صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

الرهانُ على فلسطينَ يحفظُ الأمةَ ويصونُ الكرامةَ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ليس لأني فلسطيني وأحب بلادي، فشعوب الأمة العربية والإسلامية جميعاً يحبون فلسطين ويعشقون أهلها، ويضحون في سبيلها، ولا يترددون في حمايتها والدفاع عنها، فحبهم لها صادق، وتعلقهم بها كبير، وأملهم باستعادتها يقينٌ، ورجاؤهم بتحريرها إيمانٌ وتسليمٌ، وإنهم ليبزون أهل فلسطين في حبها، ولا يقلون عنهم تعلقاً بها ووفاءً لها، فهم عليها يجتمعون، ونداءها يلبون، ونصرةً لها يخرجون، وغضباً لأجلها يتظاهرون، وحزناً عليها يبكون، وإليها جميعاً يتطلعون لأن يكونوا جنوداً مقاتلين في معركة تحريرها، أو مساهمين في الإعداد لها، وكلهم يمنون أنفسهم للصلاة في أقصاها، وزيارة مقدساتها، والرباط على أرضها، فهي حلم الأجيال وأمل الأمة كلها، الناطقين بالعربية وبغيرها من كل لغات الكون.

العمل الصادق لفلسطين وفي سبيل تحريرها يرضي الشعوب، ويطمئن المواطنين، ويوحد الأمة ويرص صفوفها، ويقوي عزمها ويشد أزرها، ويخلق حالةً من الهدوء والاستقرار، والتجانس والتناغم والعيش الآمن، فالأمة كلها بكل أطيافها وأجناسها، وطوائفها ومذاهبها، وأفكارها ومعتقداتها، تريد أن تنشغل بفلسطين وأن تعمل من أجلها، إذ أن القضية الفلسطينية في مقدمة أولوياتها، وعلى رأس اهتماماتها، فهي تسبق القضايا الوطنية، وتتقدم على الهموم الشعبية، ولعل الفقراء والبؤساء قبل الأغنياء والأثرياء، يعطون فلسطين ويدعمون أهلها من قوت أطفالهم ورزق عيالهم، ولا يترددون في حرمان أنفسهم والتضييق على حياتهم، في سبيل أن تنعم فلسطين بالحرية وأهلها بالكرامة.

يخطئ بعض قادة الأمة العربية والإسلامية عندما يظنون أن التخلي عن فلسطين يريحهم، والانقلاب عليها يخلصهم من همومهم، والابتعاد عن قضيتها ينهض بأحوالهم ويحسن ظروف حياتهم، وأن النأي عن القضية الفلسطينية يخدم قضاياهم الوطنية، ويقلل من مشاكلهم اليومية، ويلهي الأعداء عنهم ويتوقف عن التآمر عليهم، وما علموا أن ضريبة التخلي عن فلسطين أكبر، وعبء الابتعاد عنها أكثر، وأن حجم الأتاوات والخوات والابتزازات التي يجبرون على دفعها لأعداء الأمة وخصومها، لا يساوي شيئاً أمام ما يؤدونه من زكاةٍ لأموالهم، وتنقيةً لخيراتهم، لفلسطين وأهلها ومقدساتها، دعماً لهم في تحريرها واستنقاذها من غاصبيها.

ويخطئون أكثر، بل ويجرمون في حق أنفسهم وحق أمتهم، ويخرجون من دينهم وينقلبون على معتقداتهم، ويخونون أماناتهم ويفرطون في قيمهم، عندما يوالون العدو ويصدقونه، ويؤمنون به ويتبعونه، ويتحالفون معه ويهادنونه، ويستقبلونه في بلادهم ويستضيفونه، ويطبعون العلاقات معه ويسالمونه، ويرفعون فوق أرضهم وفي سماء بلادهم أعلام العدو الغادر، ويستقبلون في فنادقهم ومساجدهم رموزه القاتلة وجنرالاته المجرمة وقادته العنصرية، ويسمحون للفرق الموسيقى بأن تعزف نشيدهم القومي، وهو النشيد الذي يتوعد الأمة كلها، ويتطلع إلى النيل منها والسيطرة عليها، وكأنهم يؤمنون بما يتطلع إليه، ويوافقون على ما يخطط له ويريده.

 

ولعلهم يصابون بالجنون والسفه، وقلة العقل والهبل، وانعدام الخبرة وقلة التجربة، عندما يظنون أن العدو سيحميهم، وأنه سيقف معهم وسيدافع عنهم، وأنه سيكون حليفهم في المعركة، وشريكهم في الحرب، وسندهم في القتال، يعينهم على إخوانهم، ويساعدهم على جيرانهم، وينتصر لهم على شركائهم في المنطقة ونظرائهم في التاريخ والحضارة، وأنه سيكون معهم صادق الولاء، أمين العهد، وفيَّ الوعد، وأنه سيكف عدوانه، وسيتوقف غدره، وسينتهي طمعه، ففتحوا له أبواب خزائنهم، وحسابات بنوكهم، بعد أن سمحوا له بأن يعيث في بلادهم فساداً، ويتدخل في شؤونهم خراباً، إذ قبلوا به خبيراً ومستشاراً، ومستثمراً ومضارباً، فتسلل إلى الشركات الخاصة والمؤسسات الوطنية، والهيئات السيادية، فاخترقها بتكنولوجيته، وسلبها معلوماتها بخبرته، وربط مصيرها به بخبثه ومكره، حتى غدا هو المشغل والمعطل، وصاحب الأمر والقرار.

لو علم المرشحون للرئاسة، والمتطلعون للسلطة، والطامحون إلى المجد، والراغبون في الشهرة والقوة، أن السبيل الأفضل إليها كلها هو عبر فلسطين، ومن خلال العمل لها والصدق معها، ما كانوا تأخروا لحظة أو امتنعوا يوماً، ولكنهم يضلون الطريق ويخطئون السبيل، ويسلكون سبلاً معوجة، وطرقاً شائكة، ويردون موارد قذرة، ويلتمسون العون عند من لا يملكه، ويرجون السند ممن لا يعرفه، ونسوا أن الخالدين في التاريخ والباقين في الذاكرة، هم الذين يمموا شطر فلسطين، وشدوا إليها الرحال، وامتطوا صهوات الجياد نحو القدس، وأعدوا العدة وهيأوا الأمة لمعركة التحرير، فكان بعد فتح الفاروق عمر الأول قادسيةُ سيف الدين قطز، وحطين البطل صلاح الدين، إذ توجهوا كلهم بأنفسهم وجيوشهم إلى فلسطين، فصنعوا للأمة نصراً عزيزاً نتطلع إليه، وجلبوا لها مجداً تليداً نتغنى به ونَحِنُ إليه، فهل تعيدُ الأمةُ بأمثالهم مجدهم، وتستعيد قدسهم، وتطهر مسجدهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/10/14



كتابة تعليق لموضوع : الرهانُ على فلسطينَ يحفظُ الأمةَ ويصونُ الكرامةَ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net