صفحة الكاتب : ابراهيم بن مدان

جدل الحريات الفردية في المغرب بين الديني والمدني
ابراهيم بن مدان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هناك جدل واسع بالمغرب اليوم يتعلق بالحريات الفردية. فالكل أصبح معني بما يدور حول هذا النقاش الذي أصبحنا نسمعه ونقرؤه ونراه بكثرة في التلفاز والجرائد والراديو ووسائل التواصل الاجتماعي وغيره. فإذا أردنا أن نغوص أكثر في هذا الموضوع يمكننا اعتبار أن الجدال الحاصل حول الحريات الفردية هو بين تيارين أساسيين في المجتمع هما: التيار المحافظ والتيار الذي يُحسب على الحداثيين، فالأول يرى أن هذه الممارسات تسيء إلى الدين الإسلامي الذي يعتنقه غالبية المغاربة وتضرب في هوية وتقاليد المجتمع المغربي وبالتالي عدم قبوله، وقد عبر مصطفى الرميد وزير العدل والحريات السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية الإسلامي سنة 2015 إلى أنه سيستقيل من منصبه إذا سمح القانون بالجنس خارج إطار الزواج.

 في حين يرى أصحاب التيار الأخر أي "الحداثيين" أن هذه القوانين متخلفة ورجعية، فالناشط الحقوقي أحمد عصيد اعتبر أن القانون الجنائي بالمغرب الذي يُحرم هذه الحريات الفردية، متخلف ورجعي واصفا التيار الإخواني بأنه يقف دائما حجر عثرة أمام الحريات الفردية، في حين ذهب الباحث السوسيولوجي عبد الصمد الديالمي في مداخلة له في ندوة حول الحريات الفردية احتضنها حزب التقدم والاشتراكية إلى أن الحريات الجنسية بالمغرب ممنوعة ولكنها تُمارس بشكل يومي، ما يعني أن المغاربة "لصوص جنسيون" يسرقون متعا ممنوعة.

العديد من الحقوقيين يعتبرون أن الدولة ليس لها حق التدخل في ما يخص الحريات الفردية للأشخاص؛ هذه الحريات التي تتضمن المثلية، العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، الإفطار العلني إلخ. فالقانون الجنائي المغربي يتضمن فصول تعاقب على تلك الممارسات لأن الدستور المغربي في الفصل الثالث منه ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة. لكن الحقيقة التي ينساها أو يحاول هؤلاء الحقوقيون المدافعون عن الحريات الفردية تناسيها هو أن المجتمع المغربي إلى حدود الأن لم ينضج بعد لهذه القوانين التي ينادون بها والدليل هو أن مجلة ليكونوميست نشرت استطلاعا للرأي بين أن حوالي 76 في المئة من المغاربة هم ضد الإجهاض هذا مع العلم أن 1000 عملية إجهاض تتم بشكل يومي بمختلف ربوع المملكة حسب ما تشير إلى ذلك بعض الإحصاءات.

فالمجتمع يمارس نوعا من النفاق الاجتماعي بمعنى أنه يمارس أشياء في السر لكنه يتبرأ منها في العلن ويندد بها. عالم الاجتماع العراقي د. علي الوردي قال: " لو خيرت العرب بين دولة دينية ودولة علمانية لصوتوا للدينية وذهبوا للعيش في العلمانية"، بمعنى أنه من الصعب تنزيل مثل هذه القوانين وخصوصا في هذه الظرفية بالتحديد مع مواطنين نخرهم الجهل والأمية والفساد، ما شكل بيئة خصبة لأصحاب التيار الديني لاستغلال هذه الأمور لصالحهم من أجل التغلغل أكثر وأكثر داخل هذا المجتمع وبث خطاباتهم وأفكارهم التي تحرم هذه الحريات الفردية وتعتبرها من الأشياء المحظورة والتي يمنع نقاشها فضلا عن تقبلها. الشيء الذي أفرز لنا نوعا من المواطنين ما إن يسمع بالحريات الفردية أو العلاقات الرضائية حتى يتبادر إلى ذهنه إشاعة الجنس أو الثورة الجنسية كما يطلق عليها الفيلسوف ميشيل فوكو دون ضوابط أو حدود.

وبالتالي فحل مشكلة الحريات الفردية يكمن بالدرجة الأساس في التعليم والتثقيف ووضع البيئة المناسبة لذلك لأن البيئة هي الأساس، إذ لا معنى لقانون يبيح الحرية الفردية مع أشخاص يمارسون هذه الحرية خفية ويعارضونها جهرا، بمعنى أن هذا لا يتم إلا إذا اتحد المثقفون والمتنورون من أجل مواجهة الأفكار الدينية الخاطئة بالدراسة والنقد والتحليل العلمي، هذه الأفكار هي التي يستغلها أصحاب التيار الديني لصالحهم من أجل ضرب معارضيهم والتحريض عليهم، ومن هنا كانت جل الثورات والإصلاحات في الماضي تهدف إلى فصل الدين عن الدولة والسياسة حتى لا يبقى الدين حكرا على فئة من الناس تستغله لصالحها، دون هذا الطريق الذي هو طريق المواجهة بالعلم والثقافة والفكر، فسيبقى المدافعون عن الحريات الفردية يغمسون خارج الصحن دائما وأبدا.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابراهيم بن مدان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/10/24



كتابة تعليق لموضوع : جدل الحريات الفردية في المغرب بين الديني والمدني
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net