سيّد العلوم
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يختلف فلاسفة التأريخ في تحديد العنصر المؤثر في مجريات التأريخ وتغيّره المستمر ، فالفيلسوف هيغل مثلاً يقول بمبدأ الديالكتيك كمولّد أساسي لأجيال تأريخية جديدة والديالكتيك مبدأ فلسفي يعني أن ثمة تناقض داخل الأشياء يحدث بسببه صراع ذاتي مستمر يؤدي الى نتيجة جديدة ومختلفة عن طرفي النقيض ومتقدمة عليهما ..

أما الماركسية فإنها تؤمن بالمادية التاريخية ، اي أن المادة والاقتصاد هو العامل الأكثر أثراً في تحديث تاريخ الشعوب وخاصة وسائل الانتاج وأجيالها المتعاقبة ، فعصر الآلة التي تعمل على الفحم يختلف عن تاريخ عصر آلة البخار وهذا التاريخ يختلف عن عصر الوقود والكهرباء وأخيراً العصر النووي .. وهكذا

ويأتي علماء آخرون فيعطون مؤثرات أخرى تكمن وراء أجيلة التاريخ ، كإبن خلدون مثلاً حيث يعطي للعصبية القبلية أثراً بالغاً في ذلك وكذلك السيد باقر الصدر يعطي للفكر الانساني وتطوره الأثر الكبير في تغيير مجريات التاريخ وأنه يكمن وراء كل تلك الفلسفات.. وهكذا

يبحث الفلاسفة عن مؤثرات تاريخية لأزمان تمتد مئات والاف السنين ، غير أننا نريد أن نبحث عن تلك المؤثرات في عدة عقود ( مئة عام فما دون ) من تأريخ العراق المعاصر وتحديداً منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولحد الآن .

والباحث سوف لا يطول بيده الأمر وسيصل الى النتيجة بسرعة ويسر وسيجد أن السياسة تمثّل فلسفة هذه الفترة التأريخية والمؤثر الرئيسي لها وأن مجريات أمور البلد وتقلباته الاقتصادية والاجتماعية وغيرها تدور مدارها ..
ولو لاحظتم المجتمع العراقي كيف أنه لا يقسّم تأريخ العراق على أساس فكري أو أساس اقتصادي أو وضع اجتماعي معين ، وإنما يقسّمه على أساس سياسي بحت ، فيقول مثلاً ( أيام الملوكية ) و ( أيام عبد الكريم قاسم ) و ( أيام البكر ) ... الخ ، وهذا دليل على أن السياسة هي أهم أسباب أجيلة تأريخ العراق في هذه الحقبة ..
وإذا أردتَ ان تذكر بعض التسميات لتأريخ العراق مثل ، أيام الحرب الايرانية او ايام الحصار او ايام الاحتلال الامريكي او ايام داعش .. الخ كل هذه التسميات هي سياسية وأنها عبارة عن نتائج لتقلبات السياسة في العراق وتجاذباتها المختلفة ..

أقول : لا زالت السياسة بيدها فرشاة هذا البلد ولا زالت تشوّه في ملامحه حتى بات لا يعرفه حتى أهله ، فكل سياسي أساء او ساعد على الإساءة أو لا يستطيع على رد الإساءة فهو مجرم تاريخي للعراق ومشارك في اغتياله وسوف لن تشفع له لا أمواله ولا الجاه الذي حصل عليه كثمن للإنقضاض على هذا البلد ..

وأقول أيضاً : ما دامت السياسة في العراق بهكذا اهمية وهكذا تأثير وأن شؤوننا كلها معقودة بها ، فلماذا لا نتعاطى السياسة بشكلها العلمي والاكاديمي في مدارسنا وحواضرنا التعليمية ، ولماذا لا تكون مادة بحث حوزاتنا العلمية ، لماذا ساسة البلد جاءوا عن طريق الطفرة والقفز على الاختصاص ، فالطبيب يشرع قانون العسكر ، والمهندس يدير وزارة المالية .. !!! الى متى اللعب بتأريخ ومقدرات هذا البلد والعزف على جراحات أهله ..!!

وبعد هذا الحديث نفهم تماماً أهمية قول أرسطو : بأن علم السياسة سيد العلوم

الموضوع السابق جريمة اغتيال قاسم سليماني وتداعياتها

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat