع ما يكون، وتمَّ ذلك عام (1383هـ).
وفي عام (1399هـ) صدر أمر الملك خالد بتنظيف بئر زمزم ـ على أحدث الطرق وأتم وجه ـ بواسطة غواصين متمرسين، وكان هذا العمل من أعظم أعمال التنظيف في تاريخ بئر زمزم، ونتج عنه أن فاضت البئر بفضل الله بماء أغزر مما كان بكثير.
وأصبح ماء زمزم متاحاً في كل أنحاء الحرم المكي الشريف من خلال البئر نفسه، وبواسطة حافظات "ترامس" موزعة بشكل متناسق في كل أنحاء الحرم، يصل عددها وقت الذروة في المواسم إلى (13,800)، إضافة إلى المشربيات المنتشرة في الحرم والساحات المحيطة به، حيث وصل عدد الصنابير بها إلى (1073) صنبورًا، إضافة إلى مجمعات زمزم خارج الحرم لملء الجوالين، وسبيل الملك عبد العزيز بمنطقة كدي.
وقد كان هناك مصنع خاص؛ لصناعة الثلج من ماء زمزم الذي يوضع في ماء زمزم لتبريده، ثم تمَّ تبريد ماء زمزم آلياً بما يكفي حاجة رواد المسجد الحرام، واستغني عن تصنيع الثلج.
وحرصاً من الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي على نظافة ماء زمزم، وخلوِّه من الملوثات فقد أمَّنت مختبراً؛ لتحليل ماء زمزم، يقع على سطح الحرم المكي الشريف، ترفع نتائجه للرئاسة أولاً بأول، كما يتولى المختبر الإشراف على جميع مراحل تعقيم ماء زمزم، حيث شُيِّدَ عام (1395هـ) مبنى خاص للتعقيم قرب المسجد الحرام، يصل إليه ماء زمزم عبر أنابيب خاصة، تُسلَّط عليها الأشعة فوق البنفسجية لتنقيته وقتل البكتريا، وهذه الطريقة يُضمن بها عدم إضافة أي مواد كيميائية، كما أنها لا تتسبب في تغيير طعم ماء زمزم، أو لونه، أو رائحته، حيث يحتفظ بجميع خواصه وتركيبه الكيميائي)[13].

ردم بئر زمزم
تعرض بئر زمزم للردم والاندثار ـ منذ تفجُّره ولحد الآن ـ مرتين، الأولى في الزمن القديم على أيدي الجراهمة، والثانية في الزمن الحديث ـ وفي أيامنا هذه ـ على أيدي آل سعود.
أما المرة الأولى: فقد كانت على أيدي الجراهمة، إذ يذكر المؤرخون أن الجراهمة الذين سكنوا مكة المكرمة بعد ظهور بئر زمزم وشربوا من مائه، قد طغوا وبغوا واستخفوا بحرمات الله، فسلَّط الله تعالى عليهم خزاعة التي نفتهم عن مكة المكرمة، وأخرجتهم من الحرم، بعدما كانوا في بحبوحة من العيش الرغيد.
فقاموا بردم بئر زمزم، وأخفوا علاماته، حتى يحرموا خزاعة من مياه زمزم، فدُرِسَ موضعه، ومرَّت عليه السنون عصراً بعد عصر، إلى أن صار لا يُعرف، وظل هكذا مخفياً مدة (500) عام بعيداً عن العيون، إلى أن كلَّف الله تعالى عبد المطلب بن هاشم ـ جد النبي (صلى الله عليه وآله) ـ بحفر زمزم مرة أخرى وإظهاره[14].
أما المرة الثانية: فقد كانت على أيدي آل سعود الذين تسلَّطوا على الحجاز، إذ قاموا بردم بئر زمزم، هذا الأثر الإسماعيلي ذو الأربعة آلاف سنة، كما أخفوا أثره على مرآى ومسمع من العالم الإسلامي بأسره؛ بحجة توسعة أرض المطاف لاستيعاب أعداد الحجاج والمعتمرين والزوار وعدم مضايقتهم.
فكما يعلم الجميع أن بئر زمزم قد تفجَّر داخل المسجد الحرام، وبالقرب من الكعبة المشرفة، وبقي حاله هكذا إلى أيامنا هذه، لكن آل سعود تدرَّجوا في إخفاء بئر زمزم على عدة مراحل؛ حتى لا يثيروا انتباه الرأي العام الإسلامي، ويجلبوا سخط المسلمين عليهم.
لقد كان على البئر بناءً قديماً تعلوه قبة مساحته (88,8) متراً مربعاً، يحتوي على غرف مستودعات، ومستبرد لدوارق ماء زمزم. ولكن عندما تمَّ تنفيذ التوسعة الأولى في المطاف سنة (1377هـ/1958م)، تمَّ وضع تصميم لردم بئر زمزم بالتدريج، وذلك بوضعه في قبو (بدروم) تحت أرض المطاف.
وفي سنة (1382هـ/1963م) أصدر الملك سعود أمراً بتوسيع المطاف، فخُفِّضَت فوهة البئر أسفل صحن المطاف في قبو (بدروم) عمقه (2,7) متر، وتمَّ هدم البناء المقام في سنة (1383هـ/1964م).
 
