الهدنة
محمد عبد الجبار الشبوط

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بعد اكثر من اربعين يوما على اندلاع التظاهرات الاحتجاجية في بعض مدن العراق اجتمع "قادة" ١٢ كتلة سياسية برلمانية  (بغياب  غيرهم) ليضعوا خارطة طريق للخروج من  "الازمة" في بيان تضمن ٨٦٣ كلمة،  جسدت كل عيوب التاسيس التي تعاني منها الدولة العراقية  منذ عام ٢٠٠٣. 

العيب الاساسي في مجموعة ال ١٢ انها تتصرف وكانها مجلس قيادة ثورة، او لجنة اوصياء، حيث اصدروا توجيهاتهم الى الحكومة والبرلمان ، دون ان يكون لهم اي وضع دستوري  ومؤسساتي وديمقراطي  شرعي، بل ان بعضهم غير منتخب حتى داخل حزبه، وبعضهم انتخب لمجلس النواب لكنه لم يباشر عمله في البرلمان حتى الان، ولم يؤد اليمين الدستورية، وبعضهم مازال يحتل المباني الحكومية دون وجه حق. هذا، رغم ان البرلمان هو اعلى سلطة تشريعية ورقابية في البلد وان مجلس الوزراء  هو الجهة المكلفة  "تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة، والخطط العامة". لقد مثل اجتماع ال ١٢ الدولة العميقة التي تحكم البلد  من وراء مجلس النواب ومجلس الوزراء الشكليين. هذه هي "الدولة العميقة" التي تتحمل كل خراب حل بهذا البلد. 

اجتمع هؤلاء الرجال تحت عنوان راية الحركة الاصلاحية، لكنهم لم يتصرفوا انطلاقا من حقيقة ان الاصلاح يجب ان يبدأ من عيوب التاسيس ذاتها، وهم  يمثلون العيب الاول في الدولة، اعني العمل خارج اطار الدستور والمؤسسات الدستورية للدولة.  اثبت هؤلاء الرجال مرة اخرى انهم رؤوساء احزاب وليسوا  رجال دولة، ومن مثل هؤلاء لا يرتجى اي اصلاح. لان الاصلاح يعني تعزيز دور مؤسسات الدولة على اساس ديمقراطي دستوري سليم، وهم يتصرفون بالضد من هذا حيث يواصلون تهميش  المؤسسات ومخالفة الدستور.

كان يفترض ان يشخص بيان مجموعة ال ١٢ حقيقة الازمة الراهنة وجوهرها، لكن مقدمة البيان كانت ابعد شيء عن هذا. ففضلا عن ان البيان تجاهل حقيقة ان  الطبقة السياسية التي مثلها هؤلاء الرجال هي جزء من المشكلة، او ربما تكون هي جوهر المشكلة كما يرى العديد من المواطنين،  فان كل "الحلول" والاجراءات التي  اقترحوها في البيان  لم تطله ولم تتطرق الى عيوب التاسيس  والممارسة التي يجب معالجتها. الخطوة الاولى في الاصلاح هي تشخيص عيوب التاسيس، واعلانها، والاعتراف بها، وهذا ما لم يقم به الرجال ال١٢.  

كان على بيان الكتل السياسية ان يعلن عن ادراكها الان ان التظاهرات الاحتجاجية هي الارتداد العكسي الطبيعة لعيوب التاسيس والممارسات الفاسدة التي تراكمت على مدى ١٦ عاما وانتجت دولة فاشلة وبرلمانا عاجزا وحكومة معاقة الامر الذي منع من تحسين حياة الناس وتطوير الخدمات واقامة دولة حضارية حديثة على اساس المواطنة والديمقراطية والقانون العادل والمؤسسات الفاعلة والعلم الحديث.

وانطلاقا من هذا التشخيص كان على الكتل السياسية ان تعلن ان الطريق الى انجاز الاصلاح الحقيقي يمر فقط من خلال اعادة هيكلة الدولة بنبذ المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية، والتخلي عن الاستحقاق الانتخابي في تقاسم مناصب الدولة ومواقعها ودرجاتها الخاصة، وترك التوافقية، والشروع بذلك باعتماد نظام الانتخاب الفردي. وبناء على ما تقدم،  كان على المجتمعين الاعلان عن تطبيق المادة ٦٤ القاضية بحل مجلس النواب واعتبار الحكومة حكومة تصريف اعمال واجراء الانتخابات خلال ٦٠ بوما على ان يسبق ذلك تشريع قانون الانتخاب الفردي وتشكيل مفوضية انتخابية مستقلة عن الاحزاب. ويقرروا ان يقوم مجلس النواب ومجلس الوزراء الجديدان بالتعامل مع المهمات العاجلة والمتوسطة والبعيدة التي تتطلبها الحركة الاصلاحية الشاملة.

بدلا عن ذلك كله، قاموا باعطاء انفسهم "عطوة" او مهلة ٤٥ يوما دون ان يتاكدوا من موافقة المتظاهرين على اعطائهم هذه المهلة!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد عبد الجبار الشبوط

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/11/19



كتابة تعليق لموضوع : الهدنة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net