صفحة الكاتب : كاظم فنجان الحمامي

أسلحة التضليل الشامل صناعة قديمة طورتها المؤسسات الدولية الاستعلائية واستثمرتها الحكومات المحلية
كاظم فنجان الحمامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أصبحت صناعة التلفيق والتضليل من أهم الصناعات السرية الرائجة في دهاليز المؤسسات الاستعلائية المهيمنة على العالم, وربما حصلت الحكومات المحلية على امتيازات خاصة لإدارة بعض خطوطها الإنتاجية على الصعيد الإقليمي 

فنجحت في تسويق هذه الصناعة, واستعانت بها في تضليل الناس والتلاعب بعقولهم 

وانتشرت أوكارها الهجومية في معظم القارات حتى تحولت إلى ثكنات إعلامية تضاهي الثكنات العسكرية من حيث القوة التدميرية الشاملة فتغير عنوانها إلى 

أسلحة المكر الشامل 

Weapons of Mass Deception 

  

  

كاظم فنجان الحمامي 

  

ربما كان (روبرت بوجسلاو) أول من تطرق إلى تقنيات أسلحة المكر والتضليل الشامل, وأول من استعرض أساليب التلاعب بالعقول في كتابه الموسوم (أنظمة القوة, وقوة الأنظمة), وربما سبقه في هذا المضمار الكاتب (ميشيل تانزر) بكتابه الذي حمل عنوان: (المجتمعات المريضة), بيد ان أفضل من تحدث عنها هما الكاتبان (كاري, وكيورك) في كتابهما (تاريخ المستقبل), إما أحدث المؤلفات, التي تناولت هذه الصناعة وتعمقت في شرحها, فهو كتاب (المتلاعبون بالعقول) للكاتب الكبير (هربرت شيللر), بيد ان ما تناوله الدكتور (ذياب فهد الطائي) في كتابه الموسوم (التضليل الإعلامي من صناعة الخبر إلى صناعة السينما), الصادر عن دار الينابيع بدمشق عام 2011 يعد من أروع المؤلفات العربية في هذا المضمار,  وقرأت مؤخرا مقالة تحليلية رائعة للدكتور (معن الطائي), بعنوان (صناعة الخبر وأساليب التضليل الإعلامي), استعرض فيها أهم فصول الكتاب, الذي يفترض أن يكون من المقررات الدراسية في الكليات والمعاهد الإعلامية والتربوية ولكافة التخصصات, لما يشتمل عليه من مادة علمية رصينة, وأمثلة واقعية وإحالات عملية, ونماذج متنوعة من الأخبار المنقولة عن الصحف والإذاعات والقنوات العربية والأجنبية, صاغها الكاتب (ذياب الطائي) بأسلوبه الأدبي المشوق, وبالمستوى الذي يشد القارئ العادي, ويهدي الباحث المتخصص إلى مكامن الخطورة في هذه الصناعة الإعلامية المدمرة, ولا نغالي إذا قلنا أنه يعد إضافة مرجعية للطلبة والمتخصصين في شؤون الصحافة والإعلام, لما يقدمه لهم من معلومات مقتبسة من واقع الممارسات اليومية لوسائل الإعلام, ويمنح القارئ مهارات ذاتية تميزه عن غيره في تفسير ما يسمعه وتحليل ما يقرأه. . 

 

  

  

سائسو العقول 

  

بلغ التضليل الإعلامي أعلى درجاته في الولايات المتحدة بوصفة أداة للهيمنة, بحيث تنامت القوى المتحكمة بوسائل الإعلام, حتى صارت حرفة سائسي العقول من الحرف الجديدة المضافة إلى أساليب الخداع والمداهنة في السيرك السياسي, فتحول رجال السياسة إلى سائسي عقول من الطراز الأول, وجنحت أفكارهم نحو استحداث بيانات مزيفة, ونشر أكاذيب مضللة يراد بها التمويه والتشويش, تمهيدا لتطويع عامة الناس والتلاعب بعقولهم, الى المستوى الذي يجعلهم يدلون بأصواتهم ضد مصالحهم الوطنية الخاصة, ويكررون المواقف المعادية لأنفسهم, من دون أن ينتبهوا إلى حجم الكوارث التي لحقت بهم, وكانوا هم الطرف المتضرر في التأمر على أنفسهم من دون أن يدركوا أن التضليل الإعلامي هو الذي قادهم إلى حتفهم, وهو الذي تعامل معهم كمتفرجين تكيفوا مع الأجواء المزيفة. . 

 

وجد سائسو العقول ضالتهم في تكرار السرد التاريخي لوقائع منتخبة من الماضي السحيق, فأعادوا صياغة تفاصيلها القديمة من اجل تحقيق هدف محدد هو السيطرة على عقول الناس, وتشفير أدمغتهم باتجاه تأجيج جذوة النعرات الطائفية على نحو غير محسوس, من خلال أساليب معقدة تبنتها الفضائيات الكثيرة, وتضاعف تأثيرها بمرور الزمن, من دون أن يدرك الناس أنهم وقعوا تحت تأثير التضليل, مع الأخذ بنظر الاعتبار ان تقنيات الفضائيات المتطورة يمكن ان تضيف بذاتها بعدا جديدا إلى العملية التضليلية, التي تتسم دائما بطابع التكرار الآلي في البث المرئي (آلية طلقات المدفع), لمواضيع كثيرة ذات أواصر مشتركة, تتمركز معظمها على الأوضاع الجارية في بلد بعينة, أو في مجموعة من البلدان, خذ على سبيل المثال حيثيات (الربيع العربي), وراقب التكرار الآلي للمقاطع الإخبارية المنتخبة, وكيف يجري تسويقها بعناية, مع وجوب الانتباه إلى اللقطات الكاذبة المحشورة ضمن اللقطات العامة. .      

  

الإصرار والتكرار والاجترار 

  

تصر الفضائيات المسمومة على قراءة عناوين منتقاة من الأخبار, فتكرر إذاعتها مرات ومرات, إلى حد الاجترار, وبما يوحي للناس أنها الحقيقة الغائبة عنهم, بحيث يكون المشاهد مجبرا على تصديق الخبر مهما كان كاذبا أو تافها, وأحيانا تُبث على الهواء وقائع لندوة نقاشية مفتوحة, يتحدث فيها الجميع عن موضوع واحد, بلسان واحد, ورأي واحد, وكأنهم فرقة أنشاد مدربة على الغناء الجماعي, تؤدي ترنيمة واحدة على إيقاع واحد يراد منها تضليل المستمع والمشاهد, فإذا سنحت لك الفرصة لمتابعة ما تبثه الجزيرة من برامج ستكتشف بنفسك واحدة من أغرب أساليب الإصرار والتكرار, وستدرك حينئذ انك أمام حالة تضليلية في غاية الخطورة, يراد منها التشويش على عقل المشاهد, وتشويه صورة الحقيقة, حتى يستسلم تماما ويفقد قدرته على التمييز, فيؤمن بما تبثه قنوات التضليل من أكاذيب تلقاها على شكل دفعات إخبارية متلاحقة بسيل يتفجر بالمعلومات المبهرة المزيفة, من دون أن تمنحه أية فرصة للتفكير والتحليل والتأمل, ما يؤدي إلى تكريس السلبية لدى المتلقي, ولا خيار أمامه سوى الاستسلام للوعي المبرمج, أما إذا أراد الطعن والاعتراض على ما يجري أمامه من فكر مشوش, فإنه سيصبح من ضمن الأقلية المعزولة عن المجتمع, وربما يُتهم بالغباء وقلة الإدراك, وقد يبدو مغفلا إذا سولت له نفسه تكذيب الخبر, وبالتالي سيلجأ إلى إخفاء تساؤلاته, ليواكب الآراء المشفرة. . 

 

لقد قطعت الفضائيات المسمومة شوطا كبيراً في إبطال الحق, وإحقاق الباطل, وتقريب البعيد, وإبعاد القريب, وتشويه صورة الصديق حتى تراه عدوك, وتجميل صورة العدو حتى تراه صديقك. . 

  

التغاضي والتغافل 

  

ربما كان التغاضي عن الجرائم الدولية الكبرى هو المسعى الحقيقي لوسائل الإعلام الخبيثة, فقد تغاضت الفضائيات عن التدخل الأمريكي المباشر في شؤون العالم العربي, وتغاضت عن المشاريع الامريكية التوسعية التي صرحت بها أمريكا بعظمة لسانها, وتغاضت عن مشاريع التقسيم والتجزئة, وتغاضت عن التواجد العسكري الأمريكي المكثف في المنطقة, وحتى لا يذهب بنا التفكير بعيدا, لاحظوا كيف تعاملت الجزيرة والعربية مع أزمة البدون, الذين استنشقوا نسيم الربيع العربي, فاستيقظوا من سباتها لتندلع من جديد على غرار المظاهرات والاعتصامات العربية التي تخصصت بها هاتين الفضائيتين, لكنها تعمدت تجاهل المواجهات الدامية التي وقعت في شوارع (تيماء) و(الجهراء) يوم الجمعة المصادف  13/1/2012, ولم تتطرق لها لا من بعيد ولا من قريب, فما بالك بما تفعله وكالات الأنباء الامريكية من طمس وتغييب وتجاهل وإهمال وتغاضي وتغافل للازمات والأحداث المصيرية الكبرى وتداعياتها الثقيلة. . 

 

  

الفبركة والأمركة 

  

الفبركة لمن لا يعرفها, تشمل جميع العمليات التقنية التي تتلاعب بمواصفات الأفلام الوثائقية, فتضيف بعض اللقطات الكاذبة, أو تقطع بعض الوقائع المصورة وتحذفها وتلقي بها في سلة المهملات, أو تقحم بعض المؤثرات الصوتية أو الصورية, أو تفصل الصوت عن الصورة لتجرد الفلم من مادته الإعلامية, وقد تضطر إلى تصنيع بعض الأفلام التمويهية للخبر. 

أما الأمركة فلا تحتاج إلى تعريف, لأنها سمة الحروب والكوارث والنكبات المعاصرة, وهوية النظام الأمريكي بصورته الاستعلائية البشعة, وربما كانت أمريكا أول من استعانت بالفبركة, فتسلحت بها لكي تشوش أفكار الناس, وتضللهم, وتتلاعب بعواطفهم. .   

 

فالغرض من الفبركة هو طمس الحقيقة, وإثارة الفتن والصراعات القومية والطائفية, وتأجيج عواطف الناس. . 

ولابد لنا من الاستفادة من مصافي (سقراط) للوقوف على صحة الأخبار المنقولة, فالمصفاة الأولى: تتطلب التحري عن مصداقية الخبر من مصادره, والمصفاة الثانية تتطلب البحث عن مواطن الخير والشر في ما نسمعه ونراه على الشاشة, والمصفاة الثالثة تتطلب معرفة الفوائد المرجوة من تكرار مثل هذه الأخبار وتداولها, عندئذ يمكننا الاطمئنان لصحة الأنباء الواردة والوثوق بها, فالفرز العقلي مطلوب عند التعامل الحذر مع القوى الإعلامية المتسلطة, وربما تساعدنا أدوات الفرز في غربلة موجات الأخبار المثيرة المتلاحقة. .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم فنجان الحمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/02/01



كتابة تعليق لموضوع : أسلحة التضليل الشامل صناعة قديمة طورتها المؤسسات الدولية الاستعلائية واستثمرتها الحكومات المحلية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net