البناء المقام على بئر زمزم والذي تمَّ هدمه في سنة (1383هـ/1964م).
ثمَّ عُمِلَ قبو (بدروم) للبئر يتم النـزول إليه بدرج، ينقسم إلى قسمين: أحدهما للرجال ، والآخر للنساء. وقد أدركت بئر زمزم بهذا الشكل ـ أي في قبو تحت صحن المطاف ـ عندما أديت حجة الإسلام في العام (1418هـ/1998م)، ونزلت إليه ونظرت فيه.
 
القبو الذي فيه بئر زمزم
ثم إني شاهدت مضخة عمودية ـ مطلية بالدهان الأزرق ـ منصوبة داخل البئر لكنها لا تعمل، كما شاهدت عدة صنابير للماء، ينزل منها الماء بقوة عند فتحها، فكان الحجاج يشربون من هذا الماء، ويلقون قسماً منه بالأكف على الرأس وباقي أنحاء الجسم للتبريد.
 
مضخة عمودية منصوبة داخل بئر زمزم
وأما في عام (1424هـ/2003م)، فقد ارتأت الدراسات الخاصة بالمسجد الحرام ضرورة تغطية مداخل قبو زمزم؛ للاستفادة من صحن المطاف الذي يغص بالمعتمرين والحجاج في فترات الذروة، فتمَّ تسقيف مداخل القبو المؤدية للبئر، وتنحية صنابير الماء إلى جانب صحن المطاف، وقد أُشير إلى موضعه بدائرة مكتوبة فيها: بئر زمزم، كم يظهر في الصورة أدناه:
 
إشارة إلى موضع بئر زمزم في صحن المطاف بعد طمه
ومن ثمَّ أُزيلت هذه الإشارة اليتيمة إلى بئر زمزم من صحن المطاف، ليضيع خبر البئر بالمرة، فلا أحد يعرف به، ولا يلتفت إليه.
وذكر موقع دنيا الوطن الألكتروني:
(وكانت رئاسة شؤون الحرمين الشريفين ـ وهي الجهة التي تتولى مسؤولية العناية بالمسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة ـ قد أكملت مؤخراً مشروع توسعة صحن الطواف المحيط بالكعبة المشرفة؛ ليستوعب الآن نحو ثلاثة أضعاف عدد الطائفين عما كان في السابق.
وقامت بردم مدخل البئر السابق، المقام إلى الجنوب الشرقي من واجهة الكعبة المشرفة، وتسقيف سطحه المفتوح ليدمج مع صحن الطواف، ونقل المدخل إلى خارج الحرم من جهة الصفا في المسعى باتجاه جبل أبي قبيس. ويهدف المشروع لمواجهة كثافة أعداد الحجاج والمعتمرين بعد موافقة الحكومة السعودية على فتح باب العمرة، واستقبال نحو (10) ملايين معتمر طوال تسعة أشهر من السنة)[15].

أكاذيب آل سعود
من الملاحظ إن الحاج والمعتمر أينما يذهب، وأينما يتجه من المسجد الحرام وما حوله، يشاهد بكثرة لا مثيل لها، صنابير ماء زمزم، ومحطات توزيع ماء زمزم، وسبيل ماء زمزم، فضلاً عن الحافظات "الترامس" لماء زمزم المنتشرة في كل أرجاء المسجد الحرام.
 
صنابير ماء زمزم تحت جبل أبي قبيس

 
سبيل زمزم قرب محبس الجن

 
حافظات "ترامس" ماء زمزم داخل المسجد الحرام

 
لوحة إرشادية
إن المرء ليعجب كيف لبئر (أفادت الدراسات أن العيون المغذية للبئر تضخ ما بين 11-18,5 لتراً من الماء في الثانية)[16] أن يستجيب لطلبات كل هذه الأعداد المليونية من الحجاج والمعتمرين من الماء يومياً، وعلى مدار العام بلا انقطاع أبداً.
وبحساب دقيق فإن العيون المغذية للبئر تضخ في الساعة الواحد:
11 × 60 = 660 لتراً كحد أقل في الساعة.
18,5 × 60 = 1110 لتراً كحد أكثر في الساعة.
وتضخ في اليوم الواحد:
660 × 24 = 15840 لتراً كحد أقل.
1110 × 24 = 26640 لتراً كحد أكثر في اليوم.
وبالتقريب فإن العيون المغذية لبئر زمزم، تضخ في اليوم الواحد ما بين (16-27) متراً مكعباً من الماء، فمن أين (ظهر مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لسقيا زمزم بمنطقة كدي بمكة المكرمة، بطاقة استيعابية تبلغ خمسة آلاف متر مكعب من ماء زمزم يومياً، وإنتاج ما لا يقل عن 200 ألف عبوة بلاستيكية يومياً سعة كل عبوة 10 لترات.
ويضمن المشروع نقاء مياه زمزم، عبر تعبئته آلياً بأحدث الطرق العالمية التي عرفت في تعبئة مياه الشرب (AS/RS)، وتبلغ الطاقة المركبة لمحطة التصفية (5) ملايين لتر يومياً، عبر خطوط تصفية، كل خط يتكون من مجموعة من الفلاتر الخاصة بتصفية المياه، ووحدة تعقيم في نهاية كل خط، ويشتمل المشروع على خزان رئيس يتسع لـ (10) ملايين لتر من المياه، المنتجة بحيث تضخ منه المياه بواسطة مضخات المياه المنتجة وعددها (4) مضخات إلى الحرم المكي الشريف عبر خط ناقل قطره (200) ملم من الستانلس ستيل أنشئ حديثاً مع المشروع، ويوجه قسم من إنتاج محطة التصفية وقدره مليوني لتر يومياً ما يعادل (200) ألف عبوة يومياً، إلى مصنع التعبئة مباشرة ليعبأ في عبوات بسعة (10) لترات)[17].
وكذلك وصف المهندس يحيى كوشك ـ وهو يحمل شهادة الدكتوراه في هندسة البيئة من جامعة واشنطن الأميركية العام 1971م ـ مصادر مياه بئر زمزم وفق التحديد الذي قام به مع الفريق العلمي الذي رأسه عام (1400هـ/1980م)، ونشر نتائجه في كتابه "زمزم" بقوله: (المصدر الرئيسي فتحة تحت الحجر الأسود مباشرة وطولها 45 سم، وارتفاعها 30 سم، ويتدفق منها القدر الأكبر من المياه. والمصدر الثاني فتحة كبيرة باتجاه المكبرية ـ مبنى مخصص لرفع الأذان والإقامة مطل على الطواف ـ وبطول 70 سم، ومقسومة من الداخل إلى فتحتين، وارتفاعها 30 سم.
وهناك فتحات صغيرة بين أحجار البناء في البئر تخرج منها المياه، خمس منها في المسافة التي بين الفتحتين الأساسيتين وقدرها متر واحد. كما توجد 21 فتحة أخرى تبدأ من جوار الفتحة الأساسية الأولى، وباتجاه جبل أبي قبيس من الصفا والأخرى من اتجاه المروة.
ويبلغ عمق البئر 30 متراً على جزئين، الجزء الأول مبني عمقه 12,80 متر عن فتحة البـئر، والثاني جزء منقور في صخر الجبل وطوله 17,20 متر. ويبلغ عمق مستوى الماء عن فتحة البئر حوالي أربعة امتار، وعمق العيون التي تغذي البئر عن فتحة البئر 13 متراً، ومن العيون إلى قعر البئر 17 متراً.
ويقول عند حديثه عن ضخ مياه زمزم: بعد أن وضعت أربع مضخات قوية جداً، كانت تعمل على مدار 24 ساعة، وبمعدل ضخ وصل إلى 8000 لتر في الدقيقة. كان منسوب المياه من الفوهة 3,23 متر، وكانت القراءة تتم كل نصف دقيقة، حتى وصل منسوب المياه في داخل البئر إلى 12,72 متر، ثم وصل إلى 13,39 متر، وفي هذا العمق توقف هبوط الماء في البئر، ولما تمَّ توقيف المضخات بدأ الماء يرتفع حتى وصل إلى 3,9 متر خلال إحدى عشرة دقيقة)[18].
إن هذه الأرقام التي ذكرها المهندس يحيى كوشك لا يمكن قبولها وتصديقها بالمرة، فقد ذكر بأن معدل الضخ (8000) لتر في الدقيقة وعلى مدار (24) ساعة، يعني:
8000 × 60 = 480000 لتر في الساعة.
480000 × 24 = 11520000 لتر في اليوم.
أي (11520) متر مكعب، بينما نجد أن حجم بئر زمزم من الفوهة إلى القاع لا يتعدى (94,2) متر مكعب، وذلك باحتساب قطر البئر (2) متر.
الحجم = النسبة الثابتة/4 × القطر تربيع × الارتفاع
          = 3,14/4 × 2^2 × 30
          = 0,785 × 4 × 30
          = 94,2 متر مكعب
 
رقبة بئر زمزم بطوقها وغطائها وتظهر في الصورة:
بكرة لرفع الماء يعود تاريخها لأواخر القرن الرابع عشر الهجري
وكذلك سطل نحاسي مؤرخ عام 1299ه/1882م.
فكيف يستوعب بئر لا يتعدى حجمه (94,2) متراً مكعباً (11520) متر مكب من المياه تضخ يومياً!، وكذلك فإن هذا الرقم يتنافى مع (مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لسقيا زمزم بمنطقة كدي بمكة المكرمة، بطاقة استيعابية تبلغ خمسة آلاف متر مكعب من ماء زمزم يومياً، وإنتاج ما لا يقل عن 200 ألف عبوة بلاستيكية يومياً سعة كل عبوة 10 لترات)[19].
إن هذه الأرقام المليونية وكذلك التضارب فيما بينها، تدعونا لتكذيب آل سعود، فيما يدَّعون بأن هذا الماء الموجود في المسجد الحرام هو ماء زمزم، بل هو ماء عادي يتم ضخه إلى المسجد والمناطق المحيطة به، وأن بئر زمزم قد تمَّ ردمه وتضييعه من قبل آل سعود، بحجة توسعة صحن المطاف، وعدم التضييق على الحجاج والمعتمرين.

* الهوامش
[1] دنيا الوطن: زمزم بئر الماء الوحيدة في العالم التي تشرف عليها وزارة بترول، بتاريخ 29/1/2004م.
[2] الموسوعة الحرة ـ ويكيبيديا ـ: بئر زمزم.
[3] بئر زمزم ـ موقع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
[4] موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب ـ أيوب صبري باشا: ج1، ص223-225، الوجهة الثانية، الصورة الخامسة، أسماء زمزم الشريف.
[5] راجع:
- أخبار مكة ـ الفاكهي: ج2، ص67-68، ذكر أسماء زمزم.
- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ـ الفاسي: ج1، ص334-335، الباب العشرون في ذكر شيء من خبر زمزم وسقاية العباس، ذكر أسماء زمزم.
- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ـ الشامي: ج1، ص185-186، الباب السابع في فضائل زمزم، ذكر بعض أسماء زمزم.
[6] شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ـ الفاسي: ج1، ص335، الباب العشرون في ذكر شيء من خبر زمزم وسقاية العباس، ذكر أسماء زمزم.
[7] تفسير القمي ـ علي بن إبراهيم: ج1، ص60-61، سورة البقرة: الآيات 124 إلى 126.
[8] تاريخ الأمم والملوك ـ الطبري: ج1، ص179، ذكر أمر بناء البيت.
[9] أخبار مكة ـ الأزرقي: ج1، ص581، باب ذكر غور زمزم وما جاء في ذلك.
[10] شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ـ الفاسي: ج1، ص331، الباب العشرون في ذكر شيء من خبر زمزم وسقاية العباس، ذكر ذرع بئر زمزم وما فيها من العيون وصفة الموضع الذي هي فيه الآن.
[11] مرآة الحرمين ـ رفعت باشا: ج1، ص255-257، المسجد الحرام، بئر زمزم.
[12] تاريخ عمارة المسجد الحرام ـ حسين عبد الله باسلامة: ص147-148، بئر زمزم.
[13] بئر زمزم ـ موقع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
[14] راجع:
- أخبار مكة ـ الأزرقي: ج1، ص547-548، باب ما في إخراج جبريل (عليه السلام) زمزم لأم إسماعيل (عليه السلام).
- مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ـ ابن فضل الله العمري: ج1 ص98، ب1، ف6، الآثار البينة في أقطار الأرض، المساجد الثلاثة، ذكر الكعبة.
- شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام ـ الفاسي: ج1، ص329، الباب العشرون في ذكر شيء من خبر زمزم وسقاية العباس، ذكر حفر بئر زمزم وعلاجها.
- موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب ـ أيوب صبري باشا: ج1، ص216، الوجهة الثانية، الصورة الخامسة، كيف ظهر بئر زمزم الشريف.
- مرآة الحرمين ـ اللواء إبراهيم رفعت باشا: ج1، ص256، المسجد الحرام، بئر زمزم.
- تاريخ عمارة المسجد الحرام ـ حسين عبد الله باسلامة: ص139، بئر زمزم.
[15] دنيا الوطن: زمزم بئر الماء الوحيدة في العالم التي تشرف عليها وزارة بترول، بتاريخ 29/1/2004م.
[16] الموسوعة الحرة ـ ويكيبيديا ـ: بئر زمزم.
[17] جريدة الرياض: تـطـويـر بـئـر زمــزم، الأحد 16/صفر/1439هـ -5/تشرين الثاني ـ نوفمبر/2017م.
[18] دنيا الوطن: زمزم بئر الماء الوحيدة في العالم التي تشرف عليها وزارة بترول، بتاريخ 29/1/2004م.
[19] جريدة الرياض: تـطـويـر بـئـر زمــزم، الأحد 16/صفر/1439هـ -5/تشرين الثاني ـ نوفمبر/2017م.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عبد الامير النجار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/08/01



كتابة تعليق لموضوع : ردم بئر زمزم
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net